مجلة العلوم الإسلامية

القرآن الكریم یدافع عن خاتم النبیین صلی الله علیه وسلم

The Noble Qur’an defends the last of the prophets,
(peace and blessings be upon him)

Abdullah Zahedy

Department of Islamic Culture || Kabul Polytechnic University || Afghanistan

DOI PDF

Tab title
I wrote in this article the accusations that the polytheists accused the Messenger of God, as it came in the noble Qur’an, mentioning humanity, hatred and abandonment, madness, magic, priesthood, poetry……. Then I showed the error of the polytheists and their distance from right in these accusations in the evidence from the Holy Qur’an and reason and the sayings of the largest participants. Thanks to him witnessed the enemy until the grace of the enemies It relied on clarifying the charge, its statement and how to respond to it, and this is the greatest method in responding to the charges of the participants, because the one who takes charge of the defense and the response is the right to bless. (Say anything greater than the testimony. Say God is a witness between me and you, and I am inspired). Keywords: Noble Quran, Prophet Muhammad Reject on the polytheists, slurs.

القرآن الكریم یدافع عن خاتم النبیین صلی الله علیه وسلم

عبد الله زاهدی

قسم الثقافة الإسلامیة || جامعة بولی تخنیک کابل || أفغانستان

Tab title
كتبتُ في هذا المقال التهم التسعة التي اتهم بها رسول الله  كما جاءت في القرآن الكریم، فذكرت منها: البشریة، والبغض، والترك، والجنون، والسحر، والكهانة، والشعر…، ثم بینت خطأ المشركین وبعدهم عن الصواب في هذه الاتهامات مستدلا بآيات من القرآن الكریم وأقوال أكابر المشركین. فوجدت أن هذه الاتهامات إما مبنیة علی الجهل – كما تثبت المنافاة بین البشریة والرسالة – أو مبنية علی التقلیل من قیمة الرسول  وشأنه خاصة في وسط المجتمع المادي– ویترتب علی ذلك صرف العرب عنه وتعطیل أسباب الدعوة – أو مبنیة علی العناد والمكابرة، مثل: صرف الناس عن هذه الدعوة الجدیدة، وتنفیرهم من الرسول ، أو مبنیة علی الكذب؛ كما روي أن الأخنس بن شریق قال لأبي جهل: یا أبا الحكم! أخبرني عن محمد أصادق أم كاذب فإنه لیس عندنا أحد غیرنا؟ فقال: والله إن محمداً لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء، والسقایة، والنبوة، فماذا یكون لسائر قریش. واعتمدت في إیضاح التهمة وبیانها، وكیفیة الرد علیها، وهذا أعظم منهج في الرد علی تهم المشركین؛ لأن الذي یتولی الدفاع والرد هو الحق تبارك وتعالی قُلْ أَي شَيءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِينِي وَبَينَكُمْ وَأُوحي(1). الكلمات المفتاحیة: القرآن الكریم، النبي محمد ، الرد علی المشركین، التهم.

المقدمة

الحمد لله الذي اختار من عباده رسلا مبشرین ومنذرین لئلا یكون للناس علی الله حجة بعد الرسل، وجعلهم أفاضل الأمم وقادتها وسادتها، وأمرهم بتبلیغ الرسالات، وأیدهم بالمعجزات، ووعدهم بنصره وعونه، فقال تعالی: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحيوٰةِ ٱلدُّنۡيا وَيوۡمَ يقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ(2).

والصلاة والسلام علی سیدنا محمد، الذي أعده ربه للرسالة الخاتمة، فأدبه مولاه ورباه وهذبه، وجعله من أفضل خلقه خِلقةً وخُلقا، وبعثه علی رأس الأربعین، وتولی حركاته وسكناته، فدافع عنه، ونصره، وجعل كلمة الذین كفروا السفلی وكلمة الله هي العلیا، والله عزیز حكیم. فاللهم صل وسلم وبارك علیه وعلی آله وصحبه والتابعین.

أهمیة البحث:

إن هذا الموضوع – كما بینت – له ارتباط وثیق بالقرآن الكریم من حیث أن القرآن الكريم قد تعرض؛ لتهيئ الله تعالى لنبیه  خلقیاً قبل الرسالة وبعدها، ثم تعرض لذكر أحوال المشركین ومواقفهم مع الرسول  ورده علیهم، فدافع الله عن نبيه  وبرأه من التهم التي لفقها المشركون به وعصمه من مؤامراتهم، كما ساعده في التغلب على تحدياتهم المختلفة.

والرسول  ركن أساسي في الإیمان بالله تعالی حيث لایقبل الإیمان به تعالى إلا بالشهادة له  بالرسالة، وهو الذي اختاره لحمل الرسالة الخاتمة، وهو الهادي لنا إلی طریق الحق، فالدفاع عنه  دفاع – بالتأكيد – عن سیادة الإسلام وكرامته، والدفاع عنه من دواعي حب سیدنا محمد  والذي به یكمل إيمان المرء.

أهداف البحث:

  1. تقديم الدلائل المقنعة علی الاعتراضات والشبهات التي ترد علی الإسلام في كل زمان و مكان، وأن لایخافوا في ذلك لومة لائم؛ لأن العلماء هم ورثة الأنبیاء علیهم الصلوة و السلام.
  2. بیان مصیر من یعترض علی الإسلام أو علی الرسول  بأنه واقع في الخسران المبین؛ لأنه اشتری الضلالة بالهدی، فما ربحت تلك التجارة، وأصبح من الضالین.
  3. تجنب العقائد الباطلة والوقوف في وجه مؤامراتهم وأقوالهم الباطلة.
  4. العودة إلی القرآن الكریم فهما وتدبراً وعملا؛ لأن القرآن الكریم بين لنا منهج الأخذ والرد في هذا الموضوع، وما أحوجنا نحن كمسلمین متخصصین إذا وقفنا أمام القرآن الكريم؛ لنشرب من حوضه ونهنأ بشرابه، ونقبع علی دراسته نستخرج منه قضایا الزمان ومواقف أعداء الدین من صدر الإسلام الأول حتی وقتنا هذا، فإذا كان هناك اليوم بعض من یكتب عن الرسول  بالطعن والاتهام، فالقرآن الكریم قد حمل إلینا كثیراً مما یماثل هؤلاء وأمثالهم، وإذا كان هناك بعض من یقرأ كتبهم للرد أو الاطلاع، فالقرآن الكریم فیه اكتفاء عن هذا كله، فلقد حمل إلینا الرد والبراهین القویة الساطعة.

الدراسات السابقة:

لقد اطلعت علی بعض الدراسات التي تطرقت إلی موضوع بحثي بید أن تلكم الدراسات لم ترد على الاتهامات الواردة علی رسول الله  بشكل واضح، ولم تقدم ردود مقنعة علیها، وهذا ماحاولت فعله في هذا البحث، وأهم هذه الدراسات التي لها علاقة بموضوع البحث هي:

  1. زمونږ ګران پیغمبر ، للمولوي محمد عظیم، وهو كتاب في السیرة النبویة، مكتوب باللغة البشتو كما هو معلوم من عنوانه.
  2. رد بر اتهامات وارده بر پیغمبر محبوب ما محمد ، لمحمد شریف فریدي، مكتوب باللغة الدرية كما هو معلوم من عنوانه.
  3. الإساءة إلی الأنبیاء علیهم الصلاة السلام وأسالیب التعامل معها في ضوء القرآن الكریم لإسحاق ابن عبدالله سماكي.

منهج البحث وخطته

منهج البحث:

أذكر أولا: اتهام المشركین علی الرسول - مثلا اتهامهم للرسول  بالجنون-، ثم أذكر الآیة التي سجلت هذا الاتهام، ثم بینت الرد عليهم من القرآن الكریم، وفي بعض الموارد أتبعته بالرد العقلي أيضا، ثم ذكرت شهادة أكابر قریش بتعقل الرسول  وبراءته من اتهام المشركین.

خطة البحث:

لقد تكون البحث من مقدمة ومبحثين وخاتمة:

  • المقدمة، جاء فيها أهمیة البحث، وأهداف البحث، والدراسات السابقة ومنهج البحث.
  • المبحث الأول: تكلمت عن التهم التي افتراها المشركون علی الرسول ، ورد القرآن الكريم علیها، وبینت فیه أن الذي اشتهر بالصدق، والأمانة، والعدل، ماكان ینبغي أن یقابل بهذا الإیذاء، والسباب، والاتهام، ولكن أعداء الحق ما توقفوا برهة عن محاربة هذه الدعوة. وبعد أن برأ الله تبارك وتعالی نبیه بكلام عربي فصیح، مسموع للحضري والبدوي، وأثبت أنه  منزه عن كل هذه التهم التي اختلقها المشركون من عند أنفسهم، واتضح الأمر جلیاً أمام أعینهم بأن هذا الرجل الكامل المؤدب الأمین لیس بمجنون، ولا كاهن، ولا ساحر، ولا كذاب، كان علی العرب أن یجیبوا داعي الله ویؤمنوا به، لكنهم تجبروا واستكبروا استكبارا وأعلنوا صراحة أنهم لن یؤمنوا أبدا.
  • المبحث الثاني: ذكرت مطالب المشركین ومقترحاتهم التي كشفت عن عنادهم وتكبرهم وإصرارهم علی الباطل، وتحدیهم للحق الواضح.
  • الخاتمة: ذكرت نتائج البحث، والتوصیات.

المبحث الأول- اتهامات المشركین ورد القرآن الكریم علیها

لقد أبان القرآن الكریم عن نوایا أهل الكتاب والمشركين وعما یواجهون به النبي  إیناسا لنفسیته، وتربیة لروحه الطاهرة، وتقویة لعزیمته قبل أن یفاجأ بما لم یكن في الحسبان، یقول الله تعالی لنبیه :‏ لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُور (3).

وبعد أن أبان القرآن الكريم عن موقف المشركین، بین أن الله تبارك وتعالی هو الذي یتولی جانب الدفاع والرد عن رسوله ، یقول الله تعالی: وَلَا يأۡتُونَكَ بِمَثلٍ إِلَّا جِئۡنَٰكَ بِٱلۡحقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا (4). أي: ولا يقولون قولا يعارضون به الحق إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر بل وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم.

قال سعید بن جبیر عن ابن عباس رضي الله عنهما: ‏وَلَا يأۡتُونَكَ بِمَثلٍ أي بما یلتمسون به عیب القرآن والرسول إِلَّا جِئۡنَٰكَ بِٱلۡحقِّ أي: إنزال جبریل من الله تعالی بجوابهم(5).

یقول الأستاذ سید قطب معلقاً علی هذه الآیة: (فالله یمضي في تثبیت الرسول  وتطمینه علی إمداده بالحجة البالغة كلما فتحوا له بابا من الجدل، وكانوا اقترحوا علیه اقتراحا، أو اعترضوا علیه اعتراضا، وإنهم لیجادلون بالباطل، والله یرد علیهم باطلهم بالحق…)(6).

وفيما يلي نماذج من اتهامات المشركين التي وجهت إلى النبي.

المطلب الأول- البشریة

لقد اتهم المشركون رسول الله  بالبشریة، وظنوا أن في هذا الاتهام تشنیع وإیذاء للرسول . والأسباب الداعية إلی هذا الاتهام: منافاة الرسالة مع البشر حيث قالوا: إن البشریة لا یلیق بها تحمل وحي السماء. یقول ابن عباس رضی الله عنهما: (إن الكفار قالوا لما بعث الله محمدا: إن الله أعظم من أن یكون رسوله بشرا، وقالوا: ما وجد الله من یرسله إلا یتیم أبي طالب)(7).

ولقد سجل القرآن الكریم علیهم قولهم هذا في عدة آیات منها قوله تعالى: وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَث ٱللَّهُ بَشَرٗا رَّسُولاٗ(8).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم بنفسه جانب الدفاع والرد عن رسول الله  حيث یبین القرآن الكریم أن إرسال البشر إلى العباد كرسول هو عین الرحمة واللطف بهم، لیفقهوا عنهم ویفهموا منهم ویمكنهم مخاطبتهم ومكالمتهم. یقول الله تعالی: ‏لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَث فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايٰتِهِۦ وَيزَكِّيهِمۡ وَيعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ(9).

المطلب الثانی- بغض الله للنبي

كان من التهم التي لفقها المشركون على الرسول  وأرادوا بها أن یثنوا العرب عن الإیمان به واتباعه وإثارة القلق والاضطراب النفسي له  أن انتهزوا فرصة تأخیر الوحي؛ لإظهار خبثهم، وكشف كیدهم وحقدهم، وقالوا: إن محمدا قد ودعه ربه وقلاه.

وورد في سبب هذه الحادثة ما حققه لنا الإمام مسلم في صحیحه من طريق جندب بن سفيان رضي الله عنه، قال: أبطأ جبریل، فقال المشركون: قد ودع محمد. وقال: اشتكی رسول الله  فلم یقم لیلتین أو ثلاثا، فجاءته امرأة فقالت: یا محمد إني لأرجو أن یكون شیطانك قد تركك، لم أره قربك منذ لیلتین أو ثلاثا، فأنزل الله عزوجل: {وَالضُّحى وَاللَّيلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (10). قیل هذه المرأة أم جمیل امرأة أبي لهب.

یقول الشیخ المراغي في تفسیره: نزلت هذه السورة حاملة له أجمل البشری ملقیة في نفسه الطمأنیة، معددة ما أنعم الله به علیه وكأنه تعالی یقول لرسوله: إن من أنعم علیك بكذا وكذا لم یكن لیتركك ولاینساك بعد أن هیأك لحمل أمانته، وأعدك للاضطلاع بأعباء رسالته، فلا تحزن علی ما كان من فترة الوحي عنك، ولایكن في صدرك حرج منها، فما ذلك إلا لتثبیت قلبك وتقویة نفسك(11).

المطلب الثالث- الجنون

والسبب الداعیة لهذا الاتهام: ماكان یغشاه  من حالة عجیبة عند نزول الوحي من تغیر وجهه واصفرار لونه، فتعرض له حالة شبیهة بالمغمي عليه، فالجهال كانوا یقولون إنه مجنون(12).

لقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه مجنون، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم قولهم واتهامهم هذا في عدة آیات، نذكر منها آیة: وَيقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (13).

الرد علی هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم نفسه جانب الرد والدفاع عن الرسول  حيث أقسم الله عزوجل بـ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يسْطُرُونَ(14) علی أن الرسول  لیس بمجنون كما یقوله المشركون، وفي القسم تأكید علی المقسم علیه، ثم إنه مما كان یألفه العرب فیثبت به الحق ویزول به الشك من النفوس.

ثم إن الله عزوجل أقسم بـ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يسْطُرُونَ في معرض إثبات حصافة العقل ونفي تهمة الجنون؛ لأن هذه هي أدوات الوحي وكیف ینزل الوحي علی مجنون!.

هذا في المقسم به أما المقسم علیه، فلقد استبعد الله فیه التهمة عن الرسول ، فقال: مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(15).

والنعمة تشمل النبوة وغیرها، وهذا ما ذهب إلیه الألوسي والمراغي رحمهما الله، لكن أبا حیان رحمه الله ذهب إلی أن المراد بها العقل والشهامة، فقال: والمعنی استبعاد ما كان ینسبه إلیه كفار مكة عداوة وحسدا، وإنه من إنعام الله تعالی علیه بحصافة العقل، والشهامة التي یقتضیهما التأهیل للنبوة(16).

یقول الأستاذ سید قطب معلقاً علی هذه الآیة الكریمة: فیثبت في هذا الجواب وینفي. أي: یثبت نعمة الله علی نبیه في تعبیر یوحي بالقرب والمودة حتی یضیفه إلی ذاته، وینفي تلك الصفة المفتراه التي لا تجتمع مع نعمة الله علی عبد نسبه إلیه، وقربه واصطفاه(17).

وإعلان القرآن الكریم عن كمال خلق الرسول  يعتبر من الردود القاطعة علی المشركین؛ لأن الأخلاق الحسنة لا تكون مع الجنون، وكلما كان الإنسان أحسن أخلاقا كان أبعد من الجنون(18 ).

ثم إن وصف المشركین للنبي  بالشاعریة والجنون لهو –أیضا- من أكبر الأخطاء التي تدل علی فساد رأیهم وضعف بصائرهم، یقول الله تعالی مبینا ما وقع فیه الأعداء من زیف وتحریف: وَيقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ(19).

فهم قد جمعوا بین قوة الذهن والحكمة، وبین الجنون والخبال، وهذا ما لا یمكن أن یصدر من عاقل ولا ملتمس للهدي والنور، فهم یعلمون أن الشعر فن علمي، وإبداع فكري تقاس به القبائل، وتعقد له الأسواق الأدبیة، والمحافل العربیة، وهذا لا یتأتی إلا من العقلاء وأهل المعرفة، فوصفهم له  مع هذا بالجنون، إنما هو الحقد، والكید، والحسد. –وأيضا- ارتضاؤهم به  حكما بینهم مع وجود أكابر قریش وعظمائها، واقتدائهم به لهو خير دليل على براءته  من هذه الشبهة؛ لأن التحكیم من أخص خصائص الرئاسة والزعامة، ولن یحكم الناس بینهم صعلوكا ولا مجنونا. وهذا رد قاطع على هذه التهمة التي يوجهها المشركون وأمثالهم، وإثبات لفطنة الرسول  وتعقله. –وأيضا- شهد أكابر قریش ببراءة الرسول  من الجنون، یقول الولید بن مغیرة: إن محمدا مجنون فهل رأیتموه یخنق قط؟ قالوا اللهم لا.

المطلب الرابع- الكهانة

والسبب الداعیة لهذا الاتهام: إخبار كل من النبي  والكهان بالأمور الغیبیة بصرف النظرعن وقوعها أو عدم وقوعها.

لقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه كاهن، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الاتهام، فقال: فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ(20).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم جانب الدفاع والرد عن رسول الله  حيث أقسم الله تبارك وتعالی بجمیع المخلوقات علی أن ما جاء به نبیه محمد  حق من عند ربه، لا دخل فیه لمخلوق مهما كانت قدرته وقوته. یقول الله تعالی: فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ(21).

أخلاقه  التي اشتهر بها تنفي هذه التهمة؛ لأنه كان أمیناً صادقاً حسن السیرة بين قومه، في حين أن أخلاق الكهان كانت معروفة بالكذب والإثم والغدر والوقیعة، ولقد تعرض القرآن الكریم لنفي هذه التهمة معلناً ومبیناً أن شیاطین الجن لاتنزل علی ذوي الأخلاق الطیبة، یقول الله تعالی: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثيمٍ يلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثرُهُمْ كَاذِبُونَ(22).

وما جاء به الرسول  قد اشتمل علی النور والهدایة، وفي هذا رد علی المشركین؛ لأن ما جاءت به الشیاطین مشتمل علی الضلال والغوایة والفساد، یقول الله تعالی مبینا أن ما أخبر به الرسول لیس من إیحاءات الشياطين أو الهاماتها. وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَمَا ينبَغِي لَهُمْ وَمَا يسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(23)، والشیاطین بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله، لأن السماء ملئت حرسا شدیداً وشهبا في مدة إنزال القرآن الكريم علی رسول الله ، فلم یخلص أحد من الشیاطین إلی استماع حرف واحد منه لئلا یشتبه الأمر(24).

والنبي  لم یدعِ علم الغیب كما كانت تفعله الكهنة؛ بل كان یعلم علم الغیب عن طریق وحي یوحیه الله تعالی إلیه، وإنه لایعلم الغیب، یقول الله تعالی: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى (25).

وأكابر قریش شهدوا ببراءة الرسول  من تهمة الكهانة. یقول النضر بن الحارث: قلتم كاهن، والله ما هو بكاهن، لا والله ما هو بكاهن لقد رأینا الكهنة وتخالجهم، وسمعنا سجعهم(26).

ویقول الولید بن المغیرة ردا علی من قالوا فیه إنه كاهن: لا والله ماهو بكاهن، لقد رأینا الكهان فما هو بزمزمة الكهان ولاسجعه (27).

المطلب الخامس- السحر

والسبب الداعیة إلی هذا الاتهام: قدرته  علی القیام بما لایقدرعلیه الغیر؛ كشق القمر، وتكلیم الحجر.

لقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه ساحر، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذه التهمة فقال: وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحرٌ كَذَّابٌ(28).

ومرة أخری یتهمونه  بأنه مسحور، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذه التهمة، فقال: إِذْ يقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحورًا (29).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم جانب الرد والدفاع عن رسول الله  حيث بين أن هذا الاتهام لیس علی الحقیقة؛ وإنما هو من ضلال المشركین وتكذیبهم بالیوم الآخر. یقول الله تعالی ردا علی المشركین ومبینا دافع هذا الاتهام: انظُرْ كَيفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلَا يسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا(30).

التناقض الذي وقعوا فیه یدل علی براءة الرسول  من هذا الاتهام، فهم مرة اتهمونه بأنه ساحر وأخری بأنه مسحور، وهذا لایقول به عاقل ولا ملتمس للهدي والحق، فكیف یؤثر ویؤثر فیه؟ والمعروف بداهة أن الساحر لایسحر وإلا ما یكون ساحرا.

ومن اقترف هذا الاتهام كان یعرف تماما أن السحر يؤثر في عقل المسحور، وفي بدنه، وفي أخلاقه وسلوكه، فهل شاهدوا في النبي  أو في أحد من أصحابه  أي أثر من هذه الآثار؟!

شتان ما بین الساحر الذي یبتغي الأجر والعطاء علی سحره وبین الرسول  الذي أعلن عن منهجه بلا أجر ولا طلب، وهو الذي عرضت علیه العروض المغریة لیثني عن دعوته، فأبی ورفض مطالبهم، وقال لمشركي قریش وعظماء مكة: (ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فیكم ولا الملك علیكم)(31). والقرآن الكریم یأمر رسول الله  أن یعلن عن هذا المعنی، فقال تعالی: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ(32).

يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: قل یا محمد لهؤلاء المشركین ما أسألكم علی هذا البلاغ وهذا النصح أجرا تعطونیه من عرض الحیوة الدنیا وما أرید علی ما أرسلني الله تعالی به ولا أبتغي زیادة علیه وإنما أبتغي بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة(33).

ویقول النضر بن الحارث في معرض الرد علی قریش: یا معشر القریش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتیتم به بحیلة بعد، قد كان محمد فیكم غلاما حدثا، أرضاكم فیكم، وأصدقكم حدیثا، وأعظمكم أمانة حتی إذا رأیتم في صدغیه الشیب، وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر، والله ما هو بساحر لقد رأینا السحرة ونفثهم وعقدهم(34).

فكون أكابر قریش ینفون هذا الاتهام مع عدم معارضة غیرهم لهم، إنما یدل علی أن هذا الاتهام للرسول  إنما هو من واقع الكید والحسد والحیرة في أمره .

رأي الدین في السحرة: السحر من الأمور المحرمة التي یتنكر لها الدین والتي یحرم العمل بها والسیر في خیوطها.

یقول الإمام النووي: عمل الساحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي  من السبع الموبقات، ومنه ما یكون كفرا، ومنه ما لایكون كفرا، بل معصیة كبیرة، فإن كان فیه قول أو فعل یقتضي الكفر، فهو كفر وإلا فلا.

رأي الدین في تعلم السحر وتعلیمه:

قال النووي أیضا: وأما تعلمه وتعلیمه فحرام، فإن كان فیه ما یقتضي الكفر كفر واستتیب منه، وإلا یقتل، فإن تاب قبلت توبته، وإن لم یكن فیه ما یقتضي الكفر غرر.

وقال مالك: الساحر كافر یقتل بالسحر ولایستتاب، بل یتحتم قتله كالزندیق. قال عیاض: ویقول مالك: قاله أحمد وجماعة من الصحابة والتابعین(35).

المطلب السادس- الشعر

والسبب الداعیة لهذا الاتهام: الخلط بین الشعر وبین آیات الله المنزلة، لما فیها من جمال النسق والتأثیر في المستمع، وبالتالي لن یكون هناك فرق بین القرآن الكریم وبين الشعر، فتنصرف العرب.

ولقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه شاعر، وقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الاتهام، فقال: أَمْ يقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيبَ الْمَنُونِ (36).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم جانب الدفاع والرد عن رسول الله  حيث یقسم جل شأنه علی أنه لیس بشاعر وهذا یكفي في الرد القاطع علی المتهمین وإضرابهم، ولو اقتصر القرآن الكریم علی ذلك لكفى، ولكن الله تبارك وتعالی أقسم بجمیع المخلوقات المرئیة وغیر المرئیة بأن سیدنا محمدا  مبلغ عن ربه، ولیس بشاعر كما یقوله المشركون.

یقول تعالی: فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ(37).

إن حياة النبي  الخلقیة وما اشتهر به بین العرب كفیلة بدفع هذا الاتهام؛ لأن أخلاق الشعراء تخالف أخلاق الأنبیاء، فأخلاقهم غالبا ما كانت تتجاوز العرف والمبادئ الإنسانیة، یقول الشیخ عبد القادر المغربي مبینا ومشیرا إلی أخلاق الشعراء: أخلاق الشعراء وأسالیبهم في كلامهم، ومرامیهم في حیاتهم تنم عنها أشعارهم وقصائدهم و معلقاتهم. هذا في المظهر العام، أما في المقاصد والأغراض فنجد أن رسول الله  كان یهدف إلی تحقیق الإیمان المطلق بالله وحده لاشریك له، وغرس مبادئ الصلات والمحبة والإخاء، و نبذ ما كان علیه المجتمع من أخلاق مذمومة، لكن منهج الشاعر لا هدف له ولاغایة ولامقصد، وإنما هو السبح في أي واد من ودیان الشعور والتصور، والقول وفق أي انفعال یسیطرعلیه تحت وقع أي مؤثر من المؤثرات مع التخلي عن احترام المبادئ الخلقیة السلیمة. یقول تعالی معلنا عن منهج الشعراء خاصة من كانت تعرفهم قریش:أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يقُولُونَ مَا لَا يفْعَلُونَ(38).

ومعنی الآیة: ألم تعلم أن الشعراء یسلكون الطرق المختلفة من الكلام، فقد یمدحون الشيء بعد أن ذموه أو یعظمونه بعد أن احتقروه، والعكس بالعكس. وذلك دلیل علی أنهم لا یقصدون إظهار الحق ولا تحري الصدق، لكن محمدا جبلته الصدق، ولا یقول إلا الحق، وقد بقي علی طريق واحد، وهو الدعوة إلی الله، والترغیب في الآخرة، والإعراض عن الدنیا (وإنهم یقولون ما لا یفعلون)، فهم یرغبون في الجود ویرغبون عنه، وینفرون عن البخل ویقعون فیه، ویقدحون في الأعراض، لا في الأسباب، ولایأتون إلا الفواحش. ومحمد  علی خلاف ذلك، فقد بدأ بنفسه إذ قال له ربه: فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ(39).

وهناك فارق آخر بین متبعي الشعراء ومتبعي الأنبیاء، فالشعراء یتبعهم الضالون الحائدون عن السنن القویمة، أما أتباع سیدنا محمد  فهم لیسوا كذلك، بل هم الساجدون الباكون الزاهدون(40).

والرسول  ما علمه ربه الشعر، ولیس في طبعه حب الشعر، ولایستحسنه، فكیف یتهمه المشركون بأنه شاعر وهو القائل: (لأن یمتليء جوف أحدكم قیحا خیر له من أن یمتلیء شعرا).

ویقول الله تعالی مبینا هذا المعنی: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا ينبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ(41).

وفي معنی الآیة یقول ابن كثیر: فالله تعالی یقول مخبرا عن نبیه محمد  إنه ما علمه الشعر وما هو في طبعه، فلا یحسنه ولایحبه، ولا تقتضیه جبلته(42).

وإن هذا الشعر لا یلیق بمكانة الرسول  ولا بمقامه، وإن منزلته عند ربه تجل عن أن یكون شاعرا، وما القرآن المنزل علیه إلا عظة وتذكیر وهدایة، وكتاب سماوي واضح، فلا مناسبة بینه وبین الشعر(43).

ویعلق الإمام أبو السعود في تفسیره علی هذه الآیة الكریمة، فیقول: لیس القرآن بشعر؛ لأن الشعر كلام منظوم متكلف موضوع، ومقال مزخرف مصنوع علی منوال الوزن والقافیة، مبني علی خیالات وأوهام واهیة، فأین ذلك من التنزیل الجلیل، المنزه عن مماثلة كلام البشر، المشحون بفنون الحكم والأحكام الباهرة، الموصل إلی سعادة الدنیا والآخرة(44).

قال أبو السعود في تفسیره: فعدم قدرته علی الإنشاء ظاهر، مقرر في النفوس، لما روي عن عائشة رضی الله تعالی عنها أنه قیل لها: هل كان النبي  یتمثل بشیء من الشعر؟ قالت: كان الشعر أبغض الحدیث إلیه، ولم یتمثل إلا لبیت بن رواحة:

ستبدي لك الأیام ما كنت جاهلا ویأتیك بالأخبار من لم تزود

فجعل یقول: وما یأتیك بالأخبار، فقال أبوبكر: لیس هكذا یا رسول الله فقال : (إني لست بشاعر ولا ینبغي لي).

وأما قوله:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

وقوله:

هل أنتِ إلا إصبع دمیت وفي سبیل الله مالقیت

فمن قبیل الاتفاقات الواردة من غیر قصد إلیها وعزم علی ترتیبها(45).

یقول الولید بن مغیرة في معرض الرد علی كفار مكة: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله، رجزه وهزجه، وقریضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر.

المطلب السابع- الكذب

والسبب الداعیة لهذا الاتهام: صرف الناس عن هذه الدعوة الجدیدة وتنفیرهم من الرسول ؛ لأن الكذب كان أقبح شيء في نظر العرب. وهكذا الحقد والحسد، روي أن الأخنس بن شریق قال لأبي جهل: یا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق أم كاذب فإنه لیس عندنا أحد غیرنا؟ فقال: والله إن محمدا لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقایة والنبوة فماذا یكون لسائر قریش؟!(46). لقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه كذاب، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الاتهام، فقال: وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحرٌ كَذَّابٌ(47). یقول الإمام أبو السعود في تفسیر هذه الآیة الكریمة: ساحر فیما یظهره من الخوارق، كذاب فیما یسنده إلی الله تعالی من الإرسال والإنزال.

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم الدفاع والرد عن رسول الله  حيث إن القرآن الكریم یثبت صدق الرسول  وأنه لیس بمتهم علی غیب السماء. یقول الله تبارك وتعالی مبینا هذا المعنی في رسول الله : وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيبِ بِضَنِينٍ(48).

وفي معنی الآیة یقول الشیخ المراغي: لیس محمد بمتهم علی القرآن وما فیه من قصص وأنباء وأحكام، بل هو ثقة أمین لایأتي به من عند نفسه، ولایبدل منه حرفا بحرف، ولا معنی بمعنی إذ لم یعرف عنه الكذب في ماضي حیاته، فهو غیر متهم فیما یحكیه عن رؤیة جبریل عليه السلام وسماع الشرائع منه(49).

ویؤكد القاضي عبدالجبار هذا المعنی في تفسیره لقول الله تعالی وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(50)، فیقول إن ذكره ارتفع بالصدق والوفاء وقیام الحجة، فما وجد له أعداؤه كذبة ولا ذلة ولا هفوة مع حرصهم علی ذلك.

والعقل –أيضا- لا یتصور من رجل شهیر علی الصدق منذ نعومة أظفاره ونشأ علیه وشب فیه حتی لقب بالصادق الأمین أن یكذب علی الناس ویتصف بما لیس فیه، ویفتري علی الله أنه رسول ولیس بمرسل. وهذا ما أدركه هرقل ببداهته حینما حدثت المناقشة بینه وبین أبي سفیان حيث قال هرقل لأبي سفیان سائلا: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن یقول ماقال؟ فقال: لا. فقال هرقل: فقد أعرف أنه لم یكن لیذر الكذب علی الناس ثم یذهب فیكذب علی الله(51).

ویقول الإمام الماوردي: لو حفظوا علیه كذبة نادرة في غیر الرسالة لجعلوها دلیلا علی تكذیبه في الرسالة، ومن لزم الصدق في صغره كان له في الكبر ألزم، ومن عصم منه في حق نفسه كان في حق الله أعصم، وحسبك بها دفعا لجاحد ورداً لمعاند(52).

رد أكابر قریش وشهادتهم بصدق الرسول .

  1. نفي أبي سفیان للكذب عن رسول الله .
  2. یقول أبو جهل: والله إن محمدا لصادق.
  3. یقول الولید بن المغیرة لمشركي قریش: تزعمون أنه كذاب، فهل جربتم علیه شیئا من الكذب؟ قالوا: اللهم لا (53).

فإجماع أكابر قریش مع عدم الاعتراض علیهم دلیل قاطع علی صدق الرسول  وبراءته من تهمة الكذب.

وأيضا من وجوه وألوان تكذیب المشركین لرسول الله  ادعاؤهم واتهامهم له بأنه یدعي أنه معلَم من عند ربه، وإنما تعلیمه جاءه عن طریق رجل أعجمي یقوم بمهنة الحدادة والتجارة في قریش (54). یقول الله تعالی: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يقُولُونَ إِنَّمَا يعَلِّمُهُ بَشَرٌ(55).

ثم تولی القرآن الكریم جانب الدفاع عنه  حيث بین في معرض الرد علی المشركین إن هذا الغلام الذي تدعون أنه المعلَم لرسول الله  إنما هو غلام أعجمي، رطن لایفصح، وهذا القرآن الذي نزل علی الرسول  عربي بلیغ معجز، یقول الله تعالی: لِّسَانُ الَّذِي يلْحدُونَ إِلَيهِ أَعْجَمِي وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِي مُّبِينٌ (56). لو كان هذا الغلام الأعجمي هو المعلَم لم یتعلم مشركوا مكة منه ویتحدوا رسول الله  بما تحداهم به، فلم یقفوا حیاری عاجزین أمام التاریخ والزمان! ولو لم یعلن هذا الغلام عن علمه وعن نفسه، فینال بذلك المجد والشرف في جزیرة العرب؟

إن القران الكریم یشتمل علی أمورغیبية ماضیة ومستقبلة، وأمور مطویة عن عقول البشر صادقة مطابقة للواقع في الخارج، وشتان بین هذا وبین ما تحویه أساطیرالأولین من أمور ماضیة متخیلة مفتراه لیست مطابقة للواقع، وفي هذا رد علی من قال: إن القرآن أساطیر الأولین.

والقرآن الكریم كلام الله تعالى، ولما اشتمل علیه من علوم الغیب وفنون الحكم والأسرار، وفصاحته وبلاغته التي أعجزت العرب في عصر كانت القوی فیه توافرت علی الإجادة والتبریز في هذا المیدان، وفي أمة كانت مواهبها محشودة للتفوق في هذه الناحیة، وإذا كان أهل الصناعة هؤلاء قد عجزوا عن معارضة القرآن فغیرهم أشد عجزا وأفحش عیا(57). ومن وجوه تكذیب الرسول  إدعاء المشركین أن الرسول  قد قام بكتابة ما جاء به بمعاونة الیهود اكْتَتَبَهَا فَهِي تُمْلَى عَلَيهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (58).

ويرد القرآن الكریم علی المشركین مبینا أن الرسول  كان أمیا لا یقرأ ولا یكتب، یقول الله تعالی: وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(59).

وفي تفسير الآية یقول ابن كثیر: قد لبثت في قومك یا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمراً لاتقرأ كتابا ولا تحسن كتابة، بل كل أحد من قومك وغیرهم یعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب، وهذه الصفة موجودة في الكتب المتقدمة: الَّذِينَ يتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِي الأُمِّي الَّذِي يجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ(60).

المطلب الثامن- الفقر

والسبب الداعي لهذا الاتهام: التقلیل من قیمة الرسول  وشأنه خاصة في وسط المجتمع المادي، ویترتب علی ذلك صرف العرب عنه، وتعطیل أسباب الدعوة، ونفي الرسالة عنه ؛ إذ لو كانت سماوية كما یقولون لاختیر لها أعظم الناس مالا و ولدا، ولأنها منصب شریف لایلیق بهذا الفقیر. یروی أن الولید بن المغیرة قال: لو كانت النبوة حقا لكنت أنا أحق بها من محمد، لأني أكثر منه مالا وولدا(61).

لقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه فقیر، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا القول، فقال: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيتَينِ عَظِيمٍ(62). والمعنی: لولا نزل هذ القرآن علی رجل عظیم الجاه، كثیرالمال. یعنون بذلك الولید بن مغیرة بمكة، وعروة بن مسعود بالطائف (63).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم جانب الدفاع والرد عن الرسول  حيث بين أن اختیارالرسول  إنما هو اختیار سماوي داخل ضمن أحكام الله وتصریفه في الكون، ولا دخل لمخلوق مهما كانت قوته وسیادته في الأرض، وتمكینه بالمال، والولد الكثیر، إذ أن كل ذلك داخل ضمن أعطية الله ومنعه، ولذلك رد الله تبارك وتعالی علیهم، فقال: أَهُمْ يقْسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ(64). یقول ابن كثیر في تفسیره: لیس الأمر مردودا إلیهم؛ بل إلی الله عزوجل، والله أعلم حیث یجعل رسالته، فإنه لا ینزلها إلا علی أزكی الخلق قلبا ونفسا، وأشرفهم بیتا، وأطهرهم أصلا(65).

وكذلك إن رسالة الرسل وهبة من الله تعالی یختص بها من یشاء من عباده ویصطفي لها من یشاء، يقول الله تعالى: اللَّهُ يصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(66).

یقول الإمام الخازن معلقاً علی قول الله تعالی: نَحنُ قَسَمْنَا بَينَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحياةِ الدُّنْيا(67). أي: نحن أوقعنا هذا التفاوت بین العباد، فجعلنا هذا غنیا وذاك فقیرا، وهذا مالكا وذاك مملوكا، وهذا قویا وذاك ضعیفا، ثم إن أحدا من الخلق لم یقدر علی تغییر حكمنا في تخصیص بعض عبادنا بمنصب النبوة والرسالة. والمعنی: كما فضلنا بعضهم علی بعض كما شئنا، كذلك اصطفینا بالرسالة من شئنا(68).

یقول الإمام أبو السعود: زعم المشركون أن الرسالة منصب جلیل لایلیق إلا لمن له جلالة من حیث المال والجاه، ولم یدروا أنها رتبة روحانیة لایرتقي إلیها إلا الخواص المختصین بالنفوس الزكیة، المؤیدین بالقوة القدسیة، المتحلیة بالفضائل الإنسیة (69).

ویقول الإمام الزمخشري في تفسیره: إن إرسال الفقیر أو الیتیم لیس بموجب، لأن الله إنما یختار من استحق الاختیار لجمعه أسباب الاستقلال بما اختیر له من النبوة، والغنی والتقدم لیس من تلك الأسباب في شيء.

المطلب التاسع- الاستهزاء

والسبب الداعیة لهذا الاتهام: التردد والحیرة في أمر الرسول الله ، وهكذا الحسد الذي بلغ غایته في نفوس المشركین، فكانوا یقولون علی سبیل الاستهزاء والمهانة: هذا غلام ابن أبي كبشة یكلم من السماء، وهذا غلام ابن عبدالمطلب یكلم من السماء(70). وهو أسلوب من أسالیب المشركین التي استخدموها للنیل من شخصیة الرسول  والحط من شأنه.

ولقد سجل القرآن الكریم هذا الاستخفاف والسخریة، فقال: وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَث اللَّهُ رَسُولًا(71).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم جانب الرد والدفاع عن الرسول :

  1. یبین القرآن الكریم للرسول  أن المشركین لایستهزءون بك لنقص أو عیب فيك، وإنما هذه طبیعتهم مع جمیع الأنبیاء، ولتعلم یا محمد أننا معك بالتأیید والتثبیت والنصر، وسیعلم الذین ظلموا أي منقلب ینقلبون.
  2. لم يكن الرسول  بالرجل الذي یستهزأ به ویستخف بشأنه، وإنما هو الرجل العظیم في قومه، المشهور بالصدق والوفاء، والذي أطبق القوم جمیعا علی وصفه بالأمین، والذي حظي بمنزلة لم یحظ بها رجل في قریش من قبل ولا من بعد.
  3. الرجل الذي یستهزأ به لابد وأن یكون فیه ما یدعو إلی الهزؤ، وإلا كان الاتهام والإیذاء به ضربا من الهذیان واللغو!

إن المشركین سموا رسول الله علی سبیل الاستهزاء به والسخریة منه بالمنبتر، وسبب هذا الاتهام والإیذاء: ما یرویه لنا القاضي عبدالجبار الهمزاني، فیقول: إن قریشا والعرب لما أعیتهم الحیل في أمر رسول الله  كانوا یسترحون إلی أدنی غم یناله ، فمات ابنه إبراهیم وهو أكبر ولده وبه كان یكنی، ومات ابنه عبدالله، فسرت قریش بذلك، وقال بعضهم لبعض أبشروا فقد انبتر محمد، فأنزل الله عزوجل دفاعا وردا علیهم: إِنَّا أَعْطَينَاكَ الْكَوْثرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ(72).

فانبترت دیانات قریش والعرب كلها، وبطلت عن آخرها، ولم یبق علی ذلك الدین عین تطرق وتم أمره  وسطع نوره، وعلا وقهر(73).

ویتضح من كلام القاضي أن المشركین ربطوا بین موت الذكور وبین انتهاء الدین وانبتاره، ولعلهم كانوا یظنون أن بقاء الذكور من أولاد رسول الله  بقاء للدعوة؛ إذ هم یخلفون آباءهم؛ لأنه أولی به، فبین لهم القرآن الكریم أن قضیة الموت جاریة علی كل الخلائق حتی رسول الله ، وما كانت الدعوات لتموت، لأن الله جل شأنه هو المتكفل بحفظها ورعایتها حيثث يقول الله تعالى: إِنَّا نَحنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ(74).

وأنت یامحمد لا تحزن ولا تیأس، فشانك ومبغضك من أعدائك هو الأبتر، وتحقق بالفعل وعد الله الذي لا یخلف، فانبترت دیانات المشركین وذلت وقهرت، وأبقی الله ذكره علی رؤوس الأشهاد وأوجب شرعه علی رقاب العباد مستمرا إلی یوم المحشر والمیعاد.

المبحث الثاني- مطالب المشركین ومقترحاتهم التي كشفت عن عنادهم وتكبرهم وإصرارهم علی الباطل وتحدیهم للحق الواضح والرد على تلك المطالب.

يبين في هذا المبحث أهم مطالب المشركين ومقترحاتهم التي كشفت عن عنادهم وتكبرهم في الأرض وإصرارهم على الباطل وتحديهم للحق الواضح، والرد عليها في خمسة مطالب:

المطلب الأول- التلقي عن الله مباشرة

السبب الدافع لهذا الطلب: الحقد والحسد الذي تملك قلوب المشركین حيث جعلهم یتطاولون لمقام الرسالات حتی طلبوا نزول الوحي علیهم، أو نزول صحف مكشوفة من السماء علیهم، كیف تكون النبوة خاصة بسیدنا محمد  وفیهم من الزعماء والأكابر من تعظمهم العرب.

لقد اقترحوا علی الرسول  حتی یؤمنوا به أن یكلمهم الله عیانا ویشهد لهم بصدق النبي ، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الاقتراح (75)، فقال الله تعالی: وَقَالَ الَّذِينَ لَا يرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَينَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا (76).

الرد:

ویرد القرآن الكریم علی المشركین هذا الاقتراح مبینا لهم أنه ما ینبغي لكم هذا الطلب ولایلیق بكم، ولكنكم لتكبركم الذي بلغ غایته وبأنكم من أولي العظمة والشأن جعلتم تطلبون مشاهدة الله الكبیر المتعال ومشافهته، وشهادته لكم بنبوة النبي یقول الله تعالی مبینا هذا المعنی، فیقول: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا(77). ثم یعقب الله تبارك وتعالی علی هذه الآیة الكریمة فیبین أن هؤلاء العتاد المتكبرین لایقدرون علی رؤیة الملائكة، ویوم یرونها لابشری لهم ویوقعون بالهلاك والدمار، فكیف يقدرون على رؤية ربهم، یقول الله تعالی مبینا هذا المعنی: يوْمَ يرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيقُولُونَ حجْرًا مَّحجُورًا (78). ومعني هذا: استحقاق المشركین للهلاك والدمار حینما یرون الملائكة وهي مخلوقة فكیف بالخالق؟!

لقد اقترح المشركون علی الرسول  أن ینزل الله علیه ملك علی هیئة بشر لینذر معه، ویكون له مصدقا حتی یؤمنوا به ویتبعوه، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الاقتراح فقال: وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِي الأمْرُ ثمَّ لاَ ينظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيهِم مَّا يلْبِسُونَ(79). والمعنى قال الكافرون للنبي  هلا كان معك ملك يا محمد لكي یشهد بصدقك، ونسمع كلامه، ونری هیئته، وحینئذ نؤمن بك ونصدقك.

الرد:

لقد تولی القرآن الكریم الرد علی المشركین في اقتراحهم هذا حيث یبین القرآن الكریم أن هذا الطلب مرفوض؛ لأن رؤیة الملك بالصورة الملكیة التي خلقها الله علیها تستوجب الهلاك والدمار الفوري، وفي هذا فناء للبشریة، وعدم تحقق الهدف والغایة من الرسالة الإلهیة. إذن لایمكن إرسال ملك مادام أن الله تعالی لایرید أن یهلك الأمة.

المطلب الثاني- طلبهم صعود النبي  إلی السماء عیانا ورجوعه مع ما یثبت صدقه.

لقد اقترح المشركون علی الرسول  في مقابل الإيمان به أن یعرج إلی السماء وهم یشاهدونه، ثم یرجع إلی الأرض ومعه كتاب من رب العزة إلی كل فرد من أفراد المشركین.

ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الطلب، فقال تعالی: أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيكَ حتَّى تُنَزِّلَ عَلَينَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ (80).

وفي معنی الآیة یقول ابن كثير: أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء أي: تصعد في سلم ونحن ننظر إلیك وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيكَ حتَّى تُنَزِّلَ عَلَينَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ. قال مجاهد: أي: مكتوب فیه إلی كل واحد واحد صحیفة، هذا كتاب من الله تعالی لفلان بن فلان تصبح موضوعة عند رأسه(81).

الرد:

لقد تولی القرآن الكریم الرد علی المشركین حيث بين أن هذا الطلب مركب من طلبین: عروج السماء، وتنزیل كتاب إلی كل فرد من أفراد المشركین. وكلاهما مرفوض، لأنه لیس ذلك في مقدور أي رسول أو أي نبي، وإنما هو خاص بقدرة الله تعالى ومشیته، ثم إن هدف الرسالة هو الهدایة والإرشاد، لاصنع المعجزات وخرق العادات، ولذلك أمر الله رسوله أن یرد علیهم بالقرآن كاشفا عن ذاته ومهمته: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً(82).

ولو كان مقصودهم الاستبصار والاسترشاد، لكان من الممكن أن یجبیهم الله إلی طلبهم، لكن الله علم منهم من العناد والتشدد والإصرار علی الكفر وعدم الإیمان برسول الله  ما لاينفعهم مهما تكن الآیات والبراهین.

والمعنی: أن هؤلاء المشركین بلغ من غلوهم في العناد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ویسر لهم معراج یصعدون فیه إلیها ورأوا من العیان مارأوا، لقالوا: هو شيء نتخایله ولاحقیقة له، ولقالوا: نحن قوم سحرنا محمد بذلك(83).

ویقول الله تعالی في معرض الرد علیهم: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحرٌ مُّبِينٌ (84). والمعنی: أنهم لم یقترحوا هذه الآیات إلا علی سبیل العناد والمكابرة.

المطلب الثالث- طلبهم من الرسول  إحیاء الموتی لیشهدوا بصدقه.

لقد اقترح المشركون علی الرسول  في مقابل الإيمان به أن یبعث لهم الله من مضی من الآباء والأجداد، وليكن فیمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه كان شیخا صدوقا، فیسألهم عما تقول حق هو أم باطل؟ فإن صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولا كما تقول(85).

الرد:

لقد رد القرآن الكریم علی المشركین وأثبت خطأهم في طلبهم وأنهم هم أهل عناد وجدل في الباطل.

وإن ذلك الطلب لیس ضمن أهداف الرسالة ولا من أغراضها، ولیس في مهمة الرسول ولا في قدرته، وإنما هو داخل في قدرة الله وتحت مشیئته، ولذلك أمر الله تعالی رسوله أن یعلن عن شخصیته، ووظیفته، وقدرته البشریة أمام الجمیع ومن یخلفهم من بعدهم قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً(86).

المطلب الرابع- طلبهم من الرسول  أن یكون من ذوي الأملاك والقصور والبساتین ذات الینابیع حتی یؤمنوا به.

یقول الإمام الطبري رحمه الله فیما رواه ابن عباس رضی الله عنهما: أن نسأل ربك فیجعل جنات وكنوز وقصور من ذهب وفضة، ویغنیك بها عما تراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتی تعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم(87).

ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذاالاقتراح، فقال: أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا(88).

الرد:

لقد تولی القرآن الكریم الرد علی المشركین بأن الإعطاء والمنع یرجع إلی الله وحده، فهو الذي بحكمته یغني ویفقر، ویهب ویسلب، وهو القادر علی إنشاء البساتین ذات الأنهار الجاریة، والجنات ذات النخیل والأعناب، یقول الله تبارك وتعالی: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(89). ولذلك لیس في قدرة الرسول ولا من مهمته ذلك، وإنما مهمته الإنذار والتبشیر: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً(90).

أما القصور والأملاك والجنان المثمرة، إنما هي من متاع الحیاة الدنیا الفانیة، والنبي الذي قال له ربه: وَلَلْآخِرَةُ خَيرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى(91). فالعطاء الدنیوي أهون شيء علی الله، ولیس دلیلا علی الحب الإلهي، لأنه قد یعطيه الكافر ویمنع منه المؤمن، وفي هذا رد علی المشركین الذین ظنوا عظمة النعیم الدنیوي.

المطلب الخامس- طلبهم من الرسول  أن ینزل علیهم العذاب حتی یؤمنوا به.

ولقد سجل القرآن الكریم هذا الطلب: وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَينَا حجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(92).

الرد:

لقد تولی القرآن الكریم الرد علی المشركین بأن الذي یملك العذاب، والقادرعلی العقاب، وأن یمطر على من یستحق العذاب بحجارة من سجیل، هو الله تبارك وتعالی وحده، یقول الله تعالی مبینا ألوان العذاب التي عاقب بها العصاة والطغاة: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيهِ حاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيحةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يظْلِمُونَ(93).

وهذا الطلب والاقتراح مرفوض؛ لأنه یترتب علیه الفناء والدمار، إذا فما قیمة الرسالة، وما غرضها بعد هلاك القوم، ثم من یبصر ومن یعقل بعد الفناء ونزول العقاب؟!

إن الله عز وجل لم يجب طلب المشركین بنزول العذاب إليهم مع استحقاقهم للعذاب إكراما لنبیه  وبیانا لرفعة شأنه بینهم (94).

قال ابن عباس رضی الله عنهما: لم یعذب الله أهل القریة حتی یخرج النبي والمؤمنون. ویروی أنه لما قال أبوجهل: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ…، نزل قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يسْتَغْفِرُونَ(95).

الخاتمة

أولاً- نتائج البحث

  1. إن تهم المشركین للرسول  إما أن تكون مبنیة علی الجهل؛ كما قالوا بمنافاة الرسالة مع البشر، وقالوا: إن البشریة لا یلیق بها تحمل وحي السماء.
  2. وإما أن تكون مبنیة علی الحقد والحسد الذي تملك قلوب المشركین إلى أن جعلهم یتطاولون لمقام الرسالات، وحتی طلبوا نزول الوحي علیهم أو نزول صحف مكشوفة من السماء علیهم، كیف تكون النبوة خاصة بسیدنا محمد وفیهم من الزعماء والأكابر من تعظمهم العرب.
  3. وأما أن تكون مبنیة علی الكذب، كما روي أن الأخنس بن شریق قال لأبي جهل: یا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق أم كاذب، فإنه لیس عندنا أحد غیرنا؟ فقال: والله إن محمدا لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنوقصي باللواء والسقایة والنبوة، فماذا یكون لسائر قریش.
  4. وإما أن تكون مبنية علی التقلیل من قیمة الرسول  وشأنه خاصة في وسط المجتمع المادي، ویترتب علی ذلك صرف العرب عنه، وتعطیل أسباب الدعوة، ونفي الرسالة أصلا عن رسول الله ؛ إذ لو كانت سماویة كما یقول، لاختیر لها أعظم الناس مالا وولدا، ولأنها منصب شریف لایلیق بهذا الفقیر. یروی أن الولید بن المغیرة قال: لو كانت النبوة حقا لكنت أنا أحق بها من محمد، لأني أكثر منه مالا وولدا.
  5. وإما أن تكون مبنیة علی العناد والمكابرة، مثل صرف الناس عن هذه الدعوة الجدیدة، وتنفیرهم من الرسول.
  6. وإما أن مبنية علی عدم قدرتهم علی القیام بما لایقدرعلیه الغیر، كشق القمر وتكلیم الحجر.
  7. منهج القرآن كان واضحاً في الرد على كل اتهامات المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم، ووكذلك مطالبهم في تعجيز النبي صلى الله عليه وسلم والوقوف في طريق دعوته.

ثانياً- التوصیات

  1. علی المسلمین عامة وعلی العلماء خاصة أن ینتبهوا إلی اعتراضات الكفرة والمستشرقین، وعلیهم أن یردوا هذه الاتهامات بدلائل مقنعة.
  2. أن یعلنوا لأعداء الله تعالى أن الدین الحق عند الله هو الإسلام، والإسلام هو دین الله الذي خلق جمیع الكائنات، الدين الذي لا مجال فیه للشكك والتردد والاتهامات.
  3. أرجو من أئمة المساجد أن يردوا في خطب الجمعة هذه الاتهامات التي يردها أعداء الإسلام، وأن يبلغوها للناس، لاسیما التي وردت علی نبي الرحمة خاتم النبیین.
  4. نرید من الجامعات الإسلامیة أن يتصدوا لبيان أهمیة ردود تلك الشكوك والاتهامات الموجهة إلی الرسول.

قائمة المصادر والمراجع

القرآن الكریم

  1. ابن كثیر، أبو الفداء الحافظ، الدمشقي. تفسیر القرآن العظیم. دارالفكر. بیروت. لبنان. 2004م – 1424هـ
  2. ابن هشام، عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن الخثعمي السهیلي. سیرة ابن هشام. دارالصحابة للتراث. طنطا. 1990م.
  3. أبو الحسن، علي بن محمد بن محمد بن حبیب البغدادي. أعلام النبوة. مكتبة الهلال. بیروت. 2010م.
  4. أبو السعود، محمد بن محمد بن مصطفی. إرشاد العقل السلیم إلی مزایا القرآن الكریم، 2015م.
  5. أبو حیان، أبو عبد الله محمد بن یوسف بن حیان الأندلسي. تفسیر البحرالمحیط. دارالكتب العلمیة. ۱۹۹۳م.
  6. الألوسي، أبوالفضل شهاب الدین سید محمود. روح المعاني في تفسیر القرآن العظیم والسبع المثاني. دارالتراث. القاهرة. بدون طبعة. 1270هـ.
  7. البلاح، سامح محمد. فضائل النبي في القرآن الكریم. 2015م.
  8. البیهقي، أحمد بن الحسین بن علي بن موسی. دلائل النبوة. 1988م.
  9. الزرقاني، محمد عبد العظیم. مناهل العرفان في علوم القرآن. دارالكتب العلمیة. 1943.
  10. سید قطب. في ظلال القرآن. دار الشروق. 1412م.
  11. السیوطي، جلال الدین عبد الرحمن بن أبي بكر. الدرالمنثور في التفسیر المأثور. دارالفكر للطباعة والنشر والتوزیع. 1993م- 1414هـ ق.
  12. صاوي، أحمد بن محمد المالكي، حاشیة صاوي علی تفسیرالجلالین. 1946م.
  13. الطرازي الحسیني، أبو النصر مبشر. نبذة من السیرة النبویة. العدد: 57 سلسلة البحوث الإسلامیة:110.
  14. العجیلي، سلیمان بن عمر. تفسیر الفتوحات الإلهیة بتوضیح تفسیرالجلالین. دارالفكر. بیروت. لبنان. 1886م.
  15. علاء الدین، علي بن محمد بن إبراهیم البغدادي. لباب التأویل في معاني التنزیل. مكتبة الهلال. 2004م.
  16. القرطبي، أبوعبدالله محمد بن أحمد الأنصاري. الجامع لأحكام القرآن. دارالكتاب العربي. ۱۳۸۷هـ.
  17. لجنة القرآن والسنة في المجلس الأعلی للشئون الإسلامیة. التفسیرالمنتخب في القرآن الكریم. ۲۰۱۵م.
  18. المراغي، أحمد مصطفی. تفسیرالمراغي. دارالفكر. بیروت. لبنان. ۱۹۴۶م.
  19. مسلم بن حجاج القشیري، أبو الحسین. صحیح مسلم. دار الفكر للطباعة والنشر. بیروت. لبنان. الطبعة الأولی، 1424هـ ق – 2003م.
  20. موسي شاهین، فتح المنعم بشرح صحیح مسلم. دارالشروق. 2002م.
  21. النسفي، أبوالبركات أحمد بن محمود حافظ الدین. مدارك التنزیل وحقائق التأویل. دارالكلام الطیب. بیروت. 1998م.

1() سورة الأنعام: 19.

2() سورة غافر: 51.

3() سورة آل عمران: 186.

4() سورة الفرقان: 33.

5() ابن کثیر، تفسیر القرآن العظیم. ج: 3 ص:317.

6() سید قطب. في ظلال القرآن. ج: 5 ص: 2563.

7() القرطبي، الجامع لأحکام القرآن. ج: 8 ص: 306.

8() سورة الإسراء: 94.

9() سورة آل عمران: 165.

10()صحیح مسلم بشرح النووي. ج: 12 ص: 156.

11() المراغي، تفسیرالمراغي. ج: 30 ص: 183.

12() الألوسي. تفسير روح المعاني: 29، 27.

13( ) سورة القلم:51.

14() سورة القلم: 1.

15() سورة القلم: 2.

16() أبوحیان الأندلسي البحرالمحیط. ج: 8 ص: 308.

17() سيد قطب. في الظلال القرآن: 6، 3655.

18() المراغي. تفسیرالمراغي: 29، 29.

19() سورة الصافات: 36.

20() سورة الطور: 29.

21() سورة الحاقة: 38- 43.

22() سورة الشعراء: 221- 223.

23() سورة الشعراء: 210- 212.

24() ابن کثیر، تفسیر القرآن العظیم. ج: 3 ص: 349.

25() سورة الأنعام: 50.

26() سيد قطب. في ظلال القرآن: 6، 2688.

27() هیکل، حیاة محمد: 170.

28() سورة ص: 4.

29() سورة الإسراء: 47.

30() سورة الفرقان:9.

31() تفسیر ابن کثیر: 3، 63.

32() سورة ص: 86.

33() تفسیر ابن کثیر: 4، 44.

34() ابن هشام، سیرة ابن هشام. ج: 1 ص: 265.

35() موسي شاهین،. فتح المنعم. ج: 2 ص: 38.

36() سورة الطور:30.

37() سورة الحاقة: 38- 41.

38() سورة الشعراء: 225- 226.

39() سورة الشعراء: 213.

40() تفسیر ابن کثیر: 19، 113.

41() سورة یس: 69.

42() تفسیر ابن کثیر: 3، 578.

43() لجنة القرآن والسنة في المجلس الأعلی لشئون الإسلامیة. المنتخب في التفسیر القرآن.

44() أبو السعود،. إرشاد العقل السلیم إلی مزایا القرآن الکریم. ج: 4 ص: 26.

45() العجیلي، تفسیر الفتوحات الإلهیة بتوضیح تفسیرالجلالین. ج: 3 ص: 523.

46() تفسير روح المعاني: 29، 27.

47() سورة ص: 4.

48() سورة التکویر: 24.

49() تفسیر المراغي: 30، 60.

50() سورة الشرح: 4.

51() تفسیر ابن کثیر: 2، 410.

52() أبو الحسن البغدادي. أعلام النبوة. ص: 149.

53() تفسیر المراغي: 29، 130.

54() الألوسي، روح المعاني في تفسیر القرآن العظیم والسبع المثاني.

55() سورة النحل: 103.

56() سورة النحل: 103.

57() الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن. ج: 2 ص: 332.

58() سورة الفرقان: 53.

59() سورة العنکبوت: 48.

60() سورة الأعراف: 157.

61() تفسیر المراغي: 29، 28.

62() سورة الزخرف: 31.

63() العجیلي، تفسیر الفتوحات الإلهیة: 4، 83.

64() سورة الزخرف: 32.

65() تفسیر ابن کثیر: 4، 126.

66() سورة الحج: 75.

67() سورة الزخرف: 32.

68() الخازن،. لباب التأویل في معاني التنزیل، ج: 4 ص: 115.

69() أبو السعود. إرشاد العقل السلیم إلی مزایا القرآن الکریم: 5، 43.

70() الطرازي الحسیني، أبو النصر مبشر. نبذة من السیرة النبویة. العدد: 57. سلسلة البحوث الإسلامیة:110.

71() سورة الفرقان: 43.

72() سورة الکوثر: 1- 3.

73() البیهقي، دلائل النبوة. ج: 1 ص: 38.

74() سورة الحجر: 9.

75() السیوطي، الدرالمنثور. ج: 5 ص: 66..

76() سورة الفرقان: 21.

77() السیوطي، الدر المنثور، ج: 5 ، 66.

78() سورة الفرقان: 22.

79() سورة الأنعام: 6- 9.

80() سورة الإسراء: 93.

81() تفسیر ابن کثیر: 3، 64.

82() سورة الإسراء: 93.

83() النسفي، مدارك التنزیل وحقائق التأویل.

84() سورة الأنعام: 7.

85() تفسیر ابن کثیر: 3، 63.

86() سورة الإسراء: 93.

87() تفسیر ابن کثیر: 3، 63.

88() سورة الإسراء: 91.

89() سورة المؤمنون: 18– 19.

90() سورة الإسراء: 93.

91() سورة الضحی: 4.

92() سورة الأنفال: 32.

93() سورة العنکبوت: 40.

94() البلاح، فضائل النبي في القرآن الکریم. ص: 47.

95() سورة الأنفال: 33.

The Noble Qur’an defends the last of the prophets,
(peace and blessings be upon him)

Abdullah Zahedy

Department of Islamic Culture || Kabul Polytechnic University || Afghanistan

Abstract: I wrote in this article the accusations that the polytheists accused the Messenger of God, as it came in the noble Qur’an, mentioning humanity, hatred and abandonment, madness, magic, priesthood, poetry……. Then I showed the error of the polytheists and their distance from right in these accusations in the evidence from the Holy Qur’an and reason and the sayings of the largest participants.

Thanks to him witnessed the enemy until the grace of the enemies

It relied on clarifying the charge, its statement and how to respond to it, and this is the greatest method in responding to the charges of the participants, because the one who takes charge of the defense and the response is the right to bless.

(Say anything greater than the testimony. Say God is a witness between me and you, and I am inspired).

Keywords: Noble Quran, Prophet Muhammad Reject on the polytheists, slurs.

القرآن الكریم یدافع عن خاتم النبیین صلی الله علیه وسلم

عبد الله زاهدی

قسم الثقافة الإسلامیة || جامعة بولی تخنیک کابل || أفغانستان

الملخص: كتبتُ في هذا المقال التهم التسعة التي اتهم بها رسول الله  كما جاءت في القرآن الكریم، فذكرت منها: البشریة، والبغض، والترك، والجنون، والسحر، والكهانة، والشعر…، ثم بینت خطأ المشركین وبعدهم عن الصواب في هذه الاتهامات مستدلا بآيات من القرآن الكریم وأقوال أكابر المشركین.

فوجدت أن هذه الاتهامات إما مبنیة علی الجهل – كما تثبت المنافاة بین البشریة والرسالة – أو مبنية علی التقلیل من قیمة الرسول  وشأنه خاصة في وسط المجتمع المادي– ویترتب علی ذلك صرف العرب عنه وتعطیل أسباب الدعوة – أو مبنیة علی العناد والمكابرة، مثل: صرف الناس عن هذه الدعوة الجدیدة، وتنفیرهم من الرسول ، أو مبنیة علی الكذب؛ كما روي أن الأخنس بن شریق قال لأبي جهل: یا أبا الحكم! أخبرني عن محمد أصادق أم كاذب فإنه لیس عندنا أحد غیرنا؟ فقال: والله إن محمداً لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء، والسقایة، والنبوة، فماذا یكون لسائر قریش.

واعتمدت في إیضاح التهمة وبیانها، وكیفیة الرد علیها، وهذا أعظم منهج في الرد علی تهم المشركین؛ لأن الذي یتولی الدفاع والرد هو الحق تبارك وتعالی قُلْ أَي شَيءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِينِي وَبَينَكُمْ وَأُوحي(1).

الكلمات المفتاحیة: القرآن الكریم، النبي محمد ، الرد علی المشركین، التهم.

المقدمة

الحمد لله الذي اختار من عباده رسلا مبشرین ومنذرین لئلا یكون للناس علی الله حجة بعد الرسل، وجعلهم أفاضل الأمم وقادتها وسادتها، وأمرهم بتبلیغ الرسالات، وأیدهم بالمعجزات، ووعدهم بنصره وعونه، فقال تعالی: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحيوٰةِ ٱلدُّنۡيا وَيوۡمَ يقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ(2).

والصلاة والسلام علی سیدنا محمد، الذي أعده ربه للرسالة الخاتمة، فأدبه مولاه ورباه وهذبه، وجعله من أفضل خلقه خِلقةً وخُلقا، وبعثه علی رأس الأربعین، وتولی حركاته وسكناته، فدافع عنه، ونصره، وجعل كلمة الذین كفروا السفلی وكلمة الله هي العلیا، والله عزیز حكیم. فاللهم صل وسلم وبارك علیه وعلی آله وصحبه والتابعین.

أهمیة البحث:

إن هذا الموضوع – كما بینت – له ارتباط وثیق بالقرآن الكریم من حیث أن القرآن الكريم قد تعرض؛ لتهيئ الله تعالى لنبیه  خلقیاً قبل الرسالة وبعدها، ثم تعرض لذكر أحوال المشركین ومواقفهم مع الرسول  ورده علیهم، فدافع الله عن نبيه  وبرأه من التهم التي لفقها المشركون به وعصمه من مؤامراتهم، كما ساعده في التغلب على تحدياتهم المختلفة.

والرسول  ركن أساسي في الإیمان بالله تعالی حيث لایقبل الإیمان به تعالى إلا بالشهادة له  بالرسالة، وهو الذي اختاره لحمل الرسالة الخاتمة، وهو الهادي لنا إلی طریق الحق، فالدفاع عنه  دفاع – بالتأكيد – عن سیادة الإسلام وكرامته، والدفاع عنه من دواعي حب سیدنا محمد  والذي به یكمل إيمان المرء.

أهداف البحث:

  1. تقديم الدلائل المقنعة علی الاعتراضات والشبهات التي ترد علی الإسلام في كل زمان و مكان، وأن لایخافوا في ذلك لومة لائم؛ لأن العلماء هم ورثة الأنبیاء علیهم الصلوة و السلام.
  2. بیان مصیر من یعترض علی الإسلام أو علی الرسول  بأنه واقع في الخسران المبین؛ لأنه اشتری الضلالة بالهدی، فما ربحت تلك التجارة، وأصبح من الضالین.
  3. تجنب العقائد الباطلة والوقوف في وجه مؤامراتهم وأقوالهم الباطلة.
  4. العودة إلی القرآن الكریم فهما وتدبراً وعملا؛ لأن القرآن الكریم بين لنا منهج الأخذ والرد في هذا الموضوع، وما أحوجنا نحن كمسلمین متخصصین إذا وقفنا أمام القرآن الكريم؛ لنشرب من حوضه ونهنأ بشرابه، ونقبع علی دراسته نستخرج منه قضایا الزمان ومواقف أعداء الدین من صدر الإسلام الأول حتی وقتنا هذا، فإذا كان هناك اليوم بعض من یكتب عن الرسول  بالطعن والاتهام، فالقرآن الكریم قد حمل إلینا كثیراً مما یماثل هؤلاء وأمثالهم، وإذا كان هناك بعض من یقرأ كتبهم للرد أو الاطلاع، فالقرآن الكریم فیه اكتفاء عن هذا كله، فلقد حمل إلینا الرد والبراهین القویة الساطعة.

الدراسات السابقة:

لقد اطلعت علی بعض الدراسات التي تطرقت إلی موضوع بحثي بید أن تلكم الدراسات لم ترد على الاتهامات الواردة علی رسول الله  بشكل واضح، ولم تقدم ردود مقنعة علیها، وهذا ماحاولت فعله في هذا البحث، وأهم هذه الدراسات التي لها علاقة بموضوع البحث هي:

  1. زمونږ ګران پیغمبر ، للمولوي محمد عظیم، وهو كتاب في السیرة النبویة، مكتوب باللغة البشتو كما هو معلوم من عنوانه.
  2. رد بر اتهامات وارده بر پیغمبر محبوب ما محمد ، لمحمد شریف فریدي، مكتوب باللغة الدرية كما هو معلوم من عنوانه.
  3. الإساءة إلی الأنبیاء علیهم الصلاة السلام وأسالیب التعامل معها في ضوء القرآن الكریم لإسحاق ابن عبدالله سماكي.

منهج البحث وخطته

منهج البحث:

أذكر أولا: اتهام المشركین علی الرسول - مثلا اتهامهم للرسول  بالجنون-، ثم أذكر الآیة التي سجلت هذا الاتهام، ثم بینت الرد عليهم من القرآن الكریم، وفي بعض الموارد أتبعته بالرد العقلي أيضا، ثم ذكرت شهادة أكابر قریش بتعقل الرسول  وبراءته من اتهام المشركین.

خطة البحث:

لقد تكون البحث من مقدمة ومبحثين وخاتمة:

  • المقدمة، جاء فيها أهمیة البحث، وأهداف البحث، والدراسات السابقة ومنهج البحث.
  • المبحث الأول: تكلمت عن التهم التي افتراها المشركون علی الرسول ، ورد القرآن الكريم علیها، وبینت فیه أن الذي اشتهر بالصدق، والأمانة، والعدل، ماكان ینبغي أن یقابل بهذا الإیذاء، والسباب، والاتهام، ولكن أعداء الحق ما توقفوا برهة عن محاربة هذه الدعوة. وبعد أن برأ الله تبارك وتعالی نبیه بكلام عربي فصیح، مسموع للحضري والبدوي، وأثبت أنه  منزه عن كل هذه التهم التي اختلقها المشركون من عند أنفسهم، واتضح الأمر جلیاً أمام أعینهم بأن هذا الرجل الكامل المؤدب الأمین لیس بمجنون، ولا كاهن، ولا ساحر، ولا كذاب، كان علی العرب أن یجیبوا داعي الله ویؤمنوا به، لكنهم تجبروا واستكبروا استكبارا وأعلنوا صراحة أنهم لن یؤمنوا أبدا.
  • المبحث الثاني: ذكرت مطالب المشركین ومقترحاتهم التي كشفت عن عنادهم وتكبرهم وإصرارهم علی الباطل، وتحدیهم للحق الواضح.
  • الخاتمة: ذكرت نتائج البحث، والتوصیات.

المبحث الأول- اتهامات المشركین ورد القرآن الكریم علیها

لقد أبان القرآن الكریم عن نوایا أهل الكتاب والمشركين وعما یواجهون به النبي  إیناسا لنفسیته، وتربیة لروحه الطاهرة، وتقویة لعزیمته قبل أن یفاجأ بما لم یكن في الحسبان، یقول الله تعالی لنبیه :‏ لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُور (3).

وبعد أن أبان القرآن الكريم عن موقف المشركین، بین أن الله تبارك وتعالی هو الذي یتولی جانب الدفاع والرد عن رسوله ، یقول الله تعالی: وَلَا يأۡتُونَكَ بِمَثلٍ إِلَّا جِئۡنَٰكَ بِٱلۡحقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا (4). أي: ولا يقولون قولا يعارضون به الحق إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر بل وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم.

قال سعید بن جبیر عن ابن عباس رضي الله عنهما: ‏وَلَا يأۡتُونَكَ بِمَثلٍ أي بما یلتمسون به عیب القرآن والرسول إِلَّا جِئۡنَٰكَ بِٱلۡحقِّ أي: إنزال جبریل من الله تعالی بجوابهم(5).

یقول الأستاذ سید قطب معلقاً علی هذه الآیة: (فالله یمضي في تثبیت الرسول  وتطمینه علی إمداده بالحجة البالغة كلما فتحوا له بابا من الجدل، وكانوا اقترحوا علیه اقتراحا، أو اعترضوا علیه اعتراضا، وإنهم لیجادلون بالباطل، والله یرد علیهم باطلهم بالحق…)(6).

وفيما يلي نماذج من اتهامات المشركين التي وجهت إلى النبي.

المطلب الأول- البشریة

لقد اتهم المشركون رسول الله  بالبشریة، وظنوا أن في هذا الاتهام تشنیع وإیذاء للرسول . والأسباب الداعية إلی هذا الاتهام: منافاة الرسالة مع البشر حيث قالوا: إن البشریة لا یلیق بها تحمل وحي السماء. یقول ابن عباس رضی الله عنهما: (إن الكفار قالوا لما بعث الله محمدا: إن الله أعظم من أن یكون رسوله بشرا، وقالوا: ما وجد الله من یرسله إلا یتیم أبي طالب)(7).

ولقد سجل القرآن الكریم علیهم قولهم هذا في عدة آیات منها قوله تعالى: وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَث ٱللَّهُ بَشَرٗا رَّسُولاٗ(8).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم بنفسه جانب الدفاع والرد عن رسول الله  حيث یبین القرآن الكریم أن إرسال البشر إلى العباد كرسول هو عین الرحمة واللطف بهم، لیفقهوا عنهم ویفهموا منهم ویمكنهم مخاطبتهم ومكالمتهم. یقول الله تعالی: ‏لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَث فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايٰتِهِۦ وَيزَكِّيهِمۡ وَيعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ(9).

المطلب الثانی- بغض الله للنبي

كان من التهم التي لفقها المشركون على الرسول  وأرادوا بها أن یثنوا العرب عن الإیمان به واتباعه وإثارة القلق والاضطراب النفسي له  أن انتهزوا فرصة تأخیر الوحي؛ لإظهار خبثهم، وكشف كیدهم وحقدهم، وقالوا: إن محمدا قد ودعه ربه وقلاه.

وورد في سبب هذه الحادثة ما حققه لنا الإمام مسلم في صحیحه من طريق جندب بن سفيان رضي الله عنه، قال: أبطأ جبریل، فقال المشركون: قد ودع محمد. وقال: اشتكی رسول الله  فلم یقم لیلتین أو ثلاثا، فجاءته امرأة فقالت: یا محمد إني لأرجو أن یكون شیطانك قد تركك، لم أره قربك منذ لیلتین أو ثلاثا، فأنزل الله عزوجل: {وَالضُّحى وَاللَّيلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (10). قیل هذه المرأة أم جمیل امرأة أبي لهب.

یقول الشیخ المراغي في تفسیره: نزلت هذه السورة حاملة له أجمل البشری ملقیة في نفسه الطمأنیة، معددة ما أنعم الله به علیه وكأنه تعالی یقول لرسوله: إن من أنعم علیك بكذا وكذا لم یكن لیتركك ولاینساك بعد أن هیأك لحمل أمانته، وأعدك للاضطلاع بأعباء رسالته، فلا تحزن علی ما كان من فترة الوحي عنك، ولایكن في صدرك حرج منها، فما ذلك إلا لتثبیت قلبك وتقویة نفسك(11).

المطلب الثالث- الجنون

والسبب الداعیة لهذا الاتهام: ماكان یغشاه  من حالة عجیبة عند نزول الوحي من تغیر وجهه واصفرار لونه، فتعرض له حالة شبیهة بالمغمي عليه، فالجهال كانوا یقولون إنه مجنون(12).

لقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه مجنون، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم قولهم واتهامهم هذا في عدة آیات، نذكر منها آیة: وَيقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (13).

الرد علی هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم نفسه جانب الرد والدفاع عن الرسول  حيث أقسم الله عزوجل بـ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يسْطُرُونَ(14) علی أن الرسول  لیس بمجنون كما یقوله المشركون، وفي القسم تأكید علی المقسم علیه، ثم إنه مما كان یألفه العرب فیثبت به الحق ویزول به الشك من النفوس.

ثم إن الله عزوجل أقسم بـ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يسْطُرُونَ في معرض إثبات حصافة العقل ونفي تهمة الجنون؛ لأن هذه هي أدوات الوحي وكیف ینزل الوحي علی مجنون!.

هذا في المقسم به أما المقسم علیه، فلقد استبعد الله فیه التهمة عن الرسول ، فقال: مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(15).

والنعمة تشمل النبوة وغیرها، وهذا ما ذهب إلیه الألوسي والمراغي رحمهما الله، لكن أبا حیان رحمه الله ذهب إلی أن المراد بها العقل والشهامة، فقال: والمعنی استبعاد ما كان ینسبه إلیه كفار مكة عداوة وحسدا، وإنه من إنعام الله تعالی علیه بحصافة العقل، والشهامة التي یقتضیهما التأهیل للنبوة(16).

یقول الأستاذ سید قطب معلقاً علی هذه الآیة الكریمة: فیثبت في هذا الجواب وینفي. أي: یثبت نعمة الله علی نبیه في تعبیر یوحي بالقرب والمودة حتی یضیفه إلی ذاته، وینفي تلك الصفة المفتراه التي لا تجتمع مع نعمة الله علی عبد نسبه إلیه، وقربه واصطفاه(17).

وإعلان القرآن الكریم عن كمال خلق الرسول  يعتبر من الردود القاطعة علی المشركین؛ لأن الأخلاق الحسنة لا تكون مع الجنون، وكلما كان الإنسان أحسن أخلاقا كان أبعد من الجنون(18 ).

ثم إن وصف المشركین للنبي  بالشاعریة والجنون لهو –أیضا- من أكبر الأخطاء التي تدل علی فساد رأیهم وضعف بصائرهم، یقول الله تعالی مبینا ما وقع فیه الأعداء من زیف وتحریف: وَيقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ(19).

فهم قد جمعوا بین قوة الذهن والحكمة، وبین الجنون والخبال، وهذا ما لا یمكن أن یصدر من عاقل ولا ملتمس للهدي والنور، فهم یعلمون أن الشعر فن علمي، وإبداع فكري تقاس به القبائل، وتعقد له الأسواق الأدبیة، والمحافل العربیة، وهذا لا یتأتی إلا من العقلاء وأهل المعرفة، فوصفهم له  مع هذا بالجنون، إنما هو الحقد، والكید، والحسد. –وأيضا- ارتضاؤهم به  حكما بینهم مع وجود أكابر قریش وعظمائها، واقتدائهم به لهو خير دليل على براءته  من هذه الشبهة؛ لأن التحكیم من أخص خصائص الرئاسة والزعامة، ولن یحكم الناس بینهم صعلوكا ولا مجنونا. وهذا رد قاطع على هذه التهمة التي يوجهها المشركون وأمثالهم، وإثبات لفطنة الرسول  وتعقله. –وأيضا- شهد أكابر قریش ببراءة الرسول  من الجنون، یقول الولید بن مغیرة: إن محمدا مجنون فهل رأیتموه یخنق قط؟ قالوا اللهم لا.

المطلب الرابع- الكهانة

والسبب الداعیة لهذا الاتهام: إخبار كل من النبي  والكهان بالأمور الغیبیة بصرف النظرعن وقوعها أو عدم وقوعها.

لقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه كاهن، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الاتهام، فقال: فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ(20).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم جانب الدفاع والرد عن رسول الله  حيث أقسم الله تبارك وتعالی بجمیع المخلوقات علی أن ما جاء به نبیه محمد  حق من عند ربه، لا دخل فیه لمخلوق مهما كانت قدرته وقوته. یقول الله تعالی: فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ(21).

أخلاقه  التي اشتهر بها تنفي هذه التهمة؛ لأنه كان أمیناً صادقاً حسن السیرة بين قومه، في حين أن أخلاق الكهان كانت معروفة بالكذب والإثم والغدر والوقیعة، ولقد تعرض القرآن الكریم لنفي هذه التهمة معلناً ومبیناً أن شیاطین الجن لاتنزل علی ذوي الأخلاق الطیبة، یقول الله تعالی: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثيمٍ يلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثرُهُمْ كَاذِبُونَ(22).

وما جاء به الرسول  قد اشتمل علی النور والهدایة، وفي هذا رد علی المشركین؛ لأن ما جاءت به الشیاطین مشتمل علی الضلال والغوایة والفساد، یقول الله تعالی مبینا أن ما أخبر به الرسول لیس من إیحاءات الشياطين أو الهاماتها. وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَمَا ينبَغِي لَهُمْ وَمَا يسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(23)، والشیاطین بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله، لأن السماء ملئت حرسا شدیداً وشهبا في مدة إنزال القرآن الكريم علی رسول الله ، فلم یخلص أحد من الشیاطین إلی استماع حرف واحد منه لئلا یشتبه الأمر(24).

والنبي  لم یدعِ علم الغیب كما كانت تفعله الكهنة؛ بل كان یعلم علم الغیب عن طریق وحي یوحیه الله تعالی إلیه، وإنه لایعلم الغیب، یقول الله تعالی: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى (25).

وأكابر قریش شهدوا ببراءة الرسول  من تهمة الكهانة. یقول النضر بن الحارث: قلتم كاهن، والله ما هو بكاهن، لا والله ما هو بكاهن لقد رأینا الكهنة وتخالجهم، وسمعنا سجعهم(26).

ویقول الولید بن المغیرة ردا علی من قالوا فیه إنه كاهن: لا والله ماهو بكاهن، لقد رأینا الكهان فما هو بزمزمة الكهان ولاسجعه (27).

المطلب الخامس- السحر

والسبب الداعیة إلی هذا الاتهام: قدرته  علی القیام بما لایقدرعلیه الغیر؛ كشق القمر، وتكلیم الحجر.

لقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه ساحر، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذه التهمة فقال: وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحرٌ كَذَّابٌ(28).

ومرة أخری یتهمونه  بأنه مسحور، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذه التهمة، فقال: إِذْ يقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحورًا (29).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم جانب الرد والدفاع عن رسول الله  حيث بين أن هذا الاتهام لیس علی الحقیقة؛ وإنما هو من ضلال المشركین وتكذیبهم بالیوم الآخر. یقول الله تعالی ردا علی المشركین ومبینا دافع هذا الاتهام: انظُرْ كَيفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلَا يسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا(30).

التناقض الذي وقعوا فیه یدل علی براءة الرسول  من هذا الاتهام، فهم مرة اتهمونه بأنه ساحر وأخری بأنه مسحور، وهذا لایقول به عاقل ولا ملتمس للهدي والحق، فكیف یؤثر ویؤثر فیه؟ والمعروف بداهة أن الساحر لایسحر وإلا ما یكون ساحرا.

ومن اقترف هذا الاتهام كان یعرف تماما أن السحر يؤثر في عقل المسحور، وفي بدنه، وفي أخلاقه وسلوكه، فهل شاهدوا في النبي  أو في أحد من أصحابه  أي أثر من هذه الآثار؟!

شتان ما بین الساحر الذي یبتغي الأجر والعطاء علی سحره وبین الرسول  الذي أعلن عن منهجه بلا أجر ولا طلب، وهو الذي عرضت علیه العروض المغریة لیثني عن دعوته، فأبی ورفض مطالبهم، وقال لمشركي قریش وعظماء مكة: (ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فیكم ولا الملك علیكم)(31). والقرآن الكریم یأمر رسول الله  أن یعلن عن هذا المعنی، فقال تعالی: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ(32).

يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: قل یا محمد لهؤلاء المشركین ما أسألكم علی هذا البلاغ وهذا النصح أجرا تعطونیه من عرض الحیوة الدنیا وما أرید علی ما أرسلني الله تعالی به ولا أبتغي زیادة علیه وإنما أبتغي بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة(33).

ویقول النضر بن الحارث في معرض الرد علی قریش: یا معشر القریش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتیتم به بحیلة بعد، قد كان محمد فیكم غلاما حدثا، أرضاكم فیكم، وأصدقكم حدیثا، وأعظمكم أمانة حتی إذا رأیتم في صدغیه الشیب، وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر، والله ما هو بساحر لقد رأینا السحرة ونفثهم وعقدهم(34).

فكون أكابر قریش ینفون هذا الاتهام مع عدم معارضة غیرهم لهم، إنما یدل علی أن هذا الاتهام للرسول  إنما هو من واقع الكید والحسد والحیرة في أمره .

رأي الدین في السحرة: السحر من الأمور المحرمة التي یتنكر لها الدین والتي یحرم العمل بها والسیر في خیوطها.

یقول الإمام النووي: عمل الساحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي  من السبع الموبقات، ومنه ما یكون كفرا، ومنه ما لایكون كفرا، بل معصیة كبیرة، فإن كان فیه قول أو فعل یقتضي الكفر، فهو كفر وإلا فلا.

رأي الدین في تعلم السحر وتعلیمه:

قال النووي أیضا: وأما تعلمه وتعلیمه فحرام، فإن كان فیه ما یقتضي الكفر كفر واستتیب منه، وإلا یقتل، فإن تاب قبلت توبته، وإن لم یكن فیه ما یقتضي الكفر غرر.

وقال مالك: الساحر كافر یقتل بالسحر ولایستتاب، بل یتحتم قتله كالزندیق. قال عیاض: ویقول مالك: قاله أحمد وجماعة من الصحابة والتابعین(35).

المطلب السادس- الشعر

والسبب الداعیة لهذا الاتهام: الخلط بین الشعر وبین آیات الله المنزلة، لما فیها من جمال النسق والتأثیر في المستمع، وبالتالي لن یكون هناك فرق بین القرآن الكریم وبين الشعر، فتنصرف العرب.

ولقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه شاعر، وقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الاتهام، فقال: أَمْ يقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيبَ الْمَنُونِ (36).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم جانب الدفاع والرد عن رسول الله  حيث یقسم جل شأنه علی أنه لیس بشاعر وهذا یكفي في الرد القاطع علی المتهمین وإضرابهم، ولو اقتصر القرآن الكریم علی ذلك لكفى، ولكن الله تبارك وتعالی أقسم بجمیع المخلوقات المرئیة وغیر المرئیة بأن سیدنا محمدا  مبلغ عن ربه، ولیس بشاعر كما یقوله المشركون.

یقول تعالی: فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ(37).

إن حياة النبي  الخلقیة وما اشتهر به بین العرب كفیلة بدفع هذا الاتهام؛ لأن أخلاق الشعراء تخالف أخلاق الأنبیاء، فأخلاقهم غالبا ما كانت تتجاوز العرف والمبادئ الإنسانیة، یقول الشیخ عبد القادر المغربي مبینا ومشیرا إلی أخلاق الشعراء: أخلاق الشعراء وأسالیبهم في كلامهم، ومرامیهم في حیاتهم تنم عنها أشعارهم وقصائدهم و معلقاتهم. هذا في المظهر العام، أما في المقاصد والأغراض فنجد أن رسول الله  كان یهدف إلی تحقیق الإیمان المطلق بالله وحده لاشریك له، وغرس مبادئ الصلات والمحبة والإخاء، و نبذ ما كان علیه المجتمع من أخلاق مذمومة، لكن منهج الشاعر لا هدف له ولاغایة ولامقصد، وإنما هو السبح في أي واد من ودیان الشعور والتصور، والقول وفق أي انفعال یسیطرعلیه تحت وقع أي مؤثر من المؤثرات مع التخلي عن احترام المبادئ الخلقیة السلیمة. یقول تعالی معلنا عن منهج الشعراء خاصة من كانت تعرفهم قریش:أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يقُولُونَ مَا لَا يفْعَلُونَ(38).

ومعنی الآیة: ألم تعلم أن الشعراء یسلكون الطرق المختلفة من الكلام، فقد یمدحون الشيء بعد أن ذموه أو یعظمونه بعد أن احتقروه، والعكس بالعكس. وذلك دلیل علی أنهم لا یقصدون إظهار الحق ولا تحري الصدق، لكن محمدا جبلته الصدق، ولا یقول إلا الحق، وقد بقي علی طريق واحد، وهو الدعوة إلی الله، والترغیب في الآخرة، والإعراض عن الدنیا (وإنهم یقولون ما لا یفعلون)، فهم یرغبون في الجود ویرغبون عنه، وینفرون عن البخل ویقعون فیه، ویقدحون في الأعراض، لا في الأسباب، ولایأتون إلا الفواحش. ومحمد  علی خلاف ذلك، فقد بدأ بنفسه إذ قال له ربه: فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ(39).

وهناك فارق آخر بین متبعي الشعراء ومتبعي الأنبیاء، فالشعراء یتبعهم الضالون الحائدون عن السنن القویمة، أما أتباع سیدنا محمد  فهم لیسوا كذلك، بل هم الساجدون الباكون الزاهدون(40).

والرسول  ما علمه ربه الشعر، ولیس في طبعه حب الشعر، ولایستحسنه، فكیف یتهمه المشركون بأنه شاعر وهو القائل: (لأن یمتليء جوف أحدكم قیحا خیر له من أن یمتلیء شعرا).

ویقول الله تعالی مبینا هذا المعنی: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا ينبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ(41).

وفي معنی الآیة یقول ابن كثیر: فالله تعالی یقول مخبرا عن نبیه محمد  إنه ما علمه الشعر وما هو في طبعه، فلا یحسنه ولایحبه، ولا تقتضیه جبلته(42).

وإن هذا الشعر لا یلیق بمكانة الرسول  ولا بمقامه، وإن منزلته عند ربه تجل عن أن یكون شاعرا، وما القرآن المنزل علیه إلا عظة وتذكیر وهدایة، وكتاب سماوي واضح، فلا مناسبة بینه وبین الشعر(43).

ویعلق الإمام أبو السعود في تفسیره علی هذه الآیة الكریمة، فیقول: لیس القرآن بشعر؛ لأن الشعر كلام منظوم متكلف موضوع، ومقال مزخرف مصنوع علی منوال الوزن والقافیة، مبني علی خیالات وأوهام واهیة، فأین ذلك من التنزیل الجلیل، المنزه عن مماثلة كلام البشر، المشحون بفنون الحكم والأحكام الباهرة، الموصل إلی سعادة الدنیا والآخرة(44).

قال أبو السعود في تفسیره: فعدم قدرته علی الإنشاء ظاهر، مقرر في النفوس، لما روي عن عائشة رضی الله تعالی عنها أنه قیل لها: هل كان النبي  یتمثل بشیء من الشعر؟ قالت: كان الشعر أبغض الحدیث إلیه، ولم یتمثل إلا لبیت بن رواحة:

ستبدي لك الأیام ما كنت جاهلا ویأتیك بالأخبار من لم تزود

فجعل یقول: وما یأتیك بالأخبار، فقال أبوبكر: لیس هكذا یا رسول الله فقال : (إني لست بشاعر ولا ینبغي لي).

وأما قوله:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

وقوله:

هل أنتِ إلا إصبع دمیت وفي سبیل الله مالقیت

فمن قبیل الاتفاقات الواردة من غیر قصد إلیها وعزم علی ترتیبها(45).

یقول الولید بن مغیرة في معرض الرد علی كفار مكة: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله، رجزه وهزجه، وقریضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر.

المطلب السابع- الكذب

والسبب الداعیة لهذا الاتهام: صرف الناس عن هذه الدعوة الجدیدة وتنفیرهم من الرسول ؛ لأن الكذب كان أقبح شيء في نظر العرب. وهكذا الحقد والحسد، روي أن الأخنس بن شریق قال لأبي جهل: یا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق أم كاذب فإنه لیس عندنا أحد غیرنا؟ فقال: والله إن محمدا لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقایة والنبوة فماذا یكون لسائر قریش؟!(46). لقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه كذاب، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الاتهام، فقال: وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحرٌ كَذَّابٌ(47). یقول الإمام أبو السعود في تفسیر هذه الآیة الكریمة: ساحر فیما یظهره من الخوارق، كذاب فیما یسنده إلی الله تعالی من الإرسال والإنزال.

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم الدفاع والرد عن رسول الله  حيث إن القرآن الكریم یثبت صدق الرسول  وأنه لیس بمتهم علی غیب السماء. یقول الله تبارك وتعالی مبینا هذا المعنی في رسول الله : وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيبِ بِضَنِينٍ(48).

وفي معنی الآیة یقول الشیخ المراغي: لیس محمد بمتهم علی القرآن وما فیه من قصص وأنباء وأحكام، بل هو ثقة أمین لایأتي به من عند نفسه، ولایبدل منه حرفا بحرف، ولا معنی بمعنی إذ لم یعرف عنه الكذب في ماضي حیاته، فهو غیر متهم فیما یحكیه عن رؤیة جبریل عليه السلام وسماع الشرائع منه(49).

ویؤكد القاضي عبدالجبار هذا المعنی في تفسیره لقول الله تعالی وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(50)، فیقول إن ذكره ارتفع بالصدق والوفاء وقیام الحجة، فما وجد له أعداؤه كذبة ولا ذلة ولا هفوة مع حرصهم علی ذلك.

والعقل –أيضا- لا یتصور من رجل شهیر علی الصدق منذ نعومة أظفاره ونشأ علیه وشب فیه حتی لقب بالصادق الأمین أن یكذب علی الناس ویتصف بما لیس فیه، ویفتري علی الله أنه رسول ولیس بمرسل. وهذا ما أدركه هرقل ببداهته حینما حدثت المناقشة بینه وبین أبي سفیان حيث قال هرقل لأبي سفیان سائلا: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن یقول ماقال؟ فقال: لا. فقال هرقل: فقد أعرف أنه لم یكن لیذر الكذب علی الناس ثم یذهب فیكذب علی الله(51).

ویقول الإمام الماوردي: لو حفظوا علیه كذبة نادرة في غیر الرسالة لجعلوها دلیلا علی تكذیبه في الرسالة، ومن لزم الصدق في صغره كان له في الكبر ألزم، ومن عصم منه في حق نفسه كان في حق الله أعصم، وحسبك بها دفعا لجاحد ورداً لمعاند(52).

رد أكابر قریش وشهادتهم بصدق الرسول .

  1. نفي أبي سفیان للكذب عن رسول الله .
  2. یقول أبو جهل: والله إن محمدا لصادق.
  3. یقول الولید بن المغیرة لمشركي قریش: تزعمون أنه كذاب، فهل جربتم علیه شیئا من الكذب؟ قالوا: اللهم لا (53).

فإجماع أكابر قریش مع عدم الاعتراض علیهم دلیل قاطع علی صدق الرسول  وبراءته من تهمة الكذب.

وأيضا من وجوه وألوان تكذیب المشركین لرسول الله  ادعاؤهم واتهامهم له بأنه یدعي أنه معلَم من عند ربه، وإنما تعلیمه جاءه عن طریق رجل أعجمي یقوم بمهنة الحدادة والتجارة في قریش (54). یقول الله تعالی: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يقُولُونَ إِنَّمَا يعَلِّمُهُ بَشَرٌ(55).

ثم تولی القرآن الكریم جانب الدفاع عنه  حيث بین في معرض الرد علی المشركین إن هذا الغلام الذي تدعون أنه المعلَم لرسول الله  إنما هو غلام أعجمي، رطن لایفصح، وهذا القرآن الذي نزل علی الرسول  عربي بلیغ معجز، یقول الله تعالی: لِّسَانُ الَّذِي يلْحدُونَ إِلَيهِ أَعْجَمِي وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِي مُّبِينٌ (56). لو كان هذا الغلام الأعجمي هو المعلَم لم یتعلم مشركوا مكة منه ویتحدوا رسول الله  بما تحداهم به، فلم یقفوا حیاری عاجزین أمام التاریخ والزمان! ولو لم یعلن هذا الغلام عن علمه وعن نفسه، فینال بذلك المجد والشرف في جزیرة العرب؟

إن القران الكریم یشتمل علی أمورغیبية ماضیة ومستقبلة، وأمور مطویة عن عقول البشر صادقة مطابقة للواقع في الخارج، وشتان بین هذا وبین ما تحویه أساطیرالأولین من أمور ماضیة متخیلة مفتراه لیست مطابقة للواقع، وفي هذا رد علی من قال: إن القرآن أساطیر الأولین.

والقرآن الكریم كلام الله تعالى، ولما اشتمل علیه من علوم الغیب وفنون الحكم والأسرار، وفصاحته وبلاغته التي أعجزت العرب في عصر كانت القوی فیه توافرت علی الإجادة والتبریز في هذا المیدان، وفي أمة كانت مواهبها محشودة للتفوق في هذه الناحیة، وإذا كان أهل الصناعة هؤلاء قد عجزوا عن معارضة القرآن فغیرهم أشد عجزا وأفحش عیا(57). ومن وجوه تكذیب الرسول  إدعاء المشركین أن الرسول  قد قام بكتابة ما جاء به بمعاونة الیهود اكْتَتَبَهَا فَهِي تُمْلَى عَلَيهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (58).

ويرد القرآن الكریم علی المشركین مبینا أن الرسول  كان أمیا لا یقرأ ولا یكتب، یقول الله تعالی: وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(59).

وفي تفسير الآية یقول ابن كثیر: قد لبثت في قومك یا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمراً لاتقرأ كتابا ولا تحسن كتابة، بل كل أحد من قومك وغیرهم یعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب، وهذه الصفة موجودة في الكتب المتقدمة: الَّذِينَ يتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِي الأُمِّي الَّذِي يجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ(60).

المطلب الثامن- الفقر

والسبب الداعي لهذا الاتهام: التقلیل من قیمة الرسول  وشأنه خاصة في وسط المجتمع المادي، ویترتب علی ذلك صرف العرب عنه، وتعطیل أسباب الدعوة، ونفي الرسالة عنه ؛ إذ لو كانت سماوية كما یقولون لاختیر لها أعظم الناس مالا و ولدا، ولأنها منصب شریف لایلیق بهذا الفقیر. یروی أن الولید بن المغیرة قال: لو كانت النبوة حقا لكنت أنا أحق بها من محمد، لأني أكثر منه مالا وولدا(61).

لقد قال المشركون عن رسول الله  بأنه فقیر، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا القول، فقال: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيتَينِ عَظِيمٍ(62). والمعنی: لولا نزل هذ القرآن علی رجل عظیم الجاه، كثیرالمال. یعنون بذلك الولید بن مغیرة بمكة، وعروة بن مسعود بالطائف (63).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم جانب الدفاع والرد عن الرسول  حيث بين أن اختیارالرسول  إنما هو اختیار سماوي داخل ضمن أحكام الله وتصریفه في الكون، ولا دخل لمخلوق مهما كانت قوته وسیادته في الأرض، وتمكینه بالمال، والولد الكثیر، إذ أن كل ذلك داخل ضمن أعطية الله ومنعه، ولذلك رد الله تبارك وتعالی علیهم، فقال: أَهُمْ يقْسِمُونَ رَحمَةَ رَبِّكَ(64). یقول ابن كثیر في تفسیره: لیس الأمر مردودا إلیهم؛ بل إلی الله عزوجل، والله أعلم حیث یجعل رسالته، فإنه لا ینزلها إلا علی أزكی الخلق قلبا ونفسا، وأشرفهم بیتا، وأطهرهم أصلا(65).

وكذلك إن رسالة الرسل وهبة من الله تعالی یختص بها من یشاء من عباده ویصطفي لها من یشاء، يقول الله تعالى: اللَّهُ يصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(66).

یقول الإمام الخازن معلقاً علی قول الله تعالی: نَحنُ قَسَمْنَا بَينَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحياةِ الدُّنْيا(67). أي: نحن أوقعنا هذا التفاوت بین العباد، فجعلنا هذا غنیا وذاك فقیرا، وهذا مالكا وذاك مملوكا، وهذا قویا وذاك ضعیفا، ثم إن أحدا من الخلق لم یقدر علی تغییر حكمنا في تخصیص بعض عبادنا بمنصب النبوة والرسالة. والمعنی: كما فضلنا بعضهم علی بعض كما شئنا، كذلك اصطفینا بالرسالة من شئنا(68).

یقول الإمام أبو السعود: زعم المشركون أن الرسالة منصب جلیل لایلیق إلا لمن له جلالة من حیث المال والجاه، ولم یدروا أنها رتبة روحانیة لایرتقي إلیها إلا الخواص المختصین بالنفوس الزكیة، المؤیدین بالقوة القدسیة، المتحلیة بالفضائل الإنسیة (69).

ویقول الإمام الزمخشري في تفسیره: إن إرسال الفقیر أو الیتیم لیس بموجب، لأن الله إنما یختار من استحق الاختیار لجمعه أسباب الاستقلال بما اختیر له من النبوة، والغنی والتقدم لیس من تلك الأسباب في شيء.

المطلب التاسع- الاستهزاء

والسبب الداعیة لهذا الاتهام: التردد والحیرة في أمر الرسول الله ، وهكذا الحسد الذي بلغ غایته في نفوس المشركین، فكانوا یقولون علی سبیل الاستهزاء والمهانة: هذا غلام ابن أبي كبشة یكلم من السماء، وهذا غلام ابن عبدالمطلب یكلم من السماء(70). وهو أسلوب من أسالیب المشركین التي استخدموها للنیل من شخصیة الرسول  والحط من شأنه.

ولقد سجل القرآن الكریم هذا الاستخفاف والسخریة، فقال: وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَث اللَّهُ رَسُولًا(71).

الرد على هذا الاتهام:

لقد تولی القرآن الكریم جانب الرد والدفاع عن الرسول :

  1. یبین القرآن الكریم للرسول  أن المشركین لایستهزءون بك لنقص أو عیب فيك، وإنما هذه طبیعتهم مع جمیع الأنبیاء، ولتعلم یا محمد أننا معك بالتأیید والتثبیت والنصر، وسیعلم الذین ظلموا أي منقلب ینقلبون.
  2. لم يكن الرسول  بالرجل الذي یستهزأ به ویستخف بشأنه، وإنما هو الرجل العظیم في قومه، المشهور بالصدق والوفاء، والذي أطبق القوم جمیعا علی وصفه بالأمین، والذي حظي بمنزلة لم یحظ بها رجل في قریش من قبل ولا من بعد.
  3. الرجل الذي یستهزأ به لابد وأن یكون فیه ما یدعو إلی الهزؤ، وإلا كان الاتهام والإیذاء به ضربا من الهذیان واللغو!

إن المشركین سموا رسول الله علی سبیل الاستهزاء به والسخریة منه بالمنبتر، وسبب هذا الاتهام والإیذاء: ما یرویه لنا القاضي عبدالجبار الهمزاني، فیقول: إن قریشا والعرب لما أعیتهم الحیل في أمر رسول الله  كانوا یسترحون إلی أدنی غم یناله ، فمات ابنه إبراهیم وهو أكبر ولده وبه كان یكنی، ومات ابنه عبدالله، فسرت قریش بذلك، وقال بعضهم لبعض أبشروا فقد انبتر محمد، فأنزل الله عزوجل دفاعا وردا علیهم: إِنَّا أَعْطَينَاكَ الْكَوْثرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ(72).

فانبترت دیانات قریش والعرب كلها، وبطلت عن آخرها، ولم یبق علی ذلك الدین عین تطرق وتم أمره  وسطع نوره، وعلا وقهر(73).

ویتضح من كلام القاضي أن المشركین ربطوا بین موت الذكور وبین انتهاء الدین وانبتاره، ولعلهم كانوا یظنون أن بقاء الذكور من أولاد رسول الله  بقاء للدعوة؛ إذ هم یخلفون آباءهم؛ لأنه أولی به، فبین لهم القرآن الكریم أن قضیة الموت جاریة علی كل الخلائق حتی رسول الله ، وما كانت الدعوات لتموت، لأن الله جل شأنه هو المتكفل بحفظها ورعایتها حيثث يقول الله تعالى: إِنَّا نَحنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ(74).

وأنت یامحمد لا تحزن ولا تیأس، فشانك ومبغضك من أعدائك هو الأبتر، وتحقق بالفعل وعد الله الذي لا یخلف، فانبترت دیانات المشركین وذلت وقهرت، وأبقی الله ذكره علی رؤوس الأشهاد وأوجب شرعه علی رقاب العباد مستمرا إلی یوم المحشر والمیعاد.

المبحث الثاني- مطالب المشركین ومقترحاتهم التي كشفت عن عنادهم وتكبرهم وإصرارهم علی الباطل وتحدیهم للحق الواضح والرد على تلك المطالب.

يبين في هذا المبحث أهم مطالب المشركين ومقترحاتهم التي كشفت عن عنادهم وتكبرهم في الأرض وإصرارهم على الباطل وتحديهم للحق الواضح، والرد عليها في خمسة مطالب:

المطلب الأول- التلقي عن الله مباشرة

السبب الدافع لهذا الطلب: الحقد والحسد الذي تملك قلوب المشركین حيث جعلهم یتطاولون لمقام الرسالات حتی طلبوا نزول الوحي علیهم، أو نزول صحف مكشوفة من السماء علیهم، كیف تكون النبوة خاصة بسیدنا محمد  وفیهم من الزعماء والأكابر من تعظمهم العرب.

لقد اقترحوا علی الرسول  حتی یؤمنوا به أن یكلمهم الله عیانا ویشهد لهم بصدق النبي ، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الاقتراح (75)، فقال الله تعالی: وَقَالَ الَّذِينَ لَا يرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَينَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا (76).

الرد:

ویرد القرآن الكریم علی المشركین هذا الاقتراح مبینا لهم أنه ما ینبغي لكم هذا الطلب ولایلیق بكم، ولكنكم لتكبركم الذي بلغ غایته وبأنكم من أولي العظمة والشأن جعلتم تطلبون مشاهدة الله الكبیر المتعال ومشافهته، وشهادته لكم بنبوة النبي یقول الله تعالی مبینا هذا المعنی، فیقول: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا(77). ثم یعقب الله تبارك وتعالی علی هذه الآیة الكریمة فیبین أن هؤلاء العتاد المتكبرین لایقدرون علی رؤیة الملائكة، ویوم یرونها لابشری لهم ویوقعون بالهلاك والدمار، فكیف يقدرون على رؤية ربهم، یقول الله تعالی مبینا هذا المعنی: يوْمَ يرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيقُولُونَ حجْرًا مَّحجُورًا (78). ومعني هذا: استحقاق المشركین للهلاك والدمار حینما یرون الملائكة وهي مخلوقة فكیف بالخالق؟!

لقد اقترح المشركون علی الرسول  أن ینزل الله علیه ملك علی هیئة بشر لینذر معه، ویكون له مصدقا حتی یؤمنوا به ویتبعوه، ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الاقتراح فقال: وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِي الأمْرُ ثمَّ لاَ ينظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيهِم مَّا يلْبِسُونَ(79). والمعنى قال الكافرون للنبي  هلا كان معك ملك يا محمد لكي یشهد بصدقك، ونسمع كلامه، ونری هیئته، وحینئذ نؤمن بك ونصدقك.

الرد:

لقد تولی القرآن الكریم الرد علی المشركین في اقتراحهم هذا حيث یبین القرآن الكریم أن هذا الطلب مرفوض؛ لأن رؤیة الملك بالصورة الملكیة التي خلقها الله علیها تستوجب الهلاك والدمار الفوري، وفي هذا فناء للبشریة، وعدم تحقق الهدف والغایة من الرسالة الإلهیة. إذن لایمكن إرسال ملك مادام أن الله تعالی لایرید أن یهلك الأمة.

المطلب الثاني- طلبهم صعود النبي  إلی السماء عیانا ورجوعه مع ما یثبت صدقه.

لقد اقترح المشركون علی الرسول  في مقابل الإيمان به أن یعرج إلی السماء وهم یشاهدونه، ثم یرجع إلی الأرض ومعه كتاب من رب العزة إلی كل فرد من أفراد المشركین.

ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذا الطلب، فقال تعالی: أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيكَ حتَّى تُنَزِّلَ عَلَينَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ (80).

وفي معنی الآیة یقول ابن كثير: أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء أي: تصعد في سلم ونحن ننظر إلیك وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيكَ حتَّى تُنَزِّلَ عَلَينَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ. قال مجاهد: أي: مكتوب فیه إلی كل واحد واحد صحیفة، هذا كتاب من الله تعالی لفلان بن فلان تصبح موضوعة عند رأسه(81).

الرد:

لقد تولی القرآن الكریم الرد علی المشركین حيث بين أن هذا الطلب مركب من طلبین: عروج السماء، وتنزیل كتاب إلی كل فرد من أفراد المشركین. وكلاهما مرفوض، لأنه لیس ذلك في مقدور أي رسول أو أي نبي، وإنما هو خاص بقدرة الله تعالى ومشیته، ثم إن هدف الرسالة هو الهدایة والإرشاد، لاصنع المعجزات وخرق العادات، ولذلك أمر الله رسوله أن یرد علیهم بالقرآن كاشفا عن ذاته ومهمته: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً(82).

ولو كان مقصودهم الاستبصار والاسترشاد، لكان من الممكن أن یجبیهم الله إلی طلبهم، لكن الله علم منهم من العناد والتشدد والإصرار علی الكفر وعدم الإیمان برسول الله  ما لاينفعهم مهما تكن الآیات والبراهین.

والمعنی: أن هؤلاء المشركین بلغ من غلوهم في العناد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ویسر لهم معراج یصعدون فیه إلیها ورأوا من العیان مارأوا، لقالوا: هو شيء نتخایله ولاحقیقة له، ولقالوا: نحن قوم سحرنا محمد بذلك(83).

ویقول الله تعالی في معرض الرد علیهم: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحرٌ مُّبِينٌ (84). والمعنی: أنهم لم یقترحوا هذه الآیات إلا علی سبیل العناد والمكابرة.

المطلب الثالث- طلبهم من الرسول  إحیاء الموتی لیشهدوا بصدقه.

لقد اقترح المشركون علی الرسول  في مقابل الإيمان به أن یبعث لهم الله من مضی من الآباء والأجداد، وليكن فیمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه كان شیخا صدوقا، فیسألهم عما تقول حق هو أم باطل؟ فإن صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولا كما تقول(85).

الرد:

لقد رد القرآن الكریم علی المشركین وأثبت خطأهم في طلبهم وأنهم هم أهل عناد وجدل في الباطل.

وإن ذلك الطلب لیس ضمن أهداف الرسالة ولا من أغراضها، ولیس في مهمة الرسول ولا في قدرته، وإنما هو داخل في قدرة الله وتحت مشیئته، ولذلك أمر الله تعالی رسوله أن یعلن عن شخصیته، ووظیفته، وقدرته البشریة أمام الجمیع ومن یخلفهم من بعدهم قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً(86).

المطلب الرابع- طلبهم من الرسول  أن یكون من ذوي الأملاك والقصور والبساتین ذات الینابیع حتی یؤمنوا به.

یقول الإمام الطبري رحمه الله فیما رواه ابن عباس رضی الله عنهما: أن نسأل ربك فیجعل جنات وكنوز وقصور من ذهب وفضة، ویغنیك بها عما تراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتی تعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم(87).

ولقد سجل القرآن الكریم علیهم هذاالاقتراح، فقال: أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا(88).

الرد:

لقد تولی القرآن الكریم الرد علی المشركین بأن الإعطاء والمنع یرجع إلی الله وحده، فهو الذي بحكمته یغني ویفقر، ویهب ویسلب، وهو القادر علی إنشاء البساتین ذات الأنهار الجاریة، والجنات ذات النخیل والأعناب، یقول الله تبارك وتعالی: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(89). ولذلك لیس في قدرة الرسول ولا من مهمته ذلك، وإنما مهمته الإنذار والتبشیر: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً(90).

أما القصور والأملاك والجنان المثمرة، إنما هي من متاع الحیاة الدنیا الفانیة، والنبي الذي قال له ربه: وَلَلْآخِرَةُ خَيرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى(91). فالعطاء الدنیوي أهون شيء علی الله، ولیس دلیلا علی الحب الإلهي، لأنه قد یعطيه الكافر ویمنع منه المؤمن، وفي هذا رد علی المشركین الذین ظنوا عظمة النعیم الدنیوي.

المطلب الخامس- طلبهم من الرسول  أن ینزل علیهم العذاب حتی یؤمنوا به.

ولقد سجل القرآن الكریم هذا الطلب: وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَينَا حجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(92).

الرد:

لقد تولی القرآن الكریم الرد علی المشركین بأن الذي یملك العذاب، والقادرعلی العقاب، وأن یمطر على من یستحق العذاب بحجارة من سجیل، هو الله تبارك وتعالی وحده، یقول الله تعالی مبینا ألوان العذاب التي عاقب بها العصاة والطغاة: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيهِ حاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيحةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يظْلِمُونَ(93).

وهذا الطلب والاقتراح مرفوض؛ لأنه یترتب علیه الفناء والدمار، إذا فما قیمة الرسالة، وما غرضها بعد هلاك القوم، ثم من یبصر ومن یعقل بعد الفناء ونزول العقاب؟!

إن الله عز وجل لم يجب طلب المشركین بنزول العذاب إليهم مع استحقاقهم للعذاب إكراما لنبیه  وبیانا لرفعة شأنه بینهم (94).

قال ابن عباس رضی الله عنهما: لم یعذب الله أهل القریة حتی یخرج النبي والمؤمنون. ویروی أنه لما قال أبوجهل: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ…، نزل قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يسْتَغْفِرُونَ(95).

الخاتمة

أولاً- نتائج البحث

  1. إن تهم المشركین للرسول  إما أن تكون مبنیة علی الجهل؛ كما قالوا بمنافاة الرسالة مع البشر، وقالوا: إن البشریة لا یلیق بها تحمل وحي السماء.
  2. وإما أن تكون مبنیة علی الحقد والحسد الذي تملك قلوب المشركین إلى أن جعلهم یتطاولون لمقام الرسالات، وحتی طلبوا نزول الوحي علیهم أو نزول صحف مكشوفة من السماء علیهم، كیف تكون النبوة خاصة بسیدنا محمد وفیهم من الزعماء والأكابر من تعظمهم العرب.
  3. وأما أن تكون مبنیة علی الكذب، كما روي أن الأخنس بن شریق قال لأبي جهل: یا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق أم كاذب، فإنه لیس عندنا أحد غیرنا؟ فقال: والله إن محمدا لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنوقصي باللواء والسقایة والنبوة، فماذا یكون لسائر قریش.
  4. وإما أن تكون مبنية علی التقلیل من قیمة الرسول  وشأنه خاصة في وسط المجتمع المادي، ویترتب علی ذلك صرف العرب عنه، وتعطیل أسباب الدعوة، ونفي الرسالة أصلا عن رسول الله ؛ إذ لو كانت سماویة كما یقول، لاختیر لها أعظم الناس مالا وولدا، ولأنها منصب شریف لایلیق بهذا الفقیر. یروی أن الولید بن المغیرة قال: لو كانت النبوة حقا لكنت أنا أحق بها من محمد، لأني أكثر منه مالا وولدا.
  5. وإما أن تكون مبنیة علی العناد والمكابرة، مثل صرف الناس عن هذه الدعوة الجدیدة، وتنفیرهم من الرسول.
  6. وإما أن مبنية علی عدم قدرتهم علی القیام بما لایقدرعلیه الغیر، كشق القمر وتكلیم الحجر.
  7. منهج القرآن كان واضحاً في الرد على كل اتهامات المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم، ووكذلك مطالبهم في تعجيز النبي صلى الله عليه وسلم والوقوف في طريق دعوته.

ثانياً- التوصیات

  1. علی المسلمین عامة وعلی العلماء خاصة أن ینتبهوا إلی اعتراضات الكفرة والمستشرقین، وعلیهم أن یردوا هذه الاتهامات بدلائل مقنعة.
  2. أن یعلنوا لأعداء الله تعالى أن الدین الحق عند الله هو الإسلام، والإسلام هو دین الله الذي خلق جمیع الكائنات، الدين الذي لا مجال فیه للشكك والتردد والاتهامات.
  3. أرجو من أئمة المساجد أن يردوا في خطب الجمعة هذه الاتهامات التي يردها أعداء الإسلام، وأن يبلغوها للناس، لاسیما التي وردت علی نبي الرحمة خاتم النبیین.
  4. نرید من الجامعات الإسلامیة أن يتصدوا لبيان أهمیة ردود تلك الشكوك والاتهامات الموجهة إلی الرسول.

قائمة المصادر والمراجع

القرآن الكریم

  1. ابن كثیر، أبو الفداء الحافظ، الدمشقي. تفسیر القرآن العظیم. دارالفكر. بیروت. لبنان. 2004م – 1424هـ
  2. ابن هشام، عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن الخثعمي السهیلي. سیرة ابن هشام. دارالصحابة للتراث. طنطا. 1990م.
  3. أبو الحسن، علي بن محمد بن محمد بن حبیب البغدادي. أعلام النبوة. مكتبة الهلال. بیروت. 2010م.
  4. أبو السعود، محمد بن محمد بن مصطفی. إرشاد العقل السلیم إلی مزایا القرآن الكریم، 2015م.
  5. أبو حیان، أبو عبد الله محمد بن یوسف بن حیان الأندلسي. تفسیر البحرالمحیط. دارالكتب العلمیة. ۱۹۹۳م.
  6. الألوسي، أبوالفضل شهاب الدین سید محمود. روح المعاني في تفسیر القرآن العظیم والسبع المثاني. دارالتراث. القاهرة. بدون طبعة. 1270هـ.
  7. البلاح، سامح محمد. فضائل النبي في القرآن الكریم. 2015م.
  8. البیهقي، أحمد بن الحسین بن علي بن موسی. دلائل النبوة. 1988م.
  9. الزرقاني، محمد عبد العظیم. مناهل العرفان في علوم القرآن. دارالكتب العلمیة. 1943.
  10. سید قطب. في ظلال القرآن. دار الشروق. 1412م.
  11. السیوطي، جلال الدین عبد الرحمن بن أبي بكر. الدرالمنثور في التفسیر المأثور. دارالفكر للطباعة والنشر والتوزیع. 1993م- 1414هـ ق.
  12. صاوي، أحمد بن محمد المالكي، حاشیة صاوي علی تفسیرالجلالین. 1946م.
  13. الطرازي الحسیني، أبو النصر مبشر. نبذة من السیرة النبویة. العدد: 57 سلسلة البحوث الإسلامیة:110.
  14. العجیلي، سلیمان بن عمر. تفسیر الفتوحات الإلهیة بتوضیح تفسیرالجلالین. دارالفكر. بیروت. لبنان. 1886م.
  15. علاء الدین، علي بن محمد بن إبراهیم البغدادي. لباب التأویل في معاني التنزیل. مكتبة الهلال. 2004م.
  16. القرطبي، أبوعبدالله محمد بن أحمد الأنصاري. الجامع لأحكام القرآن. دارالكتاب العربي. ۱۳۸۷هـ.
  17. لجنة القرآن والسنة في المجلس الأعلی للشئون الإسلامیة. التفسیرالمنتخب في القرآن الكریم. ۲۰۱۵م.
  18. المراغي، أحمد مصطفی. تفسیرالمراغي. دارالفكر. بیروت. لبنان. ۱۹۴۶م.
  19. مسلم بن حجاج القشیري، أبو الحسین. صحیح مسلم. دار الفكر للطباعة والنشر. بیروت. لبنان. الطبعة الأولی، 1424هـ ق – 2003م.
  20. موسي شاهین، فتح المنعم بشرح صحیح مسلم. دارالشروق. 2002م.
  21. النسفي، أبوالبركات أحمد بن محمود حافظ الدین. مدارك التنزیل وحقائق التأویل. دارالكلام الطیب. بیروت. 1998م.

1() سورة الأنعام: 19.

2() سورة غافر: 51.

3() سورة آل عمران: 186.

4() سورة الفرقان: 33.

5() ابن کثیر، تفسیر القرآن العظیم. ج: 3 ص:317.

6() سید قطب. في ظلال القرآن. ج: 5 ص: 2563.

7() القرطبي، الجامع لأحکام القرآن. ج: 8 ص: 306.

8() سورة الإسراء: 94.

9() سورة آل عمران: 165.

10()صحیح مسلم بشرح النووي. ج: 12 ص: 156.

11() المراغي، تفسیرالمراغي. ج: 30 ص: 183.

12() الألوسي. تفسير روح المعاني: 29، 27.

13( ) سورة القلم:51.

14() سورة القلم: 1.

15() سورة القلم: 2.

16() أبوحیان الأندلسي البحرالمحیط. ج: 8 ص: 308.

17() سيد قطب. في الظلال القرآن: 6، 3655.

18() المراغي. تفسیرالمراغي: 29، 29.

19() سورة الصافات: 36.

20() سورة الطور: 29.

21() سورة الحاقة: 38- 43.

22() سورة الشعراء: 221- 223.

23() سورة الشعراء: 210- 212.

24() ابن کثیر، تفسیر القرآن العظیم. ج: 3 ص: 349.

25() سورة الأنعام: 50.

26() سيد قطب. في ظلال القرآن: 6، 2688.

27() هیکل، حیاة محمد: 170.

28() سورة ص: 4.

29() سورة الإسراء: 47.

30() سورة الفرقان:9.

31() تفسیر ابن کثیر: 3، 63.

32() سورة ص: 86.

33() تفسیر ابن کثیر: 4، 44.

34() ابن هشام، سیرة ابن هشام. ج: 1 ص: 265.

35() موسي شاهین،. فتح المنعم. ج: 2 ص: 38.

36() سورة الطور:30.

37() سورة الحاقة: 38- 41.

38() سورة الشعراء: 225- 226.

39() سورة الشعراء: 213.

40() تفسیر ابن کثیر: 19، 113.

41() سورة یس: 69.

42() تفسیر ابن کثیر: 3، 578.

43() لجنة القرآن والسنة في المجلس الأعلی لشئون الإسلامیة. المنتخب في التفسیر القرآن.

44() أبو السعود،. إرشاد العقل السلیم إلی مزایا القرآن الکریم. ج: 4 ص: 26.

45() العجیلي، تفسیر الفتوحات الإلهیة بتوضیح تفسیرالجلالین. ج: 3 ص: 523.

46() تفسير روح المعاني: 29، 27.

47() سورة ص: 4.

48() سورة التکویر: 24.

49() تفسیر المراغي: 30، 60.

50() سورة الشرح: 4.

51() تفسیر ابن کثیر: 2، 410.

52() أبو الحسن البغدادي. أعلام النبوة. ص: 149.

53() تفسیر المراغي: 29، 130.

54() الألوسي، روح المعاني في تفسیر القرآن العظیم والسبع المثاني.

55() سورة النحل: 103.

56() سورة النحل: 103.

57() الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن. ج: 2 ص: 332.

58() سورة الفرقان: 53.

59() سورة العنکبوت: 48.

60() سورة الأعراف: 157.

61() تفسیر المراغي: 29، 28.

62() سورة الزخرف: 31.

63() العجیلي، تفسیر الفتوحات الإلهیة: 4، 83.

64() سورة الزخرف: 32.

65() تفسیر ابن کثیر: 4، 126.

66() سورة الحج: 75.

67() سورة الزخرف: 32.

68() الخازن،. لباب التأویل في معاني التنزیل، ج: 4 ص: 115.

69() أبو السعود. إرشاد العقل السلیم إلی مزایا القرآن الکریم: 5، 43.

70() الطرازي الحسیني، أبو النصر مبشر. نبذة من السیرة النبویة. العدد: 57. سلسلة البحوث الإسلامیة:110.

71() سورة الفرقان: 43.

72() سورة الکوثر: 1- 3.

73() البیهقي، دلائل النبوة. ج: 1 ص: 38.

74() سورة الحجر: 9.

75() السیوطي، الدرالمنثور. ج: 5 ص: 66..

76() سورة الفرقان: 21.

77() السیوطي، الدر المنثور، ج: 5 ، 66.

78() سورة الفرقان: 22.

79() سورة الأنعام: 6- 9.

80() سورة الإسراء: 93.

81() تفسیر ابن کثیر: 3، 64.

82() سورة الإسراء: 93.

83() النسفي، مدارك التنزیل وحقائق التأویل.

84() سورة الأنعام: 7.

85() تفسیر ابن کثیر: 3، 63.

86() سورة الإسراء: 93.

87() تفسیر ابن کثیر: 3، 63.

88() سورة الإسراء: 91.

89() سورة المؤمنون: 18– 19.

90() سورة الإسراء: 93.

91() سورة الضحی: 4.

92() سورة الأنفال: 32.

93() سورة العنکبوت: 40.

94() البلاح، فضائل النبي في القرآن الکریم. ص: 47.

95() سورة الأنفال: 33.