مجلة العلوم الإسلامية

أثـر علوم اللغة في الاستنباط الفقهي

أثـر علوم اللغة في الاستنباط الفقهي

عبد الله علمي

جامعة القاضي عياض مراكش || المغرب

button link=”https://doi.org/10.26389/AJSRP.A050718” color=”orange”] DOI[/button] PDF

Tab title
هدف هذا البحث إلى بيان أثر علوم اللغة في الاستنباط الفقهي، وهي محاولة لربط الدرس اللغوي بالدرس الشرعي. وسار البحث وفق الخطة التالية: بدأ بكشف العلاقة بين علوم اللغة وعلوم الشرع، وذلك ببيان الصلة الوثيقة بين علم البلاغة وعلم أصول الفقه، وهما لب الدرس اللغوي والشرعي، فعليهما مدار الاستنباط. وانتقلت الدراسة لتنزيل علوم اللغة في تحليل النصوص الشرعية، حيث طبق الباحث معطيات الدرس اللغوي على نصوص الأحكام لبيان الدور الجوهري لهذه العلوم في تخصيص حكم، وترجيج اجتهاد، وتقييد نص، وموافقة سبب نزول، ومنح حمولة خاصة لبعض النصوص. الكلمات المفتاحية: علوم اللغة – الاستنباط- الفقه

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين، وبعد،

فإن ما يميز العلوم الإسلامية هو انبثاقها من أصل واحد حفظ لها سماتها وخصائص تماثلها في الأصول رغم تباينها في الفروع، فهي تلتقي في منبع واحد هو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة؛ لأنهما القطب الذي تدور حوله شتى العلوم العربية والشرعية؛ ولأنه بعدما شق كل علم مساره، وتشعب في اتجاهات مختلفة، عادت هذه العلوم لتصب في القناة الأصل.

أهمية البحث:

فعلوم اللغة بشكل عام، والبلاغة بشكل خاص، وعلوم الشرع: من حديث وعلومه، وفقه وأصوله، جميعها نشأت خدمة للتنزيل الحكيم شرحًا وحفظًا من التحريف والتبديل، وتفاعلت زمنا طويلا وفق منهج مميز لدراسة وتحليل النصوص بشكل دقيق.

ثم تشعبت هذه العلوم، لتشكل مناهج مختلفة وفق تقسيمات وطرائق خاصة، فأصبح لكل علم استقلاله، وكأنها لم تنشأ نشأة واحدة ولغاية موحدة.

ولعل الركود الذي تعاني منه الدراسات العربية والإسلامية راجع لهذه العزلة بين العلوم، وافتقار التحاور والتشارب بينها، لذا ينبغي إعادة ربط وشائج هذه العلوم.

لكن هذا العمل يستدعي إقبالا واعيا بخصوصية كل مجال وغاياته وآليات اشتغاله ووسائله المستخدمة، بعد هذا لابد من الإحاطة بالكيفيات الخاصة ومحاولة مجاذبة أصولها وفروعها وإعمالها في حقل آخر يقترب منه مضمونها.

ولبيان طريقة هذا التداخل والاتصال الذي يحفظ الفروع من التعادي والتدافع، ويحيط بكل أطراف الفنون يقول الغزالي: (يجب ألا يدع – دارس القرآن- فنا من فنون العلم ونوعا من أنواعه، إلا وينظر فيه نظرا يطلع به على غايته ومقصده وطريقته، ثم إن ساعده العمر وواتته الأسباب طلب التبحر فيه، فإن العلوم كلها متعاونة ومترابطة بعضها ببعض، ويستفيد منه في الحال حتى لا يكون معاديا لذلك العلم بسبب جهله به)([1]).

وهذه هي أهمية هذا البحث؛ الذي يحاول كشف دور علوم اللغة في بيان مقاصد الشرع، وطرق استنباط الأحكام من نصوص القرآن.

إشكالية البحث:

ولبيان هذا الترابط نكشف العلاقة بين علوم اللغة وعلوم الشريعة بشكل عام، والعلاقة بين علم البلاغة وعلم أصول الفقه بشكل خاص لما بينهما من تداخل عميق. فالعلمان يتفاعلان في قراءة النص القرآني، وتحريك أسراره وكشف دقائقه. فعلم الأصول: (قانون عاصم لذهن الفقيه من الخطأ في الاستدلال على الأحكام، وعلم البيان قواعد كلية تعين البلاغي فكرا ووجدانا على الاحتراز من الخطأ في إدراك أسرار البيان في آيات الله والحكمة، وهما مصدر الاستدلال على الأحكام عند الأصولي)([2]).

حيث نلاحظ توظيف الدرس الأصولي معطيات البلاغة في الكثير من محاوره وطرائقه، وفي كشف واستنباط أسرار نصوص التشريع، وما تحمله من دقائق وخفايا لا يقف عندها من اكتفى بالمعنى اللغوي المباشر. فللبلاغة أسرار تتصل بمقاصد الشارع، وما يحمله النص من معان ثوان. وهذا مجال الدرس البلاغي، والذي استثمره الدرس الأصولي وعمل على صياغته بشكل يناسب خصوصية منهج علم الأصول، يقول السبكي: (فإن الأصوليين دققوا في فهم أشياء من كلام العرب لم يصل إليها النحاة ولا اللغويون، فإن كلام العرب متسع جدا، والنظر فيه متشعب، فكتب اللغة تضبط الألفاظ ومعانيها الظاهرة دون المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى نظر الأصولي واستقراء زائد على استقراء اللغوي)([3]).

ومعلوم أن الاستقراء العميق الزائد عن أصل وضع اللغة خصيصة ارتبطت قديما بالبلاغة، وحديثا بعلم الأسلوب، رغم اختلافهما في البيئة وفي الإدراك الكامل لحيثيات النص. فالبلاغة العربية القديمة عموما وقفت عند حدود الوصف، في حين عمد علم الأسلوب المعاصر إلى بيان الغايات والمقاصد من الخروج عن البناء السطحي للغة، باستثناء ما أصله عبد القاهر الجرجاني قديما، والذي للأسف لم يستثمر بشكل كاف في الدرس البلاغي الذي وقف عند التقعيدات الصارمة والمعيارية، وراح يبحث لها عن نماذج تمثيلية على غرار الدرس النحوي دون الخوض في تحليل النص، (فالجرجاني بحق خير من عرف كيف يستفيد من النحو لأغراض بلاغية، دون الوقوع وقوعا كليا في معياريته الصارمة… إنه يعلو فوق مهام النحو، ويحلق في سماء النص الأدبي، تاركا أمر الصواب والخطأ للنحاة، وهو لا يأخذ عنهم سوى مقولاتهم ليعيد استخدامها بفهم جديد)([4]). فبحث الجرجاني في المعاني الثواني، أو فيما سماه معنى المعنى جعل من بلاغته بلاغة قابلة لتحليل النص رغم ما يعتريها من قصور باعتمادها منهج النحاة في تبرير خروج الجملة على القاعدة النحوية.

وأظن أن هذا الإدراك الواعي لأسباب اختيار الحروف مثلا، أو الدقة في العطف وغيره أصل لها سيبويه في الكتاب، وبالتالي فمنظر النحو العربي (سيبويه) ومنظر البلاغة العربية (الجرجاني) طرحا أفكارا عامة وأدتها المقررات النحوية التقعيدية والبلاغية التي تقف عند حدود المصطلحات دون الخوض في غمار النص.

وهذه الأصول التنظيرية تظهر كلما سنحت الفرصة للبلاغة من الخروج من ضيق التقعيد إلى فساحة التطبيق. فبلاغة الجرجاني أغنت علم الأصول وغذته بمعطياتها، فتشابه المنهجان وتداخلا بشكل ذابت فيه الفوارق.

فما هي حدود العلاقة بين علوم اللغة وعلم أصول الفقه؟

وكيف تساهم اللغة في تحليل النص الفقهي واستنباط أحكامه؟

وما هي آثار مباحث علوم اللغة في الاستنباط الفقهي؟

أهداف البحث:

إن الفكر الأصولي يلتقي مع نقطة البدء عند عبد القاهر الجرجاني في فكرة معاني النحو، والتي وضع أصولها سيبويه، يقول الشاطبي: (وإن سيبويه- وإن تكلم في النحو- فقد نبه في كلامه على مقاصد العرب وأنحاء تصرفاتها، في ألفاظها ومعانيها، ولم يقتصر فيه على بيان أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب، ونحو ذلك، بل يبين في كل باب ما يليق به حتى أنه احتوى على علم المعاني والبيان ووجوه تصرفات الألفاظ والمعاني)([5]).

وقد بين السكاكي هذا التشابه المنهجي بين الأصول والبلاغة وحدد مجالهما المرتبط باستكشاف الأسرار والوقوف على الدقائق، قال: (فلعل ما تركت أكثر مما ذكرت؛ لأن المقصود لم يكن إلا مجرد الإرشاد لكيفية اجتناء ثمرات علمي المعاني والبيان، وأن لا علم في باب التفسير بعد علم الأصول أقرأ منهما على المرء لمراد الله تعالى من كلامه، ولا أعون على تعاطي تأويل متشابهه، ولا أنفع في درك لطائف نكته وأسراره أكشف للقناع عن وجه الإعجاز، هو الذي يوفي كلام رب العزة من البلاغة حقه ويصون له في مظان التأويل ماءه ورونقه)([6])، وبهذا التحديد يلمح السكاكي لمفهوم جديد يجعل من علم الأصول أداة من أدوات بحث أسرار البيان، ويجعل علمي المعاني والبيان بعده.

وبانتقال علمي المعاني والبيان إلى علم الأصول في إطار العلاقة المتبادلة بين الحقلين، حدث تطور وزيادة في أدوات هذين العلمين إلى حد بلغ الغاية في ضبط الأسرار والدقائق، فاستمدت البلاغة عناصرها وتفريعاتها من الدرس الأصولي، وأنتجت مقولاتها التي يمكن استثمارها في مجال التحليل دون الوقوف عند حدود المصطلحات.

والأمر نفسه بالنسبة لعلماء الأصول، فهم لم يقفوا كثيرا عند هذه التقسيمات والتفريعات، ولم ينشغلوا ببيان الاستعارة والتشبيه وغيرها من الأمثلة، بل عملوا على توظيفها وتحويرها، ثم إعمالها في ضبط دلالة النصوص الشرعية للتوصل إلى حقائق الأحكام، والتبصر بمعادن النصوص، والنظر فيما أورق من هذه الأصول وما تفرع عنها من أدوات، ثم محاولة توظيفها.

فالدرس الأصولي حاول تحريك علم البلاغة وجعله علما مستخدما متحركا يبعث حقائق النصوص، وصير من البلاغة أداة أساسا من أدوات الاستنباط، بالاستفادة من المقولات البلاغية واستثمارها في تحليل النص التشريعي، وهذا هو الهدف الذي يروم بيانه هذا المقال.

فالإمام المجتهد في النصوص الشرعية بشكل عام، والنص القرآني بشكل خاص امتلك وسيلة علمية جديدة تتفاعل مع النص لتكشف دسائسه وتفك أسراره.

منهج البحث:

حاولت في هذا المقال بيان أثر علوم اللغة وبخاصة البلاغة في الاستنباط الفقهي وذلك وفق الخطة التالية: نبين العلاقة بين علوم اللغة وعلم أصول الفقه، ثم نكشف دور هذه العلوم في تحليل النص القرآني وقراءته، لنختم بتطبيق لغوي تحليلي مختصر لنصوص أحكام القرآن؛ لبيان أثر اللغة في الاستنباط الفقهي، وذلك بتقسيم الشق التطبيقي إلى مباحث لغوية نستشف من خلالها بشكل مباشر دور اللغة في الاستنباط الفقهي.

 

 

الدراسات السابقة وجديد البحث:

هناك بعض الدراسات التي ألمحت إلى الموضوع، كمقدمة الإمام الشافعي في كتابه الرسالة، ومقدمة الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات، وهي إشارات نظرية حاول الباحث التفصيل فيها بالرجوع لمصادر علوم اللغة ومصادر علوم الشريعة، كما حاول تحليل النصوص وفقا للإطار النظري الذي استهل به بحثه.

المبحث الأول: العلاقة بين علوم اللغة وعلم أصول الفقه

تمهيد:

إن العلاقة بين علوم اللغة وعلم أصول الفقه علاقة وثيقة وظاهرة، وقد أشار السكاكي إلى قيمة هذا التعالق، حينما اعتبر البلاغة علما (تراه أيدي سبأ، فجزء حوته الدبور، وجزء حوته الصبا، أنظر باب التحديد فإنه جزء منه في أيدي من هو، أنظر باب الاستدلال فإنه جزء منه في أيدي من هو، بل تصفح معظم أبواب أصول الفقه من أي علم هي ومن يتولاها)([7]).

وقد فَصَّل الإمام السبكي الصلة بين علوم اللغة وعلم أصول الفقه بقوله: (واعلم أن علمي أصول الفقه والمعاني في غاية التداخل، فإن الخبر والإنشاء اللذين يتكلم فيهما المعاني هما موضوع غالب الأصول، وإن كل ما يتكلم عليه الأصولي من كون الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، ومسائل الإخبار، والعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، والإجمال والتفصيل، والترجيح، كلها ترجع إلى موضوع علم المعاني، وليس في أصول الفقه ما ينفرد به كلام الشارع عن غيره إلا الحكم الشرعي والقياس وأشياء يسيرة)([8]).

ومن ناحية التعامل مع النص نجد تشابها بين علم البلاغة وعلم الأصول، فدراسة سياق وأحوال النص الخارجية مثلا تهتم بها البلاغة بالوقوف على القرائن وأحوال المخاطبين، ويهتم بها الدرس الأصولي بالوقوف على أسباب النزول، وقد قرر ذلك الإمام الشاطبي حينما عد معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن، واستدل على ذلك بأمرين: أحدهما: أن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن، فضلا عن معرفة مقاصد الكلام، إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال، حال الخطاب من جهة نفس الخطاب أو المخاطِب أو المخاطَب أو الجميع، إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك، كالاستفهام لفظه واحد، ويدخله معان أخر من تقرير وتوبيخ وغير ذلك، وكالأمر يدخله معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها، ولا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجية، وعمدتها مقتضيات الأحوال، … وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهم الكلام جملة، أو فهم شيء منه، ومعرفة الأسباب رافعة لكل مشكل في هذا النمط، فهي من المهمات في فهم الكتاب بلا بد، ومعنى معرفة السبب هو معنى معرفة مقتضى الحال([9]).

وتتجلى العلاقة بين علم البلاغة والأصول في الطريقة التي سلكها كل علم لأجل الوقوف على: الخطاب والمخاطِب والمخاطَب والقرائن والأحوال؛ لأن هذه العناصر الأربعة ضرورية، لكي تتم العملية التواصلية، فمدار البيان والتبين قائمة عليها.

فأول هذه العناصر: الخطاب، وله شروط وصفات حددها الجاحظ من خلال قوله: (فإذا كان المعنى شريفا، واللفظ بليغا، وكان صحيح الطبع، بعيدا من الاستكراه، ومنزها عن الاختلال، مصونا عن التكلف، صنع في القلوب صنيع الغيث في التربة الكريمة، ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، ونفذت من قائلها على هذه الصفة، أصحبها الله من التوفيق، ومنحها من التأييد، ما لا يمتنع معه من تعظيمها صدور الجبابرة، ولا يذهل عن فهمها معه عقول الجهلة)([10]).

وثانيها: المتكلم أو المخاطِب، والذي ينبغي أن يكون فصيحا بليغا، سليما من العيوب التي تعتري أعضاء النطق، كما ينبغي أن يبتعد عن التكلف، (فرأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخير الألفاظ، والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه)([11]).

وثالثها: المستمع أو المخاطَب، وله شروط حددها علماء البيان، فلابد أن يكون قادرا على إدراك معاني الكلام، والتوصل لمضامين الصيغ، فلا(يعرف حقائق مقادير المعاني، ومحصول حدود لطائف الأمور، إلا عالم حكيم، ومعتدل الأخلاط عليم، وإلا القوي المنة، الوثيق العقدة، والذي لا يميل مع ما يستميل الجمهور الأعظم، والسواد الأكبر)([12]).

ورابعها: القرائن والأحوال، وهي ضرورية للإبانة عن المعاني المستترة؛ لأنه كما قال علي بن الحسين: (لو كان الناس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة، وجملة الحال في صواب التبيين لأعربوا عن كل ما تخلع في صدورهم)([13]).

هذه العناصر التي درسها بدقة اللغويون من أهل البيان، قاربها بنفس الدقة والترتيب علماء الأصول، فالخطاب يتمثل في مصادر أحكام الشريعة (الكتاب والسنة والإجماع)، وقد اعتنى علماء الأصول بهذه الأدلة عناية فائقة([14]).

أما المتكلم، فهو الله تقدس، والذي خاضت في ذاته فرق، وهذا يجرنا إلى مبحث عقدي، فقد احترز علماء الأصول الأشاعرة بالقول: إن كلام الله بلا حروف ولا صوت([15]).

وأما المخاطَب: فقد درسه علماء الأصول باعتباره المكلف من حيث امتثال الأحكام، كما درسوا أحوال المجتهد، المتصدر لاستنباط الأحكام الشرعية من المصدرين الكتاب والسنة.

والعنصر الرابع: وهو الحال والقرائن والسياق، وهي كل ما يحيط بالنص أو الخطاب من أدلة تعين على تحديد المعنى، وتندرج ضمن هذا العنصر دراسة أسباب النزول([16]).

إن الدراسة الأصولية للنصوص، هي الغاية المرجوة من مباحث علم البيان العربي، فعلى الرغم من أن الأصوليين واللغويين يشتركون في دراسة مباحث: الأمر والنهي والحقيقة والمجاز، فإن القيم الجمالية في الدراسة البيانية لدى الأصوليين تتمثل في الوصول إلى الحكم الشرعي، أو استنباط معنى فقهي عن طريق القواعد التي يسمونها طرق الاستثمار والاستدلال، في حين أن القيم الجمالية لدى اللغويين تتمثل فقط في تلك الأسرار واللطائف البيانية الناتجة عن اختلاف وجوه نظم الكلام البليغ، في التقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، والفصل والوصل، والحقيقة والمجاز… وعليه فغاية الأصوليين تباين غاية اللغويين وتتجاوز منتهى تأملهم وبحثهم.

والحكم الشرعي ملازم للنكتة البيانية، ولا يدرك هذا إلا الفقهاء المجتهدون الذين باشروا النصوص.

ولا ننفي أن التحديد القاعدي على شكل قوانين دقيقة مباشرة كان له أثر على علماء الأصول، لكن نظرية تحديد المعنى ظلت حاضرة في أذهانهم، مما جعل بحثهم شديد الترابط بالدرس اللغوي. فهم يدرسون الألفاظ بحسب الوضع، ويقسمونها إلى: خاصة، وعامة، ومشتركة. والخاصة تنقسم إلى: أمر، ونهي، ومطلق، ومقيد. ويدرسون الألفاظ بحسب الاستعمال، ويقسمونها إلى حقيقية، ومجازية، وصريحة، وكناية.

كما أنهم يدرسون الألفاظ بحسب الوضوح والإبهام، ويقسمونها إلى واضح الدلالة، ومبهم الدلالة. ويجعلون واضح الدلالة مراتب: محكم؛ ومفسر؛ ونص؛ وظاهر؛ ويجعلون مبهم الدلالة مراتب: خفي، ومشكل، ومجمل، ومتشابه. ويدرسون الألفاظ أيضا حسب الكيفية، ويقسمونها إلى: دلالة منطوق؛ ودلالة مفهوم([17]). ويجعــــلون المنطـــــوق: صـــريحا وغير صريح، ويجعلون غير الصريح ثلاثة أضرب: اقتضاء؛ وإيماء؛ وإشارة([18]).

والمتتبع لهذه التفريعات والتقسيمات التي تحاول حصر المعنى وتطويقه يلاحظ طغيان الجانب التقريري. وكذا الشأن بالنسبة للدرس اللغوي، فالإمام عبد القاهر أدخل اللغة العلمية دائرة البيان قال: (وكذلك السبيل في المنثور من الكلام، فإنك تجد فيه متى شئت فصولا تعلم أن لن يستطاع في معانيها مثلها… ومن أخص شيء بأن يطلب ذلك فيه، الكتب المبتدأة الموضوعة في العلوم المستخرجة، فإنا نجد أربابها قد سبقوا في فصول منها إلى ضرب من اللفظ والنظم، أعيا من بعدهم أن يطلبوا مثله، أو يجيئوا بشبيه له، فجعلوا لا يزيدون على أن يحفظوا تلك الفصول على وجوهها، ويؤدوا ألفاظهم فيها على نظامها وكما هي)([19])، بهذا يلتقي علم أصول الفقه وعلوم اللغة في التقرير والضبط المصطلحي.

ومن أبرز وجوه الالتقاء تبادل الآراء بين علماء اللغة وعلماء الفقه وأصوله، وقد اكتشفنا هذا بالرجوع لكتب التراث:

المطلب الأول: تراث علماء الأصول:

نقل الرازي عن الجرجاني تعريف المجاز([20])، كما نقل السبكي عن الجاحظ تعريف الخبر والإنشاء، وتبنيه رأيه القائل بالخبر الذي ليس بصادق ولا كاذب([21])، وكذلك نقل الزركشي عن أبي حيان الغرناطي الأندلسي تعريف المجاز([22]). كما نقل الشوكاني عن الزمخشري أقواله في الحصر أو القصر، قال: (والكلام في تحقيق أنواع الحصر محرر في علم البيان، وله صور غير ما ذكرناه ههنا، وقد تتبعتها في مؤلفاتهم من مثل (كشاف) الزمخشري وما هو على نمطه، فوجدتها تزيد على خمسة عشر نوعا وجمعت في تقرير ذلك بحثا)([23]).

المطلب الثاني: تراث علماء اللغة:

ناقش ابن الأثير آراء الغزالي في المجاز([24])، ونقل العلوي في الطراز عن الغزالي تعريفه للحقيقة وأنواعها([25]).

ولعل الاجتهاد الفقهي هو حلقة الوصل بين علمي الأصول وعلوم اللغة، فكانت دراسة الأصوليين للخطاب الشرعي تبتدأ بدراسة قضايا البلاغة، وهذا الإمام الشافعي يصدر مدونته بدراسة أساليب التعبير لغرض الاستنباط الفقهي، يقول: (وإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها، وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر، ويستغنى بأول هذا منه عن آخره، وعاما ظاهرا يراد به الخاص، وظاهرا يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره، فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره)([26])، بعد هذا يحلل الآيات مستشهدا بما قرره من قواعد بلاغية، ويعقد بابا خاصا لبيان ما نزل من الكتاب عاما يراد به العام ويدخله الخصوص، وثانيا: لبيان ما أنزل من الكتاب عام الظاهر، وهو يجمع العام والخصوص، وثالثا: لبيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص، ورابعا للنوع الذي يبين سياقه معناه…([27]).

كما يستدل الشافعي بأمثلة من القرآن والسنة في كل باب، ويحللها تحليلا بيانيا يظهر معرفته الدقيقة والعميقة باللغة وخواص أساليبها، ويوحي بغرضه الأساس المتمثل في استنباط الأحكام بشكل دقيق.

وقد كان علماء البيان على وعي تام بضرورة علوم المعاني والبيان للفقيه المجتهد أيضا، فالجاحظ يعتبر: (العقل رائد الروح، والعلم رائد العقل، والبيان ترجمان العلم)([28])، والإمام عبد القاهر الجرجاني يعتبر البلاغة والبيان طريق الاجتهاد يقول: (اعلم أن الكلام هو الذي يعطي العلوم منازلها، ويبين مراتبها، ويكشف عن صورها، ويجني صنوف ثمارها، ويدخل على سرائرها، ويبرز مكنون ضمائرها)([29])، فعلم البيان بمنظوره علم يعين على الوصول إلى معاني الكلام، ومنهج تحليلي دقيق يستعين به الفقيه لتفسير النصوص الشرعية والحسم في معاني المشتبه منها. وبهذا يتفاوت الفقهاء المجتهدون الناظرون في مصادر الأحكام وأدلتها بحسب اختلافهم في صفاء القرائح والأذهان، وتباين درايتهم بلغة النص وما يحف بها من قرائن وأحوال؛ لأن النصوص تنقسم إلى قسمين:

دلالات أصلية، تفهم مباشرة ولا تستشكل غالبا، ودلالات ثوان تتوقف معرفتها واستكشافها بحسب قدرة المجتهدين وملكاتهم البيانية. وقد قرر هذا ابن القيم بقوله: (الحقيقة تابعة لقصد المتكلم وإرادته، وهذه الدلالة لا تختلف، والإضافية تابعة لفهم السامع وإدراكه، وجودة فكره وقريحته، وصفاء ذهنه، ومعرفته بالألفاظ ومراتبها، وهذه الدلالة تختلف اختلافا متباينا بحسب تباين السامعين في ذلك)([30]).

والمجتهدون حينما يتأملون النص بأدوات علم المعاني والبيان يتفاوتون في مراتب الفهم، هنا يظهر دور القارئ في فهم النص، (فمنهم من يفهم من الآية حكما أو حكمين، ومنهم من يفهم منها عدة أحكام أو أكثر من ذلك، ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سياقه، وإيمائه، وإشارته، وتنبيهه، واعتباره، وأخص من هذا وألطف ضمه إلى نص آخر متعلق به، فيفهم من اقترانه به قدرا زائدا على ذلك اللفظ بمفرده. وهذا باب عجيب في فهم القرآن لا يتنبه له إلا النادر من أهل العلم، فإن الذهن قد لا يشعر بارتباط هذا بهذا وتعلقه به)([31]).

المبحث الثاني: اللغة وتحليل النص الفقهي

اهتم العلماء منذ القديم بالعلوم العربية، واعتبروها أساسا لتفسير نصوص الأحكام، وأنه يجب على المفسر (البداءة بالعلوم اللفظية، وأول ما يجب البداءة به منها تحقيق الألفاظ المفردة، فيتكلم عليها من جهة اللغة، ثم التصريف، ثم الاشتقاق، ثم يتكلم عليها بحسب التركيب، فيبتدئ بالإعراب ثم بما يتعلق بالمعاني ثم البيان، ثم البديع، ثم يبين المعنى المراد، ثم الاستنباط ثم الإشارات) ([32])، فالتفسير مرتبط بالدلالة، والمعنى لا يتم التوصل إليه إلا بالوقوف على ما تحمله الألفاظ من دقائق (مفردة ومركبة).

ففي حالة الإفراد يعول على: علوم اللغة وعلم التصريف، وفي حال التركيب يعتمد: الإعراب وعلم المعاني والبيان.

ومهمة البلاغة الأصيلة هي تحليل النص القرآني، والوصول لأسراره، ومتى غيب هذا لم يعد للبلاغة دور، فهي (أداة تقليب النص، وأداة تفتيش، وتحليل، وحفر في اللغة، لاستخراج الدفائن)([33]).

ولعل الركود والجمود الذي تعاني منه علوم اللغة في عصرنا الحالي راجع إلى الخروج بهذه العلوم من مهمة التحليل، والإغراق في التقسيمات والتفريعات والحدود.

فالبلاغة مثلا تعتمد قبل التحصيل العلمي على ملكة التذوق العالية الحساسية؛ التي توصل لأسرار البيان. ودور العلم صقل هذه الملكة واستثمارها؛ للكشف عن أسرار النصوص الشرعية، ولا يكون ذلك إلا بالتمرس والخبرة الفاحصة، وهذا لا يتأتى للكثير من الناس. يقول أبو العلاء عمرو: إن العلماء بالشعر أعز من الكبريت الأحمر[34]. ولا يقف دور البلاغة في التحليل والتفسير عند الوقوف على مواطن الجمال في البيان، بل تفصل في أسبابه وعلله، وتتأمل أسراره وتكشف الغطاء عن علل النص الخفية.

ولعل الذي ميز منهج عبد القاهر الجرجاني، وحقق لنظريته التفرد والانتشار والقبول، هو تركيزه على البحث في أسباب الجمال، ووضعه اليد عليها، وعدم اقتصاره على الوصف المجمل لجمال الجميل وقبح القبيح.

هذا من ناحية التنظير، وفي جانب التطبيق والتحليل يعد تفسير الكشاف للإمام الزمخشري أول محاولة ناضجة توظف علوم اللغة في تفسير القرآن وتحليله تحليلا يكشف عن الأسرار.

فعلوم اللغة التي أتيحت لعبد القاهر الجرجاني بعثها نظريا، انتفع بها وبمعطياته الزمخشري في التفسير والاستنباط.

المبحث الثالث: تطبيق تحليلي على نصوص الأحكام

يرتبط تفسير آيات الأحكام بعلمي المعاني والبيان، إذ يعرف بالمعاني خواص تراكيب الكلام، وأحوال الجملة من حيث إفادتها دقة المراد الذي ينبني عليه الحكم الشرعي الفرعي، وبعلم البيان يتوصل إلى حقيقة اللفظ من مجازه، وتشبيهه من سواه، وبالوقوف على التعبير الكنائي يتوصل إلى المعنى الثانوي، ويتبين نقله من موقعه في اللغة إلى استعارته في البيان الإلاهي.

وقد نبه الزمخشري إلى هذا بقوله: (ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما علم المعاني وعلم البيان)([35]).

فالقرآن الكريم بلاغ من رب العالمين للناس أجمعين بأمور معاشهم ومعادهم، وقد جاء بصورة فنية حكيمة في التشريع؛ لأجل إصلاح الفرد والمجتمع الإنساني طيلة وجود الإنسان على وجه الأرض، كما أنه صيغ بأسلوب بليغ يضمن أسرارا يقف عندها العلماء المجتهدون في كل عصر.

وبهذا تعتبر اللغة أداة من أدوات الاجتهاد لاستنباط الأحكام الشرعية، وتمكن أهل الفقه من الوقوف على دلالة الآية بشكل دقيق، ليستكنه الفقيه ما ينطوي عليه الخبر والإنشاء، والتقديم والتأخير، والفصل والوصل، والحقيقة والمجاز، والتشبيه، والاستعارة، والكناية… وغير ذلك من أساليب البلاغة.

المطلب الأول: أثر المسند والمسند إليه في الاستنباط الفقهي

يرد الإسناد في آيات الأحكام تبعا للمقاصد والأغراض، فحذف المسند إليه أو ذكره يكون للصون أو الإنكار أو الاحتراز أو الإخبار، ويذكر للتنويه مثلا أو التهويل… إلى غير ذلك من الدواعي والأسباب. كما يلحق المسند إليه عطف لمزيد بيان أو اختصاص، كقوله تعالى: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قيما للناس)([36])، (سماها الله حراما بتحريمه إياها، قال النبي عليه السلام: (إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فهي حرام بحرمة الله تعالى لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما أو يعضد بها شجرا فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فقولوا له إن الله سبحانه أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب))([37])، وقد استنبط الفقهاء من هذا أحكاما تخص حرمة البيت الحرام.

وقد يدخل التأكيد على المسند للتركيز على حكم شرعي والتشديد عليه، كتعظيم جريمة قتل الأبناء خوف الفقر، قال تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا)([38]). جاء التأكيد ب (إن)؛ للدلالة على أن ذلك من أعظم الكبائر؛ ولبيان شناعة الأمر؛ لأن التجرؤ على قتل الأطفال لا يكون إلا من قلب نزع الله ما به من رحمة.

وكثيرة هي مباحث الإسناد والتأكيد التي وظفها المفسرون وهم يتأملون آيات الأحكام؛ لاستخراج قواعد واستنباطات تبين مدى أهمية الدرس اللغوي في الوقوف على جزئيات وتفاصيل النصوص.

المطلب الثاني: أثر التقديم والتأخير في الاستنباط الفقهي

اهتم المفسرون بالتقديم والتأخير للخروج بجملة مقاصد في كثير من آيات الأحكام نحو قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون﴾([39])، قدمت الصلاة مفصلة لغرض التعليم، وجاءت قبل أمر العبادة لبيان وجوبها وأنها من التكاليف، قال ابن العربي: ﴿هو تعليم للصلاة فنحن نركع ونسجد﴾([40]).

ومثله قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون﴾([41])، فالأول هو غسل الوجه، وهو العضو المعلوم عرفا، والثاني غسل اليدين.

ومن معاني الوجوب التي استنبطها الفقهاء من التقديم، قوله تعالى: ﴿ قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد﴾([42])، قدم سبحانه المثنى على المفرد للتوكيد على صلاة الجماعة والاجتماع على الخير([43])، وإن كان سياق الآية عاما في الاجتماع على فعل الخير.

ويقدم المفعول به للتركيز عليه في الحكم، نحو قوله تعالى: ﴿وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا﴾([44])، فمدار الحكم الشرعي الفرعي المقصود بيانه هو(القسمة)، فكان تقديمها أولى من الفاعل (أولو القربى واليتامى والمساكين)؛ لتكون محط اهتمام المستمع؛ ولتجعل القائمين عليها يهتمون بها اهتماما خاصا([45]).

وقد خرج الفقهاء بوجوب الاستئناس وسنية السلام من التقديم في قوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون﴾([46]).

فالاستئناس في الأصل من الأنس وهو ضد الاستيحاش، وذلك يعني فيما يعني اختيار الوقت المناسب ككون أهل البيت غير مشغولين بأمر هام يصرفهم عن الرغبة في اللقاء، إذ يكون السلام حال انشغالهم وعدم رغبتهم بالاستقبال لغوا، لعدم استماعهم إليه أو لاستيحاشهم فيكونون غير مقبلين إليه، وعلى ذلك قدم الاستئناس لمقدميته في قضية السلام والدخول([47]).

هكذا يستجلي المفسرون من آيات الأحكام أدلتهم على ضوء التقديم والتأخير، فالقرآن يختار المكان المناسب ليضع فيه اللفظ الملائم في رصف متسق بين مكونات الجملة؛ ليبلغ معاني دقيقة.

المطلب الثالث: أثر الحذف والذكر في الاستنباط الفقهي

استعمل القرآن الكريم أسلوب الحذف في مواطن عديدة لكون المحذوف معلوما عقلا، كقوله تعالى في آية العقود: ﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود﴾([48]) أي: بمقتضى العقود؛ لأن العقد قول قد دخل في الوجود وانقضى فلا يتصور فيه وفاء ولا نقض، وإنما الوفاء بمقتضاه وما يترتب عليه من أحكام([49])، وعليه فمقتضى العقد إذا كان على طاعة وجب الوفاء به، وإن كان معصية لم يجز الوفاء به، وإن كان على المباح جاز الوفاء به ([50].)

وقد يقع الحذف لكون المحذوف معلوما بحكم العادة، مثل قوله تعالى: ﴿إذا قمتم إلى الصلاة﴾([51])، وتقديره: إذا قمتم من مضاجعكم يعني النوم، وعليه يكون مجرد القيام إلى الصلاة غير موجب للوضوء؛ لأنه إذا وجب من النوم لم يكن القيام إلى الصلاة بعد ذلك موجبا، ألا ترى أنه إذا وجب من النوم لم يجب عليه بعد ذلك من حدث آخر وضوء آخر إذا لم يكن توضأ من النوم؟ فلو كان القيام إلى الصلاة موجبا للوضوء ثم وجب الأول لم يجب من الثاني، وهذا يدل على أن (من النوم) هو الضمير الذي في الآية([52]).

ومن أدق أنواع الحذف ذكر حرف من الكلمة وإسقاط الباقي، نحو قوله تعالى: ﴿وامسحوا برؤوسكم﴾([53])، فالباء أول كلمة بعض ذكرت وحذف الباقي([54])، وقد كثر كلام مفسري آيات الأحكام استنادا إلى حذف الباء (فذكر العلماء أن هذه الآية من أعظم آيات القرآن مسائل وأكثرها أحكاما في العبادات، فهي شطر الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء شطر الإيمان في صحيح الخبر عنه، وقال بعض العلماء إن فيها ألف مسألة واجتمع أصحابنا بمدينة السلام- يعني ابن العربي مكة- فتتبعوها فبلغوها ثمانمائة مسألة ولم يقدروا أن يبلغوها الألف، وهذا التتبع إنما يليق بمن يريد طرق استخراج العلوم من خبايا الزوايا)([55]). لكن الكثير من التوجيهات قد يطبعها بعض التمحل، والمستفاد من حذف الباء عموما بعض الرأس لا كله.

ويعتمد الحذف لتسويغ وإجازة وطء النساء بعد الطهر إن بعد الغسل أو قبله، ففي قوله تعالى: ﴿ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن﴾([56])، يستفاد (جواز وطء الرجل زوجته إذا تطهرت من دم الحيض وإن لم تغتسل متى مست به الحاجة. والمستحب أن لا يقربها إلا بعد التطهير والاغتسال)([57].) وذهب المالكية وأكثر الجمهور استنادا إلى تقدير محذوف، والمعنى: حتى ينقطع دمهن، ولكنه لما قال بعد ذلك فإذا تطهرن معناه فإذا اغتسلن بالماء تعلق الحكم على شرطين، أحدهما: انقطاع الدم، والثاني: الاغتسال بالماء، فوقف الحكم وهو جواز الوطء على الشرطين([58]).

من هذا نقول: إن مبحث الحذف مبحث دقيق، فالقرآن يختزل ويختصر العديد من المعاني، والتي يستخرجها أهل الاستنباط؛ ليقرروا أحكاما فرعية شرعية تتعلق بالعبادات والمعاملات.

المطلب الرابع: أثر الوصل والفصل في الاستنباط الفقهي

يقف مفسرو آيات الأحكام على أسلوب الوصل والفصل، وما يحمله من المعاني، مثل عطف المفرد وما يترتب عليه من حكم، فعطف المفرد يشركه ومعطوفه في الإعراب، وبالتالي يشتركان في الحكم الشرعي.

وفي عطف الجملة أيضا قد يؤتى بالجملة فلا تعطف على ما يليها ولكن تعطف على جملة غيرها، كما إذا كانت الجملة المتوسطة بين المعطوفة أخيرا وبين المعطوفة عليها الأولى ترابط في معناها بتلك الأولى دون غيرها، وقد تتغير حالات الجملة من فعلية، واسمية، وشرطية، وحالية، إلى غير ذلك من التغيرات التي تتصف بها الجملة المعطوفة أو المعطوفة عليها، كل ذلك له دخل كبير في تغير المعنى[59]. ويلزم في كل هذه الحالات تغير الحكم الشرعي تبعا للفهم الناتج عن تغير المعنى.

ومثال التشريك في الحكم قوله تعالى: ﴿فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم…﴾[60]، عطف الشيء على نفسه، وقد يشكل هذا تكرارا قبيحا، لكن التعبير القرآني مختار عن قصد، قال القرطبي: (كرر الأمر تأكيدا، كما تقول: ارم ارم)([61])، فبعدما فسر الذكر الثاني في الآية بالشكر، قرر التشريك في الحكم، وهذه فائدة تستفاد من الوصل([62]).

وقد تختلف الجملتان لفظا وتتحد معنى فيقع إشراكهما في الحكم كقوله تعالى: ﴿وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا﴾([63])، فالجملتان في الظاهر مختلفتان شكلا، الأولى جملة نهي إنشائية (لا تعبدون)، والثانية خبريـــــة (وبالوالدين إحسانا)، لكنهما إنشائيتان بمعنى: اعبدوا الله وحده، وأحسنوا للوالدين، وقد خرج مفسرو آيات الأحكام بمعني من هذا العطف، منه: المكانة التي أولاها الإسلام ببر الوالدين لما يترتب عن ذلك من مصالح اجتماعية([64]).

المطلب الخامس: أثر المجاز في الاستنباط الفقهي

المجاز يقابل الحقيقة التي أقر استعمالها على أصل الوضع، ويقع لمعان ثلاثة: وهي الاتساع، والتوكيد، والتشبيه، فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة([65]). وقد اعتنى مفسرو آيات الأحكام بالمجاز لما له من دخل في تغير المعنى والحكم.

ففي قوله تعالى: ﴿وآتوا اليتامى أموالهم﴾([66])، اختلفوا في حمل اليتيم على الحقيقة أو المجاز([67])، فمنهم من حمل اليتيم على الحقيقة فقال: (المراد أن يأتوا اليتامى من أموالهم ما يأكلون ويلبسون في حال صغرهم فيكون اليتيم على هذا حقيقة)([68])، ومنهم من قال: يطلق اليتيم على الصغير والكبير([69]).

ويبنى على هذا أحكاما فقهية ترتبط باليتيم، إذ يخرج من هذا المصطلح كل من بلغ الرشد، وعدم الرشد بالصغار أعرف وألصق.

ومن المجاز قوله تعالى ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا﴾([70])، حيث استعمل لفظ القرض مجازا، فالله تقدس غني لا يحتاج إلى قرض على وجه الحقيقة. فالقرض ما تعطيه الإنسان من مالك، وإنما المالك الحقيقي الله تعالى، وإنما جاء تنزيل العبد منزلة المالك، وعبر عنه ببذل القرض، تعظيما؛ لأن القرض يبذل بالجزاء؛ ولأن جزاءه يكون بعد حين في الدنيا والآخرة، أو كليهما، ولتأكيد الثواب به، إذ لا يكون قرض إلا والعوض مستحق به([71]).

وعدل عن التعبير بالحقيقة إلى المجاز للتلطف في استدعاء المأمور بالبر من إنفاق في سبيل الله، ولكي تقع الاستجابة من طرف المخاطب. وأمثلة هذا كثيرة في القرآن، نحو استعمال لفظ (الاشتراء) في قوله تعالى: ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة﴾([72])، فالمشتري حقيقة هو الذي لا يملك والله عز وجل مالك أنفسنا وأموالنا، وإنما عدل إلى المجاز لبيان عظيم الثواب، ولإثبات درجة الجهاد والإنفاق في سبيله ولبيان حكمه والترغيب فيه([73]).

المطلب السادس: أثر التشبيه في الاستنباط الفقهي

اعتنى مفسرو آيات الأحكام بالتشبيه، لما يحمل من معان يستخرج منها أحكاما، فمثلا قوله تعالى: ﴿من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا﴾([74])، استعرض فيها الجصاص وجوها استنادا لأسلوب التشبيه قال: (قيل فيها وجوه: أحدها تعظيم الوزر، والثاني: أن عليه مثل مأثم كل قاتل من الناس؛ لأنه سن القتل وسهله لغيره فكان كالمشارك له فيه…- واستمر في استنباط معاني التشبيه ومنها- أن الناس كلهم معونة ولي المقتول حتى يقتصوا من القاتل، ومن دلالتها وجوب القصاص على الجماعة)([75]).

ومن الفقهاء من استنبط من هذا التشبيه ارتباط العقاب بالعقاب، فالله شبه قاتل النفس بقاتل جميع الناس ومنجيها بمنجي جميع الناس، وهو تشبيه معنوي، فلا يجوز تشبيه الفعل بالفعل؛ لأن قتل واحد لا يشبه قتل اثنين، وإنما شبهه بذلك تشديدا على ضرورة القصاص وتهويلا لأمر القتل([76]).

المطلب السابع: أثر الاستعارة في الاستنباط الفقهي

وقف مفسرو آيات الأحكام عند أساليب الاستعارة، واستكشفوا المعاني المستترة، واستجلوا العلاقة بين المستعار والمستعار له. فحينما قال الله تعالى: ﴿وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون﴾([77])، قصد الأيمان والعهود، والطعن في الدين مترتب على نقض العهد وإعلان الحرب، وجاء التعبير هنا بأسلوب الاستعارة، نقول: طعن بالرمح وطعنه بالقول السيئ، ومنه: استنبط الفقهاء كفر الطاعن في الدين.

ومن الأوامر القرآنية التي جاءت بأسلوب الاستعارة قوله تعالى: ﴿واخفض لهما جناح الذل من الرحمة﴾([78])، (استعار جناح الذل للدلالة على الشفقة والرحمة والتذلل لهما… وضرب خفض الجناح ونصبه مثلا لجناح الطائر حين ينتصب بجناحه لولده)([79])، وفي هذا تذكير بفضل الوالدين على الولد حينما كان طفلا، فحري به أن يرد جميلهم بعد إدراك هذا التشبيه.

المطلب الثامن: أثر الكناية في الاستنباط الفقهي

عبر القرآن الكريم على جملة من الأحكام التشريعية بطريق الكناية؛ لأن الله تعالى حرص على إبلاغ شرعه للناس كافة دون تجريح للعواطف أو خدش للمشاعر، كما تنزه سبحانه عن التعبير بما يبعث الاشمئزاز في النفوس.

من ذلك قوله تعالى: ﴿ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن﴾([80])، فالآية كناية على جملة نواه حرمها الله، من الزنا؛ والسحر؛ والنميمة؛ والكذب؛ والغيبة؛ والقذف؛ وخرق جلباب الحياء؛ والنياحة؛ فمعنى(بين أيديهن) أن يحفظن ألسنتهن من النميمة وغيرها من آثام اللسان، ومعنى(أرجلهن) فروجهن وما يلحق ذلك من بهتان قد تفتريه المرأة على الرجل، قال القرطبي: (كانت المرأة تلتقط ولدا فتلحقه بزوجها وتقول: هذا ولدي منك. فكان هذا من البهتان والافتراء. وقيل: ما بين يديها ورجليها كناية عن الولد؛ لأن بطنها الذي تحمل فيه الولد بين يديها، وفرجها الذي تلد منه بين رجليها)([81]).

ومن الكناية قوله تعالى: ﴿الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾([82])، كنى سبحانه بالرفث على الجماع وما يلازمه من مقدمات، ويطلق الرفث أيضا على الإفحاش في القول، ومنه يستنبط حكم تحريم الجماع على المحرم، يقول ابن العربي: (بمعنى: لا يجوز الجماع وما يتبعه مما يحرم من النساء في الإحرام، مثل التقبيل وغيره حتى العقد والشهادة عليه، في زمن انعقاد الحج وفرضه على الوجه المذكور)([83]).

الخاتمة:

نخرج من هذا البحث بالنتائج التالية:

  • العلاقة بين علوم اللغة وعلوم الفقه علاقة ظاهرة، فمباحث علم المعاني والبيان التي تدرسها البلاغة كلها تخدم الاستنباط الفقهي؛ الذي يحاول تطويق النص وفهمه ببيان وجوه الأمر فيه مثلا هل هي للإلزام أو الندب؟ وبيان مسائل الإخبار ومقاصدها حسب المقام، هل الغرض منها العموم أو الخصوص؟ وهل النص مطلق أم مقيد؟ وغيرها من أدوات الترجيح؛ التي يلزم فيها التسلم بأدوات علم المعاني.
  • علوم اللغة أساس لازم للاستنباط الفقهي، فلا استنباط دون معرفة عميقة بحال المخاطب وظروف الخطاب وسياقه، وهذا درسه بشكل موسع علماء البيان، واستفاد منه بشكل دقيق علماء المقاصد.
  • هناك تكامل معرفي بين علماء اللغة وعلماء الأصول، يتجلى ذلك بالاطلاع على تراثهم ونقل بعضهم من بعض تعاريف وحدود واصطلاحات مختلفة.
  • لمباحث الإسناد والتقديم والتأخير والحذف والذكر والوصل والفصل والمجاز والتشبيه والاستعارة والكناية أثر عميق في استنباط الأحكام الفقهية، فهي تقييد بعض الأحكام وتبلغ حمولة بعض النصوص التي لا تظهر للمستنبط بالقراءة العابرة، وتحدد درجة بعض الأوامر والنواهي، كما تساعد في اختيار وجه من وجوه اللغة بمساعدة علوم الأثر.

 

 

 

 

 

 

الهوامش:

__________________________________________

([1]) الغزالي، ميزان العمل، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف مصر، الطبعة الأولى، 1964هـ، 1/206

([2]) محمود توفيق، دلالة الألفاظ عند الأصوليين، مطبعة الأمانة مصر، 1987م، ص: 5

([3]) السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج، ساعده فيه والده تاج الدين بن علي السبكي ت781هـ، كتب هوامشه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، 1995م، 1/8

([4]) عز الدين الذهبي، الأسلوب بين اللغة والنص، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطلعة الأولى، 2005م، ص: 27

([5]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، وعليه شرح جليل لتحرير دعاويه وكشف مراميه، وتخريج أحاديثه ونقد آرائه نقدا علميا يعتمد على النظر العقلي وعلى روح التشريع ونصوصه بقلم عبد الله دراز، دار المعرفة بيروت لبنان، بدون تاريخ، 4/71

([6]) السكاكي، مفتاح العلوم، حققه وقدم له وفهرسه عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 2000م، ص: 421

([7]) السكاكي، مفتاح العلوم، حققه وقدم له وفهرسه عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 2000م، ص: 99

([8]) بهاء الدين السبكي، عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، تحقيق: خليل إبراهيم خليل، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، 2001م، 1/53

([9]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، وعليه شرح جليل لتحرير دعاويه وكشف مراميه، وتخريج أحاديثه ونقد آرائه نقدا علميا يعتمد على النظر العقلي وعلى روح التشريع ونصوصه بقلم عبد الله دراز، دار المعرفة بيروت لبنان، بدون تاريخ، 3/347

([10]) الجاحظ، البيان والتبين، تحقيق: عبد السلام هارون، بيروت، دار الجيل، بدون تاريخ، 1/83

([11]) نفسه، 1/44

([12]) نفسه، 1/9

([13]) نفسه، 1/104

([14]) الغزالي، المستصفي علم الأصول، دراسة وتحقيق: حمزة بن زهير حافظ، شركة المدينة المنورة للطباعة، بدون تاريخ، 1/287

([15]) عبد المالك الجويني، البرهان في أصول الفقه، تحقيق: عبد العظيم الديب، مصر، دار والوفاء، الطبعة الثالثة، 1999م، 1/149

([16]) الشاطبي، الموافقات، 3/347

([17]) المقصود بالمفهوم: ما يقتبس من الألفاظ من فحواها وإشارتها لا من صيغتها، والمقصود بالمنطوق: ما دل عليه اللفظ في محل النطق – أي السياق-، محمد الأمين الشنقيطي، مذكرة في أصول الفقه، مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة، الطبعة الخامسة، 2001م، ص: 281- بتصرف-

([18]) نفسه، 281- 283 – بتصرف-

([19]) الجرجاني، دلائل الإعجاز، قرأه وعلق عليه محمود محمد شاكر، مكتبة خانجي، بدون تاريخ، ص: 604

([20]) فخر الدين الرازي، المحصول في علم الأصول، دراسة وتحقيق: طه جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة، بدون تاريخ، 1/403- 405، نقل تعريفه ووجه له عدة انتقادات.

([21]) علي السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج، ساعده ولده تاج الدين بن علي السبكي ت781هـ، كتب هوامشه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، 1995م، 2/282

([22]) أبو حيان، البحر المحيط في التفسير، دار الفكر، 1992م، 1/535

([23]) محمد الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تحقيق: محمد سعيد البدري، دار الفكر مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة السابعة، 1997م، 1/56

([24]) ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، قدم له وعلق عليه: أحمد الحوفي وبدوي طبانة، دار نهضة مصر للطبع والنشر القاهرة، بدون تاريخ، 1/354- 355

([25]) نفسه، 1/94

([26]) محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر، بدون دار النشر، بدون تاريخ، ص: 51- 52

([27]) نفسه، ص: 62

([28]) الجاحظ، البيان والتبين، تحقيق: عبد السلام هارون، بيروت، دال الجيل، بدون تاريخ، 1/77

 ([29]) عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، اعتنى به مصطفى شيخ مصطفى وميسر عقاد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 2004م، ص: 3

([30]) ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، بيروت، دار الجيل، 1973م، 1/350- 351

([31]) نفسه، 1/354

([32]) السيوطي، الإتقان في عـــلوم القــرآن، تحقيق: مركز الدراسات القـرآنية، مجمع الملك فهد للطباعة، الطبعة الأولى، 1426هـ

 ([33]) محمد أبو موسى، قراءة في الأدب القديم، دار الفكر القاهرة، 1987م، ص: 16

([34]) الباقلاني، إعجاز القرآن، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار المعارف مصر، الطبعة الأولى، بدون تاريخ، ص: 203

([35]) جار الله الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، وبحواشيه أربعة كتب، الأول: الانتصاف للإمام أحمد بن المنير، والثاني الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف للحافظ بن حجر، والثالث: حاشية محمد عليان مذكور، رتبه وضبطه وصححه محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، الطبعة الخامسة، 2009م، 1/المقدمة

 ([36]) المائدة، الآية: 97

([37]) أبو بكر بن العربي، أحكام القرآن، راجعه وخرج أحاديثه وعلق عليه محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، 1988م، 2/206

([38]) الإسراء، الآية: 31

([39]) الحج، الآية: 77

([40]) ابن العربي، أحكام القرآن، 3/290

([41]) المادة، الآية: 6

([42]) سبأ، الآية: 46

 ([43]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تقديم: هاني الحاج، تحقيق: عماد زكي البارودي وخيري سعيد، المكتبة الوقفية، بدون تاريخ، 14/312

([44]) النساء، الآية: 8

([45]) أحمد العامري، التقديم والتأخير في القرآن الكريم، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد، 1996م، ص: 111

([46]) النور، الآية: 27

([47]) السامرائي، من أسرار البيان في القرآن، دار الفكر عمان الأردن، الطبعة الأولى، 2009م، ص: 122

([48]) المائدة، الآية: 1

([49]) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: مركز الدراسات القرآنية، مجمع الملك فهد للطباعة، الطبعة الأولى، 1426 هـ، 2/157

([50]) قطب الدين الروندي، فقه القرآن، مطبعة الولاية، الطبعة الثانية، 1405هـ، 1/193

([51]) المائدة، الآية: 6

([52]) الجصاص، أحكام القرآن، تحقيق: محمد صادق قمحاوي، دار الإحياء الكتب العربية، 1992م، 2/418

([53]) المائدة، الآية: 6

([54]) السيوطي، الإتقان، 2/162

 ([55]) ابن العربي، أحكام القرآن، 2/47

([56]) البقرة، الآية: 222

([57]) الروندي، فقه القرآن، مطبعة الولاية، الطبعة الثانية، 1305ه، 1/55

([58]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 3/88

([59]) السكاكي، مفتاح العلوم، 1/109

([60]) البقرة، الآية: 198

([61]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 2/426

([62]) سعد الدين التفتزاني، مختصر المعاني، منشورات دار الفكر، الطبعة الأولى، 1411هـ، ص: 147، يقول التفتزاني: (حصر بعضهم البلاغة في معرفة الفصل والوصل.(وإلا) أي وإن لم يقصد ربط الثانية بالأولى على معنى عاطف سوى الواو فان كان للأولى حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية فالفصل واجب لئلا يلزم من الوصل التشريك في ذلك الحكم).

([63]) البقرة، الآية: 83

([64]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 2/12- 17

([65]) التفتزاني، مختصر المعاني، ص: 218

([66]) النساء، الآية: 2

([67]) القرطبي، أحكام القرآن، 2/61

([68]) محمد بن جزي الكلبي الغرناطي، التسهيل لعلوم التنزيل، دار الفكر، بدون تاريخ، 1/29

([69]) فخر الدين الرازي، التفسير الكبير أو مفاتح الغيب، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الثالثة، 2009م، 9/168

([70]) البقرة، ص: 245

([71]) جمال الدين بن الجوزي ت597هـ، زاد المسير في علم التفسير، المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة، 1987م، 1/254

([72]) التوبة، الآية: 111

([73]) أحمد الجصاص، أحكام القرآن، تحقيق: محمد صادق قمحاوي، دار إحياء الكتب العربية، 1992م، 3/202

([74]) المائدة، الآية: 32

([75]) الجصاص، أحكام القرآن، 2/507

([76]) الروندي، فقه القرآن، 2/405- 406

([77]) التوبة، الآية: 12

([78]) الإسراء، الآية: 24

([79]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 10/243

([80]) الممتحنة، الآية: 12

([81]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 18/72

([82]) البقرة، الآية: 197

([83]) ابن العربي، أحكام القرآن، 1/188

 

 

The impact of language sciences in the of jurisprudence

 

Tab title
This research examines the impact of language science on the development of jurisprudence, an attempt to link the linguistic lesson with the study of Sharia. The research proceeded according to the following plan: It began by revealing the relationship between the sciences of language and the sciences of Shari’a by showing the close connection between the science of rhetoric and the fundamentals of fiqh, which are the core of the linguistic and legal lesson. The study was used to download the language sciences in the analysis of the legal texts, where the researcher applied the data of the linguistic lesson on the texts of the provisions to explain the essential role of these sciences in the allocation of the rule, and weighting of diligence. Keywords: Language Sciences – Jurisprudence.