Indonesian Liberal Thought Outlook Towards Sharia’s Law
Radwan Nour Al– Salam
King Saud University || KSA
Tab title This study focuses on the attitude of the Indonesian liberal thought towards sharia laws and discussion about their objection on them. this study used the critical inductive method to the intellectual thinking of liberal’s prominent figures in Indonesia. The study has reached the important results: 1. The Indonesian liberal discourse stands on the issues of the stability of the sharia and its comprehensive position. 2. Indonesian liberalists thought to reject sharia arbitration due to its contradiction to the principles of liberal thought and its foundations, such as individual freedom, democracy, and secularism. 3. Indonesian liberalists thought tried to provide the new version of jurisprudence: the most prominent of new provisions were proposed: It is permissible to stand in ‘Arafah besides the ninth day of Dhu’l- Hijjah. Keywords: Liberalism, Indonesia, Islamic Law.
موقف الاتجاه الليبرالي الإندونيسي من أحكام الشريعة
رضوان نور السلام
جامعة الملك سعود || المملكة العربية السعودية
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
إن من أبرز المذاهب المنحرفة التي تؤثر في حياة المسلمين اليوم تأثيرًا سلبيًا المذهب الليبرالي؛ لأنه يعتمد على معان عامة براقة، كالحرية والتسامح والمساواة. ومما يزيد الطين بلة أن دعاته– الليبراليين– اتخذوا منهجاً جديدًا تزامن مع الصعود الجديد للمنهج الليبرالي في الغرب، والمنهج الجديد هو أسلمة الفكر الليبرالي.
وقد انتشر الفكر الليبرالي في دولة إندونيسيا انتشارًا كبيرًا؛ حيث دخل هذا الفكر مع الاحتلال الهولندي في سنة 1825 م، ثم تطور وتسرب إلى بعض الجمعيات الإسلامية وجامعاتها في السبعينيات الميلادية– 1970 م– ، أما اليوم فقد ازداد انتشاره وقوته؛ حيث يتحكم الليبراليون في المنافذ المهمة كالتعليم والإعلام والاقتصاد، وغيرها مما يدعو إلى استجلاء هذا الفكر.
ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أسلط الضوء على موقف الاتجاه الفكري الليبرالي الإندونيسي من أحكام الشريعة. وأقصد بهم من انتسب للإسلام ظاهرًا إلا أنه جعل المقررات الغربية حاكمةً لجميع القضايا التي يطرحها.
مشكلة البحث
إن الصراع بين الحق والباطل من السنن الكونية التي قدرها الله. ولا شك في أن الباطل يتنوع بتنوع الزمان والمكان، فلما كانت إندونيسيا بعيدةً عن الدول الإسلامية جغرافيًا، ولكثرة عدد سكانها وتنوع ثقافاتهم؛ كانت هدفًا لكثير من الدعاوى الباطلة، ومن أبرزها “الدعوة إلى الليبرالية“. وعندما رأى دعاة هذا الاتجاه العاطفة الإسلامية الجياشة لدى المجتمع الإندونيسي حاولوا أسلمت هذه الدعوى لكي يتقبلها المجتمع الإندونيسي.
أهداف البحث.
-
بيان موقف الفكر الليبرالي الإندونيسي من أحكام الشريعة.
-
بيان القواعد العامة التي اعتمد عليها الفكر الليبرالي الإندونيسي.
-
بيان الأمثلة التطبيقية للدعوة إلى ليبرالية أحكام الشريعة.
-
عرض حجج الاعتراضات على أحكام الشريعة ومناقشتها.
أهمية البحث وأسباب اختياره:
-
التحذير من أهل الأهواء والبدع والانحرافات، وبيان طريقهم ووسائلهم.
-
كشف شبهات الفكر الليبرالي حول أحكام الشريعة.
-
المآلات الخطيرة المترتبة على موقف الفكر الليبرالية الإندونيسي من أحكام الشريعة: كتعطيل الشريعة أو بعضها، وتحليل المحرمات كجواز اللواط ونكاح المسلمة بالكافر، والاستهزاء بالدين.
-
استمرارية جهود دعاة الليبرالية في طرح هذه القضية والدعوة إليها.
-
ندرة الكتابات في هذا الموضوع في إندونيسيا وقصورها عن الإحاطة بجميع جوانبه.
منهج البحث:
اعتمدت في هذا البحث على المنهج الاستقرائي النقدي.
الدراسات السابقة
وجدت عدة دراسات عامة كتبت حول الموضوع، فمن الدراسات التي درست دعوى الليبرالية في إندونيسيا على وجه العموم:
-
كتاب خطر دعوى الإسلام الليبرالي، والعلمانية، والخلط بين الأديان.
لمؤلفه هارتونو أحمد جائز، عنى مؤلفه بذكر الناحية التاريخية لمسألة الخلط بين الأديان دون مناقشة قضاياها نقاشًا مؤصلًا.
-
كتاب ليبرالية الإسلام في إندونيسيا.
لمؤلفه آديان حسين، تحدث المؤلف في بداية الكتاب عن تاريخ دخول الليبرالية بثوب الإسلام في إندونيسيا، ثم تطرق إلى ذكر أبرز دعاة هذا الفكر وبعض دعاواهم في فهم الإسلام الصحيح، وكان صنيعه مجرد عرض لا مناقشة. وختم المؤلف كتابه ببيان مساهمة الغرب في تمويل كل المشروعات الليبرالية، وأنها أنفقت المبالغ الضخمة في تحقيق هذه المشروعات.
-
كتاب ظاهرة الردة في الجامعات الإسلامية.
لمؤلفه هارتونو أحمد جائز، ركز المؤلف حديثه حول ظاهرة الردة في الجامعات الإسلامية والمراكز العلمية من جراء شيوع فكرة الليبرالية ورواجها فيها– لما لبعض دعاتها من الجهود في الدعوة إليها– ، كما أوضح كيف استطاع دعاة هذه الفكرة استغلال هذه الجامعات والتحكم على العديد من المناصب الخطرة “الاستراتيجية” فيها.
وهكذا فالدراسات السابقة تناولت دعاوى الليبرالية الإسلامية بوجه عام، كما أن الردود على هذه الدعاوى غير مؤصلة بالأدلة الشرعية الكافية، ولم يكن عرضها مرتبًا ترتيبًا علميًا. وفي هذا البحث سأخصه في تحرير موقف الليبرالية الإندونيسية من أحكام الشريعة.
خطة البحث
ويتكون البحث من مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث.
المبحث الأول: موقف الاتجاه الفكري الليبرالي الإندونيسي من ثبات الشريعة وشمولها.
المبحث الثاني: موقف الاتجاه الفكري الليبرالي الإندونيسي من تحكيم الشريعة.
المبحث الثالث: أمثلة تطبيقية على موقف دعاة الليبرالية من أحكام الشريعة
الخاتمة، وتتضمن أهم النتائج وفهرس المراجع والموضوعات.
تمهيد
أولا: الليبرالية
أصل المصطلح تعريب لكلمة“liberalism” في الإنجليزية، و“liberalisme” في الفرنسية وهي تعني التحررية. ويعود اشتقاقها إلى“Liberty” في الإنجليزية، أو“liberte” في الفرنسية، ومعناها الحرية(1).
وجاء في الموسوعة الأمريكية الأكاديمية (الليبرالية هي فلسفة سياسية تركز على الحرية الفردية)(2).
وجاء في موسوعة المورد العربية: (الليبرالية“liberalism” فلسفة سياسية ظهرت في أوروبا في أوائل القرن التاسع عشر، ثم اتخذت منذ ذلك الحين أشكالًا مختلفة في أزمنة وأماكن مختلفة، ولكنها اتسمت دائمًا بسمة تقدمية. والليبرالية تعارض المؤسسات السياسية والدينية، التي تحد من الحرية والفردية، وتنادي بأن الإنسان كائن خير وعقلاني، وتطالب بحقه في حرية التعبير وتكافؤ الفرص والثقافة الواسعة)(3).
وعلى الضوء السابق من التعريفات يمكن أن يقال أن الليبرالية: مفهوم يقوم على الحرية الفردية المطلقة التي لا يقيدها إلا القانون أو التعدي على حرية الآخرين، ويرى وجوب احترام استقلال الأفراد، ويعتقد أن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين، مثل: حرية الاعتقاد، والتفكير، والتعبير، والسلوك، والملكية الخاصة، والسياسية وغيرها(4) .
ثانيا: الليبرالية في إندونيسيا ومدارسها
وفدت الليبرالية إلى إندونيسيا– كالفكر– مع الاحتلال الهولندي. ثم بدأت تتسلَّل إلى النخب الثقافية والأكاديمية، ومنها إلى الأوساط الاجتماعية بعد عمليات الاحتكاك الحضاري عن طريق البعثات العلمية للجامعات الأمريكية والأوروبية. غير أن مصطلح الليبرالية لم يظهر في الثقافة الإندونيسية إلا بعد خمسينات من القرن العشرين الميلادي تقريبًا مع تطبيق الديمقراطية الليبرالية“1950- 1957”. ثم تسربت الليبرالية إلى الفكر الإسلامي في سبعينات من القرن العشرين الميلادي على أيدي المتأثرين بالفكر الغربي– كهارون ناسوتيون(5)– ، ثم تطورت مع حركة تجديد الدين– بمفهوم الغرب– التي قادها نور خالص ماجد(6)، يقول أزيوماردى أزرا(7): (عند التأمل العميق، سنجد التجديد الذي ابتدأت حركته منذ السبعينيات الميلادية يملك القدرة على الالتزام بالتراث والحفاظ عليه في إطار التحليل النقدي والمنهجي…وأفكار رجال هذه الحركة مبنية على العناية البالغة بصياغة المناهج الثابتة والشاملة في تفسير القرآن الذي يمتاز بالعقلانية، والنظرة إلى الحالة الثقافية والتاريخية، سواء كانت من نصوص الكتاب المقدسة نفسها أم من أحوال المجتمع المعاصرة التي تحتاج إلى هدايتها)(8). ولم تتشكل الليبرالية كمؤسسة أو جمعية تتبنى المشروع الليبرالي إلا في عام 2001 م مع ظهور شبكة الإسلام الليبرالي التي ضمت شرائح مختلفة من الناس– مثقفين ومدرسين وإعلاميين وطلاب وغيرهم– يجمعهم التبني بالفكر الليبرالي. وقد نشطت هذه الشبكة في نشر الفكر الليبرالي عبر وسائلها المختلفة من الكتب، والمحاضرات، والموقع الإلكتروني، وأندية الحوار والمناقشة وغيرها، ولها رموزها في الجامعات والمؤسسات الحكومية والأهلية(9).
أما الحديث عن مدارس الليبرالية في إندونيسيا فإن الليبرالية الإندونيسية انطلقت في بداية نشأتها كتيار عصراني(10)الذي (يربط بين دعوته للحرية والإسلام، مع انبهار بالحضارة الغربية، ومحاولة نسبة بعض منجزاتها المحددة للإسلام مثل الحرية الديمقراطية، والتعددية، والاعتراف بالآخر وغيرها)(11). وقد اختفى هذا التيار بأقنعة الإصلاح والتجديد مما جعل حقيقته ملتبسة على الناس.
فمن هذا المنطلق من الصعوبة تقسيم الفكر الليبرالي السائد في إندونيسيا إلى مدارس لها خصوصيتها ورموزها كما هي حالة الليبرالية الغربية، لكن يمكن القول إن الليبرالية السائدة تجمع دعاتها ورموزها مدرسة واحدة– وهي مدرسة الليبرالي الإسلامي– ، التي تهدف إلى ليبرالية العقيدة بنشر فكر التعددية الدينية “PLURALISM”، وليبرالية الشريعة بتغيير قواعد الاجتهاد، وليبرالية منهج الوحي عن طريق تجديد خطاب القرآن.
وكشف الدكتور آديان حسين(12)حقيقة هذه المدرسة بأنها نسخة أخرى لحركة ترفض الشريعة الإسلامية لتكون قوانين الدولة، وتحرص– كل الحرص– على علمنتها، كما تدعو إلى تحرير المرأة، وتسوية الإسلام بالأديان الأخرى، وتسعى جاهدة لفرض الديمقراطية الغربية(13).
يقول لطفي شوكاني(14)– مبينًا برامج المدرسة الليبرالية الإسلامية في إندونيسيا– : (أرى ثمة أربعة أمور رئيسية تجمع القضايا التي يطرحها دعاة التجديد وأصحاب الفكر الإسلامي في هذا العصر، وهي: المشروع السياسي، والتسامح الديني، ومشروع تحرير المرأة، وحرية التعبير)(15).
وقد لخص الباحث الأسترالي الدكتور غريغ بارتون(16)المشاريع الليبرالية في إندونيسيا في أربعة أمور(17):
-
تطوير الاجتهاد ليتوافق مع الوضع المعاصر.
-
الالتزام بالعقلانية والتجديد.
-
قبول الوحدة الاجتماعية ووحدة الأديان.
-
فصل الدين عن السياسة وفرض تحييد الدولة وعدم الانحياز إلى أي دين.
فعلى ضوء ما سبق تبين أن الليبرالية الإندونيسية تميزت بتقليد الحضارة الغربية وأسسها المادية، وتفسير الإسلام والقرآن تفسيرًا يطابق هوى الغربيين وآراءهم وأذواقهم(18). لهذا لم تكن رؤية هذه المدرسة واحدة، ولكن إطارها العام هو (التوفيق بين الإسلام والحداثة الغربية، والإصلاح الديني بما يتناسب مع هذه الحداثة)(19). كما أن هذه المدرسة “ذات تنوع عجيب في أشخاصها وأفكارها وأهدافهم ومقاصدهم وارتباطاتهم ومستوى آرائهم من حيث الغلو، فهي مكونة من نسيج متعدد يشكل تأويل الإسلام لموافقة العصر قاعدته المشتركة)(20).
المبحث الأول: موقف دعاة الليبرالية من ثبات الشريعة وشمولها
وقف الخطاب الليبرالي الإندونيسي من مسألتي ثبات الشريعة وشمولها موقف المعارض بالتصريح تارةً وبالتلميح تارةً أخرى، وتتمثل هذه المعارضة في الإيمان بالتغيير والتطوير في الأحكام الشرعية. فقد رأى دعاة الليبرالية أن الأحكام الشرعية بشرية، ومن ثم دعوا إلى ضرورة النظر إلى الفقه نظرة جديدة عن طريق إعادة وضعه كالمنتج الثقافي أو المنتج الحاضر في زمن معين لمجتمع معين. يقول نور خالص في هذا المعنى: «إذا قرأ أحد الفقه في السابق وإلى يومنا، فقد يبالغ في تقديسه حتى أصبح علمًا لا يناله أي نقد، بل الفقه من حيث معناه هو الفهم، وعملية الفهم لا بد لها من التفاعل المتواصل بين النص وسياق الحال؛ لأن الفقه لم يولد من الجمود، وإنما اجتهاد الفقهاء حيال مسائل زمانهم. وقد حمل الفقه في طريق تطوره مشاكل خطيرة، منها: ثبات المنظومة الفكرية القديمة، وتأخر محاولة التجديد، ومن ثم يسهل أن يوجد تكرار من غير حاجة يسبب إحداث عدم التوازن»(21).
ومن هنا نادى دعاة الليبرالية بضرورة تطوير الأحكام الشرعية وتبديلها، أو تقليص مفهومها وحصرها في جوانب ضيقة من حياة الإنسان، مستعينين في سبيل ذلك بالمناهج الغربية التي لا تعترف بالثبات وتحارب النظرية الشمولية. قال منعم سري(22) في سياق نقده لفقه السلف: «في الغالب، اقتصروا– أي: علماء السلف– على إنتاج الآراء الفقهية القديمة، ولم ينتجوا الآراء المناسبة مع الوضع المعاصر، لاسيما أن الثروة الفقهية المتاحة لم تتطرق إلا لحاجة عصرها، وليس لحاجة العصر الذي نعيش فيه، لذلك للفقه اليوم مشاكل لا بد من نقدها بالشكل العميق…فتقديرنا لاجتهادات العلماء المتقدمين لا يكون بمجرد الأخذ والقبول، وإنما بإعادة الفهم لأفكارهم الاجتهادية ومنتجاتهم»(23).
فالإسلام عند دعاة الليبرالية متأثر بالواقع لا مؤثر فيه، والإسلام الذي طبَّقه النبي
– – فضلًا عما هو دون ذلك خاص بذلك الزمن، وليس واجبًا على المسلم اتباعه في كل الأزمان. يقول فجر كورنينتو(24) مبينًا أحد أسباب الجمود الفقهي– وهو الزعم بقداسة الفقه– : (…الفقه منتج الفكر في سياق العصر والوضع المعين والمتغير…فللفقه مجال آخر يختلف عن مجال الشريعة…فهو– أي الفقه– محدود بحال مفسِّره، ولا يصلح إلا في مكان معين وزمن معين)(25)؛ لأنه– في زعمه– عبارة عن المعاني المستفادة من النصوص التي يجري تطبيقها في واقع الخلق، وهذا متغيّر متبدّل لتغير المعاني المصلحية المقصودة به التي يقتضيها الواقع المعاش. وقال– أيضًا– في الفرق بين الشريعة والفقه: (الشريعة مثل لوائح إشارية توجّه سالك الطريق كي يصل إلى هدفه بالسلامة، بخلاف الفقه فإنه مثل الفهم لذلك الطريق. فلا أحد يملك السلطة الأعلى في مجال الفقه “الفهم” ليُخَطِّئ فهم غيره، ويدّعي صحة فهمه. والفقه– دائمًا– أعطى مجالًا واسعًا لفهم ذلك الطريق، لهذا كان اختلاف آراء العلماء في تاريخ نشأة الفقه ليس أمرًا جديدًا)(26). قال حسين محمد(27): (الشريعة ليست أحكامًا، بل هي أصول ومبادئ؛ لتنظيم حياة الناس، سواء ما يتعلق بالسياسة أو القضاء أو القوانين أو الاقتصاد. وأهم هذه الأصول هو العدل)(28). فحد السرقة بهذا المفهوم ليس من الشريعة وإنما من الفقه، والشريعة أو القيمة الحقيقة من حد السرقة هي حرمة الاعتداء على مال الغير.
ويهدف دعاة الليبرالية من هذا التفريق إلى إسقاط الأحكام والحدود؛ لأنهم أخرجوها عن الشريعة وحصروها في الفقه، بينما الفقه عندهم ليس من الدين “الأصول“، كما صرَّح به حسين محمد(29).
ومن المعلوم أن فكرة التفريق التي ذهب إليها دعاة الليبرالية هي الفكرة التي ينطلق منها نصر أبو زيد(30) في كثير من أفكاره، التي يعبّر عنها بمقولة: «النص القرآني ثابت المنطوق، متحرك المحتوى»(31)، فالمحتوى القرآني كله خاضع للتغيير والحركة والتبديل.
وقال محمد الفياض داعيًا إلى إعادة تفسير الفقه: «من الضرورة إعادة التفسير الفقهي للنصوص المتعارضة عند المسلمين في موقفهم حيال الكفار– غير المسلمين– ، ولرفع رسائل الإسلام الشاملة التي تتوافق أساسًا مع الحقيقة التي تعتقدها الأديان الأخرى»(32)، وفي معناه يقول زهير مصراوي(33): «يوجد تعارض بين قيم الدين المثلى التي تعلِّم الاعتدال والعدالة والحقيقة والإنسانية، وبين تطبيق الشريعة على أرض الواقع الذي يفرض معاداة غير المسلمين ومقاطعتهم والعنف واللاإنسانية. ومن هنا الحاجة إلى إعادة قراءة الشريعة لتعطيها لونًا آخر حتى تكون رحمة للعالمين، رابطة حبل الرحمة بين سكان العالم، ناشرة السلام والحق»(34).
وقد شكَّل العمل على نفي الثبات عن الحكم الشرعي، وقصر الحكم الشرعي على مجالات محددة؛ مشروعًا قويًا في الفكر الليبرالي الإندونيسي ليتوصل به دعاته إلى النتيجة الخطيرة، ألا وهي تعطيل العمل بأحكام الشريعة كما جاءت في نصوص الوحي، التي طبَّقها رسول الله– – والصحابة من بعده، لذلك اعتبر منعم سري تعظيم العصر المعين، ووصفه بأفضل عصور الإسلام أحد أسباب جمود الفقه، يقول عن ذلك: «انتشرت في وسط ناشطي الحركات الإسلامية ظاهرة تجعل العصر المعين المعروف بعصر السلف الصالح كالعصر الذهبي للإسلام، حتى اتُخِذ– ذلك العصر– معيارًا لصحة كل أفكار وأعمال من جاء بعدهم من المسلمين، فأي فكر أو عمل ديني انتشر في عصر السلف الصالح يعتبر الأصح لقربه من عصر النبوة، ويترتب على ذلك اعتبار أي تطور صادر في عصر تقدم العلوم والتقنية مهددًا للإسلام»(35)، وفي نفس الوقت عدّ منعم سري كبار الليبراليين العرب أمثال جمال البنّا ومحمد شحرور وغيرهم من كبار الزعماء الذين لهم جهود في إعادة قراءة الفقه القديم ونقده(36).
وقد اتكأ دعاة الليبرالية على فكرة تاريخية النص الديني في نفيهم الثبات عن الحكم الشرعي وشموليته لكل زمان ومكان وللناس كافة؛ حيث تعود فكرة تاريخية النص الديني الرئيسة إلى «أن كل ما تضمنه النص الشرعي من أحكام تكليفية تتجه إلى المخاطبين به زمن تنزّله وفي ذلك الوضع المعين، أما غيرهم فإنهم لا يكونون مشمولين بتلك الأحكام، بل يجب عليهم إيجاد الأحكام التي تناسب حالهم وزمانهم»(37). يقول منعم سري معللًا ضرورة إعادة قراءة الفقه القديم: «يعتبر الفقه ثروةً يعتز بها المسلم في جانب، لكنه– في جانب آخر– يكون عائقا كبيرًا حيال معالجة المسائل الإنسانية التي لم يتطرق إليها العلماء المتقدمون؛ لأن الفقه اليوم لا يشجّع العصر الحاضر لاسيما أن شكله بسيط جدًا في مقابل تزايد مشاكل الإنسان وتطور المعرفة بشكل سريع، فتجديد الفقه لا محالة فيه كأحد الحلول»(38).
ومن هذا الباب أيضًا المشروع الذي تزّعمه نور خالص ماجد وغيره من دعاة الليبرالية تحت عنوان “الإسلام واحد ومتعدد“، والذي يهدف إلى إبراز تعدد الإسلام، وأنه ليس واحدًا، بل ثمة إسلامات متعددة تغيّرت وتباينت بتغير الأحوال والأزمان والأماكن. يقول الدكتور أزيوماردى أزرا: «الإسلام– في رأيي– متعدد، لكن البعض رفضوا هذا التعدد، وقالوا بأن الإسلام واحد. نعم، الإسلام واحد بالنظر إلى النصوص، لكن إذا دخل العقل…فالتعددية الإسلامية أمر لازم لا يمكن رفضه»(39).
مناقشة اعتراضات دعاة الليبرالية على ثبوت الشريعة وشمولها
يمكن إجمال أهم اعتراضاتهم على ثبوت الشريعة وشمولها في الاعتراضين الرئيسين الآتيين:
-
القول بتغير الأحكام الشرعية وتطورها.
وكشف ما في هذا الاعتراض من غلط وخلل يتحصل بالأمور التالية:
-
إن القول بتغير الأحكام الشرعية وتطورها قائم على مقدمة غير صحيحة، وهي القول بأن جميع الأمور متغيرة ومتطورة، ومن ثم فالأحكام الشرعية متغيرة ومتطورة. وهي مقدمة مبنية على قياس الأحكام الشرعية المنزّلة من عند الخالق بالأمور المخلوقة. ولا شك في بطلان هذا القياس؛ لأنه قياس مع الفارق وجمع بين النقيضين، وإذا بطل القياس بطلت النتيجة، ومن ثم فلا يصح دعوى تغير الأحكام الشرعية وتطورها.
-
ثم إن فكرة التطور في كل شيء الذي طرحه دارون لا تخلو من الاعتراضات التي حُكِم في النهاية على بطلانها(40). فكيف يصح إخضاع الأحكام الشرعية المنزّلة من عند الله– تبارك وتعالى– وقياسها على فكرة باطلة.
-
إن القول بتطور الشريعة وتغيرها سينتهي في نهاية الأمر إلى القول بإلغائها، وجعل الدين بكامله (طيّعًا مرنًا يتشرّب ما عند الآخرين، ويلفّق عقائده وأحكامه من ثقافات الشعوب وتجارب الأمم تحت شعار مسايرة العصر والتفاعل مع الواقع، ثم يُضفَى على ذلك كله اسم الإسلام)(41).
-
لقد ترتبت على القول بتطور الدين مفاسد كبيرة، من أخطرها:
وإذا اتضح بطلان القول بتطور الشريعة؛ بطلت سائر الدعاوى الليبرالية التي تتفرع من هذا القول، كدعوتهم إلى ضرورة النظرة الجديدة للفقه أو إعادة وضعه، أو دعواهم أن الأحكام الشرعية كالمنتج الثقافي أو المنتج الحاضر في زمن معين لمجتمع معين، أو دعوتهم إلى تطوير الأحكام الشرعية وتبديلها، أو إلى تقليص مفهومها وحصرها على جوانب ضيقة من حياة الإنسان، أو دعواهم ببشرية الأحكام الشرعية، أو التفريق بين الشريعة والفقه، وغيرها من الدعاوى الباطلة.
-
القول بتاريخية النص الديني.
وهذا الاعتراض ليس جديدًا على الفكر الديني، فقد كانت التاريخية مقولةً علمانيةً ثم أضحت من المفاهيم الإجرائية التي يوظّفها الخطاب العلماني في قراءته للنص الديني(44)، وهو لا يختلف عن الاعتراض السابق في التلبّس بالخطأ، والاعتماد على المقدمة الباطلة أو غير الملزمة.
أما إبطال فكرة تاريخية النص الديني، فيتحصل ذلك بالأمور التالية(45):
-
إن تاريخية النص الديني مقولة غير إسلامية، والأخذ بها منزع غير إسلامي، وليست خاصيةً ذاتيةً من خواص النص الديني الإسلامي، بل هي مقولة غربية مستحدثة، تأسست في خضم الصراع بين الفكر الديني والفكر الوضعي في الغرب.
-
لقد انعكست دعوى التاريخية سلبًا على الفكر الإسلامي، فقد كانت أخطر تجليات هذا الصدام بشكل خاص مع العقيدة الإسلامية…فتاريخية النص تهدف في النهاية إلى تغيير محاور الاهتمام في العقيدة؛ إذ اعتُبِر الإنسان بدل الإله، والعقل بدل الوحي، وفي هذا صارت التاريخية موقفًا إلحاديًا يخالف العقيدة الإسلامية.
-
إن تاريخية النص الديني التي وظّفها الخطاب الليبرالي الإندونيسي جعلته متعسفًا لا يراعي حقوق النصوص الشرعية؛ بحيث تُقرأ تلك النصوص بغير آلياتها، أو إخضاعها لغير مناهجها كاعتمادها على العلوم الإنسانية، والكتابة عنها بغير لغتها. هذا ما يؤكد أن الخطاب الليبرالي في قراءته للنص الديني لم يكن يُنجز قراءةً إبداعيةً بقدر ما كان يقلد منجزات القراءة الغربية حول نص الكتاب المقدس والعمل على سحبها على النص الديني الإسلامي.
-
إن دعوى التاريخية تتضمن مضامين خطيرة: كالدعوة إلى التحرر من سلطة الوحي وأحكامه، ونفي حقيقة ثابتة للنص– وعلى فرض وجودها فهي نسبية– ، ونفي القداسة عن النص وجعله حقلًا للمناقشة والنقد الهدام.
-
إن دعوى تاريخية النص الديني تفتح الباب على مصراعيه للعبث بنصوص الكتاب والسنة، والقبول بما يوافق الأهواء ورفض ما لا يوافقها، بحجة أن الأحكام التي دلت عليها تلك النصوص مخصوصة بأسباب خاصة ومقصورة في تاريخ معين، وهو ما يسقط من الشريعة الإسلامية شمولها وثبوتها.
إذن فدعوى تاريخية النص الديني حقيقتها مذهب يعمل على مناهضة الفكر الديني، بل الدين ذاته؛ لأنها تركّز على الأنسنة بدل الألوهية، وعلى العقل بدل الوحي، وعلى الدنيا دون الآخرة، تماشيًا مع طبيعة موضوعها وهو الإنجازات البشرية وليست الحقائق الدينية. وعلى ضوئها يمكن إبطال القول بتاريخية الشريعة؛ لأن الأصل الذي بُني عليها وهو فكرة تاريخية النص الديني قد بطل، فإذا سقط الأصل بطل الفرع.
وعلى ضوء ما سبق تبين تميز الخطاب الليبرالي الإندونيسي بخاصية نفي ثبات الشريعة وشموليتها، وفي المقابل نجد أن الثبات والشمولية خاصية تتميز بها الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع «فهو الذي يحفظ للمجتمع المسلم تميزه واستقلاله، وهو الذي يحفظه من الذوبان والفناء في المجتمعات الأخرى، كما أنه يحمي المجتمع من الانجرار وراء أمراض الهوى وشهوات القوى المسيطرة، بل هو الذي يحفظ للشريعة توازنها وعدالتها من أن تعبث بها أهواء القوى المختلفة وتشوهها بلعبة الديمقراطية وغيره»(46)، ولم تتصف الشريعة الإسلامية بالثبات المجرد، بل تجمع معه المرونة ورفع الحرج بضوابط معلومة عند الفقهاء. فــ«أحكام الشريعة مع ثباتها وروسخ قواعدها وكلياتها لم تكن جامدةً صلبةً، بل فيها من المرونة والمواكبة للتغيرات الزمانية والمكانية، الأمر الذي جعلها أيضًا خالدة باقية لا يضرها ظهور الجديد من المكتشفات وتطور الأمم والمجتمعات»(47).
المبحث الثاني: موقف الاتجاه الفكري الليبرالي الإندونيسي من تحكيم الشريعة
بعد معرفة موقف الاتجاه الفكري الليبرالي الإندونيسي من ثبات الشريعة وشمولها، لابد من معرفة قضية أخرى لها ارتباط وثيق بموقف دعاة الليبرالية من الأحكام الشرعية، وهي قضية تحكيم الشريعة، فما موقف دعاة الليبرالية في إندونيسيا منها؟
وقد وقف دعاة الليبرالية موقفًا رافضًا لتحكيم الشريعة. وجاء البيان حول تطبيق الشريعة في موقع الإسلام الليبرالي الإندونيسي ما نصه: «سينشأ العديد من الآثار السلبية جراء فرض تطبيق الشريعة الإسلامية في إندونيسيا، من مشكلة الفقر، وغياب العدل الحكمي، وحتى انتهاك الحقوق الوطنية بسبب مركزية السلطة في تفسير واحد. أول الضحايا سيسقط جراء تطبيق الشريعة هي المرأة، والأقلية غير المسلمة، والمساكين»(48). وقد احتجوا على ذلك بالاعتراضات الباطلة، من أهمها(49):
-
قولهم بتعدد الإسلام.
يقول أحد دعاة الليبرالية– منكرًا– تطبيق الحكم الإسلامي: «حكم الإسلام على أي مذهب سيُطبق؟…لأنه لا يقل عن أربعة مذاهب فقهية متبوعة في إندونيسيا»(50).
ومعنى هذا الاعتراض أن المسلمين علماءهم وعامتهم قد اختلفوا في تفسير الشريعة وإقامة أحكامها عبر القرون في تاريخ الإسلام، فالمطالبة بتحكيم شريعة غير متفق عليها عبث لا جدوى فيه.
المناقشة:
ويمكن بيان ما في هذا الاعتراض من الخطأ بالأمور التالية:
-
إن الاعتراض على تحكيم الشريعة بحجة تعدد التفسيرات هو منازعة لله فيما قدّره وأمر به، وتوهّم نقص في كمال حكمته؛ لأن الاختلاف أمر حتمي بين الشرع والقدر، وهو سنة كونية قدّرها الله بين عباده. ثم إن الاختلاف في معرفة الأحكام أو تحكيمها على الواقع ليس أمرًا جديدًا، بل إنه موجود منذ العهد الأول الذي شهد التنزيل. وقد أرشد الله– – حين الاختلاف بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فبناءً على هذا البيان بطل الاعتراض على تحكيم الشريعة بحجة وجود الاختلاف بين المنتسبين إليها.
-
إن وجود اختلاف في التفسير لأي فكرة أو مذهب أو قيمة لا يجعلها ملغاة لا معنى لها؛ لأن الاختلاف واقع في كل الأفكار، والمثال على ذلك أن مفهوم الديمقراطية والحرية وغيرهما من الأفكار السائدة في هذا العصر وقع فيها اختلاف كبير، وتعددت المدارس والاتجاهات في تفسيرها وتأويلها، فلم يقل أحد من مؤيديها أن وجود هذا الاختلاف يستلزم إلغاءها أو الشك في مضمونها.
-
إن الإعراض عن الشريعة بزعم تضارب التفسيرات منهجية مختلفة في التصوّرات يسلكها بعض ذوي التوجهات المحادة للإسلام؛ لأنهم أساسًا يرفضون مرجعية الشريعة، لكنهم يتخذون الاختلاف في الفهم غطاء لمحادتهم وذريعة لإقناع الناس برفضهم، أو على أقل الأحوال أن هذه المعارضة الحقيقة إنما هي تعبير عن حال إعراض وكسل وضعف في البحث والعناية بتحكيم الشريعة(51).
-
وقولهم: إن الإسلام مناسب لعصر نزوله فحسب، أما اليوم فقد تجاوزته البشرية.
يقول الدكتور أزيوماردى أزرا– زاعمًا– عدم صلاحية تطبيق الشريعة للعصر الحديث؛ لاختلاف الوضع الثقافي والاجتماعي في عصر النبوة: «وهذا أحد الأدلة التي نسمعها كثيرًا بأن تطبيق أحكام الشريعة أو الفقه– خاصةً– في الحدود غير مناسب بحسب علم الاجتماع والتاريخ؛ لأن وضع المسلمين الاجتماعي اليوم يختلف عن وضع المسلمين الاجتماعي في عصر النبوة، لذلك يحتاج إلى التجديد في صياغة جوانب التفكير الفقهي خاصة ما يتعلق بالحدود»(52). ورأى أولى الأبصار أن قتل تارك الصلاة– باعتباره مرتدًا– لا يوافق الزمن المعاصر ولا يناسب تطبيقه في عصرنا اليوم(53).
ومعنى الاعتراض السابق أن التشريع الإسلامي نزل في زمن خاص له ظروفه التاريخي المعين، فتطبيقه في زماننا لم يعد ممكنا لحصول المتغيرات والمستجدات التي تحجز ذات التشريع القديم(54).
المناقشة:
ويمكن الرد على هذا الاعتراض بالأمور التالية:
-
الشريعة الإسلامية ربانية، تتسم بالكمال والسمو والديمومة، كما أن بها من السمات المزدوجة كالثبات في مقابل المرونة، والخلود في مقابل التطور ما يجعلها صالحة لكل زمان ومكان.
-
شريعة الإسلام شهد لصلاحيتها الوحي والتاريخ والواقع، في حين أن القوانين الوضعية البشرية تثبت دائمًا فشلها، مما يقتضي تغييرها بين الحين والآخر، ونجاح الشريعة في تحقيق الخير للمجتمع الإسلامي خير دليل على أفضليتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
-
أن تصوّر الدعوة إلى تحكيم الشريعة بأنها دعوة إلى استنساخ تاريخي يطابَق فيه بين حاضر وماض، أو دعوة إلى نماذج سياسية معينة يستلزم تطبيقها هدم جميع النظم المعاصرة وتفكيك مؤسساتها ؛تصوّر بعيد جدًا عن الشريعة وواقعيتها وطبيعة أحكامها.
-
إن تصوّر تعسّر تحكيم الشريعة في الواقع المعاصر تصوّر غير سليم؛ لأن المطالبة بتطبيق الشريعة ترتهن لقواعد الإمكان والمصلحة والمفسدة، ويُتَدرج في تطبيق ما لا يمكن؛ لأن ما لا يمكن تطبيقه غير واجب، بل إن التدرج هو من تطبيق الشريعة شريطة أن يكون التزام صادق بها، وإلا كان ذريعةً لإبعاد الشريعة لا تدرجاً في تطبيقها(55).
-
وقولهم: إن الحال التي وصل إليها المسلمون من الضعف والهوان دليل على عدم صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان.
ومعنى هذا الاعتراض «أن التطبيقات الواقعية والمحاولات القائمة لتحكيم الشريعة هي تطبيقات ومحاولات فاشلة وفاسدة طالها التشويه والانحراف عن حقيقة الشريعة والانسياق معها، ومطاوعة الدعوات التي تنادي بتحكيم الشريعة إنما هو سعي في مزيد من التطبيقات المشوهة»(56). قال مسلم عبد الرحمن(57): «سينشأ العديد من الآثار السلبية جراء فرض تطبيق الشريعة الإسلامية في إندونيسيا، من مشكلة الفقر، وغياب العدل الحكمي، وحتى انتهاك الحقوق الوطنية بسبب مركزية السلطة في تفسير واحد. أول الضحايا سيسقط جراء تطبيق الشريعة هي المرأة، والأقلية غير المسلمة، والمساكين»(58)، وقال آخر: «قضية تطبيق الشريعة الإسلامية في أتشيه، أو أفغانستان، أم السعودية، والسودان دليل على استغلال الفقه ليكون ترسًا تحفظ به السلطة ومراقبًا للمجتمع. والانتهاك على الحقوق الإنسانية واقع بالشكل اليومي في تلك الدول»(59).
المناقشة: وبيان ما في هذا الاعتراض من بطلان يتجلى في الأمور التالية:
-
إن هذا الاعتراض قائم على مقدمة غير صحيحة، وهي الاستدلال على بطلان الشيء وفساده بوجود تجارب مشوهة حول تطبيقه. فدعاة الليبرالية حين رأوا وجود تجارب مُشَوّهة حول تطبيق الشريعة، أخذوا من ذلك دليلًا على بطلان تحكيم الشريعة ذاته، ولكن هذا حكم باطل لا دليل عليه، ولا يوجد برهان يسنده. فالقول بأن وجود تطبيقات ومحاولات فاشلة وفاسدة لتحكيم الشريعة، يسبب فساد تلك الشريعة وعدم صلاحيتها غير صحيح، ولا هو متسق مع طبيعة الواقع الإنساني.
-
ثم إنّا لو أخذنا بتلك المقدمة– أي: أن التجارب سبب لتشويه المفاهيم والتزهيد بها– فإننا سنحكم على كثير من الأمور بالبطلان والفساد، ومن أولها الأنظمة المعاصرة من الديمقراطية أو الحرية أو الليبرالية، فإنها وإن كانت شعارات برّاقة إلا أن تطبيقها لا يكاد يخلو من الظلم والقمع وانتهاك الحقوق.
-
أن هناك مسافة فاصلة بين المفهوم والتطبيق، أو بين المبدأ والتجربة. فوجود خلل في التطبيق أو التجربة لا يلزم منه وجود خلل في المفهوم أو المبدأ. وإذا تحقق وجود الخلل فالتفكير الصحيح يفرض أن تُعَالج تلك التطبيقات والتجارب، لا أن يُتَخذ من الخلل الواقع فيها ذريعة لهدم المفاهيم والمبادئ(60).
-
وقولهم: إن تطبيق الشريعة الإسلامية ظلم لغير المسلمين والتعدي عليهم.
ومضمون هذا الاعتراض هو أن دعاة الليبرالية يدّعون أن أحكام الشريعة الإسلامية لا يمكن تطبيقها في المجتمعات الإسلامية؛ وذلك لوجود أقليات غير المسلمة بها، كما يزعمون أن تطبيقها في هذه الحالة نقضٌ لمبدأ الحرية التي ينادي بها الإسلام، وظلم لغير المسلمين والتعدي عليهم. قال “أولى الأبصار” معترضًا على تطبيق القانون الإسلامي في منطقة أتشيه: «ينبغي تطبيق قانون أتشيه رقم: 6/2014 حول حكم الجناية على المسلمين فقط، ولا يُطبّق على غير المسلمين…ليس من العدل. فلا يمكن تطبيق الأحكام الدينية على غير المسلمين»(61)، ورأى أن حكم الجلد قديم ومتخلف، وفيه إهانة على المحكوم عليه قائلًا: «كما حصل في أوروبا في القرون الوسطى؛ حيث إذا ارتكب أحد فجورا أُخذ به ويطوف به الناس حول القرية…وهذا لا يربّي»(62).
ولا شك في بطلان هذا الاعتراض لمن له أدنى معرفة بخصائص الإسلام وشريعته العظيمة؛ إذ إن هذا الاعتراض مبني على أوهام خاطئة ومسلمات لا برهان عليها، وكشف ما فيه من خلل وغلط يتحصل بالأمور التالية:
-
إن شريعة الإسلام تصلح للتطبيق في كل مكان، إذ إن لها مؤهلات تؤهلها لصلاحية التطبيق في كل زمان ومكان، منها: شيوع العدل فيها، والمساواة بين الناس بلا اعتراف بفوارق أو طبقات بالضوابط الشرعية، والتكافل الاجتماعي، والتسامح مع المخالفين، وأنها شريعة تقيم حضارة زاهرة من العلم والإيمان، وغيرها من المؤهلات.
-
أثبت التاريخ أن فترات حكم المسلمين بالشريعة كانت أروع صفحات في الحكم من حيث العدل، والرحمة، وشيوع الخير.
-
الإسلام دين السماحة، فهو لا يفرض عقيدته على غيره، إنما من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، كما أنه يحسن معاملة غير المسلمين؛ وذلك بشهادة النصارى أنفسهم على ذلك. وقد ذكر القس كولن تشابمان جزءًا من الوثيقة التي وقّعها عمر بينه وبين سكان البلدة؛ حيث كتب فيها– – : «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا هو الضمان الذى مُنح لسكان “آيليا” من قِبَل خادم الله عمر، فهو يُؤَمنُهم على أشخاصهم، وبضائعهم، وكنائسهم، وصلبانهم– سواء كانت هذه في حالة سيئة– وعلى عبادتهم بصفة عامة…ولن تُصادر كنائسهم أو تُدمر… ولن تُفرض عليهم أي قيود في موضوع الدين، ولن يتعرض أحد منهم للمضايقة»(63). وقال المؤرخ أنجليوس رابوبور– مبينًا– نظرة اليهود إلى تلك الوثيقة: «يجب أن نعترف بأن إعلانًا كهذا في بداية القرن الوسيط– وقد التزمت به كل الجيوش الإسلامية عامة– هو إعلان حافل بالإنصاف، فهو يتنفس عدالةً وتسامحًا، وما استطاع أباطرة بيزنطة ولا أساقفة الكنيسة أن يُعبِّروا مُطلقًا عن مشاعر من هذا القبيل باسم ذلك الذى دعاهم إلى دين الحب. فإن وثيقة كإعلان الخليفة كانت كفيلة بإحداث تأثير عميق، لا في روح اليهود فحسب، بل في روح نصارى سورية وفلسطين، وبعضهم كان يعانى من الظلم والطغيان، في حين كان الآخرون يعانون من اضطهاد الكنيسة التابعة لدولة جَرَّاءَ ما يعتنقون من آراء دينية مختلفة، وكان الجميع يتحملون أغلال الموظفين وأعباء الضرائب الباهظة»(64).
-
قد أطلق الإسلام على اليهود والنصارى– إن كانوا يعيشون مع المسلمين في بلد إسلامي– اسمين يوحيان بمعانٍ كريمة، هما: “أهل الكتاب” و“أهل الذمة“، وفيهما إشارة بأنهم في الأصل أصحاب كتاب سماوي، وبأن لهم ذمة الله وذمة رسوله، أي: عهدهما مما يوحي أنهم لن يؤذوا ولن تهدر حقوقهم أو تنتهك حرماتهم، هذا كله غير الأحاديث التي تحرّم قتل المعاهدين أو ظلمهم أو سلبهم حقًا من حقوقهم(65).
المبحث الثالث: أمثلة تطبيقية على موقف دعاة الليبرالية من أحكام الشريعة
هناك بعض الأمثلة تبين حقيقة موقف الليبرالية في إندونيسيا من الشريعة الإسلامية. ويمكن إدراج تلك الأمثلة تحت القواعد الثلاثة التي اعتمد عليها دعاة الليبرالية في إندونيسيا كثيرًا في دعواهم ليبرالية الأحكام الشرعية. وفيما يلي عرض تلك القواعد والأمثلة المندرجة تحت كل القاعدة مع مناقشتها:
-
القاعدة الأولى: المقاصد.
مقاصد الشريعة هي «المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظَمِها. وتدخل في ذلك أوصاف الشريعة وغاياتها العامة، والمعاني التي لا يخلو التشريع من ملاحظتها. وكذلك ما يكون من معانٍ من الحكم لم تكن ملحوظة في سائر أنواع الأحكام، ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها»(66).
لا يشك أحد في أن كل شريعة شرعها الله للناس ترمي أحكامها إلى مقاصد مرادة لمشرّعها الحكيم– – ؛ إذ قد ثبت بالأدلة القطعية أنّ الله لا يفعل الأشياء عبثاً، دلّ على ذلك صنعه في الخلقة(67). لكن دعاة الليبرالية في إندونيسيا اعتمدوا على الفهم المقاصدي مخالفين فهم مقاصد الشرع لدى السلف الصالح؛ حيث غلوا فيها، فجعلوا المقاصد حاكمة على النصوص(68). فـ«النصوص عندهم يجب أن تفهم وتؤول على ضوء المقاصد، ونصوص الحديث يحكم على صحتها أو ضعفها لا حسب منهج المحدثين في تحقيق الروايات وإنما حسب موافقتها أو مخالفتها للمقاصد»(69). كما أنهم جعلوا العقل معيارًا تُضبط به المقاصد، فما رآه حسنًا قبله، وما رآه باطلًا رده، حتى وإن عارض العقلُ النصوص.
قال “عبد المقسط” تعليقًا على القاعدة المزعومة “العبرة بالمقاصد لا بالألفاظ“: «تعنى هذه القاعدة أنه ينبغي للمجتهد أن تكون المقاصد نصب عنايته في استناط الأحكام من القرآن والسنة لا حروفه أو عباراته. الغاية من الآية هي مقاصدها لا صياغتها»(70)، وقال أيضًا: «المقاصد الشرعية هي المصدر لكل الأحكام في الإسلام، كما أنه مصدر للقرآن نفسه. لو وجد نص من القرآن والسنة– ناهيك عن التفسير والفقه– لا ينادى بالمقاصد، فإنه باطل، بل لا بد من إبطاله من أجل تلك المقاصد»(71). وقال “أولى الأبصار” نافيًا الأحكام الشرعية بحجة المقاصد: «أرى عدم وجود ما يسمى بحكم الرب كما يفهمه معظم المسلمين، كحكم الرب في السرقة وفي البيع أو الشراء، وفي النكاح أو الحكومة وغيرها من الأحكام، إنما هي أسس عامة شاملة تسمى بالمقاصد الشرعية أو أهداف الشريعة الإسلامية العامة»(72).
المناقشة:
وكشف ما في التوظيف الليبرالي للمقاصد من بطلان يتحصل بالأمور التالية:
-
إن الخطاب الليبرالي الإندونيسي لم يقدِّم بيانًا لمفهوم المقاصد والمضامين المعرفية التي يقدّمها على النص الشرعي ويجعلها متحكِّمة فيه.
-
وقد أدّى غموض النظرة المقاصدية الليبرالية وعدم وضوحها إلى تعميم ذلك في الأحكام الشرعية، ويبقى الباب مفتوحاً لتبدُّل أحكام الشريعة القطعية.
-
إن النظرة المقاصدية الليبرالية طغى عليها الطابع المادي مع الإغفال الشديد عن المقاصد المعنوية.
-
إن التوظيف الليبرالي للمقاصد يتصف بالانتقائية في الاستدلال بالنصوص الشرعية. وهي منهج منحرف قد حذّر القرآن منها.
-
إن النظرة المقاصدية التي اعتمدها الخطاب الليبرالي تؤدي بالضرورة إلى إزالة مرجعية الشريعة في الحياة؛ فتتغير أحكامها بتغيُّر مصالح الناس وتتبدل بتبدُّلها.
-
افتقد المنتج الليبرالي المصداقية في التعامل مع النظرة المقاصدية؛ لأنه إذا كان المقصد من حدِّ السرقة الحفاظ على أموال الناس، فإن هذا يعني أنه إذا ازداد الفساد في المجتمع وازدادت معدلات السطو على الممتلكات ازداد مقدر العقوبة لا أن يغير شكلها ويخفف منها(73).
ومما سبق يتبين لنا حقيقة التوظيف الليبرالي الإندونيسي للمقاصد، وأنه لا يعدو أن يكون دعوة إلى العلمانية؛ حيث دعت نظرتهم المقاصدية إلى تحقيق مقاصد العلمانية كالحرية المنفلتة، أو المساواة المطلقة…إلخ، ثم جعل العقل والهوى معيارًا في وضع الأحكام وتحديد الطرق المحققة لتلك المقاصد، دون الرجوع إلى القرآن والسنة.
وأما الأحكام الشرعية التي قام دعاة الليبرالية بتغييرها بحجة المقاصد فهي كالتالي:
-
جواز الوقوف بعرفة في غير اليوم التاسع من ذي الحجة.
ومن أجل المقاصد أجاز مصدر مسعودي(74) الوقوف بعرفة في غير اليوم التاسع من ذي الحجة(75)، وزعم أن وقوف الحجاج في هذا اليوم الوحيد يسبب المشاكل والمشقة التي تعارض مقصد التيسير الديني. فمن أجل تحقيق هذا المقصد، رأى مسعودي تمديد أيام الحج، فبدلًا من أن تقتصر على خمسة أيام من شهر ذي الحجة فحسب، جوّز أن تكون أيام الحج ممتدة ثلاثة أشهر كما أشار إلى ذلك قوله– – : ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾[البقرة: 197]، ومن ثم يجوز الوقوف بعرفة في أحد أيام هذه الأشهر الثلاثة– حسب زعمه– (76).
مناقشة المثال:
أصل الغلط في احتجاج مسعودي بالمقاصد هو توهم التعارض بين مقصد التيسير والنص الشرعي الذي حدَّد اليوم التاسع من ذي الحجة للوقوف بعرفة. وهذا الموقف خلاف ما يجب على المسلم حيال النص الشرعي وهو التسليم له. وعلى فرض وجود توهم التعارض بين النص الشرعي والمقصد من مقاصد الشريعة المعتبرة، فالحل هو إعمال الجمع بينهما إن أمكن، وإلا فالترجيح بضوابطه المعروفة عند العلماء، ومن أهم هذه الضوابط تقديم النص على المقصد حين توهم التعارض. وليس الأمر كما ذهب إليه مسعودي من تقديم المقصد على النص وتأويله ليوافق ما رآه.
جواز التهنئة وحضور عيد ميلاد المسيح خاصة أو بأعياد الكفار عمومًا.
أجاز دعاة الليبرالية التهنئة وحضور عيد ميلاد المسيح خاصة أو بأعياد الكفار الأخرى عمومًا، قال “عبد المقسط“: «أرى إعادة النظر في تحريم التهنئة بعيد المسيح»(77)، وقال “أولى الأبصار“: «لا يوجد تحريم التهنئة بعيد المسيح في القرآن والسنة…كالنصراني الذي يهنئ المسلم بعيد الفطر لا يلزم أنه يؤمن بالتوحيد»(78). وقد احتجوا على ذلك بالمقاصد؛ حيث ادعوا بأن المقصد من التهنئة بعيد الكفار وحضورها هو تثبيت الصداقة والإخاء الاجتماعي. فعليه أجازوا التهنئة بعيد الكفار وحضورها من أجل تحقيق مصلحة الصداقة والأخوّة الإنسانية(79).
مناقشة المثال:
إن التهنئة بعيد الكفار حرام بإجماع المسلمين، كما نقل ذلك الإمام ابن القيم– رحمه الله– ؛ حيث قال: «وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يُهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنئ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلِمَ قائله من الكفر فهو من المحرّمات، وهو بمنزلة أن تُهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله، وأشدّ مَـقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدِّين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّـأ عبد بمعصية أو بدعة أو كـُـفْرٍ فقد تعرّض لِمقت الله وسخطه»(80)، وقد دلَّ على حرمة التهنئة بعيد الكفار عدد من الأدلة، منها:
-
حديث ثَابِت بْن الضَّحَّاكِ– – (81)، قال: نذر رجل على عهد رسول الله– – أن ينحر إبلًا ببوانة، فأتى رسول الله– – فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال رسول الله– صلى الله عليه وسلم– : (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد)؟، قالوا: لا، قال: (هل كان فيها عيد من أعيادهم)؟، قالوا: لا، قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم– : (أوفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)(82). وموطن الشاهد من الحديث هو قوله : (هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ ). ووجه الدلالة منه على حرمة التهنئة بعيد الكفار وحضوره أن يقال: إن مجرد استخدام المكان لإقامة عيد الكفار دليل على تعظيمه، فنهي النبي– – عن الوفاء بالنذر فيه، فالنهي عن تهنئة بعيد الكفار نفسه أو حضوره من باب أولى؛ لما فيه من التعظيم الأكبر.
-
حديث أَنَس بْن مَالِكٍ– (83)– ، قَالَ: قدم رسول الله– صلى الله عليه وسلم– المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال رسول الله– صلى الله عليه وسلم– : (ما هذان اليومان)؟، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، قال: (إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الفطر، ويوم النحر)(84). ووجه الدلالة من الحديث على حرمة التهنئة بعيد الكفار وحضوره، أن النبي– – شرع لأمته عيدي الفطر والأضحى ونفى ما عداهما من الأعياد، وهذا النفي يستلزم نفي ما يتعلق بهذه الأعياد المنسوخة من الشعائر كالتهنئة بها أو حضورها.
-
قوله– – : ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾[الفرقان: 72]، وقد فسَّر عدد من السلف منهم أبو العالية(85)، وطاووس(86)، ومحمد بن سيرين(87)، والضحاك(88)، والربيع بن أنس(89)، وغيرهم– رحمهم الله– ﴿الزُّورَ﴾ في الآية، بأنها أعياد المشركين(90). أما وجه الدلالة من الآية على حرمة التهنئة بعيد الكفار فيقال: إن مفهوم الآية يدل على أن حضور أعياد الكفار ليس من صفات عباد الرحمن؛ لأنه ينقص العبودية؛ فلذلك نفاه الله عن عباده المؤمنين. فنفي حضور أعياد الكفار يتضمن نفي التهنئة بها.
-
إن التهنئة بعيد الكفار أو حضوره يستلزم الإقرار لما هم عليه من شعائر الكفر، والرِضى به لهم، وقد نهى الله– – عن الميل إلى الذين ظلموا من الكفار، فقال– – : ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾[هود: 113]، كما أنه– – نهى عن القعود في مجلس كفر، فقال : ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ النساء: 140، ثم إن الأدلة التي اعتمد عليها دعاة الليبرالية على تجويز التهنئة بعيد الكفار وحضوره لم تسلم من الاعتراضات والتناقضات التي يمكن إجمالها في النقاط التالية:
أما الاحتجاج بالمقاصد على تجويز التهنئة بعيد الكفار فغير مسلَّم به؛ لأمور منها:
-
إنه لا يصح الاحتجاج بالمقاصد عند وجود النص، لاسيما إذا ترتب على ذلك مخالفة النص؛ لأن الحجة لاتكون إلا بالنصوص الشرعية لا بالمقاصد، إنما يُؤتى بها من أجل الاستئناس لا الاحتجاج.
-
إن دعوى تحقق المقاصد والمصالح في تجويز التهنئة بعيد الكفار فيها نظر، بل إن حصول المفاسد بسبب تجويز التهنئة بعيد الكفار أكبر من تحقق المقاصد على فرض وجودها. فلا يستقيم الاستئناس بالمقاصد في تجويز التهنئة بعيد الكفار فضلًا عن الاحتجاج بها.
جواز نكاح المسلمة من الكافر.
ذهب دعاة الليبرالية إلى جواز نكاح المسلمة من الكافر. واحتجوا على ذلك بالمقاصد. قال كوثر أزهري: «إن مقصد النكاح هو ربط حبل المودة والرحمة، ففي وسط توتر العلاقة بين الأديان اليوم، يمكن أن يكون الزواج بين الأديان وسيلة لبناء التسامح والتفاهم بين أتباعها»(91).
وقالت مسداه موليا– محرفة– قوله– – : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ الممتحنة: 10،: «إذا فهمنا سياق تلك الآية وقت نزولها فإن هذا النهي مقبول؛ لأن كفار قريش يعادون النبي– – وأتباعه– – أشد العداوة. فسياق الآية يدل على أنها نزلت وقت الحرب بين المؤمنين والكفار، فقصد النهي عن الإمساك بعصم الكوافر هو تحديد العدو ومعرفته من الرفيق…فإذا انتفت حالة الحرب، ارتفع ذلك النهي بنفسه»(92).
مناقشة المثال:
إن الاحتجاج بالمقاصد على تحليل نكاح المسلمة من الكافر غير مستقيم؛ لأنه احتجاج قائم على الاستنتاج الخاطئ، فإن حرمة نكاح المسلمة من الكافر لا تتعارض مع التسامح أو التفاهم أو الحرية التي دعا إليها الإسلام، فالمقاصد التي احتج بها دعاة الليبرالية غير معتبرة شرعًا وعقلًا. أما الشرع فقد جاءت نصوصه الصريحة بالتحريم مُنَاقِضَة للمقاصد الليبرالية، وأما العقل فإنه يؤكد على عدم تلازم التعارض بين مقصد التعارف بين أتباع الأديان، أو التسامح والتفاهم بينهم، أو الحرية التي دعا إليها الإسلام، وبين الالتزام بتحريم نكاح المسلمة من الكافر، والمسلم يمكنه أن يترك هذا النهي، وهو مع ذلك يتعارف مع غير المسلمين، ويتسامح معهم، ويراعي حريتهم وفق الضوابط الشرعية.
الحدود الشرعية.
إن أحكام الحدود من أكثر الأحكام الشرعية اعتراضًا من قبل دعاة الليبرالية، وقد وقفوا منها موقفًا رافضًا تمام الرفض مستندين في ذلك على بعض الحجج الضعيفة، من أبرزها: المصلحة أو المقاصد؛ كزعمهم أن قطع يد السارق إذا حقق المصلحة في المجتمع العربي زمن نزوله، فإنه لم يعد يحقق نفس المصلحة في المجتمع غير العربي في هذا العصر(93).
مناقشة المثال:
إن اعتراض دعاة الليبرالية على تطبيق أحكام الحدود بحجة تغير المقاصد؛ بحيث لم تعد مقاصد تلك الحدود زمن نزولها تنطبق على المقاصد المعاصرة– كما زعموا– فإنه اعتراض غير مُسلَّم به؛ لأنه مبني على الاستنتاج الخاطئ، فإن المقاصد وإن تجددت بحسب الحال والمكان فإنها لا تلزم أن تغير الحكم الثابت، بل قد تضاف تلك المقاصد الجديدة– إن وجدت– إلى جنب المقاصد القديمة؛ لتؤكد ضرورة العمل بذلك الحكم الثابت. كما أن الواقع يشهد ببطلان الاعتراض على تطبيق أحكام الحدود بحجة تغير المقاصد؛ حيث إن مقاصد الحدود ما تزال تتحقق يومًا بعد يوم، لاسيما في زمننا الذي يغيب فيه تطبيق أحكام الحدود في كثير من بلدان المسلمين.
-
القاعدة الثانية: المصلحة.
المصلحة هي «المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم ونفسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم، ودفع ما يفوت هذه الأصول أو يخل بها،»(94). وهي ثلاثة أنواع(95):
-
ما شهد الشرع باعتبارها، فهو حجة؛ كتحريم الخمر لحفظ العقل.
-
ما شهد الشرع بإلغائها، فليس بحجة، بل إن هذا النوع من المصلحة مما اتفق على إبطاله؛ كالقول بتساوي الأخ والأخت في المقدار الموروث، للأخوة الجامعة بينهما.
-
ما لم يشهد الشرع باعتبار ولا إلغاء، بل سكتت عنها الشواهد الخاصة في الشرع(96)التي تدل على الاعتبار أو الإلغاء، وهو ما يسمى بالمصلحة المرسلة.
أما حكم الاحتجاج بالمصلحة المرسلة فالحاصل «أن الصحابة– – كانوا يتعلقون بالمصالح المرسلة التي لم يدل دليل على إلغائها، ولم تعارضها مفسدة راجحة أو مساوية، وأن جميع المذاهب يتعلق أهلها بالمصالح المرسلة، وإن زعموا التباعد منها، ومن تتبع وقائع الصحابة وفروع المذاهب علم صحة ذلك، ولكن التحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ وغاية الحذر حتى يتحقق صحة المصلحة وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها أو مفسدة أرجح منها أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال»(97).
وأما دعاة الليبرالية في إندونيسيا فإنهم لم ينظروا إلى قضية المصلحة بكل جوانبها. فهم لا يرون التقسيم السابق، بل يرون أن المصلحة واحدة لا تنقسم. كما لا يراعون الضوابط والشروط حين العمل بها، الأمر الذي أدّى بهم إلى الغلو فيها. يقول منعم سري عن المصلحة: «…ينبغي أن تكون تلك القيم– أي المصلحة– منطلق التدين، حتى لا تتعارض الآراء الدينية مع القضايا الإنسانية كحرية الدين، وحرية التعبير، وحرية الإنتاج…»(98). قال عبد المقسط: «…للمصلحة سلطة لإبطال مقاصد النصوص وحدودها، وهذا مراد القاعدة “نسخ النصوص بالمصلحة“. والمصلحة– باعتبارها روح نصوص القرآن– آلة تراقب ورود النصوص بإبطال ما بَلي منها. بهذه الطريقة يمكن للمصلحة أن تُبدع في إنتاج– religious formulation- الصيغ الدينية الجديدة أو نصوصها في وسط تخوف الصيغ الدينية القديمة»(99). وقال أيضًا: «النصوص المقدسة بدون المصلحة غير مفيدة للإنسان، وهي تفيد إذا قدمت له المصلحة. فالمصلحة ركن أساسي لكل الأحكام الشرعية»(100).
وقال هينكي فرديان شاه(101): «…يحتاج العلماء القانونيون المعاصرون إلى النظر في المصلحة كمنهج الحكم الإسلامي في صياغة الأحكام الإسلامية الفعالة والمحترفة. ولا تقتصر المصلحة المراد بها على المنصوصة بالنصوص فحسب، بل تشمل المصالح العقلية»(102). تبين على ضوء ما سبق حقيقة التوظيف الليبرالي الإندونيسي للمصلحة، وهو لا يعدو أن يكون جعل المصلحة أصلًا مستقلًا في التشريع تبنى عليه الأحكام دون مراعاة للنصوص.
لقد ترتب على التوظيف الليبرالي للمصلحة تغيير بعض الأحكام الشرعية، حتى وإن كانت تلك الأحكام منصوصة. فهم يرون أن المصلحة إذا تعارضت مع النص قدمت المصلحة وأبطل النص على تعبير “عبد المقسط” نسخ النص بالمصلحة. ومن الأحكام الشرعية التي تم تغييرها بحجة المصلحة:
الدعاء الجماعي من قبل أتباع الأديان المختلفة.
من الأحكام التي ابتدعها دعاة الليبرالية الدعاء الجماعي من قبل أتباع الأديان المختلفة، سواء كان بأن يدعو كل مندوب من كل الأديان بطريقته الخاصة وبالأدعية من نفسه، أو بأن يدعو الجميع بالأدعية الموحدة التي أُعِدّت من قبل. فقد أجازه دعاة الليبرالية في كلتا الطريقتين، محتجين على ذلك بالمصلحة، فقالوا: (الدعاء جماعة مثل هذا الذي يرأسه غير مُسْلِم جائز. لاسيما أن الهدف من هذا النوع من الدعاء بالجماعة “تحقيق” المصلحة كالسلام، والتسامح، والإخاء، فهو جائز بل قد يرتقى ليصبح مندوبًا أو مستحبًا)(103).
أما دعاء المسلم للكافر أو طلب المسلم الدعاء من الكافر سواء كان الكافر حيًا أو ميتاً، فإن دعاة الليبرالية يرون في جوازه أو منعه بحسب المصلحة. يقول كوثر أزهري عن حكم الدعاء للكافر: «جواز الدعاء للكافر أو منعه في القرآن والحديث لا يمكن بدون المقصد الشرعي يعني المصلحة، والمصلحة مرتبطة بالوضع الثقافي والاجتماعي. يحرم الاستغفار للمنافق أو المشرك خاصة المتوفى عنه لأجل المصلحة، “وهي” ترك ما لا ينفع من الدعاء. “و“إباحة الدعاء للكافر لأجل المصلحة.(فـ) دعاء النبي– – لأبي طالب وسلامه– – على النجاشي ثم صلاته– – عليه بعد وفاته من أجل المصلحة. مع أنهما ليسا مسلمين في الظاهر، لكنهما مسلمان في الباطن…الدعاء للكافر غير مشرك أو منافق جائز مادام يهدف إلى المصلحة»(104).
مناقشة المثال:
تعد الأدعية والأذكار من الأحكام الواضحة التي لا تخفى على كل مسلم، إلا أن دعاة الليبرالية يحاولون العبث بها بغية تغييرها بحجة المصلحة. ويتحصل بيان خطأ موقف دعاة الليبرالية من المصلحة بالأمور التالية(105):
-
يتضمن موقفهم من المصلحة المبالغة في مدحها وتقديمها على النص. وهذا الأمر غير مسلم به؛ لأن الشرع لا يأتي إلا بما فيه مصلحة للعباد.
-
إن توهم التعارض بين المصلحة والنص غير مسلّم به؛ إذ النص لا يأتي إلا بما فيه المصلحة للعباد كما تقدم. إنما يأتي توهم التعرض بينهما إذا كانت المصلحة المزعومة غير معتبرة. إذن يجب العمل بالنص، وتلغى المصلحة.
-
يجب ضبط المصلحة بضوابط شرعية تجعل منها المصلحة المقصودة حقيقة لا وهما، وأما التوظيف الليبرالي للمصلحة فلم تراع لتلك الضوابط مما جعل المصلحة لا تتعدى كونها مصلحة متوهمة، أو جزئية.
-
اتصف التوظيف الليبرالي للمصلحة بعنايته البالغة بالمصلحة الدنيوية فحسب وحصر المصلحة عليها. بينما الشريعة جاءت بما هو أكمل من ذلك، يقول شيخ الإسلام– رحمه الله– : «وليس المراد بالشرع التمييز بين الضار والنافع بالحس؛ فإن ذلك يحصل للحيوانات العجم؛ فإن الحمار والجمل يميز به بين الشعير والتراب، بل التمييز بين الأفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده كنفع الإيمان والتوحيد؛ والعدل والبر والتصدق والإحسان؛ والأمانة والعفة؛ والشجاعة والحلم؛ والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلة الأرحام وبر الوالدين والإحسان إلى المماليك والجار؛ وأداء الحقوق…وتصديقه وتصديق رسله في كل ما أخبروا به؛ وطاعته في كل ما أمروا به؛ مما هو نفع وصلاح للعبد في دنياه وآخرته»(106).
-
القاعدة الثالثة: تاريخية الشريعة.
تفرع القول بتاريخية الشريعة من فكرة تاريخية النص الديني(107). وقد احتج بها دعاة الليبرالية على ضرورة تطوير الأحكام الشرعية وتبديلها. ومن الأحكام الشرعية التي تم تغييرها بدعوى تاريخيتها:
قضية الجزية.
رأى دعاة الليبرالية ضرورة إلغاء الجزية أو تأويل حقيقتها محتجين على ذلك بعدم مناسبة فرض الجزية لهذا العصر؛ لأنها إنما فرضت في حال معين حينما يقاتل المسلمون الروم في غزوة تبوك، فعلة الجزية– حسب فهمهم– هو القتال، فقالوا: تلغى الجزية اليوم؛ لانتفاء علتها وهي القتال، لاسيما– بحسب زعمهم– أن الآية التي فرضت الجزية على الكفار إنما نزلت في سبب معين، والعبرة– عندهم– بخصوص السبب لا بعموم اللفظ. قال كوثر أزهري: «نظرًا إلى اختلاف الواقع والحال بين العصر الماضي والحاضر، يستحسن عدم أخذ مفهوم الجزية حرفيًا كما نصت الآية. بل لا بد من التفسير المتطور، منه أن مفهوم الجزية ليس ابتزازًا من الكفار أو تمييزهم، ولكن الجزية شعار لحمايتهم»(108).
مناقشة المثال:
-
إن اعتراض دعاة الليبرالية على قضية الجزية ليس إلا ترديدًا لشبهة المستشرقين، وهو اعتراض مبني على الجهل بحقيقة الجزية وما يتعلق بها من أحكام.
-
إن دعوى عدم مناسبة فرض الجزية لهذا العصر غير صحيحة؛ لأنها قائمة على مقدمة خاطئة وهي تغيُّر الأحكام بتغير الأحوال. فالأحكام إنما تتغيّر بالكتاب والسنة نسخًا أو إثباتاً، لا بمجرد تغيُّر الأحوال. وأما قولهم أن الجزية اليوم تُلغَى؛ لانتفاء علتها وهي القتال، فهو مُسلَّم به إن أريد به التوقيت لا التأبيد؛ بحيث إذا وجدت العلة فرضت الجزية. وأما القاعدة العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ التي اعتمدوا عليها في نفي الجزية فليست مستقيمة؛ لمعارضتها لما اتفق عليها العلماء في أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولما ترتب على التوظيف الليبرالي لتلك القاعدة من إسقاط كثير من الأحكام ذوات السبب الخاص.
أحكام الإرث.
رأى دعاة الليبرالية بضرورة تغيير أحكام الإرث محتجين على ذلك بتاريخيتها؛ حيث زعموا أن إعطاء الرجل من الإرث أكثر من حظ المرأة لم يعد ينطبق على هذا الزمن؛ لأن طبيعة الحياة اليوم قد تغيّرت، فلم تكن المرأة عبئاً على الأسرة، بل أصبحت سندًا في الحياة الزوجية، فمن المعقول إعادة النظر في إعطاء الرجل ضعف حق المرأة في الفروض المقدرة(109).
مناقشة المثال:
إن دعوى عدم مناسبة أحكام الإرث لمقتضى الزمن المعاصر دعوى مرفوضة لأمور:
-
أنها مبنية على مقدمة خاطئة وهي توهم ظلمية المرأة.
-
وأنها قائمة على استنتاج باطل؛ وهو القول بأن تغير الأحوال يقتضى تغير الأحكام.
والحق الذي لا مرية فيه أن تغير الأحكام إنما يكون بالنص، لا بتغير الأحوال والأوضاع. فالحكم ثابت لا يتغير إذا لم يرد النص يدل على تغييره، وإن اختلفت الأحوال وتغيرت الأوضاع.
-
إن القول بتغير الأحكام بسبب تغير الأحوال يؤدى إلى إسقاط الأحكام الكثيرة بمجرد دعوى تغير الأحوال وعدم مناسبتها لها.
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد:
ففي تمام هذا البحث المتواضع يمكن إجمال أهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها على النحو التالي:
-
الخاتمة:
-
إن الخطاب الليبرالي الإندونيسي يقف من مسألتي ثبات الشريعة وشمولها موقف المعارض بالتصريح تارةً أو بالتلميح تارةً أخرى، وتتمثل هذه المعارضة في الإيمان بالتغير والتطور في الأحكام الشرعية، ودعوى بشريتها وصولًا إلى ضرورة النظرة الجديدة للفقه عن طريق إعادة وضعه كالمنتج الثقافي أو المنتج الحاضر في زمن معين لمجتمع معين.
-
يقف دعاة الليبرالية في إندونيسيا من تحكيم الشريعة موقفًا رافضًا له، لكون ذلك يتناقض مع مبادئ الفكر الليبرالي وركائزه كالحرية الفردية، والديمقراطية، والعلمانية.
-
حاول دعاة الليبرالية في إندونيسيا تقديم الفقه بنسخته الجديدة– تحت دعوى تجديد الفقه– . ومن أبرز الأحكام الجديدة المقترحة: جواز الوقوف بعرفة في غير اليوم التاسع من ذي الحجة، وجواز التهنئة بعيد ميلاد المسيح خاصة أو بأعياد الكفار– عمومًا– وحضورها، و جواز نكاح المسلمة من الكافر، وغيرها من الأحكام.
-
من أهم القواعد التي تم توظيفها على ليبرالية أحكام الشريعة، المقاصد، والمصلحة، وتاريخية الشريعة.
-
وضوح ضعف التسليم للكتاب والسنة عند دعاة الفكر الليبرالي الإندونيسيين، الأمر الذي جرهم إلى العبث بنصوصهما.
-
خطورة البعثة العلمية إلى بلاد الغرب خاصة للدراسة الإسلامية، لأن تحولات بعض رموز المفكرين الإندونيسيين إلى الليبرالية، بدأت من احتكاكهم بالمناهج الغربية.
-
التوصيات:
وفيما يلي أهم التوصيات:
-
إظهار صورة الإسلام المشرقة– خاصةً– في مفاهيمه التي أفسدها الفكر الليبرالي مثل: الحرية، والمساواة، والعدل، والتسامح، والانفتاح، والحوار غيرها.
-
تكثيف الجهود التي تقف أمام تسرب الفكر الليبرالي وتسد كل المنافذ التي تسلل عن طريقها هذا الفكر مثل: إقامة المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش، أو تأليف كتاب، وتقديم البرامج الإعلامية حول خطر الفكر الليبرالي وجوانب الخلل الكامنة فيه.
-
ضرورة العناية برموز الليبرالية ودعاتها، ومحاولة استعطافهم بالوسائل المادية المعنوية المباحة؛ للوصول إلى محاورتهم، وكشف ما لديهم من الشبهات بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
-
ضرورة العناية بالمتأثرين بالفكر الليبرالي بمستوياتهم المختلفة، وتقديم الحلول المناسبة لهم للتخلص من هذا الفكر.
-
أهمية تقوية برامج المراكز البحثية الفكرية القائمة وأنشطتها، ودعمها معنويًا وماديًا، وفتح المراكز الفكرية الجديدة– خاصةً– مع وجود الحاجة الماسة؛ وذلك لسعة دولة إندونيسيا وكثرة سكانها، وكثافة برامج المراكز الليبرالية القائمة وأنشطتها المدعومة من الدول الغربية.
-
ثمة بعض الموضوعات تحتاج إلى مزيد من الدراسة العلمية تتعلق بموضوع هذه الرسالة أو بأنشطة الليبرالية في إندونيسيا، منها ما يلي:
-
إجراء دراسة مفصلة عن موقف الاتجاه الليبرالي الإندونيسي من القرآن والسنة.
-
إجراء دراسة مفصلة عن موقف الاتجاه الليبرالي الإندونيسي من التوحيد والمسائل العقدية.
وفي الختام أكرر حمدي وشكري لله– عز وجل– على إتمام هذا البحث، راجيًا من رحمته وكرمه أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم– سبحانه– ، كما أستغفره– – من كل تقصير وخطيئة، فما كان من صواب في هذا البحث فمنه– سبحانه– وتوفيقه، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المصادر والمراجع:
أولا. القرآن
ثانيا. الكتب باللغة العربية:
-
ابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، تحقيق عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1422
-
ابن القيم محمد بن أبي بكر شمس الدين ابن قيم الجوزية أحكام أهل الذمة، تحقيق: يوسف بن أحمد البكري– شاكر بن توفيق العاروري، رمادي للنشر، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1418/ 1997
-
ابن حجر أحمد بن علي حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الأولى، 1326ه
-
ابن عاشور محمد الطاهر بن محمد عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 1425 هـ– 2004 م
-
ابن قدامة موفق الدين عبد الله بن أحمد قدامة المقدسي، روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1423هـ– 2002م.
-
أبو الحسن علي الحسني الندوي، الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية، دار القلم، الكويت، الطبعة الخامسة، 1405/ 1985
-
أحمد إدريس الطعان، العلمانيون والقرآن الكريم، دار ابن حزم، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1428/ 2007.
-
أحمد بن محمد اللهيب، تجديد الدين لدى الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر، مجلة البيان، الرياض، الطبعة الأولى، 1432.
-
البوطي محمد سعيد رمضان البوطي، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1393- 1973.
-
جميل صليبا، المعجم الفلسفي، دار الكتب اللبناني، مكتبة المدرسة، بيروت لبنان، 1982م.
-
روجيه جارودي، فلسطين أرض الرسالات السماوية، ترجمة: قصي أتاسين وميشيل واكيم، دار طلاس للنشر والدراسات، دمشق، طبعة عامة، 1991
-
الزركلي خير الدين بن محمود الزركلي الدمشقي الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشرة، 2002 م
-
سلطان بن عبد الرحمن العميري، ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث، مركز التكوين للبحوث والدراسات، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1438هــ/ 2017مــ.
-
شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416/ 1995.
-
صالح بن محمد بن عمر الدميجي، موقف الليبرالية في البلاد العربية من محكمات الدين( دراسة تحليلية نقدية)، مركز البحوث والدراسات، مجلة البيان، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1433هــ.
-
عبد الرحيم بن صمايل السلمي، حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها، مركز التأصيل للدراسات والبحوث، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1430/ 2009.
-
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن علي الربيعة، أدلة التشريع المختلف في الاحتجاج بها، دون سنة الطبعة.(نسخة إلكترونية).
-
عبد الله بن صالح العجيري، ينبوع الغواية الفكرية غلبة المزاج الليبرالي وأثره ي تشكيل الفكر والتصورات، مجلة البيان، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1434.
-
عمرو جمال الدين ثابت، الليبرالية وتقويض سيادة الإسلام، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 2004م.
-
الغزالي أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، المستصفى، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1413هـ– 1993م
-
فهد بن صالح العجلان ومشاري بن سعد الشثري، سؤالات تحكيم الشريعة، مجلة البيان، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1437ه.
-
كولين تشابمان، القدس لمن؟ القدس والصراع العربي الإسرائيلي، ترجمة نكلس نسيم سلامة، دار النشر الأسقفية
-
مايكل بيهي، صندوق داروين الأسود تحدي الكيمياء الحيوية لنظرية التطور، ترجمة مؤمن الحسن والأصدقاء، دار الكاتب، مصر، الطبعة الأولى، 2014.
-
محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، المصالح المرسلة، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1410هـ.
-
محمد شاكر الشريف تحطيم الصنم العلماني، دار البيارق، الأردن، الطبعة الأولى، 1421ه.
-
محمد محمد حسين الإسلام والحضارة الغربية، دار الفرقان، دون سنة الطبعة.
-
مرزوق العمري، إشكاليات تاريخية النص الديني في الخطاب العربي المعاصر، درا الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 1433- 2012.
-
مسفر بن علي بن محمد القحطاني، منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة دراسة تأصيلية تطبيقية، دار ابن حزم– دار الأندلس الخضراء، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1431ه.
-
منير البعلبكي دار العالم الملايين، موسوعة المورد العربية دائرة معارف ميسرة مقتبسة عن موسوعة المورد، بيروت، الطبعة الأولى، 1990.
-
نخبة من الباحثين، موسوعة بيان الإسلام، دار نهضة، مصر.
-
ويليام ديمبسكي وجوناثان ويلز، تصميم الحياة اكتشاف علامات الذكاء في النظم البيولوجية، ترجمة: د. مؤمن الحسن والأصدقاء، دار الكاتب، مصر، الطبعة: الأولى.
-
الكتب الأجنبية:
-
dari neomodernisme ke islam liberal, abd A’la, dian rakyat, jakarta , 2009 1 ed
-
gagasan Islam liberal diindonesia, greg barton, pustaka antara dan paramidana, Jakarta, 1 ed, 1999 m
-
Hegemoni kristen- barat dalam studi islam diperguruan tinggi, Adian husaini, gema insani, bandung, 1 ed, 2006
-
Islam liberal, sejarah, konsepsi, penyimpangan dan jawabannya, Adian husaini, nuaim hidayat, gema insani, bandung, 2 ed, 2006 m.
-
menangkal bahaya JIL dan FLA, Hartono ahmad jaiz, pustaka alkutsar, Jakarta, 1 ed, 2004 m
-
sintesis pemikiran M. Amin Abdullah dan Adian Husaini- pendekatan dalam pengkajian islam- ، amin nasir.
-
tokoh Islam liberal Indonesia, budi handrianto, hujjah prees, Jakarta, 3 ed, 2007 m.
3-المجلة:
-
Kompas (كومباس)، 24 أبريل 2002
-
tempo (تمفو)، 18 نوفمبر 2002م
4-الشبكات الإلكترونية:
1() د. جميل صليبا، المعجم الفلسفي، (1/465).
2()The world book Encyclopedia(liberalism) عن حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها(ص 102).
3() منير البعلبكي، موسوعة المورد العربية دائرة معارف ميسرة مقتبسة عن موسوعة المورد، (6/ 114).
4() ينظر: د. صالح بن محمد بن عمر الدميجي، موقف الليبرالية في البلاد العربية من محكمات الدين، (ص 58)، وعبد الرحيم بن صمايل السلمي، حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها، (ص 101).
5() هارون ناسوتيون (1919- 1998)، ابتعث عام 1962م إلى كندا، ودرس في جامعة مكغيل(McGill University) كذلك، وكان عنوان رسالته في الدكتوراه (تأثير مذهب المعتزلة في فكر محمد عبده). عين مديرًا للمعهد العالي للدراسات الإسلامية في جاكرتا– المعروف الآن بالجامعة الإسلامية الحكومية بجاكرتا– بعد عودته من أمريكا. ينظر: 50 tokoh Islam liberal Indonesia, budi handrianto, hujjah prees, Jakarta, 3 ed, 2007 m، خمسون زعيما للتيار الليبرالي الإسلامي الإندونيسي، (ص 36- 41)
6() نور خالص مجد (1939- 2005). مؤسس الجامعة paramidana ، ابتعث عام 1978- 1984م إلى جامعة شيكاغو، وكان شديد التأثر بالفكر الغربي. (بودي هاندريانتو، خمسون زعيما للتيار الليبرالي الإسلامي الإندونيسي، (ص 58- 74).
7() أزيوماردي أزرا(1955م) مدير جامعة شريف هداية الله الإسلامية سابقا(1998- 2006)، حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كولومبيا في عام 1992م، وبلغ تأليفه ثمانية عشرة كتابًا أغلبها في الفكر الإسلامي.(بودي هاندريانتو، خمسون زعيما للتيار الليبرالي الإسلامي الإندونيسي، باللغة الإندونيسية(ص 104).
8()dari neomodernisme ke islam liberal, abd A’la, dian rakyat, jakarta , 2009 1 ed
من العصرانية الجديدة إلى الإسلام الليبرالي، عبد الأعلى(ص x من المقدمة).
9() ينظر: Islam liberal, sejarah, konsepsi, penyimpangan dan jawabannya, Adian husaini, nuaim hidayat, gema insani, bandung, 2 ed, 2006 m
آديان حسين ونعيم هداية (الإسلام الليبرالي، تاريخه، ومفهومه، شبهاته والردود عليها) (2)،
و Hegemoni kristen- barat dalam studi islam diperguruan tinggi, Adian husaini, gema insani, bandung, 1 ed, 2006 m
آديان حسين، (هيمنة نصرانية الغرب في الدراسات الإسلامية في الجامعات)، (ص 63- 73).
و gagasan Islam liberal diindonesia, greg barton, pustaka antara dan paramidana, Jakarta, 1 ed, 1999 m
غريغ بارتون (أفكار الإسلام الليبرالي في إندونيسيا)، (ص 68- 70).
10() العصرانية: حركة تجديد واسعة نشطت في داخل الأديان الكبرى. والعصرانية لا تعني مجرد الانتماء إلى العصر، بل تعني وجهة نظر في الدين مبنية على الاعتقاد بأن التقدم العلمي والثقافة المعاصرة يستلزمان إعادة تأويل التعاليم الدينية التقليدية على ضوء المفاهيم الفلسفية والعلمية السائدة. منير بعلبكي قاموس، إنكليزي عربي، (ص 586).
11() عبد الرحيم بن صمايل السلمي، حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها، (ص 481- 482).
12() آديان حسين(1965م) مفكر وداعية بارز في إندونيسيا، حصل على الدكتوراه من ماليزيا، متخصص في الرد على الأفكار المنحرفة، وله جهود كبيرة في هذا المجال من التأليف والمحاضرات والمؤتمرات وغيرها.
ينظر: sintesis pemikiran M. Amin Abdullah dan Adian Husaini- pendekatan dalam pengkajian islam- ، amin nasir
مزج فكر محمد أمين عبد الله وآديان حسين، أمين ناصر، مجلة الفكرة العلمية، عدد 2، يونيو، 2014.(ص 141- 152).
13() ينظر: Islam liberal, sejarah, konsepsi, penyimpangan dan jawabannya
آديان حسين و نعيم هداية، (الإسلام الليبرالي، تاريخه، ومفهومه، شبهاته والردود عليها) (ص 3).
14() لطفي شوكاني(1967م)، أحد مؤسسي الإسلام الليبرالي وعضو في إدارة معهد الحرية(freedom institute). من مؤلفاته وجه الإسلام الليبرالي في إندونيسيا– تحريرا– (2002 م). خمسون زعيما للتيار الليبرالي الإسلامي الإندونيسي، بودي هاندريانتو(ص 116- 119).
15() الحديث عن الإسلام الليبرالي في الشرق الأوسط، لطفي الشوكاني: www.islamlib.com
16() greg barton (غريغ بارتون)، أستاذ لدراسة إندونيسيا في كلية الآداب في موناش. وهو يعمل مديرا لمركز الإسلام والعالم الحديث(CIMOW)، ونائب رئيس اليونسكو في العلاقات بين الأديان والثقافات– آسيا والمحيط الهادئ– ، وهو نشط في المركز العالمي لبحوث الإرهاب(GTReC). http: //www.hedayahcenter.org/about- us/5/team/269/fellows/295/dr.- greg- barton
17()menangkal bahaya JIL dan FLA, Hartono ahmad jaiz, pustaka alkutsar, Jakarta, 1 ed, 2004 m
الرد على شبكة الإسلام الليبرالي وكتاب الفقه عبر الأديان(ص 55)
18() ينظر: أبو الحسن علي الحسني الندوي، الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية، (ص 65).
19() عبد الرحيم بن صمايل السلمي، حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها، (ص 485).
20() المرجع السابق، (ص 479).
21() الفقه عبر الأديان، تحرير منعم سري، باللغة الإندونيسية(ص 3).
22() منعم سري، باحث في مؤسسة باراميدنا للوقف، من أبرز دعاة الليبرالية في إندونيسيا، ومن أبرز أعماله تحرير كتال الفقه عبر الأديان الذي أثار ضجة فكرية واسعة ، (خمسون زعيما للتيار الليبرالي الإسلامي الإندونيسي)، بودي هاندريانتو، (ص 224- 226).
23() الفقه عبر الأديان، تحرير منعم سري، باللغة الإندونيسية، (ص 2).
24() فجر كورنينتو، أحد كتاب في موقع شبكة الإسلام الليبرالي: http: //islamlib.com/
25() ثلاثة أسباب للجمود الفقهي، فجر كورنيانتو: http: //islamlib.com/
26() المرجع السابق
27() حسين محمد، مدير معهد دار التوحيد، سيربون جاوا الغربية. من أنشط دعاة الليبرالية في إندونيسيا– خاصةً– في قضايا المرأة. (خمسون زعيما للتيار الليبرالي الإسلامي الإندونيسي)، بودي هاندريانتو، (ص 205- 209).
28() نحو الفقه الجديد، حسين محمد: http: //islamlib.com/
29() ينظر: المرجع السابق.
30() نصر حامد أبو زيد(1943- 2010) أكاديمي وباحث مصري، وعندما قدم أبحاثه للحصول على درجة أستاذ تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة بينهم د.عبد الصبور شاهين الذي اتهم في تقريره د. نصر بالكفر، وحدثت القضية المعروفة التي انتهت بترك نصر الوطن إلى المنفي، منذ 1995، هولندا، ليقيما هناك حيث عمل نصر حامد أبو زيد أستاذاً للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن. http: //ar.wikipedia.org/wiki
31() ينظر: نقد الخطاب الديني، نصر أبو زيد(ص 127- 128).
32() الفقه عبر الأديان في الميزان، محمد الفياض: http: //islamlib.com/
33() زهير مصراوي، عضو البرلمان من الحزب العلماني، ويُعد من أنشط دعاة الليبرالية في إندونيسيا. بودي هاندريانتو، (خمسون زعيما للتيار الليبرالي الإسلامي الإندونيسي)، (ص 271- 277).
34() أنسنة تفسير الشريعة الإسلامية، زهير مصراوي: http: //islamlib.com/
35() (الفقه عبر الأديان)، تحرير منعم سري، (ص 4).
36() ينظر: المرجع السابق في نفس الصفحة
37() د. صالح بن محمد بن عمر الدميجي، موقف الليبرالية في البلاد العربية من محكمات الدين، (ص 776) بالتصرف اليسير.
38() الفقه عبر الأديان، تحرير منعم سري، باللغة الإندونيسية، (ص 4).
39() بودي هاندريانتو خمسون زعيمًا للتيار الليبرالي الإسلامي الإندونيسي، باللغة الإندونيسية(ص104).
40() ينظر: مايكل بيهي، صندوق داروين الأسود تحدي الكيمياء الحيوية لنظرية التطور، ، ترجمة مؤمن الحسن والأصدقاء، (الكتاب كله)؛ وويليام ديمبسكي وجوناثان ويلز، تصميم الحياة اكتشاف علامات الذكاء في النظم البيولوجية، ، ترجمة: د. مؤمن الحسن والأصدقاء، (الكتاب كله)؛ ود. سلطان بن عبد الرحمن العميري ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث، (1/ 523- 588).
41() د. صالح بن محمد بن عمر الدميجي، موقف الليبرالية في البلاد العربية من محكمات الدين، (ص 775).
42() ينظر: محمد محمد حسين، الإسلام والحضارة الغربية،(ص 52).
43() ينظر: المرجع السابق، (ص 53)
44() ينظر: أحمد إدريس الطعان، العلمانيون والقرآن الكريم تاريخية النص، ، (ص 332- 346)؛ ومرزوق العمري إشكاليات تاريخية النص الديني في الخطاب العربي المعاصر، (الكتب كله).
45() ينظر: د. أحمد بن محمد اللهيب، تجديد الدين لدى الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر، (ص 290- 294)، و أحمد إدريس الطعان، العلمانيون والقرآن الكريم تاريخية النص،(ص 332- 346)، ومرزوق العمري، إشكاليات تاريخية النص الديني في الخطاب العربي المعاصر،(الكتب كله).
46() الكمالي، الشريعة الإسلامية وفقه الموازنات، (ص43) بواسطة د. صالح بن محمد بن عمر الدميجي، موقف الليبرالية في البلاد العربية من محكمات الدين، (ص 786).
47() مسفر بن علي بن محمد القحطاني، منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة دراسة تأصيلية تطبيقية، (ص 37).
48() حوار بعنوان” أول ضحايا تطبيق الشريعة هي المرأة“، مسلم عبد الرحمن: http: //islamlib.com
49() راجع شبهاتهم حول تحيكم الشريعة والرد عليها:
– فهد بن صالح العجلان ومشاري بن سعد الشثري سؤالات تحكيم الشريعة، (الكتاب كله).
– عمرو جمال الدين ثابت، الليبرالية وتقويض سيادة الإسلام، (ص 37- 38)
– محمد شاكر الشريف، تحطيم الصنم العلماني، (ص32- 35).
50() ينظر: مجلة kompas (كومباس)، 24 أبريل 2002م.
51() ينظر: فهد بن صالح العجلان ومشاري بن سعد الشثري، سؤالات تحكيم الشريعة، (ص21- 37).
52() حوار بعنوان: تطبيق الشريعة متناقض، أزيوماردى أزرا: http: //islamlib.com
53() الصلاة في رأيي، أولى الأبصار: http: //islamlib.com/
54() ينظر: فهد بن صالح العجلان ومشاري بن سعد الشثري، سؤالات تحكيم الشريعة، (ص49).
55() المرجع السابق (ص 51- 65) بالتصرف اليسير، وينظر: نخبة من الباحثين، موسوعة بيان الإسلام، (17/ 18- 39).
56() فهد بن صالح العجلان ومشاري بن سعد الشثري، سؤالات تحكيم الشريعة، (ص 95).
57() مسلم عبد الرحمن، مدير الجمعية لتطوير العلوم الاجتماعية، ومدير معهد معارف للثقافة، حصل على الدكتوراه من جامعة إلينوي إربانا الولايات المتحدة الأمريكية. يعد من كبار دعاة الليبرالية في إندونيسيا. 50 tokoh Islam liberal Indonesia، بودي هاندريانتو،(خمسون زعيما للتيار الليبرالي الإسلامي الإندونيسي)، (ص 147- 155).
58() حوار بعنوان أول ضحايا تطبيق الشريعة هي المرأة، مسلم عبد الرحمن: http: //islamlib.com
59() بناء الفقه الإنساني، أحمد بودينتو: http: //islamlib.com
60() ينظر: فهد بن صالح العجلان ومشاري بن سعد الشثري، سؤالات تحكيم الشريعة، (ص 97- 107).
61() نقد حكم الجلد على النصرانية، أولى الأبصار: http: //www.satuharapan.com
62() المرجع السابق.
63()كولين تشابمان، القدس لمن؟ القدس والصراع العربي الإسرائيلي، ترجمة: نكلس نسيم سلامة، (ص 105).
64() روجيه جارودي، فلسطين أرض الرسالات السماوية، ترجمة: قصي أتاسين وميشيل واكيم، (ص 122).
65() ينظر: نخبة من الباحثين، موسوعة بيان الإسلام، (17/ 100- 129).
66() ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ، تحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، (2/21).
67() ينظر: المرجع السابق، (3/35).
68() ينظر: fiqih lintas agama, pembangun masyarakat inklusif- pluralis (الفقه عبر الأديان)، تحرير منعم سري، (ص 8- 10).
69()عدنان محمد أمامة، التجديد في الفكر الإسلامي، (ص 366).
70() بناء أصول الفقه الجديد، عبد المقسط الغزالي: http: //islamlib.com/kajian/fikih/
71() المرجع السابق.
72() تجديد فهم الإسلام، أولى الأبصار عبد الله، مجلة tempo (تمفو)، 18 نوفمبر 2002م
73() ينظر: سلطان بن عبد الرحمن العميري، التداول الحداثي لنظرية المقاصد. دراسة نقدية،: http: //www.albayan.co.uk، ملخصًا.
ود. أحمد بن محمد اللهيب تجديد الدين لدى الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر، (ص 312- 348)، وعبد الله بن صالح العجيري، ينبوع الغواية الفكرية غلبة المزاج الليبرالي وأثره ي تشكيل الفكر والتصوّرات، (ص289- 327).
74() مصدر مسعودي (1954)، ونائب السكرتير العام في جمعية نهضة العلماء السابق، له كتابات وحوارات تؤيد الفكر الليبرالي، بودي هاندريانتو،(خمسون زعيمًا للتيار الليبرالي الإسلامي الإندونيسي)، (ص 145- 146).
75() أحمد جاهز، درء خطر شبكة الليبرالية الإسلامية، باللغة الإندونيسية، (ص 160).
76() ينظر: حوار بعنوان ضرورة إعادة النظر إلى وقت الحج، مصدر مسعودي: http: //islamlib.com/
77() التهنئة بعيد المسيح، عبد المقسط الغزالي: http: //islamlib.com/
78() أولى الأبصار يتحدى يوسف منصور في مسألة التهنئة بعيد المسيح: https: //www.eramuslim.com
79() ينظر: المرجع السابق(ص84)، والتهنئة بعيد ميلاد المسيح، عبد المقسط الغزالي: http: //islamlib.com/
80() ابن القيم محمد بن أبي بكر شمس الدين ابن قيم الجوزية، أحكام أهل الذمة، تحقيق: يوسف بن أحمد البكري– شاكر بن توفيق العاروري، (ص 441).
81() ثابت بن الضحاك بن خليفة الأشهلي الأوسي أبو زيد المدني، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وكان رديف رسول الله
– صلى الله عليه وسلم– يوم الخندق، ودليله إلى حمراء الأسد، قال عمرو بن علي: مات سنة 45. ابن حجر أحمد بن علي حجر العسقلاني تهذيب التهذيب، (2/8).
82() أخرجه أبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر بوفائه من النذر(3313)، وابن ماجه، كتاب الكفارات، باب الوفاء بالنذر(2131).
83() أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري أبو حمزة خادم رسول الله– صلى الله عليه وآله وسلم– نزيل البصرة. ابن حجر أحمد بن علي حجر العسقلاني تهذيب التهذيب(1/ 376).
84() رواه أحمد(21/ 226)، (13622)، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب صلاة العيدين، (1134).
85() أبو العالية، رفيع بالتصغير ابن مهران الرياحي، ثقة كثير الإرسال، من الثانية، مات سنة 90، ابن حجر أحمد بن علي حجر العسقلاني تهذيب التهذيب (1/ 120).
86() طاووس بن كيسان الخولانيّ الهمدانيّ، بالولاء، أبو عبد الرحمن، من أكابر التابعين تفقًها في الدين ورواية للحديث، وتقشفًا في العيش، وجرأةً على وعظ الخلفاء والملوك. الزركلي خير الدين بن محمود الزركلي الدمشقي، الأعلام، (3/224).
87() محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم أبو بكر بن أبي عمرة البصري إمام وقته. ابن حجر أحمد بن علي حجر العسقلاني تهذيب التهذيب (9/ 214).
88() الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم، قال ابن عدي: عُرِف بالتفسير، وأما روايته عن ابن عباس وأبي هريرة وجميع من روى عنه ففي ذلك كله نظر، وإنما اشتهر بالتفسير، قاله الحسين بن الوليد، مات سنة 106. ابن حجر أحمد بن علي حجر العسقلاني تهذيب التهذيب (4/453).
89() الربيع بن أنس البكري، ويقال الحنفي البصري ثم الخراساني، قال العجلي: بصري صدوق، وقال أبو حاتم: صدوق، توفي سنة 139 أو سنة 140، ابن حجر أحمد بن علي حجر العسقلاني تهذيب التهذيب (3/238- 239).
90() ينظر: تفسير ابن كثير، (3/238)، ابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، ، تحقيق عبد الرزاق المهدي، (3/331).
91() (الفقه عبر الأديان) باللغة الإندونيسية، تحرير منعم سري(ص164).
92() (خمسون زعيمًا للتيار الليبرالي الإسلامي الإندونيسي)، بودي هاندريانتو(ص 239).
93() ينظر: حوار بعنوان: تطبيق الشريعة متناقض، أزيوماردى أزرا، والصلاة في رأيي، أولى الأبصار http: //islamlib.com
94() عبد العزيز بن عبد الرحمن بن علي الربيعة أدلة التشريع المختلف في الاحتجاج بها، (ص 190)، البوطي محمد سعيد رمضان البوطي وضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، (ص 32).
95() ينظر: الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي المستصفى، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، (1/ 173)، ابن قدامة موفق الدين عبد الله بن أحمد قدامة المقدسي، وروضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، (1/ 478- 480).
96() ينظر: الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي المستصفى، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، (1/ 173)، وابن قدامة، روضة الناظر، (ص 478).
97()محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي المصالح المرسلة، (ص 21).
98() fiqih lintas agama, pembangun masyarakat inklusif- pluralis (الفقه عبر الأديان)، تحرير منعم سري، (ص 12).
99() بناء أصول الفقه الجديد، عبد المقسط الغزالي: http: //islamlib.com/kajian/fikih/
100() المرجع السابق.
101() هينكي فرديان شاه، طالب الدراسات العلياء في جامعة شريف هداية الله الإسلامية.ناشط في معهد البخاري، ورئيس التحرير في مجلة surah الأدبية. http: //islamlib.com/author/hengkiferdiansyah/
102() من القياس إلى المصلحة، هينكي فرديان شاه: http: //islamlib.com/kajian/fikih/
103()fiqih lintas agama, pembangun masyarakat inklusif- pluralis ، (الفقه عبر الأديان)، تحرير منعم سري، (ص 106).
104() المرجع السابق.
105() ينظر: د. أحمد بن محمد اللهيب، تجديد الدين لدى الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر، (ص 429- 433). بالتصرف.
106() شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ، مجموع الفتاوى، (19/99- 100).
107() انظر: مناقشة دعوى تاريخية النص (ص15- 16).
108() الفقه عبر الأديان، تحرير منعم سري، باللغة الإندونيسية، (ص 152).
109() ينظر: sejarah perkelahian pemaknaan syariah, khalil Abdul karim, terj kamran as’ad, Yogyakarta,LKIS, 2003,
ترجمة كتاب(الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية)، خليل عبد الكريم.
و al quran pemikiran Dawam rahardjo dalam penafsiran ayat ayat
فكر دوام راهاردجو في تفسير آيات القرآن، بحث أعده رينو ريالدي محمد نجيب عبد القادر، (ص 12- 16).