أسلوب الالتفات عند ابن عاشور

أسلوب الالتفات عند ابن عاشور

سمية بنت سمير المنصوري

قسم الدراسات الإسلامية || كلية الآداب || جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن || المملكة العربية السعودية

DOI PDF

Tab title
تناولت في هذه الدراسة موضوع الالتفات عند ابن عاشور، وسلكت فيها المنهج الوصفي التحليلي من خلال عرض منهج ابن عاشور في الالتفات، وبيان عنايته به، وإيضاح طرقه في التعبير عنه، مع ذكر أنواع الالتفات الموجودة عنده وبعض الأمثلة المندرجة تحت كل نوع، وقد قسمت البحث إلى قسمين؛ قسم نظري وآخر تطبيقي، وضمَّنت القسم النظري مبحثين، المبحث الأول في مفهوم الالتفات وتحته مطلبان، والمبحث الثاني في عناية ابن عاشور بالالتفات وتحته مطلبان، أما الدراسة التطبيقية ففيها مبحثان، المبحث الأول تناولت فيه الشواهد القرآنية لأقسام الالتفات وتحته ستة مطالب، والمبحث الثاني في النوع الآخر الذي عده ابن عاشور من الالتفات، وجاءت هذه الدراسة في ست وعشرين صفحة تقريبًا. الكلمات المفتاحية: الالتفات، الالتفات عند ابن عاشور، الالتفات في التحرير والتنوير.

المقدمة

الحمد لله الذي هدى بكتابه القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بأعظم نِعمة، وأجلِّ مِنَّة، وهي القرآن الكريم، الذي حثَّنا على تدبُّره وفَهْمِه، قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [سورة النساء: 81]، ولا يتأتَّى ذلك إلا بالوقوف على معاني آياته، ومواطن إعجازه، ودقائق أسراره تدبُّرًا وتفكُّرًا، وإمعان النظر في هذه الآيات، وما تحمله من سياقات، ونَظْم وبلاغة، ومعرفة المراد منها، والعمل بها.

ومِمَّا يُعين على التدبُّر الأمثل للقرآن الكريم: الاستعانة بكتب التفسير المهتمة باستنباط أحكام القرآن، واستخراج فوائده، والكشف عن صور بلاغته؛ فقد قيَّض الله لخدمة كتابه علماء ربانيين، يفسِّرون القرآن على الوجه الصحيح، ويبرزون فصاحته وأساليب بلاغته، ومن هؤلاء الأفذاذ: الإمام الطاهر ابن عاشور رحمه اللهصاحب كتاب: (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد)، المعروف اختصارًا واشتهارًا بـالتحرير والتنوير، وكتابه هذا يُعَدُّ من أجود الكتب المعاصرة التي تستحق الدراسة؛ لِما أولى الأساليب القرآنية من عناية فائقة؛ من حيث اشتمالها على أفانين البلاغة العربية، وتجلية أوجه الإعجاز فيها.

ومن أبرز الأساليب التي تناولها ابن عاشور في كتابه أسلوبُ الالتفات، الذي لَقِيَ عناية من علماء اللغة والبلاغة، فتناولوا هذا الفن البلاغي من جهة نشأته، وتطوُّره، ودراسته؛ وعمدتُ هنا للوصول إلى مفهوم الالتفات عند ابن عاشور، وإبراز بعض شواهده القرآنية، راجيةً من الله أن يُسهم بحثي في خدمة كتابه، ونفْع عباده، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مشكلة البحث:

تتمثل مشكلة البحث في أن كثيرًا من أساليب القرآن البلاغية نوقشت في بحوث بلاغية ونظرية بعيدًا عن معاني القرآن وآياته؛ والتي هي القمة في الفصاحة والبلاغة، فكان هذا البحث لبيان منهج أحد المفسرين والذي هو من أهم أعلام البلاغة الذين تناولوا الأساليب القرآنية، وكان الالتفات أحد أهم الأساليب التي عنى بها ابن عاشور عناية كبيرة، فما منهج ابن عاشور في الالتفات؟ وما هو ضابط أسلوب الالتفات الذي ذكره؟ وكيف عبَّر ابن عاشور عن الالتفات؟ وماهي الأنواع التي أوردها في تفسيره؟

هدف البحث:

  1. بيان اهتمام الإمام ابن عاشور بأنواع الالتفات في القرآن الكريم.
  2. استخراج اللطائف القرآنية والأسرار والفوائد المسلكية بعد استقراء الآيات التي ورد بها الالتفات والتعمُّق في فَهْمها، للإعانة على تدبُّر كلام الله والعمل به.
  3. عرض أمثلة من الالتفات، مع بيان ما ينشأ من الالتفات بسبب تغايُر القراءات، ورأي الطاهر ابن عاشور فيه.
  4. إظهار أوجه الإعجاز في البلاغة القرآنية.

أهمية البحث:

أسباب اختيار الموضوع:

  1. بعد استقراء الآيات القرآنية لفت نظري كثرةُ مواضع الالتفات في كتاب الله عز وجل؛ فرغبتُ في الوقوف على هذا الأسلوب البلاغي الذي يُظْهِر جمال النص القرآني.
  2. وجدتُ أنَّ هذا الأسلوب لقي اهتمامًا كبيرًا من أهل البلاغة؛ فتناولوه من ناحية بلاغية، ورغبتُ المشاركة فيه من ناحية تفسيرية تطبيقية، بعد النظر في سياق الآيات واعتمادي على أقوال المفسِّرين وأهل البلاغة، مما يتيح لي الاطلاع على أمَّهات الكتب في مختلف الفنون اللغوية والأدبية.
  3. تَمكُّن ابن عاشور من علوم اللغة العربية عامة، ومن علوم البلاغة خاصة، وقد كان اهتمامه بهذا النوع من البلاغة ظاهرًا في مقدمة تفسيره، وفي ثنايا كتابه التحرير والتنوير” (الذي يُعَدُّ أحد كتب التفسير الموسوعية التي تستحق الدراسة من الناحية البلاغية).

حدود البحث: آيات القرآن الكريم.

الدراسات السابقة: وقفتُ على عدَّة دراسات تناولت مفهوم الالتفات في القرآن الكريم، ومن تلك الدراسات:

  1. أسرار الالتفات في ضوء الذِّكْر الحكيم، تأليف: إبراهيم علي حسن داود، 1407هـ – 1987م.
  2. أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية، تأليف: حسن طبل، القاهرة، دار السلام، 1431هـ، 2010م.
  3. أسلوب الالتفات في القرآن الكريم (دراسة تاريخية تحليلية وصفية)، تأليف: آدم إدريس محمد، جامعة الخرطوم، رسالة ماجستير.
  4. الالتفات في أساليب القرآن الكريم، تأليف: ربيع محمد عبد المحسن، جامعة الأزهر، رسالة ماجستير، 1981م.
  5. الالتفات في السبع الطوال من القرآن الكريم (دراسة بلاغية تطبيقية)، تأليف: مريم عبد الصمد ضاما، جامعة تشرين، الدراسات الإسلامية، رسالة ماجستير، 1994م.
  6. الالتفات في القران الكريم، تأليف: سلام حسن علوان، 1437هـ، 2016م.
  7. الالتفات في القرآن الكريم، تأليف: عدنان عبد الكريم خليفات، جامعة أم درمان الإسلامية، أصول الدينة، رسالة دكتوراه، 1998م.
  8. الالتفات في القرآن الكريم، تأليف: مازن موفق صديق الخيرو، جامعة الموصل، رسالة دكتوراه، 2006م.
  9. الالتفات في النصف الأول من القرآن (دراسة تحليلية بلاغية)، تأليف: خديجة محمد بناني، جامعة أم القرى، رسالة ماجستير، 1415هـ.
  10. بلاغة فن الالتفات في القرآن الكريم، تأليف: ظاهر الدين، جامعة بشاور، رسالة دكتوراه، 1993م.
  11. تجلِّيات الالتفات في فضاء الخطاب القرآني، تأليف: نوافل يونس الحمداني، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 1435هــ، 2014م.

خطة البحث: ينقسم البحث إلى: مقدمة، وقسمين، وخاتمة.

وقد تضمن موضوع البحث قسمين (نظري – تطبيقي):

  1. القسم الأول: الدراسة النظرية: وفيها مبحثان:
    1. المبحث الأول: مفهوم الالتفات، وتحته مطلبان:
      1. المطلب الأول: تعريف الالتفات لغةً.
      2. المطلب الثاني: تعريف الالتفات اصطلاحاً.
    2. المبحث الثاني: عناية ابن عاشور بالالتفات، وتحته مطلبان:
      1. المطلب الأول: مفهوم الالتفات عند ابن عاشور.
      2. المطلب الثاني: طرق التعبير عن الالتفات عند ابن عاشور.
  2. القسم الثاني: الدراسة التطبيقية، وفيها مبحثان:
    1. المبحث الأول: شواهد قرآنية لأقسام الالتفات، وتحته ستة مطالب:
      1. المطلب الأول: الالتفات من الغَيْبة إلى الخطاب.
      2. المطلب الثاني: الالتفات من الخطاب إلى الغَيْبة.
      3. المطلب الثالث: الالتفات من الغَيْبة إلى التكلُّم.
      4. المطلب الرابع: الالتفات من التكلُّم إلى الغَيْبة.
      5. المطلب الخامس: الالتفات من الخطاب إلى التكلُّم.
      6. المطلب السادس: الالتفات من التكلُّم إلى الخطاب.
    2. المبحث الثاني: النوع الآخر الذي عدَّه ابن عاشور من الالتفات.
  3. الخاتمة.

* * *

القسم الأول: الدراسة النظرية

المبحث الأول: مفهوم الالتفات

المطلب الأول: تعريف الالتفاتلغةً: الالتفاتفي أصل اللغة مأخوذ من الفعل الثلاثي (لفَت) بفتح الفاء، ومادة (لفَت) اللام والفاء والتاء كلمة واحدة تدل على اللَّيِّ وصَرْف الشيء عن جهته المستقيمة، منه لفتُّ الشيء: لَوَيته، ولَفَتُّ فلانًا عن رأيه: صرَفته، وهو أن تَعدِل بوجهك، وكذا التَّلَفُّتُ(1).

وأصل اللَّفْت لَيُّ الشيء عن الطريقة المستقيمة، ولَفَت وجهه عن القوم: صَرَفه والتفت التفاتًا، والتَّلَفُّتُ أكثر منه، وتَلَفَّتَ إلى الشيء والتَفَتَ إليه: صرف وجهه إليه، ولَفَتَه عَنِ الشَّيءِ يَلْفِتُه لَفْتًا: صَرفه، ولَفَتَه يَلفِتُه لَفتًا: لَوَاه على غير جهته، واللَّفْتُ: لَيُّ الشيء عن جهته، كما تقبض على عنق إنسان فتَلفِتُه، ولَفَتُّ فلانًا عن رأيه أي صرَفتُه عنه، ومنه الالتفات(2).

فالمادة اللغوية للالتفات تدور حول معنى واحد وهو الصرف والتحوُّل من جهة إلى أخرى؛ سواء كان ذلك في الأمور الحسية كلَيِّ الرأس، أو في الأمور المعنوية كصَرْف الرأي، وجاء في قوله تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُون} [سورة الحجر: 65]، أي: لا ينصرف منكم أحد ولا يتخلَّف(3)، ومن ذلك ما جاء في السنة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهاأنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد))(4).

المطلب الثاني: تعريف الالتفاتاصطلاحًا: مصطلح الالتفاتمن المصطلحات التي لاقت اضطرابًا في تحديد دلالتها عبر العصور؛ فالناظر في كتب المتقدمين يجد أنَّ التعريف لم يستقر على شيء بعينه، ولذا اختُلِفَ في تسميته؛ فسُمِّي بِاسم الالتفاف(5)، والصرف(6)، والانصراف(7)، والمجاز(8)، والتعريض(9)، والاستدراك(10) وسُمِّي أيضًا بالشجاعة العربية(11).

وأما عن تحديد مفهوم الالتفات فقد تناوله بعض البلاغيين والنُّقاد بتوسُّع، وقيَّده بعضهم بنوع أو نوعين، ومما قاله هؤلاء في هذا الصدد:

قول ابن الْمُعْتَزّ(12) في تعريف الالتفات: “وهو انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك، ومن الالتفات الانصرافُ عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر(13).

وقول ابن وَهْب الكاتب(14): “وأمَّا الصرف: فإنهم يصرِفون القول من المخاطب إلى الغائب، ومن الواحد إلى الجماعة(15).

وقول قُدامة بن جعفر(16): “ومن نعوت المعاني الالتفاف، وبعض الناس يسمِّيه الاستدراك، وهو أن يكون الشاعر آخِذًا في معنى، فكأنه يعترضه إما شكٌّ فيه، أو ظنٌّ بأنَّ رادًّا يَرُد عليه قوله، أو سائلًا يسأله عن سببه، فيعود راجعًا على ما قدَّمه، فإما أن يؤكِّده، أو يذكر سببه، أو يَحل الشك فيه(17).

وقول أسامة بن مُنْقِذ(18) في باب الانصراف: “وهو أن يرجع من الخبر إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الخبر(19).

وقول ابن الزَّمَلْكاني(20) في الالتفات: “وهو أن تعدل من الغَيْبة إلى الخطاب، أو من الخطاب إلى الغَيْبة، أو من الغَيْبة إلى التكلم وهو من أساليب الافتنان في الكلام(21).

وقول ابن أبي الإصبع المصري(22): “جاء في الكتاب العزيز من الالتفات، وهو أن يُقدِّم المتكلم في كلامه مذكورين مرتين، ثم يُخبر عن الأول منهما، وينصرف عن الإخبار عنه إلى الإخبار عن الثاني، ثم يعود فينصرف عن الإخبار عن الثاني إلى الإخبار عن الأول(23).

وقول القَزْوينيّ(24): “أنَّ الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة بعد التعبير عنه بطريق آخر منها(25).

يظهر للمتأمل تبايُن مصطلح الالتفات عند البلاغيين، وتعريفهم له بحدود متقاربة في الدلالة؛ إذ لم يخرجوا في تعريفاتهم عن أصل معناه اللغوي الذي يرتبط بالتنقُّل والتحوُّل بالكلام من صيغة إلى أخرى، والذي أراه أنَّ تعريف ابن الْمُعْتَزّ للالتفات هو الأقرب والأنسب حين قال: “وهو انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، وعن الإخبار إلى المخاطبة، وما يشبه ذلك، ومن الالتفات الانصراف عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر(26).

إذ يُعَدُّ تعريفه أول تعريف اصطلاحي ورد إلينا، كما أنه حدَّد المحاور الأساسية للالتفات (وهي المخاطب والمتكلم والغائب) دون أن يُقيِّده بتلك المحاور، وهذا من شأنه أن يعطي الباحثين والدارسين مجالًا في أن يُضَمِّنوا الالتفات صورًا وأنواعًا أخرى جديدة، وإلى مثل هذا أشار الدكتور جليل رشيد فالح في كتابه (فن الالتفات في مباحث البلاغيين)(27).

ولأصالة هذا الفن ووفرة دلائله المعنوية، والفنية، والجمالية تنازَع أهل البلاغة في تصنيفه؛ فعَدَّه بعضهم من علم البديع؛ كأبي هلال العسكري(28)، وابن مُعْتَزّ(29)، والباقِلّانيّ(30)، وعَدَّه آخرون من علم البيان؛ كابن الأثير(31)، والزَّمَخْشَريّ(32)، وأما السَّكّاكيّ(33) فتارة يجعله من علم البيان(34)، وتارة يجعله من علم المعاني(35)، وبَسْط هذه المسألة مستوفى شرحًا وتفصيلًا في كتاب (مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح) (36)، وليس هذا التنازع إلا دليلًا على أهمية هذا الفن وعناية البلاغيين به.

وكذلك نال هذا الفن منزلةً لدى بعض المفسرين؛ فأوَّلوه عناية عندما عرَّفوا به وأبانوا بعضًا من صوَره في تفاسيرهم؛ كالطَّبَريّ، والرَّازِيّ، وأبي حَيَّان، وأبي السُّعود، والألوسيّ، وممن اهتم بإيراده الطاهر ابن عاشور، فكان الالتفات عنده أحد الفنون البلاغية التي عَنَى بها عنايةً كبيرة، وأخذت حيزًا كبيرًا من جهوده البلاغية.

المبحث الثاني: عناية ابن عاشور بالالتفات

المطلب الأول: مفهوم الالتفات عند ابن عاشور: عرض ابن عاشور مفهوم الالتفات عنده في مقدمته العاشرة من تفسيره التحرير والتنوير، وقد أدرجه ضمن وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، فقال: “نرى من أفانين الكلام الالتفات، وهو نقْل الكلام من أحد طرق التكلم، أو الخطاب، أو الغَيْبة، إلى طريق آخر منها، وهو بمجرَّده معدود من الفصاحة، وسمَّاه ابن جِنِّي(37) شجاعة العربية(38)؛ لأنَّ ذلك التغيير يجدِّد نشاط السامع، فإذا انضم إليه اعتبار لطيف يناسب الانتقال إلى ما انتقل إليه صار من أفانين البلاغة، وكان معدودًا عند بُلغاء العرب من النَّفائس، وقد جاء منه في القرآن ما لا يُحصى كثرةً مع دِقة المناسبة في الانتقال(39).

إن المتأمل في كلام ابن عاشور هذا يتضح له عدة أمور:

  1. أنه اعتبر الالتفات أحد فنون الكلام، وزاد في موضع آخر أنه من أعظم أساليب التفنُّن، وهذا يؤيد كلام سابقيه من أهل البلاغة(40).
  2. أنه بمفهومه هذا ينظر إلى الالتفات بشيء من الخصوصية، وهو بذلك ينضم للذين تطرَّقوا إلى الالتفات بمفهومه الضَّيق، حيث حصروا الالتفات في الانتقال بين الضمائر فقط، أي بأحد الطُّرق الثلاثة: “التكلم، والخطاب، والغَيْبة؛ كابن الْمُعْتَزّ(41)، والزَّمَخْشَريّ(42)، والسَّكّاكيّ(43)، بخلاف مَن تطرَّق للالتفات بمفهومه الواسع الذي هو العدول من أسلوب إلى أسلوب، سواءً كان ذلك بين الأعداد، أو بين الضمائر، أو بين الأفعال، كابن الأثير(44).
  3. أنَّ هذا الفن معدود عنده من الفصاحة؛ بل ومن النفائس عند بُلغاء العرب، وهو بلا شك فن أصيل تكلم عنه العرب قديمًا، وظهر في شعرهم ونثرهم، وقد تبين لنا في المبحث السابق اهتمام أهل البلاغة العربية به منذ القرن الثاني الهجري.
  4. ساق ابن عاشور تسمية ابن جِنِّي له بشجاعة العربية، وقد علَّل ابن عاشور تلك التسمية بذِكْر الفائدة العامة للالتفات، التي هي تجديد نشاط السامع، وفي الحقيقة أنَّ ما ذكره ابن عاشور لا يُعَدُّ تعليلًا مباشرًا لهذه التسمية، والأقرب من هذا أنه إنما سُمِّي بشجاعة العربيةلأنه لـمَّا كان في الالتفات قوة ينتقل بها بين التكلم، والخطاب، والغَيْبة، ومن الجمع إلى التثنية أو العكس، وغيرها من أنواع الالتفات، دون أن يخرج عن حدِّ الفصاحة والبلاغة، ودون أن يُخِلَّ في استيفاء المعاني؛ صار في نفسه شجاعًا بالنسبة للعربية، تشبيهًا له بالرجل الشجاع الذي تحمله شجاعته في الحرب على التقديم، والتأخير، والقرب، والبعد، والإقبال، والإدبار، فشجاعة الالتفات تحمِله على التجوُّل في جانب المعاني كيف شاء(45).
  5. ذكر ابن عاشور أنَّ الالتفات كثير في القرآن الكريم، ويظهر ذلك في تفسيره، فقد أوردَ فيما ظهر عنديما يقرب من مئة وخمسة وثمانين موضعًا.
  6. وضع ابن عاشور هذا الفن من ضمن وجوه الإعجاز في القرآن الكريم؛ لأنَّ أسراره ولطائفه لا تنقضي، ولا يستطيع أحد حَصْرها، وهذا سِرٌّ من أسرار الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم، كما أنَّ الالتفات الناتج من تعدُّد القراءات هو بحد ذاته من الإعجاز القرآني، حيث إنَّ تنوع ألفاظ القرآن في الآية الواحدة بحيث تصبح كل قراءة بمنزلة الآية وما يترتب عليه من معانٍ، ودقائق، وجماليات، فيه من الإعجاز ما لا يخفى، وقد أشار الرَّازِيّ إلى ذلك في تفسيره واصفًا هذا الإعجاز بقوله: “إنَّ القرآن كما أنه مُعْجِز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه، فهو أيضًا مُعْجِز بحسب ترتيبه ونَظْم آياته، ولعل الذين قالوا: إنه مُعْجِز بحسب أسلوبه، أرادوا ذلك(46).
  7. وفي قوله: “مع دقة المناسبة في الانتقال، إشارة إلى أنَّ الانتقال الحاصل في الالتفات له مناسبات بين المنتقَل منه والمنتقَل إليه هي في منتهى الرقة والدقة، بحيث لا يشعر سامعه وقارئه بانتقاله إلا عند حصوله، وليس ذلك بغريب على نَظْم القرآن الكريم(47).

وقد بيَّن ابن عاشور ضوابط الالتفات عند أئمة البلاغة، فقال: “وفي ضابط أسلوب الالتفات رأيان لأئمة علم البلاغة؛ أحدهما رأي مَن عدا السَّكّاكيّ من أئمة البلاغة، وهو أنَّ المتكلم بعد أن يعبِّر عن ذات بأحد الطرق الثلاثة؛ مِن تكلم، أو غَيْبة، أو خطاب، ينتقل في كلامه ذلك فيعبِّر عن تلك الذات بطريق آخر من تلك الثلاثة، وخالَفهم السَّكّاكيّ فجعل مسمَّى الالتفات أن يعبِّر عن ذات بطريق من طرق التكلم، أو الخطاب، أو الغَيْبة، عادلًا عن أحدهما الذي هو الحقيق بالتعبير في ذلك الكلام إلى طريق آخر منها(48).

ومن عناية ابن عاشور بالالتفات ذِكْره لضابط أسلوب الالتفات عند أئمة البلاغة على رأيين:

الرأي الأول: وهو المشهور عند الجمهور، أنَّ الالتفات يتحقَّق بالتعبير عن المعنى بطريق من الطرق الثلاثة الخطاب والتكلم والغَيْبة، بعد التعبير عنه بطريق آخر منها.

أما الرأي الثاني: رأي السَّكّاكيّ الذي يتحقَّق عنده الالتفات بنفس الصورة التي عند الجمهور، وينفرد بصورة أخرى، وهي التعبير عن المعنى بأحد الطرق إلى طريق آخر منها مخالِفًا مقتضى ظاهر الكلام، فكل التفات عند الجمهور التفات عند السَّكّاكيّ وليس العكس(49).

المطلب الثاني: طرق التعبير عن الالتفات عند ابن عاشور

التزم ابن عاشور في إشارته لمواطن الالتفات عبارات متشابهة سار عليها في تفسيره، ومنها(50):

  1. أن يعبِّر عنه صراحة بالالتفات، وهو الأكثر عنده، ومنها ما قاله عند قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} [سورة التغابن: 8]، قال: “{ الَّذِي أَنزَلْنَا} التفات من الغَيْبة في قوله تعالى: {خَلْقِ السَّمَاوَاتِ} [سورة التغابن: 3]، إلى المتكلم {أَنزَلْنَا}؛ لزيادة الترغيب في الإيمان بالقرآن، تذكيرًا بأنه مُنَزَّل من الله؛ لأنَّ ضمير التكلم أشد دلالة على معاده من ضمير الغائب، ولتقوية داعي المأمور(51).
  2. وأحيانًا يعبِّر عنه بقوله: “على طريقة الالتفات، كما في قوله تعالى:{فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَر إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُم} [سورة الغاشية: ٢٤-25]، قال ابن عاشور: “ونقل الكلام من أسلوب الغَيْبة في قوله: {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ} إلى أسلوب التكلم بقوله: {إِلَيْنَا} على طريقة الالتفات(52).
  3. وقد يعبِّر عنه بقوله: “قريبًا من الالتفات وليس عينه، كما في قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [سورة طه: 80]، قال ابن عاشور: “قرأ الجميع {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ}فباعتبار قراءة حمزة، والكسائي، وخلف {قَد أَنجَيتُكُموَواعَدْتُكُم} بتاء المفرد، تكون قراءة {وَنَزَّلْنَا}بنون العظمة قريبًا من الالتفات وليس عَيْنَه؛ لأنَّ نون العظمة تساوي تاء المتكلم(53).
  4. أو يعبِّر عنه بقوله: “مِن قَبِيل الالتفات، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} [سورة النبأ: 6-8]، قال ابن عاشور: “والكلام موجَّه إلى منكري البعث، وهم الموجَّه إليهم الاستفهام، فهو من قَبِيل الالتفات؛ لأنَّ توجيه الكلام في قوة ضمير الخطاب بدليل عطف {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} عليه(54).
  5. وقد يوَضِّح الالتفات دون أن يسميه، ثم يقول: “وهو ضرْب من الالتفات، كما في قوله تعالى: { هَؤُلاَء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا} [سورة الكهف: 15-16]، قال ابن عاشور: “ثم إنْ كان الكلام من مبدئه خطابًا لقومهم أعلنوا به إيمانهم بينهم كانت الإشارة في قولهم: { هَؤُلاَء قَوْمُنَا} على ظاهرها، وكان ارتقاء في التعريض لهم بالموعظة، وإن كان الكلام من مبدئه دائرًا بينهم في خاصَّتهم كانت الإشارة إلى حاضر في الذهن، كقوله تعالى: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء} [سورة الأنعام: 89]، أي: مشركو مكة، يتعين أن يكون هذا من كلام بعضهم لبعض على سبيل النصح والمشورة الصائبة، وليس يلزم في حكاية أقوال القائلين أن تكون المحكيات كلها صادرة في وقت واحد، فيجوز أن يكونوا قال بعضهم لبعض ذلك بعد اليأس من ارْعِوَاء قومهم عن فتنتهم في مقام آخر، ويجوز أن يكون ذلك في نفس المقام الذي خاطبوا فيه قومهم بأن غَيَّرُوا الخطاب من مواجهة قومهم إلى مواجهة بعضهم بعضًا، وهو ضرْب من الالتفات(55).
  6. وقد يأتي بعبارة سكون الالتفات“: كما في قوله تعالى: {رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [سورة الطلاق: 11]، قال ابن عاشور: “قرأ نافع، وابن كثير، وابن عامر }ندخله} بنون العظمة، وقرأه الباقون بالتحتية على أنه عائد إلى اسم الجلالة من قوله: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ}، وعلى قراءة نافع وابن عامر يكون فيه سكون الالتفات(56).
  7. وقد يعرِض وجه الالتفات المحتمَل في الآية ويقول: “وهو يحتمِل الالتفات، كما في قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير} [سورة البقرة: 285]، قال ابن عاشور: “وقوله: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} قرأه الجمهور بنون المتكلم المشارك، وهو يحتمل الالتفات بأن يكون من مقول قول محذوف دَلَّ عليه السياق وعُطِف {وَقَالُواْ} عليه، أو النون فيه للجلالة، أي: آمنوا في حال أننا أمرناهم بذلك لأننا لا نُفرق، فالجملة معترضة، وقيل: هو مقول لقول محذوف دَلَّ عليه { آمَنَ}؛ لأنَّ الإيمان اعتقاد وقول(57).

ومن عناية ابن عاشور بالالتفات ذِكره لبعض اللطائف عَقِب الالتفات، كما في قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُون} [سورة النمل: 60]، قال ابن عاشور: “نون الجمع في {فَأَنبَتْنَا} التفات من الغَيْبة إلى الحضور، ومن لطائفه هنا التنصيص على أنَّ المقصود إسناد الإنبات إليه لئلا ينصرف ضمير الغائب إلى الماء؛ لأنَّ التذكير بالمنبِت الحقيقي الذي خلق الأسباب أَلْيَق بمقام التوبيخ على عدم رعايتهم نِعَمه(58).

وكثيرًا ما يعرض ابن عاشور نكتة الالتفات الخاصة بالموضع نفسه، مثل ما جاء في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِين إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّين} [سورة التين: 4– 7]، حيث قال: “الخطاب للإنسان المذكور في قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم}، فإنه بعد أن اسْتُثْنِي منه الذين آمنوا بقي الإنسان المكذِّب، وضمير الخطاب التفات، ومقتضى الظاهر أن يقال: فما يكذِّبه، ونكتة الالتفات هنا أنه أَصْرَحُ في مواجهة الإنسان المكذِّب بالتوبيخ(59).

وقد يُحسِّن الالتفات في بعض المواضع ويذكر السبب، مثل ما جاء من كلامه بعد قوله تعالى: {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُون وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِين} [سورة الأنعام: 3-4]، قال ابن عاشور: “ضمائر جمْع الغائبين مراد منها المشركون الذين هُم بعض مَن شملته ضمائر الخطاب في الآية التي قبلها، ففي العدول عن الخطاب إلى الغَيْبة بالنسبة إليهم التفات أوجبه تشهيرُهم بهذا الحال الذميم، تنصيصًا على ذلك، وإعراضًا عن خطابهم، وتمحيصًا للخطاب للمؤمنين، وهو من أحسن الالتفات؛ لأنَّ الالتفات يُحسِّنه أن يكون له مقتضٍ زائد على نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب المراد منه تجديد نشاط السامع(60).

القسم الثاني: الدراسة التطبيقية

المبحث الأول: شواهد قرآنية لأقسام الالتفات: من خلال استقرائي لأنواع الالتفات عند ابن عاشور وجدتها تنحصر في صور التحوُّل بين أنواع الضمائر الثلاثة؛ من غَيْبة إلى خطاب، ومن خطاب إلى غَيْبَة، ومن غَيْبَة إلى تكلُّم، ومن تكلُّم إلى غَيْبَة، ومن خطاب إلى تكلُّم، ومن تكلُّم إلى خطاب.

المطلب الأول: الالتفات من الغَيْبَة إلى الخطاب

ومعناه: أن يكون أسلوب الكلام جاريًا على ضمائر الغَيْبة، ثم ينتقل إلى ضمائر الخطاب، وهذا النوع هو أكثر الأنواع ورودًا عند ابن عاشور، ومن أمثلته:

ما جاء في قوله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآب جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَاب مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَاب وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَاب هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَاب} [سورة ص: 49– 53].

قال ابن عاشور: “قرأ الجمهور: {تُوعَدُونَ} بتاء الخطاب، فهو على الاحتمال الأول التفات من الغَيْبة إلى الخطاب؛ لتشريف المتقين بعزِّ الحضور لخطاب الله تعالى، وعلى الاحتمال الثاني الخطاب لهم على ظاهره(61).

المطلب الثاني: الالتفات من الخطاب إلى الغَيْبة

ومعناه: أن يكون أسلوب الكلام جاريًا على ضمائر الخطاب، ثم ينتقل إلى ضمائر الغَيْبة، ومن أمثلته:

ما جاء في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُون وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُون وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِين} [سورة الأنعام: 2– 4].

قال ابن عاشور: “وضمائر جمع الغائبين مرادٌ منها المشركون الذين هم بعض من شمِلَته ضمائر الخطاب في الآية التي قبلها، ففي العدول عن الخطاب إلى الغَيْبة بالنسبة إليهم التفات أوجبه تشهيرهم بهذا الحال الذميم، تنصيصًا على ذلك، وإعراضًا عن خطابهم، وتمحيصًا للخطاب للمؤمنين، وهو من أحسن الالتفات؛ لأنَّ الالتفات يُحسِّنه أن يكون له مُقْتَضٍ زائدٌ على نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوبِ، المراد منه تجديد نشاط السامع(62).

المطلب الثالث: الالتفات من الغَيْبة إلى التكلم

ومعناه: أن يكون أسلوب الكلام جاريًا على ضمائر الغَيْبة، أو ما يدل عليها، ثم ينتقل إلى ضمائر التكلم، ومن أمثلته:

ما جاء في قوله تعالى: {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُون} [سورة النحل: ٥١].

قال ابن عاشور: “ووقع في ضمير {فَإيَّايَ} التفات من الغَيْبة إلى التكلم؛ لمناسبة انتقال الكلام من تقرير دليل وحدانية الله على وجهٍ كلي إلى تعيين هذا الواحد أنه الله منزِّل القرآن تحقيقًا لتقرير العقيدة الأصلية، وفي هذا الالتفات اهتمام بالرَّهبة؛ لِما في الالتفات من هزِّ فَهْم المخاطَبين(63).

المطلب الرابع: الالتفات من التكلم إلى الغَيْبة

ومعناه: أن يكون أسلوب الكلام جاريًا على ضمائر التكلم ثم ينتقل إلى ضمائر الغَيْبة، ومن خلال تتبُّعي لمواضع وروده في القرآن الكريم وجدتُ أنَّ الشواهد فيه قليلة، بخلاف ما سبقه من الأنواع، ومن أمثلته:

ما جاء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين} [سورة العنكبوت: 3].

قال ابن عاشور: “وقد عدل في قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} عن طريق التكلم إلى طريق الغَيْبة بإظهار اسم الجلالة على أسلوب الالتفات؛ لِما في هذا الإظهار من الجلالة؛ ليُعلم أنَّ الجزاء على ذلك جزاء مالك الملك(64).

المطلب الخامس: الالتفات من الخطاب إلى التكلم

ومعناه: أن يكون أسلوب الكلام جاريًا على ضمائر الخطاب ثم ينتقل إلى ضمائر التكلم، ومن أمثلته:

ما جاء في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُون} [سورة القصص: 59].

قال ابن عاشور: “الخطاب للنبي عليه السلام، ووقع الالتفات عنه إلى ضمير المتكلم في قوله: {آيَاتِنَا} للإشارة إلى أنَّ الآيات من عند الله، وأنَّ الدِّين دين الله(65).

المطلب السادس: الالتفات من التكلم إلى الخطاب

ومعناه: أن يكون أسلوب الكلام جاريًا على ضمائر التكلم ثم ينتقل إلى ضمائر الخطاب، ومن خلال تتبُّعي لمواضع وروده في القرآن الكريم عند ابن عاشور لم أقف إلا على موضع واحد، وهو ما جاء في قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُون قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين} [سورة النحل: 101-102].

قال ابن عاشور: “فبعد أن أبطل الله دعواهم عليه أنه مُفْتَرٍ بطريقة النقض أمر رسوله أن يبيِّن لهم ماهية القرآن، وهذه نُكتة الالتفات في قوله تعالى: {مِن رَّبِّكَ} الجاري على خلاف مقتضى ظاهر حكاية المقول المأمور بأن يقوله؛ لأنَّ مقتضى الظاهر أن يقول: من ربي، فوقع الالتفات إلى الخطاب تأنيسًا للنبي صلى الله عليه وسلمبزيادة توغُّل الكلام معه في طريقة الخطاب(66).

بعد هذا التفصيل في بيان أنواع الالتفات الستة المعروفة عند ابن عاشور، تبيَّن أنَّ لديه نوعًا آخر ظهر في عدد من الشواهد القرآنية سنتناوله في المبحث الثاني بإذن الله.

المبحث الثاني: النوع الآخر الذي عَدَّه ابن عاشور من الالتفات

جاء عند ابن عاشور نوع مغاير لأنواع الالتفات الستة المتنقلة بين الضمائر الثلاث (المخاطب والغائب المتكلم)، وهو الالتفات من الخطاب إلى الخطاب (الالتفات اللغوي)، ويعني به الانتقال في الخطاب بين عدة مخاطَبين؛ لنكتة أو غرض أراده المخاطِب، ومثاله: ما جاء في قوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِين} [سورة يوسف: 29].

قال ابن عاشور: “وجملة {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا} من قول العزيز؛ إذ هو صاحب الْحُكم، وجملة {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ} عطف على جملة {يُوسُفُ أَعْرِضْ} في كلام العزيز، عطفُ أمْرٍ على أمر، والمأمور مختلِف، وكاف المؤنثة المخاطَبة متعيِّن أنه خطاب لامرأة العزيز، فالعزيز بعد أن خاطبها بأنَّ ما دبَّرته هو من كيد النساء وجَّه الخطاب إلى يوسف عليه السلام بالنداء، ثم أعاد الخطاب إلى المرأة، وهذا الأسلوب من الخطاب يسمى بالإقبال، وقد يسمَّى بالالتفات بالمعنى اللغوي عند الالتفات البلاغي، وهو عزيز في الكلام البليغ، ومنه قول الْجَرْميِّ(67) من طيء من شعراء الحماسة:

إِخَالُكَ مُوعِدِي بِبَنِي جَفِيفٍ

وَهَالَةَ إِنَّنِي أَنْهَاكَ هَالَا

قال الْمَرْزُوقِيّ(68) في «شرح الحماسة»(69): “والعرب تجمع في الخطاب والإخبار بين عِدَّة ثم تُقْبِل أو تلتفت من بينهم إلى واحد؛ لكونه أكبرهم أو أحسنهم سماعًا وأخصَّهم بالحال(70).

الخاتمة:

بعد دراسة أسلوب الالتفات عند الإمام ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير، وعَرْض بعض نماذجه القرآنية؛ توصَّلت إلى بعض النتائج، والتي من أبرزها:

  1. مصطلح الالتفاتمن المصطلحات التي لاقت اضطرابًا في تحديد دلالتها عبر العصور؛ فالناظر في كُتب المتقدمين يجد أنَّ التعريف لم يستقر على شيء بعينه، ولذا اختُلِفَ في تسميته؛ فسُمِّي بِاسم الالتفاف، والصرف، والانصراف، والمجاز، والتعريض، والاستدراك، وسُمِّي أيضًا بالشجاعة العربية.
  2. وقد تبيَّن من خلال هذه الدراسة تبايُن مصطلح الالتفاتعند البلاغين، وتعريفهم له بحدود متقاربة في الدلالة؛ إذ لم يخرجوا في تعريفاتهم عن أصل معناه اللغوي الذي يرتبط بالتنقُّل والتحوُّل بالكلام من صيغة إلى أخرى.
  3. تنازع أهل البلاغة في تصنيف الالتفات؛ لأصالته ووفرة دلائله المعنوية، والفنية، والجمالية، فعدَّه بعضهم من عِلم البديع؛ كأبي هِلَال العَسْكَرِيّ، وابن الْمُعْتَزّ، والباقِلّانيّ، وعدَّه آخرون من عِلم البيان؛ كابن الأَثِير، والزَّمَخْشَريّ، وأما السَّكّاكيّ فتارةً يجعله من عِلم البيان، وتارة يجعله من عِلم المعاني، وليس هذا التنازع إلا دليلًا على عناية البلاغيين بفنِّ الالتفات واهتمامهم به.
  4. يدخل هذا الفن ضمن الحالات التي يخرج فيها الكلام عن مقتضى الظاهر لنُكَت بلاغية.
  5. نال هذا الفنُّ منزلةً لدى بعض المفسرين؛ فأَوْلَوْه عنايةً عندما عرَّفوا به وأبانوا بعضًا من صوَره في تفاسيرهم؛ كالطَّبَريّ، والرَّازِيّ، وأبي حَيَّان، وأبي السُّعود، والألوسيّ.
  6. فنّ الالتفات أحد الفنون البلاغية التي أولاها الطاهر ابن عاشور عنايةً كبيرة، وعدَّها من الفصاحة؛ بل ومن النفائس عند بُلغاء العرب، حيث أخذ هذا الفن حيِّزًا كبيرًا من جهوده البلاغية، فعرَض مفهومه في مُقدمته العاشرة من تفسيره، وأدرجه ضمن وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، وتعقَّب بعض أمثلته بذِكر الفوائد والنُّكت، وحسَّنه في بعض المواضع مع ذِكْر السبب.
  7. للالتفات فائدة عامة متمثِّلة في تجديد نشاط السامعين وجَذْب انتباههم، وفوائد ولطائف أخرى خاصة تناسب المقام، أو الموضع، أو الآية، أو السياق بعينه.
  8. نُكَت الالتفات وأسراره الخاصة كثيرة في القرآن الكريم، ولعل مَن فتح الله عليه بالتدبر والتأمل يتجلَّى له ما لا يتجلَّى لغيره، فأسراره لا تنقضي، وعجائبه لا تنتهي، وهذا بلا شك من إعجاز القرآن الكريم.
  9. يُعَدُّ ابن عاشور ممن تطرَّقوا إلى الالتفات بمفهومه الضيِّق، حيث حصروا الالتفات في الانتقال بين الضمائر فقط، أي بأحد الطرق الثلاثة: “التكلم، والخطاب، والغَيْبة“.
  10. ذكر ابن عاشور أنَّ الالتفات كثير في القرآن الكريم، ويظهر ذلك في تفسيره، فقد أَورد –فيما ظهر عنديما يقرب من مائة وخمسة وثمانين موضعًا.
  11. اتخذ ابن عاشور طُرقًا متشابهة في التعبير عن الالتفات، فتارة يعبِّر عنه صراحةً بالالتفات، وهو الأكثر، وأحيانًا يعبِّر عنه بقوله: “على طريقة الالتفات، وقد يعبِّر عنه بقوله: “قريبًا من الالتفات وليس عينه، أو يعبِّر عنه بقوله: “من قَبِيل الالتفات، وقد يُوَضِّح الالتفات دون أن يسميه ثم يقول: “وهو ضرْب من الالتفات، وقد يأتي بعبارة سكون الالتفات، وقد يعرِض وجه الالتفات المحتمَل في الآية ويقول: “وهو يحتمل الالتفات“.
  12. قد يكتفي ابن عاشور أحيانًا بالإشارة إلى الالتفات دون أن يوضِّح صورته أو النُّكَت الناتجة عنه، وقد يعلِّل وقوعه في بعض المواضع بالتفنُّن، وقد يعبِّر في مواضع أُخَر بأنه مُحسِّن لا يحتاج إلى نكتة.
  13. يُعَدُّ الالتفات من الغَيْبة إلى الخطاب أكثر أنواع الالتفات ورودًا في القرآن الكريم.
  14. ومن خلال استعراض بعض الأمثلة يظهر بجلاء تنوُّع النكت الناشئة من الالتفات، والتي منها: الامتنان، والتكريم، والتوبيخ، والتقريع، والمبالغة، وتشديد الإنكار، والتبكيت، والإنذار، والتعريض، والتهديد، والتشريف، والتلذيذ بالخطاب، وتنشيط الهمم، وإيقاظ القلوب، والإعراض، والحط من رتبة الخطاب، والتحقير، والحكاية لغير المخاطَبين، والتخصيص، والتأييس، والتشهير، والتنصيص بالحال الذميم، وتمحيص الخطاب للمؤمنين، والمبالغة، والتعجيب، والمقت، والتبعيد، والطرد، وغيرها.
  15. هناك أسلوب عَدَّهُ ابن عاشور من الالتفات، ويسمى بالإقبال، أو الالتفات بالمعنى اللغوي.

وأملي بالله أن أكون قد وفِّقت في هذا البحث إلى ما قصدت إليه من تجلية الالتفات عند الإمام الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير، وبيان موقفه منه، مع ذكر بعض الشواهد القرآنية خدمةً للقرآن وأهله، فإن أفاد ونقع فذلك رجائي فيه، وإن كان دون ذلك فمن نفسي والشيطان، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

فهرس المصادر والمراجع:

  • القرآن الكريم.

  • ابن أبي الإصبع المصري. تحقيق: حمني محمد شرف. بديع القرآن. (د.ت)، (ط2)، الفجالة – القاهرة، دار نهضة مصر للطبع والنشر.
  • ابن الزملكاني. التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن. تحقيق: أحمد مطلوب؛ وخديجة الحديثي. (1383ه – 1964م)، (ط1)، بغداد، مطبعة العاني.
  • ابن المعتز، أبو العباس، عبد الله بن محمد المعتز بالله ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد العباسي. البديع في البديع. (1410هـ – 1990م)، (ط1)، دار الجيل.
  • ابن جني، أبو الفتح الموصلي، عثمان بن جني. الخصائص. (د.ت)، (ط4)، مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
  • ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي. تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد. (1984ه)، تونس، الدار التونسية للنشر.
  • ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي. معجم مقاييس اللغة.تحقيق: عبد السلام محمد هارون. (1399هـ – 1979م)، دار الفكر.
  • ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي البصري ثم الدمشقي. البداية والنهاية. تحقيق: علي شيري. (1408، هـ – 1988م)، (ط1)، دار إحياء التراث العربي.
  • ابن منظور، أبو الفضل محمد بن مكرم بن على الأنصاري. لسان العرب. (1414ه)، (ط3)، بيروت، دار صادر.
  • ابن وهب الكاتب، أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم بن سليمان. البرهان في وجوه البيان. تحقيق: حفني محمد شرف. (1389هـ – 1969م)، القاهرة، مكتبة الشباب مطبعة الرسالة.
  • ابن يعقوب المغربي، أبي العباس أحمد بن محمد بن محمد. مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح. تحقيق: خليل ابراهيم خليل. (د.ت)، بيروتلبنان، دار الكتب العلمية.
  • أبو البركات كمال الدين الأنباري، عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري. تحقيق: إبراهيم السامرائي. نزهة الألباء في طبقات الأدباء. (1405هـ – 1985م)، (ط3)، الأردن، مكتبة المنار، الزرقاء.
  • أبو الفرج، قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي. نقد الشعر. (1302ه)، (ط1)، قسطنطينية، مطبعة الجوائب.
  • أبو الفلاح، عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد العَكري الحنبلي. شذرات الذهب في أخبار من ذهب. تحقيق: محمود الأرناؤوط؛ عبد القادر الأرناؤوط. (1406هـ – 1986م)، (ط1)، دمشق – بيروت، دار ابن كثير.
  • أبو المظفر مؤيد الدولة مجد الدين، أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري. البديع في نقد الشعر. تحقيق: أحمد أحمد بدوي؛ وحامد عبد المجيد. (د.ت)، الجمهورية العربية المتحدة وزارة الثقافة والإرشاد القومي الإدارة العامة للثقافة.
  • أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري. مجاز القرآن. تحقيق: محمد فواد سزگين. (1381هـ)، القاهرة، مكتبة الخانجى.
  • أبو على أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني. شرح ديوان الحماسة. تحقيق: غريد الشيخ. (1424هـ – 2003م)، (ط1)، بيروت – لبنان، دار الكتب العلمية.
  • أبو على الأصفهاني، أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي. الأزمنة والأمكنة. (1417ه)، (ط1)، بيروت، دار الكتب العلمية.
  • أبو هلال العسكري، الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران. الصناعتين. تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم. (1419ه)، بيروت، المكتبة العنصرية.
  • الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب. إعجاز القرآن. تحقيق: السيد أحمد صقر. (1997م)، (ط5)، مصر، دار المعارف.
  • البخاري، أبو عبد الله ، محمد بن إسماعيل الجعفي. الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه صحيح البخاري. تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر. (1422ه)، (ط1)، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي).
  • بهاء الدين السبكي، أبو حامد أحمد بن علي بن عبد الكافي. عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح. تحقيق: عبد الحميد هنداوي. (1423هـ – 2003م)، (ط1)، بيروت – لبنان، المكتبة العصرية للطباعة والنشر.
  • البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي. أنوار التنزيل وأسرار التأويل. تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي. (1418هـ)، (ط1)، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
  • جلال الدين القزويني الشافعي، أبو المعالي محمد بن عبد الرحمن بن عمر. الإيضاح في علوم البلاغة. تحقيق: محمد عبد المنعم خفاجي. (د.ت)، (ط3)، بيروت، دار الجيل.
  • جليل رشيد فالح. فن الالتفات في مباحث البلاغيين. مجلة آداب المستنصرية (1984م)، بغداد، كلية الآداب، جامعة الموصل، (ع9)، ص 68.
  • الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز. سير أعلام النبلاء. تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط. (1405هـ – 1985م)، (ط3)، مؤسسة الرسالة.
  • الزركلي الدمشقي، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس. الأعلام. (2002م)، (ط15)، دار العلم للملايين.
  • الزمخشري جار الله، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل. (1407هـ)، (ط3)، بيروت، دار الكتاب العربي.
  • السكاكي، يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي الحنفي أبو يعقوب ضبطه وكتب. مفتاح العلوم. (1407هـ – 1987م)، (ط2)، بيروت – لبنان، دار الكتب العلمية.
  • السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. (د.ت)، لبنان/صيدا، المكتبة العصرية.
  • شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي. إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب. تحقيق: إحسان عباس. (1414هـ – 1993م)، (ط1)، بيروت، دار الغرب الإسلامي.
  • ضياء الدين بن الأثير، نصر الله بن محمد. المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر. تحقيق: أحمد الحوفي؛ وبدوي طبانة. (د.ت)، الفجالة القاهرة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع.
  • عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة الدمشق. معجم المؤلفين. (د.ت)، بيروت، مكتبة المثنى، دار إحياء التراث العربي.
  • فخر الدين الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي. مفاتيح الغيب = التفسير الكبير. (1420هـ)، (ط3)، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
  • نجم الدين أحمد بن إسماعيل بن الأثير الحلبي. جوهر الكنزتلخيص كنز البراعة في أدوات ذوي البراعة. تحقيق الدكتور: محمد زغلول سلام. (د.ت)، منشأة المعارف بالإسكندرية.

This study is under the title “Considerations way of Iben Ashour”

Tab title
This study handles the matter of considerations as assumed by Iben Ashour, where I adopt the analytical descriptive approach though presenting such process followed by Iben Ashour, the study shows his way of expressing it, the type of consideration he handled and some examples of each type, I have divided the study into two sections, theoretical and applied, I included in the theoretical section, two themes, the first one is in the concept of the consideration under which two requirements, while the second theme speaks about taking care of consideration by Iben Ashour, laying under this theme two requirements. As for the applied study; there are two themes herein, the first theme, I handles the Quranic evidences relating to the sections of the consideration where it contains five requirements, while the second theme hereof handles other subjects that Iben Ashour included within the consideration matter, this study is concluded into approximatly twenty six pages. Keywords: Consideration, consideration assumed by Iben Ashour, consideration of compilation and Enlightenment.

1() ينظر: مقاييس اللغة: 5/258، باختصار.

2() ينظر: لسان العرب: مادة (لفت) 2/84، 85، باختصار.

3() أنوار التنزيل: 1/533.

4() صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب الالتفات في الصلاة، برقم: 751.

5() نقد الشعر: 53.

6() البرهان في وجوه البيان: 122.

7() البديع في نقد الشعر: 200.

8() مجاز القرآن: 1/11.

9() الإيضاح: 2/123.

10() نقد الشعر: 53.

11() المثل السائر: 2/135.

12() عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد، أبو العباس، الهاشمي، العباسي، كان أديبًا، وشاعرًا، فصيحًا، بليغًا، قريب المأخذ، سهل اللفظ، جَيِّد القريحة، حسن الإبداع للمعاني، مخالطًا للعلماء والأدباء، معدودًا من جملتهم، وكان من أعلم الناس بالأخبار وأيام الخلفاء، وله مصنفات في ذلك، توفي سنة ست وتسعين ومائتين.

ينظر ترجمته في: البداية والنهاية: 11/122-124، وشذرات الذهب: 3/406، 407.

13() البديع في البديع: 152.

14() إسحاق بن إبراهيم بن سليمان, أبو الحسين, صاحب كتاب البرهان في وجوه البيان, وقد سكتت المصادر عنه, ولم أجد من تَرجم له إلا محقق الكتاب, والمحقق كانت ترجمته من خلال كتاب المؤلف وليس من مصادر كتب التراجم, فيبدو أنه لم يَعْثُر له على ترجمة.

15() البرهان في وجوه البيان: 122.

16() ابن قدامة الكاتب، أبو الفرج، اشتهر في زمانه بالبلاغة ونقد الشعر، وكان أحد البلغاء الفصحاء والفلاسفة الفضلاء، وممن يشار إليه في علم المنطق، من آثاره: سر البلاغة في الكتابة، ونقد الشعر، وصناعة الجدل، توفي سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة.

ينظر ترجمته في: إرشاد الأريب: 5/2235، ومعجم المؤلفين: 8/128.

17() نقد الشعر: 53.

18() مرشد بن علي بن مقلد الكناني، الشيزري, أبو المظفر, له عدة تصانيف، منها: كتاب القضاء, وكتاب الشيب والشباب, توفي سنة أربع وثمانين وخمسمائة.

ينظر ترجمته في: إرشاد الأريب: 2/571-579, وسير أعلام النبلاء: 21/165.

19() البديع في نقد الشعر: 200.

20() عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف الأنصاري، الزَّمْلَكَانِيّ, أبو محمد, صاحب علم المعاني والبيان, من تصانيفه: التبيان في علم البيان، ونهاية التأميل في أسرار التنزيل في التفسير، توفي سنة إحدى وخمسين وستمائة.

ينظر ترجمته في: شذرات الذهب: 7/438, ومعجم المؤلفين: 6/209.

21() التبيان في علم البيان: 173، 174، باختصار.

22() عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر, أديب, وشاعر, صنف كتاب: تحرير التحبير في البديع, والخواطر السوانح في أسرار الفواتح وغيرها, توفي سنة أربع وخمسين وستمائة.

ينظر ترجمته في: شذرات الذهب: 7/45, ومعجم المؤلفين: 5/265.

23() بديع القرآن: 45، باختصار.

24() محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد, جلال الدين، أبو المعالي, فقيه، وأصولي، ومحدث، وأديب، وشاعر, عالم بالعربية والمعاني والبيان, ألَّف تلخيص المفتاح في المعاني والبيان، وشرحه بشرح سمَّاه الإيضاح, كانت وفاته سنة تسع وثلاثين وسبعمائة.

ينظر ترجمته في: شذرات الذهب: 8/216، 217، ومعجم المؤلفين: 10/145، 146 .

25() الإيضاح: 2/86.

26() البديع في البديع: 152.

27() ينظر: فن الالتفات في مباحث البلاغيين: 68.

28() الصناعتين: 392.

29() البديع في البديع: 152.

30() إعجاز القرآن: 99, والباقِلّاني هو: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم البصري، أبو بكر, كان إمامًا, بارعًا, ثقة، صنَّف تصانيف واسعة في الرد على الفرق الضالَّة, توفي سنة ثلاث وأربعمائة.

ينظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 17/190-193, وشذرات الذهب: 5/20، 21.

31() المثل السائر: 2/135، وابن الأثير هو: نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشَّيْباني الجزري, كان ذا لسان وفصاحة وبيان, من أشهر كتبه: المثل السائر, توفي سنة سبع وثلاثين وستمائة.

ينظر ترجمته في: بغية الوعاة: 2/315, وشذرات الذهب: 7/328، 329.

32() الكشاف: 1/13، والزمخشري هو: محمود بن عمر بن محمد, أبو القاسم, كان إمامًا في التفسير والنحو واللغة والأدب، واسع العلم, كبير الفضل, متفننًا في علوم شتى، له من التصانيف: الكشاف في تفسير القرآن, والفائق في غريب الحديث, ونكت الأعراب في غريب الإعراب, توفي سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة.

ينظر ترجمته في: إرشاد الأريب: 6/2687-2691, وسير أعلام النبلاء: 20/151، 152.

33() يوسف بن أبي بكر بن محمد أبو يعقوب, إمام كبير، عالِم، بارع، متبحِّر في النحو, والتصريف, وعلم المعاني, والبيان, والعروض, والشعر، من أشهر مصنفاته: مفتاح العلوم, توفي سنة ست وعشرين وستمائة.

ينظر ترجمته في: إرشاد الأريب: 6/2846, وشذرات الذهب: 7/215.

34() مفتاح العلوم: 1/429.

35() مفتاح العلوم: 1/199.

36() ينظر: مواهب الفتاح: 287.

37() عثمان بن جني النحوي، أبو الفتح, من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، صنَّف في النحو والتصريف كتبًا أبدع فيها؛ كالخصائص، والمنصف، وصنَّف كتابًا في شرح القوافي إلى غير ذلك، توفي سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.

ينظر ترجمته في: نزهة الألباء: 246, وبغية الوعاة: 2/132.

38() ينظر: الخصائص: 2/362.

39() التحرير والتنوير: 1/109.

40() ينظر: المبحث السابق.

41() البديع في البديع: 1/152، 153.

42() الكشاف: 1/13،14.

43() عروس الأفراح: 1/272، 273.

44() المثل السائر: 2/135-143.

45() ينظر: جوهر الكنز: 118، 119.

46() مفاتيح الغيب: 7/106.

47() ينظر: التحرير والتنوير: 1/116.

48() التحرير والتنوير: 1/178.

49() ينظر: الإيضاح: 2/86، 87.

50() ترتيب هذه الفقرات بالنظر لكثرة ورودها عند ابن عاشور.

51() التحرير والتنوير: 28/273.

52() التحرير والتنوير: 30/308.

53() التحرير والتنوير: 16/275.

54() التحرير والتنوير: 30/13.

55() ينظر: التحرير والتنوير: 15/275, 276.

56() التحرير والتنوير: 28/338.

57() التحرير والتنوير: 3/113.

58() التحرير والتنوير: 20/11.

59() التحرير والتنوير: 30/430.

60() التحرير والتنوير: 7/133, 134.

61() التحرير والتنوير: 23/283, 284.

62() التحرير والتنوير: 7/133، 134.

63() التحرير والتنوير: 14/174.

64() التحرير والتنوير: 20/206.

65() التحرير والتنوير: 20/153، باختصار.

66() التحرير والتنوير: 14/284.

67() هو عامر بن جوين بن عبد رضاء بن قمران الطائي, شاعر فارس، من أشراف طيء في الجاهلية, من المعمَّرين.

ينظر ترجمته في: الأزمنة والأمكنة: 388، الأعلام للزركلي: 3/ 250.

68() أحمد بن محمد بن الحسن, ويكنى بأبي علي, من أهل أصبهان، كان غاية في الذكاء والفطنة, وحسن التصنيف, وإقامة الحجج, وحسن الاختيار, من تصانيفه: شرح الحماسة، شرح الفصيح، شرح المفضليات، مات في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة.

ينظر ترجمته في: إرشاد الأريب: 2/ 506, بغية الوعاة: 1/ 365.

69() شرح ديوان الحماسة: 181.

70() التحرير والتنوير: 12/259.