The Sahabaverification of the Hadith narration in the time of the Caliphate
Abdelfattah Fayoud ben Mohammed
Regional Academy Marrakech Safi || Ministry of National Education || Morocco
تَثَبُّتُ الصحابةِ من الرواية الحديثية في زمن الخلافة الراشدة
الأكاديمية الجهوية مراكش آسفي || وزارة التربية الوطنية || المغرب
مقدمة:
إن للسنة النبوية مكانة عظيمة في الدين، فهي الشارحة للقرآن، والمبينة لأحكامه وحِكمه؛ لذلك اضطلع الصحابة– رضي الله عنهم– بحفظها، وخدمتها ونشرها، فهم الذين تلقوها غضة طرية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته شعروا بعظم المسؤولية، فحرصوا على التثبت في نقلها وتبليغها إلى الناس. وقد كانت فترة الخلافة الراشدة تعكس تلك الجهود العظيمة المباركة في سبيل ذلك, حتى انتشرت السنة النبوية في جميع الأقطار التي كانت تحت الحكم الإسلامي الراشد، وحفظت من كل تبديل وتغيير. ولأهمية هذه الفترة بدا لي أن أقوم بإبراز تثبت الصحابة من الرواية الحديثية في زمن الخلافة الراشدة.
مشكلة البحث:
تكمن مشكلة البحث في أنه على الرغم من أهمية الفترة الراشدة في توثيق السنة النبوية وحفظها، وفي تأسيس القواعد الأولى لمنهج النقد في الحديث، وأن أغلب الشبهات التي تحوم حول توثيق السنة راجعة إلى اتهام الصحابة بالتقصير في الحفاظ عليها خلال هذه الفترة، إلا أنها لم تحض بدراسة خاصة وموسعة من قبل الدارسين. فما منهج تثبت الصحابة من الرواية الحديثية خلال هذه الفترة؟ وما دواعي ذلك؟ وما الأدلة المقنعة على ذودهم عن حمى الحديث النبوي؟
أهداف البحث:
يهدف البحث إلى:
- بيان مدى اهتمام الصحابة– رضي الله عنهم– بتوثيق الحديث النبوي خلال الفترة الراشدة.
- الكشف عن زيوف دعاوى اختلاق السنة النبوية خلال هذه الفترة.
- استجلاء الدواعي الطارئة إلى توثيق السنة النبوية خلال هذه الحقبة.
- الوقوف على أهم مسالك التوثيق للحديث النبوي خلال هذه الفترة.
- بيان مظاهر الاحتياط في تلقي الحديث وأدائه خلال هذه الفترة.
أهمية البحث: تكمن أهمية البحث فيما يلي:
- قد يفيد الكشف عن جهود الصحابة في التثبت من الرواية الحديثية خلال الفترة الراشدة؛ في الحفاظ على مكانة الحديث النبوي الشريف، ودحض الشبهات التي ما فتئ أعداء السنة في الترويج لها.
- قد تفيد نتائج البحث في إبراز أهمية الفترة الراشدة في توثيق السنة، وبيان فضل الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام؛ وترسيخ وعي الأمة بدورهم في وضع القواعد الأساس لحفظها، وفضلهم في الحفاظ على الدين ونشره.
- قد تفيد نتائج البحث في التعرف على أهم قواعد التوثيق الحديثي خلال هذه الفترة، وإبراز اللبنات الأولى لمنهج التلقي والأداء في الحديث.
منهج البحث:
اتبعت في البحث: المنهج التكاملي الذي حاولت من خلاله الاستفادة من مختلف المناهج العلمية التي تخدم الموضوع وصفا ومقارنة وتوثيقا وتحليلا و شرحا ونقدا واستنباطا.
الدراسات السابقة:
صنفت العديد من الكتابات والبحوث في توثيق السنة النبوية والقواعد التي أسست في ذلك، والمنهج المتبع في تلقي السنة وأدائها، ومن هذه الدراسات:
- “دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه” للدكتور محمد مصطفى الأعظمي، نشره المكتب الإسلامي، بتاريخ 1400هـ -1980م، تناول المؤلف فيه مفهوم السنة النبوية، ومكانتها في الإسلام، وجهود الصحابة ومن بعدهم في نشر السنة النبوية وتوثيقها، ومواقف المبتدعة من السنة.
- “السنة قبل التدوين“ لمحمد عجاج الخطيب، أصل الكتاب رسالة ماجستير من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، نشرته دار الفكر، بيروت سنة 1400 هـ – 1980 م، تناول فيه المؤلف السنة في العهد النبوي وكيف تلقاها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف انتشرت السنة في هذا العصر، ثم تناول حال السنة في عصر الصحابة والتابعين، ثم فصل في نشأة الوضع في الحديث وأسبابه.
- “جهود الصحابة في التثبت من الحديث“ للدكتور محمد كالو، بحث مقدم للمؤتمر العلمي الدولي(الصحابة والسنة النبوية)، نشرته جامعة العلوم الإسلامية الأردن سن 1433 هـ ـ 2012م. تناول فيه المؤلف بواعث الصحابة عامة لحفظ الحديث، ووسائلهم في خدمة الحديث، وطرق تثبتهم من الحديث.
لكني بتتبع هذه الدراسات ومثيلاتها لم ألف من خص فترة الخلافة الراشدة بالدراسة والتحليل وبيان منهج الصحابة في التثبت في رواية الحديث وتلقيه خلال هذه الفترة. فالبحث يحمل إضافة نوعية تتجلى في:
- التركيز على تثبت الصحابة في أخذ الحديث وروايته خلال الفترة الراشدة.
- بيان تطور منهج تلقي الحديث وروايته خلال هذه الفترة بالذات.
خطة البحث:
يتضمن البحث مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة وذلك على الشكل التالي:
التمهيد: وفيه تعريف مصطلح التثبت، وبيان المراد بالخلافة الراشدة.
المبحث الأول: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الصحابي.
المطلب الثاني: عدالة الصحابة.
المبحث الثاني: عناية الصحابة بتوثيق السنة النبوية، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: العوامل التي دفعت الصحابة إلى توثيق السنة النبوية.
المطلب الثاني: تثبت الصحابة في تلقي الحديث.
المطلب الثالث: تثبت الصحابة في أداء الحديث.
التمهيد:
التثبت في اللغة: من تثبت بمعنى استوثق وتحقق، واسْتَثْبَتَ: تأنَّى. والتثبت في الأمور التأني فيها. والأَثْباتُ: الثِّقاتُ(1).
وفي اصطلاح المحدثين: التثبت في الرواية: هو التيقظ والاحتياط والاحتراز من الغلط والتصحيف والزلل والتحريف في الأسانيد والمتون في التلقي والأداء(2).
وتعني الخلافة الراشدة: المدة التي جاءت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ودامت ثلاثين سنة، تولى الحكم فيه الخلفاء الأربعة من الصحابة المشهود لهم بالسابقة والفضل والبشارة بالجنة، وهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، ثم ابنه الحسن– رضي الله عنهم– أجمعين(3).
المبحث الأول: قيمة الصحابة رضي الله عنهم.
المطلب الأول: تعريف الصحابي
تعريف الصحابي لغة: الصَّادُ وَالْحَاءُ وَالْبَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى مُقَارَنَةِ شَيْءٍ وَمُقَارَبَتِهِ. وكل شيء لاءم شيئا فقد استصحبه. ومِنْ ذَلِكَ الصَّاحِبُ، وَالْجَمْعُ: الصَّحْبُ، والصُحْبَةٌ، والصِحَابُ، والأَصْحَابُ: والصَحَابَةُ والأَصَاحِيبُ. والصحبة تعني المعاشرة، وتعني الانقياد(4).
وبذلك فالصحابي في اللغة يعني مطلق المرافق، طالت مرافقته أو قصرت.
تعريف الصحابي في الاصطلاح: ذهب العلماء في تعريف الصحابي مذاهب متباينة، فمنهم من اشترط في الصحبة طول الملازمة، ومنهم من اكتفى بمطلق اللقاء في أي مرحلة من مراحل العمر.
والذي عليه جمهور المحدثين أن الصحابي هو كل مسلم رآه النبي عليه الصلاة والسلام ولو لحظة وعقل منه شيئا، سواء كان ذلك قليلاً أو كثيراً(5). قال علي بن المديني: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم“(6).
وذهب آخرون إلى اشتراط طول الملازمة وكثرة السماع لتحقيق الصحبة. ومن هؤلاء أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم النبي عليه الصلاة والسلام؛ إذ كان يعد نفسه آخر من بقي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، على كثرة الباقين الذين حظوا برؤية النبي عليه الصلاة والسلام. فقد روى شعبة عن موسى السيلاني أنه قال:” أتيت أنس بن مالك فقلت: أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قد بقي قوم من الأعراب، فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي“(7).
وكلام أنس– رضي الله عنه– يقتضي التفريق بين الصحابي ومن لم يحظ إلا بالرؤية فقط(8). فاشتراط طول الملازمة لتحقيق شرف الصحبة، جعل أنسا يعتبر نفسه هو المتفرد الوحيد بهذه المنزلة في زمانه.
وهو مذهب جابر بن عبد الله– رضي الله عنه– كذلك، حيث لا يدخل في الصحابة إلا من توفرت له ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم. حيث قيل له: من بقي معك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بقي أنس بن مالك وسلمة بن الأكوع(9).
وهو رأي سعيد بن المسيب، حيث لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين(10). عقب على هذا ابن حجر قائلا: “والعمل على خلاف هذا القول لأنهم اتفقوا على عد جمع جم في الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا في حجة الوداع“(11).
قال العلائي: والحاصل أن تسمية الجميع باسم الصحابي له اعتبارات:
إحداها: من يصدق عليه الاستعمال العرفي قطعاً، وهؤلاء هم جمهور الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين كانوا معه صلى الله عليه وسلم. ومن هاجر إليه من القبائل وغزا معه. ولا ريب في أمثال هؤلاء.
الثاني: من يقرب من هؤلاء كالذين هاجروا إليه وأقاموا عنده أياماً قلائل ورجعوا إلى أماكنهم كوفد عبد القيس، ووفد ثقيف وأمثالهم، وكمثل وائل بن حجر، ومعاوية بن الحكم السلمي، وجرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنهم.
ومن لم يصحبه إلا مدة يسيرة الأيام والليالي، ولكن حفظ عنه وتعلم منه، وروى عنه عدة أحاديث؛ فهؤلاء أيضاً وأمثالهم يطلق عليهم اسم الصاحب حقيقة عرفية. وإن كانت مدة صحبتهم ليست طويلة. لتحقق الاسم فيهم وصدق الاتصاف بالصحبة لهم.
الثالث: من لقيه صلى الله عليه وسلم بمجالسة يسيرة أو مبايعة أو مماشاة، وكان مسلماً إما بالغاً أو مميزاً. وعقل من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما، بأن أجلسه في حجره أو مج في وجهه ماء أو غير ذلك، فلا ريب في أن الإطلاق العرفي منتف عن مثل هؤلاء.
وأما الإطلاق اللغوي فهو قريب… وإنما أعطي هؤلاء حكم الصحبة لشرف ما حصل لهم من الرؤية له عليه الصلاة والسلام، ولدخولهم في القرن الذي أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خير القرون من أمته. فكان ذلك على وجه التوسع المجازي لا بالحقيقة والله أعلم(12).
والراجح ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر بقوله: ” وأصحّ ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابيّ: من لقي النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم مؤمنا به، ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى“(13).
طرق معرفة الصحابة: يعرف الصحابة بطرق وهي: 1 ـ التواتر. 3 ـ الاستفاضة القاصرة عن التواتر. 3 ـ أن يروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي. 3 ـ بقوله وإخباره عن نفسه ـ بأنه صحابي(14).
المطلب الثاني: عدالة الصحابة
فضل الله تعالى صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم على باقي القرون التي تلتهم، وخصهم بميزات متفردة، فعدلهم من فوق سبع سموات، وجعلهم الوسيلة الوثقى لنقل شريعته وتبليغها للعالمين. وبذلك فعدالتهم جميعا ثابتة عند الجمهور، ولا حاجة إلى البحث عنها، ولا الفحص فيها(15). فكلهم عدول عند أهل السنة والجماعة. وما جرى بينهم لا يثلم في عدالتهم شيئا، قال الذهبي: “فَأَمَّا الصَحَابَةُ– رضي الله عنهم– فَبِسَاطُهُمْ مَطْوِيٌّ وَإِنْ جَرَى مَا جَرَى… إِذْ عَلَى عَدَالَتِهِمْ وَقَبُولِ مَا نَقَلُوهُ العَمَلَ، وَبِهِ نَدِينُ اللهَ تَعَالَى“(16). ومن استثنى منهم مقاتلي عثمان أو معاوية أو غيرهم فقوله باطل مردود(17).
وعدالتهم ثابتة عقلا ونقلا، ويظهر ذلك من خلال التالي:
-
الأدلة النقلية على عدالة الصحابة:
-
القرآن الكريم:
الصحابة عدلهم الله في كتابه العزيز، ومدح لهم أخلاقهم وأفعالهم، وما بدلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل(18).ومما يدل عليه:
قول الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ– رضي الله عنهم– وَرَضُواْ عَنْهُ (التوبة: 16).
قال ابن تيمية: “ وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار، وعلى الذين جاءوا من بعدهم يستغفرون لهم ويسألون الله أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم، وتتضمن أن هؤلاء الأصناف هم المستحقون للفيء. ولا ريب أن هؤلاء الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة، فإنهم لم يستغفروا للسابقين الأولين، وفي قلوبهم غل عليهم. ففي الآيات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم، وإخراج الرافضة من ذلك، وهذا نقيض مذهب الرافضة“(19).
قال العلائي: “وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه رضي عنهم ورضوا عنه، فمن ادعى بعد ذلك في أحد منهم أنه قد سخط عليه، لزمه بيان ذلك بدليل قاطع عن الله تعالى، ولا سبيل إلى ذلك“(20).
قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ (البقرة: 43).والمراد بـ “وسطا” عدولا كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم(21). فجعلهم الله تعالى عدول الأمة، ووضعهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والريبة، وكل ما يغمز في عدالتهم، فاختارهم الله لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، فحفظوا عنه سنته ووعوها وفقهوها وأتقنوها، فبلغوها عنه كما هي دون زيادة ولا نقصان(22).
وفي القرآن الآيات الكثيرة التي تزكي الصحابة وتشهد بعدالتهم وفضلهم.
-
السنة النبوية:
أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على صحابته بالثقة والأمانة، وأخبر بما وهبهم الله تعالى من صدق في القول واستقامة في العمل، ونوه بنزاهتهم من كل ما يخرم مروءتهم، ويخدش ديانتهم؛ بل وأخبر بأن الله جعلهم خير القرون من أمته وأفضلها، ولن يستطيع أحد بعدهم أن يبلغ درجتهم ولو أنفق ملء الأرض ذهبا.
فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»(23).
قال الحافظ ابن حجر: “والذي يظهر أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره أو أنفق شيئا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنا من كان وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث“(24).
وذلك لأنهم آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين كفر الناس، وصدقوه حين كذبه الناس، وعزروه ونصروه وآووه وواسوه، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل ذلك، رغم قلة عددهم وضعف قوتهم(25).
وقال صلى الله عليه وسلم: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»(26).
فالأمة تهتدي بهم كاهتداء هؤلاء بنبيهم، وكما يهتدي أهل الأرض بالنجوم في السماء. ففضلهم على الأمة كبير، فما نحن فيه من هداية وخير وعلم وعز ومال وسلطان ودين وإيمان، وغيرها من النعم التي لا تحصى، إنما ذلك بسببهم(27).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»(28). فسب أحدهم أو التنقيص منه كبيرة، وإيذاء لله ولرسوله، يستحق فاعلها الحد والتنكيل به، ومن اتهمهم بالضلالة اعتبر كافرا، لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة، وكذب الله تعالى ورسوله فيما أخبرا به عنهم(29).
قال البيضاوي: “معنى الحديث لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبا من الفضل والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه، وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية“(30)
-
الإجماع:
الإجماع على عدالة كل الصحابة محكي عن جميع أهل العلم في كل العصور، قال ابن عبد البر: ” الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات، وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث“(31).
-
الأدلة العقلية:
تعهد الله بحفظ الدين، فقال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر: 9)، والدين هو الكتاب والسنة، والصحابة– رضي الله عنهم– هم الذين تكفلوا بنقلهما، وهذا يقتضي عدالتهم.
والطعن في عدالتهم يقتضي عقلاً الطعن في الدين، والشك بشموليته وصلاحيته لكل زمان ومكان.
قال إمام الحرمين: ” ولعل السبب الذي أتاح الله الإجماع لأجله أن الصحابة هم نقلة الشريعة، ولو ثبت توقف في رواياتهم لانحصرت الشريعة على عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما استرسلت على سائر الأعصار“(32). فالذين يجرحون الصحابة قصدهم أن يبطلوا الدين كله، ولهذا قال أبو زرعة: “إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق, وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة, والجرح بهم أولى وهم زنادقة“(33).
الكذب لا يكون إلا لتحقيق غرض دنيوي، والصحابة– رضي الله عنهم– ضحوا بأموالهم وديارهم، وبذلوا كل غال ونفيس؛ بل باعوا دنياهم كلها للحفاظ على دينهم، فلا يعقل أن يكذب هؤلاء لغير حاجة.
كل من حق عليه رضوان الله تعالى لا يمكن أن يتصف بالفسق، لأن الله قال: فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (التوبة: 96 ). ولفظ “الفاسقين” من ألفاظ العموم، أي لا يرضى عن كل الفاسقين؛ لكن في المقابل قال: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ (الفتح: 18)، فإذا انتفى عنهم الفسق فقد وجب لهم ضده وهو العدالة، لأن المحل القابل للصفة لا يخلو منها أو من ضدها.
التواتر، إذ تواترت الأمة عدالة الصحابة وخيريتهم، قال الخطيب: “على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها، من الهجرة, والجهاد, والنصرة , وبذل المهج والأموال , وقتل الآباء والأولاد, والمناصحة في الدين, وقوة الإيمان واليقين – القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم , وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين“(34).
فالمتتبع لتاريخهم، وبطولاتهم في الإسلام، وسيرهم من حين إسلامهم إلى وقت وفاتهم، وأنهم لا يرتكبون ما يتسبب في فسقهم ويخرم مروءتهم، أو يشين سمعتهم، وأن من وقع في ذلك منهم سارع إلى التوبة من قريب، لا يسعه إلا الجزم بعدالتهم(35).
اختارهم الله لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن وجودهم عبثا من غير قصد ولا علم؛ بل كان اختيارهم عن علم تام وحكمة بالغة.
شاهدوا الوحي، وتلقوه غضا طريا وهو ينزل على نبيهم صلى الله عليه وسلم الذي عاش بين ظهرانيهم يطبق أحكام القرآن، وعاشوا الأحداث التي كانت سببا لنزول كثير من آياته، فأثر ذلك في سلوكهم وحياتهم أكثر من غيرهم.
فمن تتبع هذه الأدلة العقلية والنقلية لا يسعه إلا الجزم بعدالة الصحابة وخيريتهم، وإنكار ذلك جحود وعناد وإسفاف.
قال الخطيب: “والأخبار في هذا المعنى تتسع, وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن , وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة, والقطع على تعديلهم ونزاهتهم , فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق لهم , فهم على هذه الصفة إلا أن يثبت على أحدهم ارتكاب ما لا يحتمل إلا قصد المعصية , والخروج من باب التأويل , فيحكم بسقوط عدالته , وقد برأهم الله تعالى من ذلك , ورفع أقدارهم عنه“(36).
ولهذا يحرم سبهم أو التنقيص من شأنهم
المبحث الثاني: عناية الصحابة بتوثيق السنة النبوية.
المطلب الأول: العوامل التي دفعت الصحابة إلى توثيق السنة النبوية.
تضافرت عوامل عدة فدفعت الصحابة إلى توثيق السنة، وأهم هذه العوامل:
- حض النبي صلى الله عليه وسلم على رواية حديثه وحفظه: فدعا لراويه بالحسن والنضارة، فقال: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأ سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ»(37).
ولكنه لم يترك الباب على مصراعيه في ذلك؛ بل حذر في نفس الآن من الوقوع في الكذب عليه فقال:«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»(38)، مما دفع بالصحابة إلى التحري والتثبت في رواية الحديث؛ بل إن كثيرا منهم كان يمسك عن رواية الحديث خوفا من الزيادة أو النقصان فيه.
فهذا أنس بن مالك– رضي الله عنه– رغم طول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وشدة ملازمته له يمسك عن الرواية. قال رضي الله عنه: “لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ أُخْطِئَ لَحَدَّثْتُكُمْ بِأَشْيَاءَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – أَوْ قَالَهَا رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – وَذَاكَ أَنِّي سَمِعْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»(39).فكان لا يحدث إلا ما تحققه ويترك كل ما يشك فيه(40).
- بلاغة الحديث النبوي الشريف وفصاحته وحسن ديباجته وجزالة ألفاظه: فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أفصح النّاس وأبلغهم، لذا كان حديثه يأخذ بمجامع القلوب، ويسري في كيان المستمع الذهني والعاطفي، خصوصا وأن المستمع ابن بجدة البلاغة المذواق لها المشغوف بها(41).
- أهمية السنة النبوية في الاحتجاج: إذ هي المصدر الثاني بعد كتاب الله تعالى، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ (الأنفال: 20).وقال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (النساء: 65)، وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا (الحشر: 7). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ»(42). والقرآن محتاج إلى السنة، تفصل مجمله، وتقيد مطلقه، وتخصص عامه، قال تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (النحل: 44)، ولذلك قال يحيى بن أبي كثير: “السُّنَّةُ قَاضِيَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ الْقُرْآنُ بِقَاضٍ عَلَى السُّنَّةِ “(43).والصّحابة كانوا أعرف النّاس بمنزلة السّنّة من الكتاب، فلا غرو أن كانوا أحرص على حذقها وحفظها والعمل بها.
فاستجاب الصحابة لله ولرسوله، فتمسكوا بالسنة النبوية وعضوا عليها بالنواجد، حذرين أن يكونوا كالذي قال فيه الرسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ»(44).
فتتبعوا السنة النبوية حذو القذة بالقذة، لم يزيغوا عنها قيد أنملة، سواء وقفوا على حِكمها وعِللها أم لم يقفوا على ذلك(45).
- حرص الخلفاء الراشدين على الاحتجاج بالسنة والتمسك بها: فهذا أبو بكر– رضي الله عنه– الخليفة الأول للمسلمين قاتل مانعي الزكاة، فقال له عمر: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ “؟ فقال: وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فقال عمر: فَوَ اللهِ، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ»(46).
وأما الخليفة الثاني عمر بن الخطاب– رضي الله عنه– فقد روي أنه وقف على الركن وقال: ” إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْ لَمْ أَرَ حَبِيبِي صلى الله عليه وسلم قَبَّلَكَ أَوْ اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ وَلَا قَبَّلْتُكَ لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنةﱠ (الأحزاب: 21)”(47).
وكان– رضي الله عنه– يلزم رعيته التشبث بالسنة، ويحذرهم من مخالفتها والوقوع في البدعة، فقد روي أن عامله كتب له رضي الله عنه: إن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير. فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أقبل بهم معك، فأقبل، وقال عمر– رضي الله عنه– للبواب: أعد سوطاً، فلما دخلوا على عمر رضي الله عنه، علا أميرهم ضرباً بالسوط(48).
وقد كان– رضي الله عنه– يحث الناس على اتباع السنة وترك الخوض في المشتبهات، فقد روي عنه أنه قال: ” فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ(49) إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ المُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ“، ثُمَّ قَالَ: “شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ“(50).
وكان الخليفة الثالث عثمان بن عفان– رضي الله عنه– شديد الاتباع للسنة، حريصا على تبليغها لرعيته، فقد روي أنه دعا بوضوء وهو على باب المسجد، توضأ ثم قام فركع ركعتين ثم قال: تَوَضَّأْتُ لَكُمْ كَمَا رَأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، ثم ركعتُ ركعتين كما رأيتُه ركعَ. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من ركعتيه: «مَنْ تَوَضَّأَ كَمَا تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ صَلاتِهِ بِالأَمْسِ»(51).
لقد أعلن عثمان– رضي الله عنه– موقفه من السنة حين أخبر أن رأيه ليس بلازم للأمة الأخذ به؛ بل من شاء أخذ به ومن شاء تركه، بخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يسع أحدا تركها لقول أحد كائنا من كان. فقد روى ابن إسحاق أن عثمان بن عفان كان بالْجُحْفَة إذ قال وذُكِرَ له التمتع بالعمرة إلى الحج: أتموا الحجَّ وأخلصوه في أشهر الحج، فلو أخرَّتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيتَ زورتين كان أفضل؛ فإن اللَّه قد أوْسَعَ في الخير، فقال له علي: عمدت إلى سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورُخْصَة رَخّصَ اللَّه للعباد بها في كتابه تُضَيِّقُ عليهم فيها وتنهى عنها، وكانت لذي الحاجة ولنائي الدار، ثم أهلّ علي بعمرة وحج معًا، فأقبل عثمان بن على الناس فقال: أَنَهَيْتَ عنها؟ إني لم أنهَ عنها، إنما كان رأيًا أشرتُ به، فمن شاء أخَذَه ومن شاء تركهُ(52).
وهذا الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يعتصم بالسنة أشد اعتصام، فلا يشغله عنها شاغل، فقد روي أن فاطمة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم خادما فقال: « أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ». قال علي رضي الله عنه: “ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم. قيل له: ولا ليلة صفين(53)؟ قال: ولا ليلة صفين“(54). فرغم أنه كان قائدا ليلة صفين ـ كما هو معلوم ـ مشغولا بالحرب، إلا أن ذلك لم يصرفه عن هذه السنة.
ومما يدل على شدة تمسكه بالسنة واقتفائه آثار النبي صلى الله عليه وسلم ما أثر عنه من ذم للقياس وتقديم السنة عن كل رأي، فقد روي أنه قال: “لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ “رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ“(55).
فهذه الآثار وغيرها كثير تقرر مكانة السنة عند الصحابة وشدة تمسكهم بها.
بل إنهم شنعوا على كل من استخف بالسنة النبوية تشنيعا عظيما، وعاتبوا عتابا شديدا كل من وقف منها هذا الموقف. فقد روى أبو نضرة عن عمران بن حصين: “أن رجلا أتاه فسأله عن شيء، فحدثه، فقال الرجل: حدثوا عن كتاب الله عز وجل، ولا تحدثوا عن غيره. فقال: “إنك امرؤ أحمق! أتجد في كتاب الله صلاة الظهر أربعا، لا يجهر فيها بالقراءة؟، وعد الصلوات وعد الزكاة ونحوها. ثم قال: “أتجد هذا مفسرا في كتاب الله؟ إن كتاب الله قد أحكم ذلك، والسنة تفسر ذلك(56).
ولشدة تمسكهم بالسنة النبوية وتقديمها على كل رأي أو اجتهاد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمالهم بالسنة وأمر باتباعها والاقتداء بها، فقال:« عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عُضُوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذ»(57). فقد جعل سنتهم في طلب الاتباع كسنته صلى الله عليه وسلم(58).
- ظهور الوضع في الحديث: وذلك باندلاع الفتنة في آخر حياة الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وخروج المنافقين من جحورهم، فأظهروا أخلاقا منافية لجيل الصحابة. وازداد الكذب في الحديث بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وانقسام الأمة إلى مذاهب وفرق، فهرع أصحاب كل فرقة يضعون أحاديث وينسبونها للنبي صلى الله عليه وسلم انتصارا لمزاعمهم وأهوائهم. واستفحل الوضع بغلبة الجهل على بعض الوعاظ والقصاصين والمتعبدين، وفرط العصبية لبعض المقلدين، واتباع أهواء بعض الحكام والرؤساء(59).
فبادر علماء الصحابة إلى التصدي للوضاعين، وحثوا الناس على الاحتياط في تلقي الحديث وروايته، وألا يأخذوا إلا عمن يوثق بعدالته وضبطه.
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: “إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف“(60).
وقال محمد بن سيرين: “لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ“(61).
المطلب الثاني: تثبت الصحابة في تلقي الحديث:
يستدعي موضوع تلقي الصحابة للحديث أن ننظر في طرق التلقي، ثم منهج التثبت في تلقي الحديث.
- طرق تلقي الصحابة للحديث: يمكن أن نحصر طرق تلقي الحديث عند الصحابة خلال الفترة الراشدة في ثلاث طرق أساسية:
- طريقة السماع: وهذه هي الطريقة الرئيسة المعتمدة، إذ حرص الصحابة في الفترة الراشدة على سماع الحديث من بعضهم البعض مباشرة، يعتمدون الحفظ في تحمله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تدوين السنة، خوف اختلاطها بالقرآن، فلما كان عهد الخلفاء الراشدين لم يجرؤوا على أن يدونوا الحديث في مدونات رسمية، خشية أن يتخذها الناس مصاحف، تضاهي القرآن الكريم.
ومن الذين كرهوا كتابة الحديث من الصحابة عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي موسى الأشعري، وأبي سعيد الخدري وغيرهم رضي الله عنهم(62).
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليستشيرهم في كتابة السنن، فيشيرون عليه بكتابتها، ثم يحجم عن كتابتها. وذلك مخافة أن يتخذها الناس مصاحف كالقرآن، فيلتبس الأمر على عامتهم ومن يأتي بعدهم، فيقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب قبلهم(63).
وهذا أبو سعيد الخدري– رضي الله عنه– يأبى أن يكتب لأبي نضرة لما سأله قائلا: “لو كتبتم لنا فإنا لا نحفظ“.
قال أبو سعيد: “لا نُكتبكم ولا نجعلها مصاحف؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا فنحفظ، فاحفظوا عنا كما كنا نحفظ عن نبيكم“(64).
وهذا لا يمنع أن يكون بعض السنة قد كتب في هذا العصر لكن لا على سبيل التدوين الرسمي، إذ كانت لبعض الصحابة كتابات شخصية باشروها بـأنفسهم كعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، وغيرهم(65).
- طريقة القراءة على الشيخ: ويسميها أكثر المحدثين عرضا(66)، وقد وجد في هذه الفترة بعض الصحابة الذين كانوا يقرؤون على إخوانهم من نسخهم المكتوبة، ومما يدل على ذلك ما روي عن بشير بن نهيك، قال:” كنت أكتب ما أسمع من أبي هريرة رضي الله عنه، فلما أردت أن أفارقه، أتيته بكتابه فقرأته عليه، وقلت له: هذا سمعت منك؟ قال: نعم“(67).
- طريقة المكاتبة(68):إذا كان النهي عن كتابة الحديث خوف التباسه بالقرآن، فإن الإذن فيها كان حين أمن ذلك، خاصة بعد حفظ القرآن وجمعه(69).
فكان الصحابة يتلقونها كتابة كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ومما يدل عليه ما كان بينهم من مكاتبات ومراسلات اشتملت على بعض الأحاديث الشريفة.
ومما يدل على ذلك أن أبا بكر– رضي الله عنه– كتب لأنس كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة لما وجّهه إلى البحرين(70).
وما روي عن عمر بن الخطاب– رضي الله عنه– أنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح حديث: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ»(71).
وقد كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ»(72).
وكتب أبو موسى الأشعري أحاديث وأرسلها إلى ابن عباس بالبصرة, ومنها حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبول فمال إلى دمث حائط فبال وقال: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ أَحَدَهُمُ الْبَوْلُ قَرَضَهُ بِالْمَقْرَاضَيْنِ»(73).
-
منهج تثبت الصحابة في تلقي الحديث.
لقد كان لتعديل الله تعالى صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم الأثر الواضح على الرواية في هذه الفترة، من حيث التلقي ومن حيث الأداء.
فمن حيث تلقي الحديث، فقد كانوا يتلقون مرسلات إخوانهم دون الحاجة إلى تسمية الوسائط، وذلك لعلمهم بوثاقة الرواة، إذ لم يكونوا في حاجة إلى السؤال عن ذلك أو التنصيص عليه؛ بل إنهم كانوا يعتبرون السؤال عنه إساءة ظن لا تليق بمكانتهم. فقد روي أن أنس بن مالك– رضي الله عنه– حدث بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رجل: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فغضب غضبا شديدا وقال: وَالله مَا كل مَا نحدثكم سمعنَا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَكِن كَانَ يحدث بَعْضنَا بَعْضًا وَلَا يتهم بَعْضنَا بَعْضًا“(74).
ولذلك قبل جمهور العلماء مراسيل الصحابة كابن عباس– رضي الله عنه– وغيره من صغار الصحابة ممن هو أصغر سنا منه، ومعلوم أن ابن عباس لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم كل ما رواه، مما قال فيه: قال رسول الله، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (75).
غير أنه بعد ظهور الوضع في الحديث في آخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه(76)، تثبت الصحابة في تلقي الحديث وذلك من خلال النظر في الرواة، والنظر في المتن.
-
النظر في الرواة: وذلك بتتبع طرق أهمها:
- المعارضة: وهي مقارنة الأحاديث بعضها ببعض قصد التأكد من صحتها والوقوف على أوصاف رواتها. وقد اعتمدها الصحابة في منهج تلقيهم للحديث. ومن ذلك ما رواه أبو رافع عن عبد الله بن مسعود– رضي الله عنه– أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ…».
قال أبو رافع: “فحدثت عبد الله بن عمر فأنكره علي، فقدم ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر يعوده، فانطلقت معه فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث، فحدثنيه كما حدثته ابن عمر“(77).
ولما روى أبو هريرة– رضي الله عنه– أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَة فَلَه قِيرَاط». قال له عبد الله بن عمر: “انظر ما تحدث يا أبا هريرة رضي الله عنه، فإنك تكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده، فذهب به إلى عائشة فصدقت أبا هريرة“(78).
- طلب الشهود:ـ فهذا أبو بكر– رضي الله عنه– كان أول من احتاط في قبول الأخبار(79)، فكان يطلب الشهود لقبولها، فلما سئل عن ميراث الجدة، أخبره المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فسأله: هل معك غيرك، فشهد معه محمد بن مسلمة، فأنفذه لها أبو بكر(80).
ومن ذلك ما فعل عمر رضي الله عنه، “وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل, وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب“(81). فقد روي أنه لم يقبل خبر أبي موسى الأشعري رضي اللَّه تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُجَبْ فَلْيَرْجِعْ»، وقال: أقم عليه البينة، فوافقه أبو سعيد الخدري– رضي الله عنه– (82). وما فعل عمر ذلك اتهاما لأبي موسى رضي الله عنهما؛ وإنما خوفا أن يتساهل الناس في رواية الحديث. فلا يحدثوا إلا بما تيقنوا من روايته وحفظه. ولذلك قال عمر لأبي موسى رضي الله عنه: “أما إني لم أتهمك؛ ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم “(83).
وهذا عثمان– رضي الله عنه– أتى المقاعد “فدعا بوضوء فتمضمض، واستنشق,، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه ثلاثا ثلاثاً، ثم مسح برأسه ورجليه ثلاثا ثلاثاً,، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يتوضأ، يا هؤلاء, أكذاك؟ قالوا: نعم، لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده“(84).
- الاستحلاف: وهذه الطريقة أشد في الاحتياط من الطريقتين السابقتين، وكان ممن انتهجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد روي عنه أنه قال: “إِنِّي كُنْتُ رَجُلاً إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، وَإِذَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ“(85).
- النظر في المتن: لم يقتصر الصحابة في الفترة الراشدة على النظر في رواة الحديث؛ بل اهتموا كذلك بالنظر في متنه، وذلك دفعا لما يعرض لإخوانهم من خطأ ووهم ونسيان، باعتبارهم بشر غير معصومين، فاعتمدوا في نقد المتن على منهج متكامل يقوم على قواعد رئيسة أهمها: عرض الحديث على القرآن الكريم، عرض الحديث على السنة الصحيحة، عرض الحديث على الوقائع والمعلومات التاريخية، عرض الحديث على صريح المعقول(86).
فردوا كثيرا من مرويات إخوانهم وتوقفوا فيها، ومن أمثلة ذلك:
- رد الحديث لمعارضته صريح القرآن الكريم: ومنه انتقاد عمر– رضي الله عنه– لحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها التي روت “أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً” حينما طلقت ثلاثا. فقال عمر: “لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة، قال الله عز وجل: ﱡلا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ﱠ(الطلاق: 1)(87).
- رد الحديث لمعارضته السنة الصحيحة: انتقدت عائشة(88) رضي الله عنها ما رواه عمر وابنه عبد الله وغيرهما بلفظ: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ “. فقالت عائشة: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه»، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ». وقالت: حسبكم القرآن: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (الإسراء: 15)”(89). فسبب ردها لهذا الحديث هو معارضته للسنة الصحيحة وكذا لصريح القرآن الكريم. وهي رضي الله عنها لا تتهم الصحابة في عدالتهم، ولذلك قالت: “إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين، ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ“(90).
- رد الحديث لمعارضته الوقائع والمعلومات التاريخية: ومن ذلك رد عائشة رضي الله عنها لحديث ابن عمر– رضي الله عنه– أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب. فقالت: “يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو معه، وما اعتمر في رجب قط“(91)، وابن عمر يسمع، فما اعترض على ذلك ولكنه سكت. وسكوته حمله ابن الجوزي على شكه في روايته أو تذكره بعد نسيانه(92).
- رد الحديث لمعارضته صريح المعقول: من ذلك رد عائشة رضي الله عنها للحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان– رضي الله عنه– (93) وغيره من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ»، فبلغ ذلك عائشة فقالت: “أو نجس موتى المسلمين؟ وما على رجل لو حمل عودا؟“(94). فردت الحديث لأنها وجدت الأمر بالاغتسال من غسل الميت معقولا لما قد يصيب المغسِل، ولكن الأمر بوضوء حامله مناف للمعقول، إذ أن المؤمن لا ينجس. فيكون الحامل للمؤمن الميت كحامل عود(95).
وبهذا المنهج يكون الصحابة– رضي الله عنهم– في هذه الفترة قد بنوا صرحا عظيما يحمي السنة من تحريف المبطلين وتأويل الغالين، ويدفع عنها مزاعم المتخرصين الذين يزعمون أن الصحابة– رضي الله عنهم– اعتنوا بالسند دون المتن.
فقد وضعوا اللبنات الأساس لمنهج نقد الحديث سندا ومتنا. ونقدهم هذا لا يعني اتهامهم لإخوانهم، وإنما ذلك حرصا منهم على حفظ الحديث، مما جعلهم ينتقدونهم في أحاديث ويقبلون منهم أحاديث أخرى(96).
فقد قبل عمر بأحاديث لم يروها له إلا راوٍ واحد، و قبل علي حديث بعض الصحابة دون أن يستحلفه(97).
المطلب الثالث: تثبت الصحابة في أداء الحديث:
يمكن أن نحصر أهم طرق الأداء عند الصحابة في هذه الفترة فيما يلي:
- التحديث من الحفظ: وهذا هو الغالب، لأن أكثرهم كانوا لا يكتبون؛ بل يعتمدون الحفظ في الصدور، لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلمعن الكتابة، قبل إذنه لأشخاص معينين وفي مناسبات معينة(98).
- التحديث من الكتاب: خصوصا من طرف أولئك الذين أذن لهم في الكتابة في الفترة النبوية، فكتبوا مدونات حديثية، كعبد الله بن عمرو الذي أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابة الحديث في جميع الأحوال والمناسبات، فكان بذلك أكثر الصحابة جمعا للحديث(99). فلا ريب أنه وأمثاله كانوا في الفترة الراشدة يحدثون من مدوناتهم. ومما اشتهر من ذلك صحيفة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إذ روي عنه أنه قال: “وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي القُرْآنِ، إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ، وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ“. قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: “العَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ“(100).
ومن ذلك الصحابة الذين كانوا يحتفظون بالمراسلات والمعاهدات النبوية، والتي كتبت في العصر النبوي، كالمعاهدة النبوية في السنة الأولى للهجرة، والتي نصت على حقوق المسلمين من المهاجرين والأنصار، وموادعة يهود المدينة، وكذا مراسلاته صلى الله عليه وسلمالمكتوبة إلى عُمَّاله وغيرهم(101). وكذا مراسلات ومكاتبات الخلفاء الراشدين، فلا شك أن بعض الصحابة كانوا يحدثون منها خلال الفترة الراشدة.
- الكتابة: كان من الصحابة من يكتب لإخوانه من الصحابة أو التابعين بعض الأحاديث، ومن أشهرهم في هذه الفترة، زيد بن ثابت الذي كتب إلى عمر رضي الله عنهما في أمر الجد(102). وكتب أبو موسى الأشعري إلى أنس بن مالك رضي الله عنهما كتابا وضمنه أحاديث، وكتب أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر عبد الرحمن بن هشام– رضي الله عنه– كتابا فيه استفتاح الصلاة. وكتب أبو بكر الثقفي نفيع بن مسروح– رضي الله عنه– إلى ابنه– وكان قاضيا بسجستان(103)– خطابا ضمنه بعض الأحاديث النبوية المتعلقة بالقضاء(104). ثم أخذت كتابة الحديث تزدهر أكثر، مع زوال أسباب المنع، وخاصة بعد أن جمع القرآن في المصاحف وأرسل إلى الآفاق(105).
وما يميز هذه المرحلة هو عدم التصريح بالواسطة في الأحاديث التي يروونها عن إخوانهم؛ بل إنهم كانوا يستهجنون من السؤال عنها، فقد روي عن أنس بن مالك– رضي الله عنه– أنه حدث بحديث، فسأله رجل: “أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم“، فغضب غضبا شديدا، فقال: ” وَاللَّهِ مَا كُلُّ مَا نُحَدِّثُكُمْ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ كَانَ يُحَدِّثُ بَعْضُنَا بَعْضًا“(106).
إلا أنه بظهور الوضع في فتنة المختار بن أبي عبيد التقفي اشترطوا تسمية الوسائط، روى الإمام أحمد عن جابر بن نوح قال: “أخبرنا الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: إنما سُئل عن الإسناد أيام المختار“(107).
منهج تثبت الصحابة في أداء الحديث.
لم يكتف الصحابة– رضي الله عنهم– في هذه الفترة بالتشدد في تلقي الأحاديث فقط؛ بل تثبتوا كذلك في روايتها، خوفا من الوقوع في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويظهر ذلك من خلال ما يلي:
- التقليل من الرواية(108): احتاط الصحابة في رواية الحديث خشية الوقوع في الخطأ، وخوفًا من أن يتسرب إلى السنة المطهرة الكذب أو التحريف، ولهذا اتبعوا كل سبيل يحفظ على الحديث نوره، فآثروا الاعتدال في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن بعضهم فضل الإقلال منها(109). فقد روي عن أنس– رضي الله عنه– أنه قال: “إنه ليمنعُني أن أُحدِّثكم حديثـًا كثيرًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»(110). وتعجب عبد الله بن الزبير من قلة رواية أبيه رضي الله عنهما فقال: “إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه ولكن سمعته يقول: «من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار»(111). فرغم كثرة سماعهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم كانوا يقلون من الرواية.
لذلك فقد تنبه الخلفاء الراشدون الناس إلى ذلك، فهذا الخليفة الأول أبا بكر الصديق– رضي الله عنه– على كثرة سماعه من رسول الله يقلل من رواية الحديث(112).
وكان عمر– رضي الله عنه– يمنع المحدثين الإكثار من الحديث، إذ كان شديدا على من أكثر الرواية أو أتى بحديث لا شاهد له عليه حتى لا يتساهل الناس في الرواية، فيقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر(113)، فقد قيل لأبي هريرة: “أكنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فقال: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته“(114).
وهذا الخليفة الرابع علي– رضي الله عنه– ينبه رعيته إلى خطورة الكذب على رسول عليه الصلاة والسلام، ويبرز شدة توقي الصحابة منه، فقال: “إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ“(115).
- منع الخلفاء الراشدون رواية أحاديث الرخص، والتحديث بما يكون مثار فتن وقلاقل بسبب قصور بعض الناس في الفهم(116)، فقد أرشد الخليفة الرابع علي– رضي الله عنه– الناس إلى أن يحدثوا بالأحاديث التي يفهمون، والتي ينبني عليها عمل. قال علي: “حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ“(117). وذلك ما عناه ابن مسعود– رضي الله عنه– بقوله: “مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً“(118). وري عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب– رضي الله عنه– أنه قال: ” أَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمإِلَّا فِيمَا يُعْمَلُ بِهِ“(119).
- كثير منهم من كان يشعر بالفزع والرهبة عند التحديث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمتقع لونه لذلك، ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه كان لا يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه” قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبا من ذلك، أو شبيها بذلك (120).
خاتمة:
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا البحث خالصا لوجهه الكريم، وأشير هنا إلى جملة من النتائج والتوصيات.
أولا: نتائج البحث:
يخلص البحث إلى نتائج أهمها:
- تجنب كثير من الصحابة في هذه الفترة كتابة السنة خوف اختلاطها بالقرآن، أو الانشغال بها عنه، أو تحرزا من الإقدام على فعل لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- لم تنته فترة الخلافة الراشدة حتى حفظت السنة في الصدور، كما حفظت في السطور؛ لكنها لم تدون تدويناً رسمياً.
- ازدهرت كتابة الحديث خلال الفترة الراشدة، خصوصا عند صغار الصحابة رضي الله عنهم، وبعد جمع القرآن الكريم وحفظه.
- ثبوت عدالة الصحابة نقلا وعقلا دليل على صحة ما نقلوه من أحاديث نبوية.
- توقف الصحابة خلال هذه الفترة في كثير من مرويات إخوانهم لم يكن اتهاما لهم ولا ترددا في صدقهم وعدالتهم؛ بل حثا على التثبت في الحديث، وسدا لباب التساهل في روايته.
- أهم العوامل التي دفعت الصحابة خلال الفترة الراشدة إلى التثبت من الرواية الحديثية: حض النبي صلى الله عليه وسلم على رواية الحديث وحفظه، بلاغة الحديث النبوي، أهمية الاحتجاج به، حرص الخلفاء الراشدين على الاحتجاج بالسنة والتمسك بها. ظهور الوضع في الحديث باندلاع الفتنة.
- كان لنشوب الفتنة وظهور دواعي الوضع في هذه الفترة الأثر الإيجابي على السنة النبوية، إذ نمت حركة النقد الحديثي، وحبكت قواعد التثبت في تلقي الحديث وروايته.
- تثبت الصحابة في الحديث إبان هذه الفترة أسس لقواعد النظر في السند وفي المتن.
ثانيا: توصيات البحث:
- توجيه الباحثين إلى إعمال النظر في نصوص الفترة الراشدة باعتبارها المؤسس الحقيقي لمنهج النقد الحديثي.
- وجوب الوقوف على سياقات المقال وسياقات المقام لأحاديث هذه الفترة دفعا لكل الشبهات التي تروم الطعن في السنة النبوية والحط من قيمتها.
- التشجيع على إفراد بحوث تختص بمنهج التثبت من رواية الحديث وتلقيه خلال الفترة الراشدة.
المصادر والمراجع:
- ابن أبي حاتم الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعديل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1271 هـ ـ 1952 م.
- ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن أبوعمرو، معرفة أنواع علوم الحديث، تحقيق: نور الدين عتر، دار الفكر، سوريا ط1، 1406هـ– 1986م.
- ابن جماعة، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله، المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي، تحقيق: د. محيي الدين عبد الرحمن رمضان، دار الفكر، دمشق، ط2، 1406.
- ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت،، ط 1، 1415هـ.
- ابن حجر، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، دار الكتب العلمية، ط1، 1419هـ. 1989م.
- ابن حجر، تقريب التهذيب، تحقيق: محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، ط1، 1406 ه ـ 1986م.
- ابن حجر، تهذيب التهذيب، دائرة المعارف النظامية، الهند، ط1،1326هـ.
- ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت 1379ه.
- ابن حجر، نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، تحقيق: عبد الله بن ضيف الله الرحيلي، مطبعة سفير بالرياض، ط 1، 1422هـ.
- ابن رشيد السبتي، أبو عبد الله الفهري، السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن، تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي، مكتبة الغرباء، المدينة المنورة، ط1، 1417ه.
- ابن سعد، أبو عبد الله محمد، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1،1410 هـ ـ 1990 م.
- ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد القرطبي، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي, محمد عبد الكبير البكري، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 1387 هـ.
- ابن عدي، أبو أحمد الجرجاني، الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، الكتب العلمية، بيروت،ط1، 1418ه ــ1997م.
- ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن، تاريخ دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر، 1415 هـ – 1995 م.
- ابن قتيبة، أبو محمد مسلم، غريب الحديث، تحقيق: د. عبد الله الجبوري، مطبعة العاني، بغداد، ط1،1397هـ.
- ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ – 1991م.
- ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، البداية والنهاية،، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408 هـ ـ 1988م.
- ابن كثير، اختصار علوم الحديث، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2.
- ابن كثير، مسند الفاروق، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الوفاء، المنصورة،ط1، 1411ه ــ 1991م،
- أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق السِّجِسْتاني، سنن أبي داود، تحقيق: شعَيب الأرنؤوط ومحَمَّد كامِل قره بللي، دار الرسالة العالمية، ط1، 1430 هـ ـ 2009م.
- أبو داود، مسند أبي داود، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي، دار هجر، مصر، ط1، 1419هـ– 1999م.
- أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1405 هـ.
- أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني، مسند أحمد بن حنبل، تحقيق: أبو المعاطي النوري، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1419هـ ـ 1998م.
- الأدلبي، الدكتور صلاح الدين بن أحمد، منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي، دار الأفاق الجديدة بيروت، ط1، 1403ه ـ 1993م.
- البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله، الجامع الصحيح المختصر، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ط2، 1407ه – 1987م.
- البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، السنن الكبرى، مجلس دائرة المعارف حيدر آباد، ط1، 1344 هـ.
- الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة، أبو عيسى، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة عوض، مطبعة مصطفى البابي الحلب مصر، ط2، 1395 هـ – 1975 م.
- الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت،ط4، 1407 هـ – 1987 م.
- الجويني، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، ركن الدين إمام الحرمين، البرهان في أصول الفقه، تحقيق: صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1418 هـ ـ 1997 م.
- الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، الكفاية في علم الرواية، تحقيق: أبو عبدالله السورقي, إبراهيم حمدي المدني، المكتبة العلمية، المدينة المنورة.
- الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد، سنن الدارقطني، تحقيق: شعيب الارنؤوط، حسن عبد المنعم شلبي، عبد اللطيف حرز الله، أحمد برهوم، مؤسسة الرسالة، بيروت ط1، 1424 هـ، 2004م.
- الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل، مسند الدارمي، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني، دار المغني، المملكة العربية السعودية، ط1، 1412هـ– 2000م.
- الدكتور محمد طاهر الجوابي، جهود المحدثين في نقد متن الحديث النبوي الشريف، مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله، تونس، 1991م.
- الذهبي، الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم، تحقيق: محمد إبراهيم الموصلي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، 1412هـ – 1992م.
- الذهبي، تذكرة الحفاظ،، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1419هـ ـ 1998م.
- الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله، الإجابة لما استدركت عائشة على الصحابة، تحقيق: د رفعت فوزي عبد المطلب، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1421 هـ، 2001 م.
- السباعي، مصطفى بن حسني، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، ط3، 1402 هـ ـ 1982م.
- السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، دار طيبة.
- الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، الموافقات في أصول الفقه، دار المعرفة، بيروت، تحقيق: عبد الله دراز.
- الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، ط2، 1404 هـ ـ 1983م.
- العلائي، صلاح الدين أبو سعيد خليل، تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة، تحقيق عبد الرحيم القشقري، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1410هـ.
- الفيروزآبادى، مجد الدين محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1426 هـ – 2005 م.
- القرطبي، أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، تحقيق مجموعة من المحققين، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، بيروت، ط1،1417هـ ـ 1996م.
- مالك بن أنس الأصبحي، الموطأ، تحقيق: الدكتور بشار معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت.
- محمد بن وضاح أبو عبد الله، البدع والنهي عنها، تحقيق: عمرو عبد المنعم سليم، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط1، 1416 هـ.
- مسلم، أبو الحسين بن الحجاج القشيري النيسابوري، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الجيل، بيروت، 1334هـ.
- الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الفكر، بيروت، 1412هـ.
1 الفيروزبادي: القاموس (ص: 149).()
2 القاري: شرح نخبة الفكر (ص:728).()
3 العليمي المقدسي: التاريخ المعتبر في أنباء من غبر( 1/239).()
4) الجوهري: الصحاح (1/16 ـ 162) والفيروزآبادى: القاموس (ص: 104).
5) العلائي: تحقيق منيف الرتبة (ص: 30).
6) ابن حجر: فتح الباري ( 7/5).
7) ابن عساكر: تاريخ دمشق (9/ 379).
8) العلائي: تحقيق منيف الرتبة (ص:39).
9) أحمد: المسند (5/2334).
10) ابن الصلاح: معرفة أنواع علوم الحديث (ص: 293).
11) ابن حجر: فتح الباري(7/4).
12() العلائي: تحقيق منيف الرتبة (ص: 39 ـ 41).
13) ابن حجر: الإصابة (1/158).
14() ابن الصلاح: معرفة علوم الحديث (ص: 294).
15() العلائي: تحقيق منيف الرتبة (ص: 60).
16) الذهبي: الرواة الثقات المتكلم فيهم (ص: 24).
17) ابن كثير: اختصار علوم الحديث (ص: 182).
18) المصدر نفسه (ص: 182).
19() ابن تيمية: منهاج السنة (2/18).
20) العلائي: تحقيق منيف الرتبة (ص: 64).
21) البخاري: الجامع الصحيح (3/1215) حديث رقم: 3161.
22) ابن أبي حاتم الرازي: الجرح والتعديل (1/7).
23) البخاري: الجامع الصحيح (2/938) حديث رقم: 2509.
24) ابن حجر: فتح الباري (7/6).
25) ابن عبد البر: التمهيد (20/252).
26 ()مسلم: المسند الصحيح (4/1961) حديث رقم: 207.
27) القرطبي: المفهم (6/492).
28) البخاري: الجامع الصحيح (3/1343) حديث رقم: 3470.
29) القرطبي: المفهم (6/493).
30) ابن حجر: فتح الباري (7/34).
31) ابن عبد البر: التمهيد (22/47).
32) الجويني: البرهان (1/242).
33) الخطيب: الكفاية (ص: 49) وابن حجر: الإصابة (1/7).
34) الخطيب: الكفاية (ص:48).
35) المصدر نفسه (ص: 48).
36) الخطيب البغدادي: الكفاية (ص:48).
37) الترمذي: السنن (5/ 33) حديث رقم: 2656 وإسناده صحيح.
38) البخاري: الجامع الصحيح (1/434) حديث رقم: 1229، ومسلم: المسند الصحيح (1/10) حديث رقم: 3.
39) الدارمي: السنن (1/305) حديث رقم: 241، ورجاله رجال الشيخين غير عتاب مولى بني هرمز، وهو صدوق كما في تقريب التهذيب (ص: 380).
40) ابن حجر: فتح الباري (1/201).
41) نور الدين عتر، منهج النقد في علوم الحديث (ص: 39).
42) رواه مالك بلاغا في الموطأ (2/480) حديث رقم: 2618، ووصله ابن عبد البر في التمهيد (24/331) حديث رقم: 128، بإسناد عن أبي هريرة مرفوعًا، وكذا عن عمرو بن عون، وقال: “وهذا أيضا محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد، وروي في ذلك من أخبار الآحاد“.
43) أخرجه الدارمي بإسناد جيد في السنن (1/474) حديث رقم:607.
44) أخرجه الترمذي في السنن (4/335) حديث رقم: 2664. وقال فيه الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
45) عجاج الخطيب: السنة قبل التدوين (ص: 85).
46) البخاري: الجامع الصحيح (6/2657) حديث رقم: 6855.
47) أخرجه أحمد بإسناد صحيح (1/223) حديث رقم:131، وقال ابن كثير في “مسند الفاروق“: وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه. (1/439) حديث رقم: 329.
48) رواه ابن وضاح بإسناد متصل في البدع (ص: 47) حديث رقم: 36 ، ورجاله ثقات، إلا معاوية بن هشام فهو صدوق له أوهام (تهذيب التهذيب 10/218).
49) الرمل في الطواف، وهو الإسراع في ذلك. ينظر ابن قتيبة: غريب الحديث (1/ 221).
50) البخاري (2/582) حديث رقم: 1528.
51) أخرجه أحمد في المسند (1/524) حديث رقم: 489. قال الهيتمي: “رواه أحمد وهو في الصحيح باختصار ورجاله موثقون“. (مجمع الزوائد 1/528).
52) ابن القيم: إعلام الموقعين (2/108)، وروى الحديث بغير هذا اللفظ البخاري: الجامع الصحيح (2/567 ) حديث رقم: 1488.
53) قال ابن حجر: “المراد بليلة صفين الحرب التي كانت بين علي ومعاوية بصفين، وهي بلد معروف بين العراق والشام” ينظر: فتح الباري ( 1/123).
54) أخرجه البخاري: الجامع الصحيح (5/ 2051) حديث رقم: 5047.
55) أخرجه أبو داود: السنن ( 1/42) حديث رقم: 162، وقال الحافظ في التلخيص الحبير(1/418): إسناده صحيح.
56) أخرجه البيهقي: الدلائل (1/25).
57)أخرجه الترمذي: السنن ( 5/44) حديث رقم: 2676. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
58) الشاطبي: الموافقات (1/199).
59) ابن حجر: نزهة النظر (ص: 225).
60) أخرجه مسلم: مقدمة المسند الصحيح (1/ 12).
61) أخرجه مسلم: مقدمة المسند الصحيح (1/ 14).
62)ابن الصلاح: معرفة أنواع علوم الحديث(ص: 292).
63() ابن سعد: الطبقات الكبرى (3/217).
64) البيهقي: المدخل إلى السنن الكبرى (ص: 406).
65) السباعي: السنة ومكانتها من التشريع 59.
66) السيوطي: تدريب (1/423).
67) أخرجه الدارمي: السنن (1/435) حديث رقم: 511،وصحح المحقق إسناده.
68()المكاتبة في اصطلاح المحدثين: هي أن يكتب الشيخ إلى الطالب وهو غائب أو حاضر شيئا من حديثه بخطه أو يأمر غيره بأن يكتب له ذلك عنه إليه. ينظر: ابن الصلاح: معرفة أنواع علوم الحديث (ص: 284).
69() ابن الصلاح: معرفة أنواع علوم الحديث (ص: 293 ـ 294).
70) أخرجه البخاري: (2/ 527 ) حديث رقم: 1386.
71) أخرجه الترمذي: السنن (4/214) حديث 2103 ، وقال: حديث حسن صحيح.
72)أخرجه الطبراني: المعجم الكبير (6/254 ) حديث رقم: 6143، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/134): “رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وقال: إسناده حسن قلت: ورجال البزار كلهم رجال الصحيح“.
73) أبو داود الطيالسي: المسند (1/419) حديث رقم: 521.
74) الحاكم: المستدرك (3/665) حديث رقم: 6458.
75) ابن رشيد: السنن الأبين (ص: 64).
76) السباعي: السنة ومكانتها (ص: 79).
77) مسلم: المسند الصحيح (1/69) حديث رقم: 80.
78) أحمد: المسند (14/557) حديث رقم: 9016.
79) الذهبي: تذكرة الحفاظ (1/9).
80) مالك: الموطأ (2/14) حديث رقم: 1461.
81) الذهبي: تذكرة الحفاظ (1/11).
82) البخاري: الجامع الصحيح (3/55) حديث رقم: 2062.
83) مالك: الموطأ(2/552) حديث رقم: 2768.
84) أحمد: المسند (1/523) حديث رقم:.494
85) أحمد: المسند (1/2)، حديث رقم: 2، قال ابن عدي في الكامل (2/143): “وهذا الحديث طريقه حسنٌ، وأرجو أن يكون صحيحًا“. وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (1/268): “جيد الإسناد“.
86) ينظر على سبيل المثال: الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي.
87) مسلم: المسند الصحيح (2/1118) حديث رقم: 1480.
88) كانت عائشة رضي الله عنها أكثر الصحابة انتقادا للأحاديث، وذلك لفقهها وانتباهها لما يلحق الأحاديث من مخالفة لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جمع الزركشي استدراكاتها على الصحابة في كتابه “الإجابة لما استدركت عائشة على الصحابة“.
89) البخاري: الجامع الصحيح (1/432) حديث رقم: 1226.
90) مسلم: المسند الصحيح (2/ 641) حديث رقم: 929.
91) المصدر نفسه (4/60) حديث رقم: 220.
92) الزركشي: الإجابة (ص: 93).
93) البيهقي: السنن الكبرى (1/453) حديث رقم: 1451.
94) الزركشي، الإجابة ( ص: 113).
95) الدكتور صلاح الدين الأدلبي: منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي ( ص: 116).
96) الدكتور محمد الجوابي: جهود المحدثين في نقد متن الحديث (ص: 484).
97) السباعي: السنة ومكانتها 67.
98)ابن الصلاح: معرفة أنواع علوم الحديث ( ص: 181 ـ 182).
99) أخرج أبو داود في سننه (3/356 حديث رقم: 3648) عن عبد الله بن عمرو قال: ” كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنَهَتني قريش وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: “اكْتُبْ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلاَّ حَقٌّ“
100) البخاري: الجامع الصحيح (6/ 2531) حديث رقم: 6507.
101) عجاج الخطيب: السنة قبل التدوين (ص: 344).
102)الدراقطني: السنن (4/93) حديث رقم: 80.
103) سجستان: هي اليوم القسم الجنوبي والشرقي من أفغانستان، شمالها خراسان، وجنوبها: مكران، وشرقها: السند، وغربها: صحراء إيران. أطلس الحديث، الدكتور شوقي خليل (ص: 2013).
104) الأعظمي: دراسات في الحديث النبوي (ص: 94 ـ ص95).
105) عجاج الخطيب: السنة قبل التدوين (ص: 316).
106) الخطيب البغدادي: الجامع لأخلاق الراوي (1/117) حديث رقم: 100.
107) الإمام أحمد: العلل 3/380.
108) لكن رغم ذلك وجد من الصحابة من أكثر من الرواية، ومن أسباب كثرة الرواية عند بعضهم: ـ قدم الصحبة: مثل عبد الله بن مسعود. ـ ملازمتهم لخدمة النبي صلى الله عليه وسـلم كأنس بن مالك. ـ إحاطتهم بأحواله الداخلية كعائشة زوجه. السباعي: السنة ومكانتها (ص: 74).
109() عجاج الخطيب: السنة قبل التدوين (ص: 92).
110) البخاري (1/52) حديث رقم: 108، ومسلم: المسند الصحيح (1/ 10) حديث رقم: 2.
111) البخاري:(1/52 )حديث رقم:107.
112) محمد أبو زهو: الحديث والمحدثون (ص: 68).
113) ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث (ص:39).
114) الذهبي: تذكرة الحفاظ (1/12) والْمِخْفَقَةُ: ما يُخْفَقُ به، أَي: يُضرَبُ، وهي: الْدِّرَّةُ. (تهذيب اللغة: 7/20).
115) مسلم: المسند الصحيح (2/746) حديث رقم: 1066.
116) محمد أبو زهو: الحديث والمحدثون (ص:73 ـ 74).
117) البخاري: الجامع الصحيح (1/59 ) حديث رقم: 127.
118) مقدمة صحيح مسلم: المسند الصحيح (1/11) حديث رقم: 15.
119) ابن كثير: البداية والنهاية (8/115).
120) أحمد: المسند (1/452) حديث رقم: 4321.