واقع الزواج من الكتابيات اليوم (دوافعه وحكمه وآثاره)

واقع الزواج من الكتابيات اليوم (دوافعه وحكمه وآثاره)

براءة علي اليوسف

قسم الفقه الإسلامي وأصوله || جامعة اليرموك الأردنية / فرع تركيا || استنبول || تركيا

button link=”https://doi.org/10.26389/AJSRP.A050718” color=”orange”] DOI[/button] PDF

Tab title
يهدف الزواج الشرعي إلى بناء المجتمع الإسلامي السوي وتكثير النسل؛ مع ما يلحقه من المودة والرحمة والطمأنينة والسكن في روح الزوجين، وبخاصة إذا كانت عوامل التوافق الروحية والمادية على سوية واحدة بينهما، هذا وقد تختلف بعض الشيء في زواج المسلم من امرأة كتابية (يهودية أو مسيحية)، فهل يمكن لهذا الزواج أن يحقق المقاصد التي شرع لأجلها، إذ أنه سيبنى على معاشرة زوجية بين زوجين يختلفان في بعض المفاهيم والأسس والمعايير في الحياة، مما قد ينعكس سلبا على تربية الأبناء في المستقبل، فضلاً عن الإشارة إلى أهم ما توصلت إليه الدراسة من كراهة هذا الزواج الذي تختلف فيه أهم المعايير والمبادئ بين الزوجين بعد البحث في جملة الآراء الفقهية حول موضوع الدراسة، هذا ما حاولت الدراسة الإجابة عنه من خلال معالجة المسألة بتبيان حكمها من وجهة نظر فقهية مع شرح الدوافع إليها، وحكمتها وما يترتب عليها من آثار. الكلمات المفتاحية: الزواج، النكاح، أهل الكتاب، أهل الذمة، الحاضر، الماضي.

المقدمة

تعد التشريعات المتعلقة بأحكام الأسرة جزءاً لا يتجزأ من النظام العام في الإسلام، فقد حظيت بعناية فائقة نظراً لما تحققه من مبدأ جلب المصالح ودرء المفاسد، ومن هنا ندرك الأثر الكبير الذي يترتب على عقد الزواج، خاصة وأن الميل الفطري بين الذكر والأنثى ميل عميق في التكوين الحيوي لا بد له من طريق آمن وسليم لتلبيته بصورة بعيدة عن الشذوذ والإفراط، ليكون خطوة نحو مدارج الكمال وتحمل المسؤوليات، ومظهراً من مظاهر الرقي الإنساني والاستقرار النفسي الذي شرع عقد الزواج لغرضه.

ولا شك أن أفضل أنواع الزواج ما تلاقت فيه الرغبات وتعارفت فيه الأرواح من خلال اتحاد العقيدة والأهداف؛ حيث يترتب على ذلك ما شرع الزواج لأجله من المودة والرحمة، فتطيب الحياة وتسعد الأسرة ويلتم شمل الأمة، وهذا هو منطق القوانين الاجتماعية عبر التاريخ في إيجاد التناغم والتوازن والتلاحم بين مختلف المجالات.

وقد أدرك أعداء هذه الأمة قوة هذه اللبنة فخططوا لهدم هذا الصرح وإفساده من الداخل والخارج، مستفيدين من حالة الوهن والضعف التي يمر بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها اليوم، فعملوا على إفساد المرأة وتفعيل القوانين الوضعية مكان القوانين السماوية ونشروا ذلك بمختلف وسائل الإعلام المتاحة.

مشكلة البحث:

تواجه الأسرة المسلمة من المشاكل ما يبدو لفئة من الناس أنها شديدة التعقيد، بينما تبدو لغيرهم سهلةً وبسيطة، وترك مثل هذه القضايا بلا حل يزيد من استفحالها، وعدّها من المشاكل المزمنة، التي يدور فيها المجتمع في حلقة مفرغة.

ومن أشد هذه المشاكل تعقيداً وأكثرها خطراً على مجتمعنا ما يمكن أن نسميه المرض الشائع أو الحالة المرضية المسيطرة على قطاع كبير من الشباب المثقف في الأسرة المسلمة، المتمثلة في (الزواج من نساء أهل الكتاب)، ومع انتشار هذه الظاهرة لا سيما في ظل ظروف الهجرة المتوالية للشباب العربي إلى الدول الأوربية بسبب الحروب والأزمات التي تعاني منها البلاد العربية اليوم، فقد وجدت من واجبي أن أتعرض لهذه القضية بالبحث والتفصيل موضحة واقع الزواج من الكتابيات بتبيان حكمه ودوافعه وما يترتب عليه من نتائج وآثار على الأسرة المسلمة خاصة والمجتمع العربي عموماً.

أسئلة البحث:

تتكون الدراسة من مجموعة من التساؤلات الرئيسية:

  • مَن هي الكتابية التي بحث الفقهاء حكم عقد الزواج بها، وما الفرق بينها وبين الذمية في المعنى والحكم؟.
  • ما الحكم الفقهي للزواج بالكتابية وفق الضوابط الشرعية؟.
  • ما الدوافع التي دعت الشباب العربي المسلم في الوقت الحالي للتفكير بالزواج بالكتابية؟.
  • هل يؤثر الزواج بالكتابية على تربية الأولاد مستقبلا وتنشئتهم على أسس ومعايير إسلامية صحيحة؟.

أهداف البحث:

  1. إلقاء الضوء على مفهوم مسمى الكتابية وحقيقته والفرق بينها وبين الذمية.
  2. بيان آراء الفقهاء في حكم عقد الزواج من الكتابية وأدلتهم والرأي الراجح منها.
  3. معرفة أسباب ودوافع الزواج من الكتابيات اليوم وخاصة في الدول الأوربية.
  4. الوقوف على آثار الزواج بالكتابية على الأسرة المسلمة خصوصاً والمجتمع العربي عموماً.

أهمية البحث:

تنبع أهمية الموضوع من عدة اعتبارات:

  • ضرورة العمل على توعية الأسرة المسلمة بما فيهم الشباب من آثار ونتائج الزواج بالكتابية، ومدى تأثيره على الأبناء فيما بعد، وما يلحق الأسرة من تفكك في الروابط الأسريةَ والاجتماعية، وما ينعكس على المجتمع ككل.
  • الحاجة إلى بيان دوافع الزواج بالكتابية للعمل على وضع الحلول والبدائل لها ما أمكن.
  • المحافظة على تماسك المجتمع والأسرةَ من التفكك والانحلال من الأخلاق التي أوجبتها الشريعة الإسلامية.
  • التقليل من الانحرافات السلوكية في المجتمع.

أسباب اختيار البحث:

لما كان صلاح المجتمع بما فيه الأفراد وسعادتهم مقصد شرعي , وهدف أسمى من التشريع , لذا اخترت موضوعاً يهم المجتمع الذي يعانى من مشاكل التفكك الأسري، وخاصة في ظل الحروب الحالية , ومشاكل الهجرة من الشباب المسلم المثقف إلى الدول الأوربية , ورأيت في الكتابة فيما ينطبق عليها مسمى الكتابية والفرق بينها وبين الذمية بتبيان مدلول مصطلح الكتابية والذمية وما يتعلق بهما من الحاجة بمكان , لكثرة الأسئلة التي تدور حولها بغية إلقاء الضوء على الأسباب لتجنبها ما أمكن لذلك من سبيل، وقد وقع اختياري على موضوع: (واقع الزواج من الكتابيات اليوم (دوافعه وحكمه وآثارهلعدة أسباب منها:

  • الحاجة إلى معرفة دوافع الشباب المسلم للزواج من الكتابيات في الوضع الراهن.
  • الحاجة الملحة إلى معالجة موضوع اجتماعي أسري مهم في واقع الحياة، وما من أُمّة إلا وتبغي رفع مستواها الاجتماعي لتحتل مكانا مرموقا.
  • الحاجة إلى تبيان الأحكام الفقهية الأصيلة لحكم الزواج من الكتابيات وفق المذاهب الفقهية الأربعة والتركيز على الرأي الراجح في المسألة بناء على الأصول الشرعية المعتمدة عند الفقهاء في المسألة.
  • التعرف على آثار الزواج بالكتابيات على كل من تربية الأولاد وأخلاقيات ومبادئ الإسلام لدى الأسرة والمجتمع على العموم.
  • الرغبة بتوعية المجتمع بخطورة الزواج من غير المسلمات، والعمل على ترشيدها أن وقعت وفق ضوابط شرعية.
  • مساعدة الأزواج في الحصول على المعلومات الإسلامية التي تؤدى إلى حل المشاكل المؤرقة في المجتمع وتساعد على تربية الأولاد تربية رشيدة وسليمة.

الدراسات السابقة:

  • لقد وجدت عددا من الأبحاث التي لها علاقة بموضوع بحثي، غير أن كلا منها يدرس البحث من ناحية تختلف عن دراستي للبحث، وكما أن البعض منها عبارة عن موضوعات صغيرة نوقشت في مؤتمرات ولكنها تختلف عن موضوع بحثي وكيفية دراستي للموضوع، منها (حكم زواج المسلم بالكتابيات للأهدل) وهو يدرس الحكم الفقهي للمسألة دون التعرض لأثرها والدوافع التي دعت الشباب المسلم إليها. ومنها (الهجرة إلى بلاد غير المسلمين، حكمها ضوابطها وتطبيقاتها لابن عامر)، والهجرة إلى غير بلاد المسلمين، حكمها وآثارها المعاصرة لأبي عليان) وهي تدرس موضوع الهجرة عموماً دون التفصيل في جزئية الزواج بالكتابيات التي هي صلب دراستي للمسألة. ومنها مراحل إباحة نكاح الكتابيات والحكمة من الزواج بهن (مركز الفتوى من موقع الكتروني)، وهي فتوى تدرس المسألة من ناحية الافتاء بها ضمن الحاجة الملحة، ومنها زواج المسلم من الكتابيات (حقائق وضوابط) وهي عرض للمسألة بذكر آراء الفقهاء في المسألة من الدكتور يوسف القرضاوي، وغيرها من الدراسات الكثيرة المتعلقة بأحكام الهجرة، وفقه الأقليات، واختلاف الدين، واختلاف الدارين، التي لها علاقة بدراستي إلا أنها بعيدة عن صلب المسألة ومشكلتها.

منهج البحث:

تقوم الدراسة على أسلوب المنهج الفقهي المقارن الذي يعتمد على عرض أقوال الفقهاء في المسألة، وذلك بتجميع الدراسات والأبحاث النظرية المتعلقة بها وإسقاطها على واقعنا اليوم، وذلك من خلال البنود الآتية:

  • رتبت الأحكام حسب التسلسل الزمني لها في جميع المسائل، كما رتبت الأدلة على نسق ترتيب الأحكام.
  • التزمت بتعريف المصطلحات الفقهية اللغوية من مصادرها المعتمدة.
  • توثيق المصادر والمراجع في الحواشي مبتدئةً بذكر اسم المؤلف، ثم اسم الكتاب وفق منهج التوثيق الكامل عند ذكر المرجع لأول مرة، ثم وثقت للمرجع كاملاً في فهرس البحث مبتدئةً باسم المؤلف، ثم اسم الكتاب حسب الحروف الهجائية.
  • عزوت الآيات إلى مواقعها في السور، بذكر اسم السورة، ورقم الآية، وتوضيح وجه الدلالة.
  • خرجت الأحاديث النبوية والآثار مع الإحالة إلى كتبها، وتوضيح وجه الدلالة ما أمكن؛ ثم حكمت على الأحاديث لبيان درجة صحتها أن لم تكن في الصحيحين؛ وذلك للإفادة منها في الاستدلال.

خطة البحث:

بتوفيق من الله، قمت بكتابة هذا البحث، وفق خطة تتألف من:

مقدمة، وثلاثة مطالب، وخاتمة.

المقدمة: وتشتمل على طبيعة الموضوع، وأهميته، وأسباب اختياره، وأهدافه، والدراسات السابقة، ومنهج البحث، وخطته.

وأما المطالب الثلاثة فهي:

المطلب الأول: التعريف بالكتابية وما يتعلق بها.

المطلب الثاني: دوافع الزواج من الكتابيات.

المطلب الثالث: الحكم الفقهي للزواج بالكتابية وحكمته.

الفرع الأول: آراء الفقهاء في حكم الزواج بالكتابية وأدلتهم.

الفرع الثاني: حكمة الزواج من الكتابيات.

المطلب الرابع: الآثار المترتبة على الزواج بالكتابيات بين الماضي والحاضر.

أما الخاتمة:

فتتضمن أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث، مع الإشارة إلى بعض التوصيات التي رأيت عرضها للعمل بها.

وفي ختام هذا التقديم أسأل الله التوفيق فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، وأرجو من الله العفو والغفران، ومن أساتذتنا النصح والإرشاد، والله الهادي إلى سبيل الرشاد.

المطلب الأول: التعريف بالكتابية وما يتعلق بها.

لا بد قبل الشروع بمعرفة حكم الزواج من الكتابية من الإشارة إلى مدلول الكتابية وضابط مفهوم الكتابية والتفريق بينها وبين أهل الذمة، هذا ما سيتم شرحه في هذا المطلب بتوفيق الله تعالى.

يعد لفظ أهل الكتاب الذي ذكره القرآن وجاء في السنة النبوية الشريفة دالا على اليهود والنصارى تمييزاً لهم عن عبدة الأوثان، وذلك لأن لهم كتباً منزلة هي التوراة والزبور والإنجيل، وهم وإن كانوا يتناقلونها مبدلة عن أصولها إلا أن اعترافهم بها يجعل لهم مكانا ممتازا بالنسبة لعبدة الأوثان ([1]).

يقول ابن قدامه المقدسي فيهم: وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم هم أهل التوراة والانجيل، قال تعالى:”أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا”([2]). فأهل التوراة اليهود والسامرة وأهل الانجيل النصارى ومن وافقهم في أصل دينهم من الافرنج والأرمن وغيرهم ([3]).

ويقيد صاحب المجموع أهل الكتاب باليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قبل التبديل فيقول: ومن دخل في دين اليهود والنصارى بعد التبديل لا يجوز للمسلم أن ينكح حرائرهم ولا أن يطأ إماءهم بملك اليمين لأنهم دخلوا في دين باطل فهم كمن ارتد من المسلمين ومن دخل منهم ولا يعلم أنهم دخلوا قبل التبديل أو بعده كنصارى العرب وهم تنوخ وبنو تغلب وبهراء لم يحل نكاح حرائرهم ولا وطء إمائهم بملك اليمين لأن الأصل في الفروج الحظر فلا تستباح مع الشك ([4]).

كما أشار إلى هذا القيد صاحب البحر الزخار حيث قال: ومن أجاز نكاح الكتابية فإنما أراد إذا انتسبت إلى إسرائيل ولم تبدل ولم تفعل ما يخرم الذمة ([5]).

ولم يكن المحدثون أقل تعمقا في هذا الأمر ولا أقل تشددا فيه من الفقهاء، فقد جاء في شرح السنة ما نصه: فأما اليهود والنصارى فمن كان منهم من نسل بني اسرائيل فأجمعوا على حل مناكحتهم وذبائحهم لقول الله عز وجل:” وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ([6]) فأما من دخل في دينهم من غيرهم من المشركين، ننظر أن دخلوا فيه قبل النسخ وقبل التبديل يقرون بالجزية، وفي حل مناكحتهم وذبائحهم اختلاف فأصح الأقوال حلها، وإن دخلوا فيه بعد النسخ أو بعد التبديل فلا يقرون بالجزية ولا تحل مناكحتهم وذبائحهم، ومن شككنا في أمرهم أنهم دخلوا فيه بعد النسخ أو بعد التبديل أو قبله تؤخذ منهم الجزية ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم([7]).

ويظهر أن هذا التفصيل هو ما كانت عليه الفتيا عند العلماء من السلف الصالح، فقد ورد في فتاوي شيخ الإسلام أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري المتوفى سنة 926هـ، أنه سئل عن رجل أراد أن يتزوج امرأة نصرانية لم تعلم هي ولا أحد من أهل دينها أن آباءها دخلوا في دينها قبل النسخ والتبديل أو بعدهما، فهل يحل له ذلك أو لا؟ وإذا قلتم بهذا فتزوجها ودخل بها فهل يلزمه الحد أو لا؟ فأجاب: بأنه لا يحل له أن يتزوجها والحالة هذه ما لم تكن اسرائيلية، فإن تزوجها ودخل بها عالما بالتحريم لزمه الحد والله أعلم ([8]).

وقد اختلفت كلمة الفقهاء كذلك فيمن كان يؤمن بغير التوراة أو الانجيل، كالذين يؤمنون بزبور داود وصحف ابراهيم وشيت، فذهب الحنفية إلى اعتبارهم أهل كتاب تحل نساؤهم كما أشار إلى ذلك ابن الهمام وابن عابدين وغيرهم ([9]).

بينما ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن أولئك ليسوا بأهل كتاب على الصحيح فلا تحل نساؤهم ولا ذبائحهم وقد، عللوا ذلك بعلتين إحداهما: أن تلك الكتب ليس فيها أحكام وإنما هي مواعظ فلم تثبت لها حرمة، والثانية: أنها ليست من كلام الله سبحانه وتعالى وإنما كانت وحيا منه وقد يوحى ما ليس بقرآن كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” أتاني جبريل يأمرني أن أجهر ببسم الله الرحمن الرحيم” ولم يكن ذلك قرآنا وكلاما من الله تعالى، هكذا ذكره الشيخ أبو حامد وأفاده العمراني ([10]).

وزعمت دائرة المعارف الإسلامية بأن الإسلام قد وسع من أول الأمر مدلول لفظ أهل الكتاب فجعله أكثر شمولا من مدلوله الأول، واعتمد المسلمون على القصة التي تقول: أن محمدا أخذ الجزية عن مجوس هجر (البحرين) فقالوا: أن المجوس يدخلون في أهل الكتاب، وأفلح وثنيو حران أيام المأمون في إقناع المسلمين بأنهم الصائبة الذين ورد ذكرهم كثيرا في القرآن بين الأمم المؤمنة، وأن لهم كتبا منزلة جاءهم بها أنبياء خلوا من قبل، وفي القرن الرابع عشر الميلادي أباح أحد أمراء المسلمين في الهند للصينيين أن يكون لهم بيت يعبدون فيه الأصنام في أرض المسلمين مقابل دفعهم للجزية، وما كان مثل هذا التوسع ليتم إلا بازدياد التسامح الديني، أما المسألتان اللتان أشرنا إليهما من قبل، وهما المتعلقتان بطعام أهل الكتاب والزواج منهم فلم تكونا موضع بحث قط بالنسبة لغير أهل الكتاب الحقيقيين([11]).

وليس غريبا أن نجد مثل هذا في دائرة المعارف الإسلامية، ولكن الأغرب هو ما ذهب إليه صاحب تفسير المنار الذي توسع في مفهوم أهل الكتاب توسعا لم يقل به أحد من السلف الصالح، فقد ذكر ملخصا لفتوى مفادها أن المشركات اللاتي حرم الله نكاحهن في آية البقرة هن مشركات العرب، وهو المختار الذي رجحه شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، وأن المجوس والصابئين ووثني الهند والصين وأمثالهم كاليابانيين أهل كتب مشتملة على التوحيد الآن، والظاهر من التاريخ ومن بيان القرآن أن جميع الأمم بعث فيها رسل، وأن كتبهم سماوية طرأ عليها التحريف كما طرأ على كتب اليهود والنصارى التي هي احدث عهدا في التاريخ، وإن المختار عندنا أن الأصل في النكاح الاباحة([12]).

لذلك ورد النص بمحرمات النكاح، وأن قوله تعالى بعد بيان محرمات النكاح:” وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذلكم”([13]) يفيد حل نكاح نسائهم، فليس لأحد أن يحرمه إلا بنص ناسخ للآية أو مخصص لعمومها، وقد بينا في تفسير الآية التي نحن بصدد تفسيرها هنا، أن الناس أخذوا بمفهوم اهل الكتاب وخصصوا أهل الكتاب باليهود والنصارى، وهذا مفهوم مخالفة منع الجمهور الاحتجاج به في اللقب، ولكن جرى العمل على هذا لأنه موافق للشعور الذي غلب على المسلمين في أول نشأتهم بعزة الإسلام وغلبته وظهور انحطاط جميع المخالفين له عن أهله، ولهذا مال بعض المؤلفين إلى تحريم نكاح الكتابيات، المنصوص على حله في آخر سور القرآن نزولا، فمنهم من تأول النص بأن معنى (أوتوا الكتاب من قبلكم) عملوا به قبل الإسلام أو دانوا به قبل التحريف، وهو تأويل ظاهر الفساد لا يصح لغة، فإن معنى أوتوه من قبلنا أعطوا أي أنزله الله عليهم، والمفسرون متفقون على هذا المعنى في كل مكان ورد فيه هذا اللفظ([14]).

أما أهل الذمة:

فالذمة في اللغة: مأخوذة من الذمام وهي الحرمة، أو ما يذم به الرجل على اضاعته من العهد، وتفسر الذمة بالعهد وبالأمان وبالضمان، قال أبو عبيد: الذمة الأمان في قوله عليه السلام “ويسعى بذمتهم أدناهم” وسمي المعاهد ذميا بنسبته إلى الذمة ([15]). ولا شك في أن المعنى الشرعي للذمة له علاقة وثيقة بالمعنى اللغوي، حيث إن إخلاف الوعد وعدم الضمان إنما هي من الأمور التي يذم بها الرجل.

أما الذمة في الاصطلاح: فقد عرفها الجرجاني : بأنها وصف يصير الشَّخص به أهلاً للإيجاب له وعليه([16]“.(كما إذا عاهدنا الكفار وأعطيناهم الذمة ثبت لهم وعليهم حقوق المسلمين في الدنيا، وهذا هو العهد الذي جرى بين الله تعالى وعباده يوم الميثاق ([17]). وقد تعرض الأستاذ مصطفى الزرقا إلى معنى الذمة عند الفقهاء والأصوليين ونقد كثيراً من التعاريف الواردة في كتبهم وخلص إلى تعريفها بقوله: هي محل اعتباري في الشخص تشغله الحقوق التي تتحقق عليه ([18]).

وجاء في دائرة المعارف الإسلامية أن الذمة هي العهد الذي يعطى للقوم الذين يدخلون في الإسلام عند فتح المسلمين لبلادهم ولا يسترقون ويؤمنون على حياتهم وحريتهم ثم على أموالهم، ومن ثم يسمون أهل الذمة أو الذمة أو الذميين شريطة أن يبذلوا الجزية ويلتزموا أحكام الملة ([19]).

المطلب الثاني: دوافع الزواج من الكتابيات.

إن المتفحص في واقعنا الاجتماعي المعاصر لا يعدم تبريراً من المبررات التي تحمل هذا أو ذاك على الزواج من الأجنبيات من نساء أهل الكتاب، حيث إن الدوافع وراء ذلك كثيرة يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

أولاً: الشعور بتخلف المرأة المسلمة في مختلف جوانب الحياة عن المرأة الكتابية في أوروبا وأمريكا وغيرها من بقاع الأرض، ووصف تلك المرأة بأنها جاهلة متخلفة لا تعرف شيئا من (الإتيكيت)، وهي بالتالي لا تصلح لأن تكون شريكة حياة للرجل المثقف العربي المسلم الذي تلقى تعليمه وسلوكه في الغرب، الأمر الذي يحمله على الزواج من المرأة الغربية ظنا منه انها أقدر على ترتيب منزله ومنزلته وأمهر في استقبال الضيوف وابداء الابتسامة في وجوههم والتعامل معهم سواء مع وجود الزوج أو مع عدم وجوده، دون النظر إلى العواقب والنتائج التي سرعان ما تظهر علاماتها بعد قضاء الوطر وانطفاء ثورة الشهوة والعاطفة مع تلك المرأة المشبعة بالحرية والنظرة العلوية على زوجها وعلى غيره من أفراد أسرته ومجتمعة وأمته، مما يجعل الزوج يغض الطرف في كثير من الحالات عن كل أمر يخالف الشرع أو يتعارض مع الأعراف والتقاليد والبيئة العامة ويذهب كل مذهب في تبرير تصرفات تلك الزوجة وهو في داخله في صراع مرير على أحسن الأحوال.

ثانياً: الشعور بعقدة النقص التي زينت لنا كل جديد وغريب من غير أن نعرض ذلك على عقيدتنا وثقافتنا، وذلك نتيجة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية رتبها الاستعمار في بلادنا خلال فترة الاحتلال العسكري مع الاعتراف بدور الاعلام على اختلاف انواعه وأساليبه التي اقتحمت ساحة الأمة وأصبحت جزءا لا يتجزأ من العملية التربوية التي تصقل أذهان شبابنا وشاباتنا، وبخاصة حين تفقد الأمة الثقة بنفسها وحضارتها وتاريخها، وتتحول إلى كل جديد ومحدث ظنا منها أن فيه النهوض والتقدم والازدهار والبعد عن التخلف والجمود والرجعية، وهذه هي طبيعة الروح المهزومة التي تدفع بالمغلوب للأخذ من الغالب والاعتراف والتسليم الكلي بالفوقية للغالب في جميع جوانب الحياة، ولم يسلم عقد الزواج والأسرة وظروف الحياة العائلية من هذه النظرة التي غزتنا في عقر دارنا.

ثالثاً: وسائل الاعلام بمختلف أنواعها وما تقوم به من الدعاية المعلنة بعناوين بارزة فيما يسمى بركن التعارف بين الجنسين مدعمة ذلك بالصور والمعلومات الكاملة عن كل طرف.

وعلى سبيل المثال نذكر ما بعثت به إحدى الوكالات الأوروبية إلى دول الخليج بخاصة وإلى شباب الأمة الإسلامية بعامة ونشرته جريدة المدينة المنورة ([20]) محذرة من الوقوع في شباك هؤلاء الأعداء، وهو منشور يدعو للزواج من أوروبيات” من الجنس الأبيض” وتسهل فيه أمر اللقاء بصورة تغري شباب الإسلام، وتوقعهم في شباك المرأة الغادرة الكافرة، فينزلق بعض الشباب لا سيما ذوو الثراء منهم، في مثل هذه التيارات الوافدة فيتزوجون من أجنبيات غريبات عن الوطن الإسلامي، بحجة أن الدين أباح الزواج من الكتابيات.

وقد كان لوجود عدد كبير من شبابنا وشاباتنا في دول الغرب من أجل الدراسة في الغالب الأثر الأكبر في تنشيط مثل هذه المؤسسات والدعايات ونجاحها بصورة منقطعة النظير، وبخاصة إذا ما قارن المرء بين الواقع الذي يعيشه هؤلاء الشباب في بلاد الغرب وبين الواقع الذي خرجوا منه في بيئتهم المحافظة، وقد أصبح الآن أكثر سهولة في أيامنا هذه بعد انتشار وسائل الاتصال الانترنت بواسطة الكمبيوتر، لما في هذه الأجهزة من تقنية عالية وسهولة اتصال وسرعة في اتخاذ القرار أو تبادل الآراء والأفكار، في ظل غياب الرادع الديني وشيوع القوانين الوضعية الغربية التي لم تعد ترى في ارتكاب الحرام إلا نوعا من التقدم والحرية طالما سعت المرأة والرجل – إلا من – رحمه الله-– إلى تحقيقه وإذكاء دافع الاتصال الجنسي، من خلال التبرج وزج المرأة في كثير من مجالات الحياة استغلالا لأنوثتها بمختلف الأساليب وإبعاد الشباب عن الارتباط بالمسلمات من بنات وطنه وأمته.

رابعاً: غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج، والمنافسة الخطيرة التي تقع بين الجاهلين سواء كان ذلك في المظاهر كالأثاث والصالات والصالونات والسيارات، أو في مقدار المهر المدفوع أو المؤجل أو التوابع ظنا منهم بأن الزواج صفقة تجارية تقاس بالربح والخسارة ناسين أو متناسين قول الرسول صلى الله عليه وسلم:

“إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”([21]). وليس هناك من فساد ولا فتنة أكبر مما نشاهده اليوم من القضايا المعروضة في المحاكم الشرعية بصورة لم يسبق لها مثيل من قبل، هذا إضافة إلى انتشار الفواحش والأمراض المزمنة التي لم تكن في أسلافنا، وتفكك الأسر والعلاقات الاجتماعية القائمة أصلا على المودة والرحمة، بينما هي فعلا وواقعا تقوم على الكراهية والحسد وعضل الأولياء وتقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة[22].

المطلب الثالث: الحكم الفقهي للزواج بالكتابية وحكمته.

 الفرع الأول: آراء الفقهاء في حكم الزواج بالكتابية وأدلتهم.

لابد قبل ذكر أقوال الفقهاء في المسألة من ذكر تحرير محل النزاع حول الخلاف ليتم ضبط اختلاف الفقهاء في المسألة المراد بحثها، ومن ثم عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم، هذا ما سيتم بحثه في المطلب الآتي بتوفيق الله تعالى.

أولا: تحرير محل النزاع في المسألة.

ليس بين أهل العلم اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب، إلا أنهم اختلفوا في هذا الحل هل هو مطلق أو مقيد؟

وعليه فإن آراءهم وردت متباينة نظراً لاختلافهم في فهم معنى المحصنات وهل هو الحرية أو العفة أو الإسلام؟

فضلاً على ما انبنى على ذلك من جواز النكاح من أهل الكتاب أو عدم الجواز؟ إضافة إلى ما فهمه بعضهم من معنى كلمة الشرك، وأنها تنطبق على كثير ممن يسمون بأهل الكتاب في زمن الرسالة إلى يومنا هذا.

ثانياً: آراء الفقهاء في المسألة.

اختلف الفقهاء في حكم الزواج بالكتابيات إلى أربعة أقوال:

أولاً: مما لا خلاف فيه بين أهل العلم حلّية حرائر نساء أهل الكتاب وقد روي ذلك عن سيدنا عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر رضوان الله عليهم وغيرهم ([23]) حيث نقل ابن قدامة المقدسي عن ابن عمر المنذر قوله: ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، ونقل الشوكاني أن السلف لم يظهر بينهم خلاف في جواز نكاح الكتابيات، ولا أنكر أحد منهم على فاعله ([24]).

ثانياً: ما ذهب إليه الشيعة الإمامية من تحريم الزواج بالكتابية على سبيل الدوام وإن كانوا أجازوه على سبيل المتعة، فقد ذكر الطبرسي أن أصحابه قالوا: لا يجوز عقد نكاح الدوام على الكتابية. ([25]).

وقد روى مثل هذا الرأي عن ابن عمر أنه سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال: أن الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين ولا أعلم من الإشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة: ربها عيسى وهو عبد من عباد الله ([26]).

ثالثاً: ما ذهب إليه ابن عباس من التفريق بين نوعين من نساء أهل الكتاب، حيث أباح حرائر أهل الكتاب الذين أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وحرم نكاح حرائر أهل الكتاب الحربيات ممن لم يعطوا الجزية. ([27]).

رابعاً: ما ذهب إليه الأئمة الأربعة من الكراهة من تزوج الكتابيات وأنه خلاف الأولى، مع صرف هذه الكراهة إلى التنزيه دون التحريم، إلا ما ذكره ابن عابدين من الحنفية بأن كراهة تزوج الحربية من أهل الكتاب إنما هي تحريمية. ([28]).

والجميع متفقون على أن كراهة الزواج من الحربية أشد من كراهة الزواج بالذمية ذات العهد.

هذا واختلافهم في الحكم مبني على اختلافهم في معنى الإحصان: فقال أبو بكر الجصاص: وهو رأي مروي عن الحسن والشعبي وإبراهيم والسدي أنهن العفائف.

وذكر ابن جزيء أن الإحصان له أربعة معان: الإسلام والتزوج والعفة والحرية ويحتمل هنا العفة والحرية، فمن حمله على العفة أجاز نكاح المرأة الكتابية سواء كانت حرة أم أمة، ومن حمله على الحرية أجاز نكاح الكتابية الحرة ومنع الأمة وهو مذهب الإمام مالك ([29]).

ونقل ابن قيم الجوزية عن القاضي إسماعيل قوله: يقع الإحصان على العفة ويقع على الحرية،

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن الإحصان بمعنى الحرائر ([30]).

ثالثاً: الأدلة والترجيح.

الأدلة: استدل الفقهاء لعموم حلية حرائر نساء أهل الكتاب، بقوله تعالى:” اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم”([31])

بينما استدل ما ذهب إليه الشيعة الإمامية من تحريم الزواج بالكتابية على سبيل الدوام دون المتعة، بقوله تعالى:” ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن” ولقوله:” ولا تمسكوا بعصم الكوافر” وأولوا هذه الآية بأن المراد بالمحصنات من الذين اوتوا الكتاب اللاتي أسلمن منهن، والمراد بالمحصنات من المؤمنات اللاتي كن في الأصل مؤمنات بأن ولدن على الإسلام، وذلك أن قوما كانوا يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر فبين سبحانه وتعالى أنه لا حرج في ذلك، فلهذا أفردهن بالذكر، حكى ذلك أبو القاسم البلخي، قالوا ويجوز أن يكون مخصوصا أيضا بنكاح المتعة وملك اليمين فإن عدنا يجوز وطؤهن بكلا الوجهين([32]). وجاء في البحر الزخار النص بالتحريم حيث قال: ويحرم على المسلم كل كافرة ولو كتابية ([33]).

وقد روى مثل هذا الرأي عن ابن عمر أنه سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال: أن الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين ولا أعلم من الإشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة: ربها عيسى وهو عبد من عباد الله ([34]).

كما استدل ما ذهب إليه ابن عباس من التفريق بين نوعين من نساء أهل الكتاب، حيث أباح حرائر أهل الكتاب الذين أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وحرم نكاح حرائر أهل الكتاب الحربيات ممن لم يعطوا الجزية. بقوله تعالى:” قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ”([35]) قال الحكم: حدثت بذلك إبراهيم فأعجبه ([36]).

وقد رجح هذا الرأي ومال إليه الجصاص – رحمه الله- حيث قال: ومما به لقول ابن عباس قوله تعالى:” لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ”([37]) والنكاح يوجب المودة بقوله تعالى:” خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ”([38]) فينبغي أن يكون نكاح الحربيات محظوراً، وهذا ما ذهبت إليه الإباضية من الخوارج حيث أورد مفسرهم قول ابن عباس ثم قال وهذا مذهبنا ([39]).

كما علل ما ذهب إليه الأئمة الأربعة من الكراهة من تزوج الكتابيات وأنه خلاف الأولى، مع صرف هذه الكراهة إلى التنزيه دون التحريم، إلا ما ذكره ابن عابدين من الحنفية بأن كراهة تزوج الحربية من أهل الكتاب إنما هي تحريمية بكونه فتحاً لباب الفتنة الحاصلة من إمكان التعلق المستدعي الاقامة في دار الحرب، وتعرض الولد للتخلق بأخلاق أهل الكفر إضافة إلى ما فيه من إلحاق الضرر بالمسلمات، بينما عللت الكراهة التنزيهية بكون نساء أهل الكتاب يأكلن الخنزير ويشربن الخمر ويذهبن إلى الكنائس – وليس للزوج منعهن من ذلك – ثم يضاجعها الرجل ويقبلها وهي على تلك الحال، وربما تلد له وترضع وتطعم ولده الحرام وتسقيه الخمر، وتربيه على دينها، وتدس له في قلبه ما يتمكن منه دون مبالاة باطلاع أبيه، كما يمكن لها أن تموت وهي حامل فتدفن في مقبرة الكفار وهي حفرة من حفر النار([40]).

هذا وقد استدلوا على فهمهم لمدلول كلمة الإحصان لغوياً بما قاله البكري: امرأة حصان وحاصن أي عفيفة ومحصنة بكسر الصاد أحصنت فرجها وبالفتح أحصنها زوجها: وقال المقري: والمرأة محصنة بالفتح على غير قياس ومنه قوله تعالى:” والمحصنات من النساء” أي ويحرم عليكم المتزوجات وأما أحصنت المرأة فرجها إذا عفت فهي محصنة بالفتح والكسر ومنه قوله تعالى:” والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم” والمراد الحرائر، وقال ثعلب: كل امرأة عفيفة فهي محصنة وكل امرأة تزوجت فهي محصنة بالفتح لا غير([41]) وذكر ابن جزي أن الإحصان له أربعة معان: الإسلام والتزوج والعفة والحرية، فأما الإسلام فلا يصح هنا لقوله من الذين أوتوا الكتاب، وأما التزوج فلا يصح هنا لقوله من الذين أوتوا الكتاب، واما التزوج فلا يصح أيضا لأن ذات الزوج لا تحل لغيره، ويحتمل هنا العفة والحرية، فمن حمله على العفة اجاز نكاح المرأة الكتابية سواء كانت حرة أم امة، ومن حملة على الحرية اجاز نكاح الكتابية الحرة ومنع الأمة وهو مذهب مالك([42]).

واستدل أبو بكر الجصاص: على أنهن العفائف، بما روى عن عمر ما يدل على أن المعنى عنده ذلك وهو ما حدثنا جعفر عن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر عن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا محمد بن زيد عن الصلت بن بهرام عن شفيق بن سلمة قال: تزوج حذيفة بيهودية فكتب إليه عمر أن خل سبيلها، فكتب إليه حذيفة: أحرام هي؟ وكتب إليه عمر: لا، ولكنني اخاف أن تواقعوا المومسات منهن، قال أبو عبيد يعني العواهر، فهذا يدل على أن معنى الإحصان عنده ههنا كان على العفة، وقال مطرف عن الشعبي: إحصان اليهودية والنصرانية تغتسل من الجنابة وأن تحصن فرجها.

واستدل ابن قيم الجوزية على أنه معناه يقع على العفة ويقع على الحرية، وإنما أريد بهذا الموضع الحرية، ثم قال: وصح عن مجاهد(والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) قال: هن العفيفات، قالوا: لو طولبتم بموضع واحد من القرآن أريد بالإحصان فيه الحرية لا يصلح لغيرها لم تجدوا إليه سبيلاً، والذي اطرد مجيىء القرآن به بهذه اللفظة شيئان: العفة والتزويج، أما الإسلام والحرية فلم يتعين إرادة واحد منهما باللفظ، وقولكم إنه لو أريد به العفة لما جاز التزوج بالكتابية ولا بالمسلمة إلا بعد ثبوت عفتها، وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة في غير موضع، والناس إذا اجتهدوا في تعيير الرجل قالوا: زوج بغي، ومثل هذا فطرة فطر الله عليها الخلق ولا تأتي شريعة بإباحته، والبغي خبيثة والله سبحانه وتعالى حرم الخبائث من المناكح كما حرمها من المطاعم([43]).

والذي أميل إليه وأرجحه هو تفسير المحصنات بالعفيفات وذلك للأمور التالية:

  1. أن الله عز وجل ذكر في سورة النساء المحرمات ثم قال في تذييل الآية:” وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ”([44]) فجعل الإحصان في مقابلة السفاح مما يدل على أنه أراد نكاح العفيفات لا المومسات، وقبل هذا قوله تعالى:

” وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ أن أَرَدْنَ تَحَصُّناً”([45]).

  1. أن الله عز وجل قال في سورة النور:” الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ”([46]) لأن إباحة الزواج قد علقت على الإحصان الذي ذكرناه، فإذا انتفى الشرط انتفت الاباحة، والمتزوج إما أن يلتزم حكم الله وشرعه الذي شرعه على لسان رسوله أو لا يلتزمه فإن لم يلتزمه، فهو مشرك لا يرضي بنكاحه إلا من هو مشرك مثله، وإن التزمه وخالفه ونكح ما حرم عليه لم يصح النكاح فيكون زانيا.
  2. أن الله عزو جل ذكر في سورة النور أيضا بعد حديثه عن قصة الإفك أن الخبيثات للخبيثين وأن الخبيثين للخبيثات، ولا يمكن أن يكون هذا الخبث ناتجا عن نكاح الأمة المسموح به، بل الذي حرمته الآية من سياقها الزنا لما فيه من فساد فراش الزوجية وفساد النسب، ولا يقبل أحد من العقلاء أن يتزوج زانية زنت بالأمس ثم يطؤها بعد ذلك بليلة أو ليلتين بحجة أن ماء الزنا لا حرمة له، ثم كيف يقبل لمائه أن يختلط بماء الزاني في رحم واحدة؟ ([47]).
  3. أن النكاح مع وجود الرق أمر مباح شرعا ولم تتفق كلمة العلماء على تحريمه، بينما النكاح مع وجود عدم العفة أمر محرم بنص القرآن لا خلاف فيه، وهذا ما لا يليق ولا يتناسب مع أوامر ونواهي هذه الشريعة الكاملة، حيث إن الطهارة مما لا يتقبله الزناة والمسافحون ومتخذو الأخدان، إلا ترى قول قوم لوط:” أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ”([48]) مما يؤكد بأن العفة والايمان صنوان لا يفترقان وأن الكفر وعدم العفة أمران يستويان في الخبث والبعد عن الله، ولذلك أفتى جابر بن عبد الله وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري، بأن الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها فإنه يفرق بينهما وترد عليه ما بذل لها من المهر([49]).

الفرع الثاني: حكمة الزواج من الكتابيات.

بنى الله عز وجل الزواج على قاعدتي المودة والرحمة، والتي ذكر فيهما المفسرون أقوالا كثيرة لا تخرج بمجموعها عن تحقيق المصلحة المقصودة من الزواج، وعدم التفريط في هذا العقد والميثاق الغليظ الذي ارتبط به الزوجان، وقد حدد الشارع الكريم النساء اللواتي يمكن معهن للرجل المسلم أن يحقق ما ذكرناه، فما من خلاف في أن المرأة المسلمة ذات الدين، هي أعلى أولئك النسوة اللواتي بمقدورهن المحافظة على سلامة الأسرة والعناية بها، وبما ينشأ عنها من الذرية والأموال والقرابة والتواصل والمصاهرة وغير ذلك، مما هو معلوم ومفهوم من حرصه صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى اختيار ذات الدين:” فأظفر بذات الدين تربت يداك”([50]).

ومن هنا فإن الأصل ألا يجوز للمسلم نكاح الكافرة لأن الزواج بالكافرة والمخالطة معها مع قيام العداوة الدينية لا يحصل السكن والمودة الذي هو قوام مقاصد النكاح ([51]).

ولأن المرأة أن كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها وفرجها، أزرت بزوجها وسودت بين الناس وجهه فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ومحنة، وإن سلك سبيل التساهل كان متهاونا بدينه وعرضه ومنسوبا إلى قلة الحمية والأنفة، وإذا كانت مع الفساد جميلة كان بلاؤها أشد، إذ يشق على الزوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها ([52]).

هذا شأن قليلة الدين فما بالك بالكافرة التي تستهجن ما نفعله وتستقبح ما نستحسنه، فلا دين لها ترعاه ولا إيمان لها يأمرها بمعروف أو ينهاها عن منكر، فهي بلا وازع ولا رادع، لا يضبط تصرفها شرع، ولا يقف في تعاملها عند حد، فتفسد على الرجل عيشه وسكنه وماله ورحمه، وتوجه الولد إلى كل قبيح مرفوض إرضاء لغيها وجلبا للولد إلى صفها، فإن تكلم الزوج لطم وإن سكت أثم، ولا يمكن تصور الحياة الهادئة الهادفة في ظل ما يتمسك به كل من الطرفين وهما على طرفي نقيض، فهو يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره، وهي تعبد غير ذلك من الكواكب أو الأجرام السماوية التي لا تضر ولا تنفع، فإن سكت الرجل على ذلك كان تهاونا في دينه وقبولا للمنكر في بيته وهو صاحب القوامة والراعي المسؤول عن رعيته، وان استهواه جمال المرأة ولين طباعها ضيع دينه أو اوشك على ذلك وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:” أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إلى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إلى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ”([53]) وقد يدعي مدع: أن هذه الأمور سوف لا تقع وأن الرجل لن يستسلم لمثل ذلك، إلا أنه لما كان السر في نكاح المشركات في الأصل ما يخشى من الفتنة، وكانت الفتنة وإن علا الدين ورسخ الايمان واليقين لم تنزل عن درجة الامكان([54]).

فقد بقى الحكم على التحريم امتثالا لأمره تعالى:” وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ”([55]) وقد وضح هذا المعنى الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره حين قال: ليس المراد بالزوجية قضاء الشهوة الحسية فقط، وإنما المراد بها تعاقد الزوجين على المشاركة في شؤون الحياة والاتحاد في كل شيء، وإنما يكون ذلك بكون المرأة محل ثقة الرجل يأمنها على نفسه وولده ومتاعه، عالما أن حرصها على ذلك كحرصه، لأن حظها منه كحظه، وما كان الجمال الذي يروق الطرف ليحقق في المرأة هذا الوصف، ولكن قد يمنعه التباين في الاعتقاد الذي يتعذر معه الركون والاتحاد، والمشركة ليس لها دين يحرم الخيانة ويوجب عليها الأمانة ويأمرها بالخير وينهاها عن الشر، فهي موكلة إلى طبيعتها وما ترتب عليه في عشيرتها، وهو خرافات الوثنية وأوهامها وأماني الشيطان وأحلامها، فقد تخون زوجها وتفسد عقيدة ولدها، فإن ظل الرجل على إعجابه بجمالها كان ذلك عونا لها على التوغل في ضلالها وإضلالها([56]).

أما الكتابية فليس بينها وبين المؤمن كبير مباينة، فإنها تؤمن بالله وتعبده وتؤمن بالأنبياء، وبالحياة الأخرى وما فيها من الجزاء وتدين بوجوب عمل الخير وتحريم الشر، فأجاز إليه نكاحها رجاء إسلامها، لأنها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة، وإنما نقضت الجملة بالتفصيل بناء على أنها اخبرت عن الأمر على خلاف حقيقته، فالظاهر انها متى نبهت على حقيقة الأمر تنبهت وتأتى بالإيمان على التفصيل، على حسب ما كانت أتت به على الجملة، هذا هو الظاهر من حال التي بنى أمرها على الدليل دون الهوى، والطبع والزوج يدعوها إلى الإسلام وينبهها على حقيقة الأمر رجاء إسلامها ووصولها إلى هذه العاقبة الحميدة([57]).

وفي الجملة فإن إباحة الإسلام الزواج من الكتابيات يشتمل على حكم عدة يمكن تلخيصها بما يلي ([58]).

أولاً: أن في ذلك إزالة للحواجز وتقريبا للمسافة بين أهل الكتاب وبين الإسلام والمسلمين.

ثانياً: أن الزواج بالكتابيات نافذة يطل منها اليهود والنصارى على سماحة الإسلام وحسن رعايته للزوجات، يمكن من خلالها الدخول في الإسلام.

ثالثاً: ايجاد الألفة والمحبة بين الطرفين من خلال المصاهرة، الأمر الذي يحد من شدة العداء أو الصدام الدموي البغيض.

رابعاً: في ذلك تكثير لسواد المسلمين وتقليل لغيرهم حيث إن أولاد الكتابيات يتبعون الأب وليس الأم.

المطلب الثالث: الآثار المترتبة على الزواج بالكتابيات بين الماضي والحاضر.

لا بد لنا بعد هذا البحث والدراسة التي تجهمنا من أجلها عناء التقصي والاستقراء في بطون الكتب قديمها وحديثها خاصة من أن نشير إلى الآثار المترتبة على زواج المسلم بالكتابية، وأن الأمر ليس مجرد نزوة عابرة أو ضربة طائشة بل هو تقرير مصير وحياة أمة، يعود عليها بالخير أو الويل، فإلى أي مدى يمكن لنا أن نسمح بالزواج من نساء أهل الكتاب ونحن نعيش واقعنا المعاصر؟ وإن الاجابة عن هذا التساؤل لمن ضرورات الأحكام التي يجب أن يوضحها العلماء، ويعمل على تطبيقها الأمراء، فقد ذكرنا سابقا آراء جمهور الفقهاء في جواز الزواج من نساء أهل الكتاب، ولكن ذلك كان في زمان يختلف عن زماننا ورجال يختلفون عن رجالنا من حيث الالتزام والتقيد بأحكام الشريعة وطلب مرضاة الله، ولا أحد يستطيع الانكار بأن الرجال قد فقدوا القوامة إلا من رحمة الله، وأن الأمة قد ابتعدت عن أحكام الكتاب والسنة، وأن اليهود والنصارى لم يعودوا في ديار الإسلام أهل ذمة وعهد يدفعون الجزية، بل هم سادة وقادة ونواب ووزراء، وأن الدول التي تدين بالنصرانية أو اليهودية هي التي تتحكم في مقدرات وخيرات الأمة الإسلامية، وتفرض عليها ما تشاء من العقوبات وتحلل ما تشاء أو تحرم ما تشاء.

إضافة إلى أن المرأة الكتابية في هذه الدول تشعر بالاستعلاء والعنجهية على أي رجل مسلم من هذه الدول التي تفرش بساط الذل والخضوع والخنوع لدولتها؛ نصرانية كانت أو يهودية، فهل يمكن لزواج من هذا النوع أن يحقق مصالح الأمة وحكم الزواج المرجوة منه؟ وهل يمكن أن يكون هذا الزواج طريقا من طرق الدعوة، وبابا من أبواب الغزو الثقافي والحضاري الذي بإمكانه قلب معايير الأمور لصالح الإسلام والمسلمين؟

فليت الذين يتسابقون في التزوج بالأجنبيات من أهل الكتاب يتدبرون تلك المعاني التي من أجلها منع الفاروق بعض الصحابة من الإبقاء على زواجهن وحكم أكثر الفقهاء عليه بالكراهة، ليتهم يفكرون بعقولهم ولا يسيرون وراء هذا السراب الخادع ولا يغرنهم إسلام هؤلاء بعد الزواج أو قبله، فإنه إسلام ظاهري لغرض، ولا أدل على ذلك من أغلب هؤلاء حتى بعد إسلامهن الصوري يطبعهن بيوتهن بطابع غير إسلامي مما لا يخفى على أحد([59]).

وعليه فإنني أرى أن الزواج بنساء أهل الكتاب في وقتنا الحاضر إنما هو مكروه كراهة تحريمية، أي أنه للحرام أقرب منه للحلال، إلا في حالة الضرورة لأن المحبة الصادقة والتعاون الوثيق والأمن على دين الولد لا تتم إلا باتحاد الزوجين في الدين، وخاصة في هذا الزمن الذي قوي فيه سلطان النساء على الرجال، ولأن يعول المسلم بماله مسلمة خير من أن يعول غيرها ([60]).

هذا ويمكن دعم ما ذهبت إليه بالمؤيدات والاعتبارات التالية:

أولاً: أن هذا الزواج من الكتابيات محدد بمن كان لهم ذمة وعهد، ومعلوم أن أهل الكتاب اليوم لا ذمة لهم ولا عهد ولا يدفعون جزية ولا يلتزمون بشيء من الأوامر الشرعية التي يوجبها عليهم عهد الذمة، ليكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وقد أفتى شيوخ المغرب وعلماؤه أيام بني مرين بأن لا ذمة لليهود([61]) وهذا في أيام قوة الدولة الإسلامية فما بالك في أيامنا هذه وقد ضعفت الدولة وتفتت أشلاء ممزقة، وإذا كانوا كذلك أي بلا ذمة ولا عهد أو نقضوا العهد فإن حكمهم حكم الحربيين في بلاد الحرب حيث تكون أموالهم وذراريهم مستباحة للمسلمين.

ثانياً: أن أهل الكتاب الموجودين اليوم ليسوا من سلالة بني اسرائيل وغالبهم دان بهذه الملة بعد التحريف، وإن كثيرا منهم لا يلتزم باليهودية ولا النصرانية المحرفة، ففي استطلاع للرأي نشرته صحيفة الرأي نقلا عن صحيفة يدعوت أحرونوت الصهيونية، ذكرت فيه أن معهد سميث للاستشارات والأبحاث أجرى استطلاعا للرأي العام اتضح من خلاله أن 52% من الاسرائيليين يعتبرون أنفسهم علمانيين ([62])، فإذا كان هذا الوضع مع اليهود الذين يعتبرون من أشد شعوب العالم تعصبا وتمسكا بمعتقداتهم فما بالك بالنصارى.

ثالثاً: أن سيدنا عمر رضي الله عنه طلب من جميع الصحابة الذين تزوجوا بنساء من أهل الكتاب في أثناء الفتوحات الإسلامية تطليق أولئك النسوة، معللا ذلك بعدة أمور ذكرها العلماء في قصة أمره لحذيفة بأن يطلق زوجته اليهودية التي تزوجها أيام فتح العراق وبلاد فارس هي:

  1. إن في نساء الأعاجم خلابة وخداعا وإني لأخشى عليكم منه.
  2. إنها خمرة أو جمرة (أي المرأة الكتابية).
  3. أخاف أن تطيعوا المومسات منهن، وأخاف أن يقتدي بك المسلمون فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن، وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين.
  4. أخشى أن يقول الجاهل تزوج صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرة ويحلل الرخصة التي كانت من الله عز وجل فيتزوجوا نساء المجوس ([63]). وجميع هذه الأمور إما حرام، أو توصل إلى الحرام، وعلى المرء أن يتوخى الحذر من هذا وذاك.

رابعاً: أن زواج الصحابة الكرام من نساء أهل الكتاب بعد القادسية أو غيرها من المعارك إنما كان لعدم وجود المسلمات، فقد ذكر الامام مالك بن أنس عن أبي الزبير أنه سأل جابر ابن عبد الله عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال جابر: تزوجناهن زمان فتح الكوفة مع سعد بن أبي وقاص، ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيراً، فلما رجعنا طلقناهن ([64]).

خامساً: أن الزواج بالكتابيات ذريعة إلى أن تجذب المرأة الرجل المسلم إلى دينها لعلمها وجمالها وجهله وقلة دينه وأخلاقه، كما يحصل كثيرا في هذا الزمان في تزوج بعض ضعفاء المسلمين ببعض الأوروبيات أو غيرهن من الكتابيات، فيفتنون بهن، كما أن ذلك يؤدي إلى خلطة المؤمن بالكافرة وضياع الولد لأنه ألزم لأمه في صغره من أبيه، إضافة إلى عدم قدرة الزوج على إنكار المنكر؛ لأنه كما قال الامام مالك في المدونة لها أن تأكل الخنزير وتشرب الخمر وتذهب إلى كنيستها من غير ممانعة من الزوج، فسدا لهذه الذرائع كلها يجب الابتعاد عن الزواج بأمثال هؤلاء النسوة ما دامت المسلمات موجودات([65]). أي أن الزواج بالكتابيات ليس إلا مجرد رخصة أباحها الله عز وجل للمسلمين عند الضرورة ([66]).

سادساً: كساد سوق النساء المسلمات وانتشار العنوسة بشكل يؤدي إلى تفشي الزنا وظهور الفواحش في المجتمع المسلم، لانصراف الشباب إلى غيرهن من النساء، مما يضفي على المجتمع صورة قاتمة من الانحلال الخلقي والاجتماعي والديني، ويكفي في هذه الأمور أن تكون معاول هدم وتخريب لا بناء ونماء.

سابعاً: عدم قبول كثير من النساء الكتابيات الاحتكام إلى كتاب الله أمام المحاكم الشرعية في حالة وقوع الخلاف بين الزوجين، ولجوئها إلى قوانين بلادها التي تعطيها نصف أموال الزوج، وتقسم الأبناء بينهما، هذا إذا لم تأخذهم وتهرب بهم إلى بلادها بمساعدة سفارتها، بعد أن تكون قد رتبت جميع أمورها المالية والاجتماعية والسياسية، والزوج آخر من يعلم.

ثامناً: أن تنازل الرجل عن قوامته ووضع مقاليد الأمور بيد الزوجة الكتابية، تتصرف فيه وفي أبنائه وفق عاداتها ومعتقداتها، لا يختلف عن زواج المسلمة من غير المسلم الذي حرمه الله بصورة قاطعة، لأن القوامة أصلا تكون بيد الرجل المسلم، وعكس القضية وقلب الحكمة التي من أجلها أحل الله له الزواج من الكتابية، فإن على الدولة التي تدين بدين الإسلام ومبادئه، وتغار على قوميتها وشعائرها أن تضع لهؤلاء الذين ينسلخون عن مركزهم الطبيعي في الأسرة حدا يردهم عن غيهم، وأن تقيد هذا الحكم أو تمنعه منعا باتا لألزم وأوجب مما ينادي به بعض الناس من تحديد سن الزواج وتقييد تعدد الزوجات، وإقرار قانون الخلع وما شابه ذلك، لأن انحلال الكثرة الغالبة ممن يميلون إلى التزوج بالكتابيات لما يوجب الوقوف أمام هذه الاباحة التي نتلقاها مطلقة جهلا بغير علم، فقد أصبحت حالتنا تنادي بإلغائها وأنها لا تتفق والغرض المقصود منها، ولا تتناسب مع نهضتنا الحالية التي قوامها الاحتفاظ بالقومية الإسلامية وصرفها عن عبث العابثين([67]).

تاسعاً: أن كثيرا من العلماء المحدثين ذهبوا إلى تحريم زواج المسلم بالكتابية في ظل الأوضاع الراهنة التي فقد فيها الرجل قوامته، وطغت القوانين الوضعية على أحكام الشريعة، واستعلى فيها أهل الكتاب على المسلمين وأذاقوهم صنوف الويل والعذاب، فقد ذكر الشريف جعفر الكتاني أن جده الامام العلامة الحافظ أبو علي محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي الكتاني يرى عدم جواز زواج المسلم من الكتابيات في هذا الزمان، لما يتسبب فيه من مشاكل ونصرة القوانين الغربية للمرأة إذا اختطفت أطفاله، مما يجعلهم عرضة لإتلاف دينهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وكم حصل ذلك لأشراف بله غيرهم، وهي فتوى شيخنا الامام أبي الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري الحسني كذلك([68]). وقد ذكرنا آنفا رأي الشيخ محمد رشيد رضا والإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت، في حين يقيد هذا الحكم الشيخ يوسف القرضاوي ويحصره في الجاليات الإسلامية في الخارج حيث يقول: وإذا كان عدد المسلمين قليلا في بلد – كجالية من الجاليات – فالراجح هنا أن يحرم على رجالهم زواجهم بغير المسلمات لأن زواجهم بغيرهن في هذا الحال مع حرمة زواج المسلمات من الاخرين قضاء على بنات المسلمين أو على فئة غير قليلة منهن بالكساد والبوار، وفي هذا ضرر محقق على المجتمع المسلم، وهو ضرر يمكن أن يزال بتقييد هذا المباح وتعليقه إلى حين([69]). وأما الشيخ سعيد حوى فإنه يرى حرمة الكتابيات في هذا الزمن من وجهة نظر أخرى، حيث يقول: والجمهور على أن الكتابية إذا كانت زانية لا يجوز زواجها، ونفهم من هذا حكم الزواج بالغربيات إذ يندر في عصرنا أن توجد غربية لا تزني، إلا إذا وجد العنت فيأخذ الانسان في هذه الحالة بالقول الآخر ([70]).

عاشراً: أن القواعد الشرعية والفقهية تقرر بأن يزال الضرر العام بالضرر الخاص، ولا شك في أن إزالة الضرر الذي يلحق المجتمع من جراء الزواج بنساء أهل الكتاب، أولى بالاعتبار من الضرر الذي قد يلحق الأفراد من منع هذا الزواج أو تقييده، وتفرض الشريعة في هذا الشأن على الحاكم أن يضع من القوانين الإدارية والتنظيمية ما يحمي أطفال المسلمين من التلاعب في مصائرهم مع الأخذ بأيديهم وأيدي آبائهم إلى ما فيه خير الأمة وصلاحها، ليكونوا جميعا لبنة صالحة في جسم الأمة، لا معول هدم وتخريب يقوض أركان هذا الصرح ويعمل على النيل منه خدمة للأعداء وطمعا في متع زائلة، فهل يعي حكام المسلمين في أيامنا الحاضرة خطورة الموقف، وعظم المسؤولية الملقاة على كاهلهم في هذا الجانب الذي يعتبر أهم بكثير من الجوانب التي يثيرونها بين الحين والآخر بشأن تحديد عدد الزوجات، أو وظيفة المرأة في الوظائف السياسية والمناصب العليا، أو إقرار قانون الخلع، أو غير ذلك مما يقف أثره على الشخص نفسه، وقد لا يتعداه إلا في حدود ضيقة. أن الأمر يحتاج إلى جرأة في القرار، وتنازل عن المكاسب الشخصية في سبيل سعادة الأمة وتقدمها وارتفاع شأنها بين الأمم، ورحم الله الشاعر الجزائري الأمين العمودي الذي قال مداعبا أحد أصدقائه المتزوج بأجنبية ([71]):

حيوا الحكيم ولا تنسوا قرينته  *** فهو سليمان والمدام بلقيس

له غلام أطال اللـه مدتــه   ***  تنازع العرب فيه والفرنسيس

لا تعذلوه إذا ما خـان أمتـه  *** فنصفه صالح والنصف موريس

ولعل في هذه الأبيات أجمل تصوير وأبلغه فيما يعيشه من ينتمي إلى أكثر من تبعية في دينه وأخلاقه ومكونات سلوكه، أليس الأولى أن نستمع إلى نداء الحق ولا نجعل أصابعنا في آذاننا ونستغشي ثيابنا فنكون من الذين يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم ([72]).

خلاصة البحث:

وبعد هذا البيان فإننا نستطيع أن نلخص آراء العلماء في الزواج من الكتابيات على النحو التالي:

أولاً: ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من حل الزواج بالكتابية الحرة.

ثانياً: ما ذهب إليه الشيعة الأمامية من تحريم الزواج بالكتابية على سبيل الدوام وإن كانوا أجازوه على سبيل المتعة.

ثالثاً: ما ذهب إليه ابن عباس من التفريق بين نوعين من نساء أهل الكتاب، حيث أباح حرائر أهل الكتاب الذين أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وحرم نكاح حرائر أهل الكتاب الحربيات ممن لم يعطوا الجزية.

رابعاً: ما ذهب إليه الأئمة الأربعة من الكراهة من تزوج الكتابيات وأنه خلاف الأولى، مع صرف هذه الكراهة إلى التنزيه دون التحريم، إلا ما ذكره ابن عابدين من الحنفية بأن كراهة تزوج الحربية من أهل الكتاب إنما هي تحريمية.

والجميع متفقون على أن كراهة الزواج من الحربية أشد من كراهة الزواج بالذمية ذات العهد.

هذا وبالنظر إلى الآراء- على العموم- فإنني أوصي المسلم أن يمتنع عن الزواج من الكتابية لما يترتب على الزواج منها من أثر سلبي يعود على الزوج كأول جاني وعلى الأولاد وعلى المجتمع على العموم؛ وفق ما مر ذكره فيما يترتب على الزواج بهن من أثر، والله تعالى أعلم.

المراجع

  • ابن العربي، محمد عبد الله، الأحكام الصغرى، الدار البيضاء، ط اولى (بلا. ت)
  • ابن الهمام، محمد عبد الواحد، شرح فتح القدير، مصر المكتبة التجارية، (بلا. ت)
  • ابن جزي، محمد بن احمد، التسهيل لعلوم التنزيل، دار الفكر (بلا. ت)
  • ابن حزم، علي بن احمد، الفصل في الملل والنحل، بيروت، دار المعرفة، ط ثانية، 1975.
  • ابن حزم، علي بن احمد، المحلى، دار الفكر (بلا. ت)
  • ابن عابدين، محمد بن امين، حاشية ابن عابدين، مطبعة عثمان دار سعادت، اسطنبول، 1324 هـ
  • ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، تونس، دار سحنون للنشر (بلا. ت).
  • ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تونس، الشركة التونسية للتوزيع، (بلا. ت)
  • ابن عطية، عبد الحق بن غالب المحرر، الوجيز المغرب، مطبعة فضالة 1979.
  • ابن قدامه، عبد الله بن احمد، المغني، مكتبة الرياض الحديثة 1981.
  • ابن قيم الجوزية محمد بن ابي بكر، اغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، بيروت دار المعرفة، (بلا. ت).
  • ابن قيم الجوزية، محمد بن ابي بكر، أحكام اهل الذمة، مطبعة جامعة دمشق، 1991.
  • ابن مفلح، ابراهيم بن محمد، المبدع في شرح المقنع، بيروت ودمشق المكتب الإسلامي، 1982.
  • ابو عبيد، القاسم بن سلام، الاموال، بيروت، دار الكتب العلمية، ط اولى، 1986.
  • الالوسي، محمود، روح المعاني، بيروت، دار احياء التراث العربي (بلا. ت).
  • الانصاري، زكريا بن محمد، الفتاوى، دمشق، مطبعة الترقي، (بلا. ت).
  • البقاعي، ابراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، القاهرة، مكتبة، ابن تيمية ط اولى، 1973.
  • البكري، محمد عزمي، موسوعة الفقه والقضاء في الاحوال الشخصية، القاهرة دار محمود للنشر والتوزيع، ط خامسه، 1996.
  • البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع، مطبعة أنصار السنة 1974.
  • التهانوي، محمد على بن علي، موسوعة الاصطلاحات الإسلامية، بيروت، شركة، خياط (بلا. ت).
  • جبر، سعدي حسين علي، فقه الامام ابي ثور، بيروت مؤسسة الرسالة، ط اولى، 1983.
  • الجرجاني، معجم التعريفات، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة، القاهرة.
  • الجصاص، أحمد بن علي، أحكام القران، مصر، المطبعة البهية، 1347.
  • الحلبي، ابراهيم بن أحمد، ملتقى الابحر، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط اولى، 1989.
  • الحلي، جعفر بن الحسن، المختصر النافع في فقه الامامية، مصر دار الكتاب العربي، (بلا. ت).
  • حوى، سعيد، الاساس في التفسير، مصر، دار السلام للطباعة والنشر، ط ثانية، 1989.
  • الرازي محمد بن عمر، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، بيروت، دار الكتب العلمية 1982.
  • الرازي، محمد بن ابي بكر، محتار الصحاح (بلا. ت).
  • الرحيباني، مصطفى السيوطي، مطالب اولى النهى، دمشق، المكتب الإسلامي، (بلا. ت).
  • رضا، محمد رشيد، تفسير المنار، القاهرة، مكتبة القاهرة (بلا. ت).
  • الزحيلي، محمد مصطفى، الإسلام والذمة، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، 1989.
  • الزحيلي، وهبة، الزواج والطلاق، طرابلس، كلية الدعوة الإسلامية (بلا. ت).
  • الزرقا، مصطفى احمد، المدخل الفقهي العام، دار الفكر، طبعة اولى، 1946.
  • الزمخشري، محمود بن عمر، الفائق في غريب الحديث، بيروت، دار الكتب العلمية، طبعة اولى، 1996.
  • الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي، المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، القاهرة، ط1، 1313م.
  • السعدي، على بن الحسين، النتف في الفتاوى، بيروت وعمان، مؤسسة الرسالة ودار الفرقان، ط الثانية، 1984.
  • الشافعي، محمد بن ادريس الشافعي، كتاب الأم.
  • شلبي، محمد مصطفى، أحكام الاسرة في الإسلام، بيروت، دار النهضة العربية، ط ثانية، 1977.
  • شلتوت، محمود، الفتاوي، داري الشروق ط خامسة، 1971.
  • الشنتناوي، ورفاقه، دائرة المعارف الإسلامية، بيروت، دار المعرفة (بلا. ت).
  • الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل المطبوع بهامش الكتاب الفصل في الملل والنحل، (بلا. ت).
  • الشوكاني، محمد بن على، السيل الجرار، بيروت دار الكتب العلمية، ط اولى، 1982.
  • الشوكاني، محمد بن علي، نيل الاوطار شرح ملتقى الاحبار، مصر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط ثالثة، 1961.
  • الصباغ، محمد متولي، الايضاح في أحكام النكاح، مكتبة مدبولي، (بلا. ت).
  • صحيفة الراي الصادرة بتاريخ 24/9/1995.
  • الصعيدي، على، الحاشية، مصر، مكتبة، القاهرة (بلا. ت).
  • الصنعاني، عبد الرزاق، المصنف، بيروت، المكتب الإسلامي، ط أولى، 1972.
  • الصنعاني، محمد بن اسماعيل، سبل السلام، دار الفكر، (بلا. ت)
  • الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار احياء التراث العربي، ط اولى (بلا. ت).
  • الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تفسير القران، بيروت، دار الفكر 1978.
  • الطبري، محمد بن حرير، تاريخ الامم والملوك، بيروت، دار الكتب العلمية، ط ثانية، 1988.
  • العكبري، عبد الله بن الحسين، المشوف المعلم، دمشق، دار الفكر 1983.
  • الغزالي، محمد بن محمد، احياء علوم الدين، بيروت، دار المعرفة (بلا. ت)
  • الغندور، احمد، الاحوال الشخصية في التشريع الإسلامي، الكويت مكتبة الفلاح، ط، رابعة، 1992.
  • الفيومي، أحمد بن محمد بن علي، المصباح المنير، مكتبة لبنان، 1987.
  • القرافي، الذخيرة.
  • القرضاوي، يوسف، الحلال والحرام في الإسلام، مصر، مكتبة وهبة، ط عاشره، 1976.
  • القرطبي، محمد بن محمد، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، مؤسسة مناهل العرفان ومكتبة الغزالي، (بلا. ت)
  • قطب، سيد، في ظلال القرآن، بيروت، دار احياء التراث العربي، ط سابعة، 1971.
  • قلعة جي، محمد رواس، موسوعة فقه عبد الله بن عمر، بيروت، دار النفائس، ط اولى، 1986.
  • قلعة جي، محمد رواس، موسوعة فقه علي بن ابي طالب، دمشق دار الفكر ط اولى، 1983
  • الكاساني، علاء الدين بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مصر، مطبعة الامام (بلا. ت).
  • الكتاني، جعفر بن ادريس، أحكام اهل الذمة، عمان، دار البيارق، ط اولى، 2000.
  • مالك بن أنس، المدونة الكبرى، بيروت، دار صادر (بلا. ت).
  • محمد، محمد بن عبد السلام، العلاقات الاسرية في الإسلام، الكويت، مكتبة الفلاح، ط ثانية، 1987.
  • المرتضى، أحمد بن يحيى، البحر الزخار، القاهرة، دار الكتاب الإسلامي، (بلا.ت).
  • مسكين، محمد منلا، فتح الله المعين على شرح الكنز، (بلا. ت).
  • المطيعي، محمد نجيب، تكملة المجموع شرح المهذب، جده، مكتبة الارشاد، (بلا. ت).
  • المقريزي، أحمد بن علي، الخطط المقريزية، القاهرة، مكتبة مدبولي، ط اولى 1997.
  • ميرزا مكية، مشكلات المرآة المسلمة المعاصرة، دار المجتمع للنشر، ط اولى، 1990.
  • النووي، يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم، بيروت دار احياء التراث العربي، ط اولى، 1992.
  • الهندي، علاء الدين المتقي، كنز العمال، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1993.
  • الونشريسي، أحمد بن يحيى، المعيار المعرب، المغرب، وزارة الاوقاف، 1981.
  • ونيسي زهور، الزواج بالأجنبيات والاجانب وأثره على الأسرة، قسنطينة، الملتقى الرابع للفكر الإسلامي، سنة 1970.
  • الوهبي محمد بن يوسف، هيمان الزاد إلى دار المعاد، سلطنة عمان، 1986، وزارة التراث القومي والثقافة.

 

 

The reality of marriage of writers today (Wisdom, motives and effects)

Tab title
The purpose of lawful marriage is to build a proper Muslim society and to multiply the offspring; with affection, compassion, and tranquility in the spirit of the couple, especially if the spiritual and material factors are at the same level.), Can this marriage achieve the purposes for which it was initiated, as it will be built on the marital union between couples differ in some of the concepts, foundations and standards in life, which may reflect negatively on the education of children in the future, As well as reference to the most important findings of the study of the abhorrence of this marriage, which differs the most important standards and principles between spouses after the research in the jurisprudence views on the subject of study this is what the study tried to answer through Address the issue by demonstrating its judgment from the point of view of Jurisprudence with an explanation of the motives for it, and its wisdom and its implications. Keywords: Marriage, Marriage, People of the Book, Deaf people, present, past.

 

([1])  الشنتناوي ورفاقه، دائرة المعارف الاسلامية، ج3، ص (106 – 107).

([2])  الأنعام: 156.

([3])  ابن قدامة، المغني، مكتبة الرياض الحديثة، 1981، ج6، ص 590، ابن مفلح، ابراهيم، المبدع في شرح المقنع بيروت، المكتب الاسلامي، 1982، ج7، ص 71.

([4])  المطيعي، محمد، تكملة المجموع، جدة، مكتبة الارشاد، بلا. ت، ج 15، ص 122.

([5])  المرتضى، أحمد بن يحيى، البحر الزخار، القاهرة، دار الكتاب الاسلامي، بلا. ت، ج4، ص 40.

([6])  المائدة: 5.

([7])  البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السنة، ج11، ص 170 – 171. وأنظر ابن عطية عبد الحق، المحرر الوجيز، مطبعة فضاله، 1979، ج5، ص 39.

([8])  الأنصاري، زكريا بن محمد، الفتاوي، بلا. ت، ص 276.

([9])  ابن الهمام، محمد، شرح فتح القدير، بلا. ت، ج2، ص 372. وابن عابدين، حاشية ابن عابدين، مطبع عثمان دار سعادات، 1324، ج2، ص 398.

([10])  ابن قدامة، ج6، ص 591. وابن مفلح، ج7، ص 71.

والمطيعي، ج 15، ص 124.

([11])  الشنتناوي ورفقاه، ج3، ص (108 – 109).

([12])  هذا مخالف لجمهور الفقهاء الذين يرون أن الأصل في الأشياء الاباحة إلا الفروج فإن الأصل فيها التحريم والرأي الذي ذهب إليه السيد محمد رشيد رضا معارض بأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام مع الأمم التي لم تكن تدين باليهودية أو النصرانية. ابن قدامة، ج6، ص 592.

([13])  النساء: 24.

([14])  رضا، محمد رشيد، ج6، ص 194. بحث الزحيلي محمد مصطفى، الاسلام والذمة، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية، 1989، الجزء الأول، ص (129 – 133).

([15])  الرازي، محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح، (بلا. ت)، ص 223. المقرئ أحمد بن محمد الفيومي، المصباح المنير، مكتبة لبنان، 1987، ص 80. الزمخشري، محمود بن عمر، الفائق في غريب الحديث، بيروت، دار الكتب العلمية، طبعة أولى، 1996، ج1، ص 404،

الزرقاء مصطفى أحمد، المدخل الفقهي العام، دار الفكر، طبعة أولى، 1946، ج3، ص 181.

([16]) الجرجاني، معجم التعريفات، ص 350 (، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة, القاهرة.

([17])  التهانوي، محمد أعلى بن علي، موسوعة الاصطلاحات الاسلامية، بلا. ت، ج2، ص 516.

([18])  الزرقا، مصطفى، المدخل الفقهي العام، ج3، ص 190.

([19])  الشنتناوي ورفاقه، دائرة المعارف الإسلامية، بلا. ت، ج9، ص (290 – 291). وأنظر الرحيباني، مصطفى، مطالب أولي النهى، بلا. ت ج2، ص 591. والبهوتي، منصور، كشاف القناع، بلا. ت، ج3، ص92.

([20])  ميرزا، مكية، مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة، دار المجتمع للنشر، طبعة أولى، 1990، ص (316-317).

([21])  رواه الترمذي عن أبي حاتم المزني ثم قال: في عقبه هذا حديث حسن غريب وأبو حاتم المزني له صحبة ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث. سنن الترمذي – حديث رقم 1091.

([22]) مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة لمكية ميرزا، ص (317).

([23])  الزيلعي، تبيين الحقائق، (2\109)، المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، القاهرة، ط1\ 1313م. القرافي، الذخيرة، (4\322)، الشافعي، الأم (4\242). ابن قدامة، المغني، ج6، ص 589.

([24])  ابن قدامة، المغني، ج6، ص589، الشوكاني، ج2، ص 253. الجصاص احمد بن علي، احكام القرآن، مصر، المطبعة البهية، 1347هـ، ج2، ص 297.

([25])  المرتضى، أحمد، ج4، ص40.

([26])  قلعة جي، محمد، ص 707. والمروي عن ابن عمر يظهر أنه كان متوقفا في هذه المسألة على الأرجح من الروايات. الجصاص، ج2، ص398. ورضا محمد رشيد، ج6، ص194.

([27])  الطبري، محمد بن جرير، ج4، ص69. ابن العربي محمد، ج1، ص 299.

([28])  مالك بن أنس، المدونة الكبرى، بيروت، دار صادر، بلا. ت، ج2، ص 306-307. المطيعي، ج15، ص 122. ابن عابدين، ج2، ص 397. ابن مفلح، ج7، ص 71. الكتاني جعفر بن ادريس، احكام أهل الذمة، عمان، دار البيارق، طبعة أولى، 2000، ص (85-86).

([29])  ابن جزي محمد بن أحمد، التسهيل لعلوم التنزيل، دار الفكر، بلا. ت، ج1، ص (169-170). ابن عطية، ج5، ص(39-40).

([30])  الجصاص، أحمد بن علي، ج2، ص 397. الطبري، ج6، ص (67-69). حيث قال: وأولى الأقوال عندنا بالصواب قول من قال: عني بقوله: (والمحصنات من المؤمنات. . . )، حرائر المؤمنين وأهل الكتاب.

([31])  المائدة: 5.

([32])  الطبرسي، الفضل بن حسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي طبعه أولى، بلا. ت ج3، ص204. الحلي، حيث قال: ولا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية إجماعا وفي الكتابية قولان، أظهرهما أنه لا يجوز غبطة ويجوز متعة، ص 179.

([33])  المرتضى، أحمد، ج4، ص40.

([34])  قلعة جي، محمد، ص 707. والمروي عن ابن عمر يظهر أنه كان متوقفا في هذه المسألة على الأرجح من الروايات. الجصاص، ج2، ص398. ورضا محمد رشيد، ج6، ص194.

([35])  التوبة: 29.

([36])  الطبري، محمد بن جرير، ج4، ص69. ابن العربي محمد، ج1، ص 299.

([37])  المجادلة: 22.

([38])  الروم: 21.

([39])  الجصاص، ج2، ص339. والوهبي محمد بن يوسف الأباضي، هيمان الزاد إلى دار المعاد، سلطنة عمان وزارة التراث القومي والثقافة، 1986، ج5، ص326.

([40])  مالك بن أنس، المدونة الكبرى، بيروت، دار صادر، بلا. ت، ج2، ص 306-307. المطيعي، ج15، ص 122. ابن عابدين، ج2، ص 397. ابن مفلح، ج7، ص 71. الكتاني جعفر بن ادريس، احكام أهل الذمة، عمان، دار البيارق، طبعة أولى، 2000، ص (85-86).

([41])  العكبري، عبد الله بن حسين، ج1، ص 196. المقري أحمد بن محمد، ص 54. الرازي، محمد بن أبي بكر، ص 140.

([42])  ابن جزي محمد بن أحمد، التسهيل لعلوم التنزيل، دار الفكر، بلا. ت، ج1، ص (169-170). ابن عطية، ج5، ص(39-40).

([43])  ابن قيم الجوزية، أحكام أهل الذمة، جامعة دمشق، 1991 ج2، ص (425-427) بتصرف.

([44])  النساء: 24.

([45])  النور: 33.

([46])  النور: 2.

([47])  ابن قيم الجوزية، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، بيروت، دار المعرفة، بلا. ت، ج1، ص (66-67) بتصرف.

([48])  الأعراف: 82.

([49])  حوى، سعيد، الأساس في التفسير، مصر، دار السلام للطباعة والنشر، 1989، ج3، ص (1321)، ابن مفلح، ج7، ص70.

([50])  حديث متفق عليه. رواه البخاري في كتاب النكاح ورواه مسلم في كتاب الرضاع.

([51])  الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع، مصر، مطبعة الامام، بلا. ت، ج3، ص 1414.

([52])  الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين، بيروت، دار المعرفة، بلا. ت، ج2، ص 37.

([53])  البقرة: 221.

([54])  البقاعي، ابراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، القاهرة، مكتبة ابن تيمية، 1973، ج6، ص 26.

([55])  البقرة: 221.

([56])  رضا، محمد رشيد، ج2، ص 352.

([57])  الكاساني، ج3، ص 414، قطب، سيد، في ظلال القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، طبعه 7، 1971، ج1، ص 351.

([58])  محمد، محمد بن عبد السلام، العلاقات الأسرية في الاسلام، الكويت، مكتبة الفلاح، 1987، ص 128.

الصباغ، محمد متولي، الايضاح في احكام النكاح، مكتبة مدبولي، بلا. ت، ص 98. شلبي، محمد مصطفى، احكام الأسرة في الاسلام، بيروت، در النهضة العربية، 1977، ص 228. رضا، محمد رشيد، ج2، ص 356. حيث يرى أن التباين بين المسلمين وأهل الكتاب إنما سببه سياسة الملوك والرؤساء ولو أقمنا الكتاب وأقاموه لتقاربنا ورجعنا جميعا إلى الأصل.

([59])  شلبي، محمد مصطفى، ص 229.

([60])  البكري، محمد عزمي، موسوعة الفقه والقضاء في الأحوال الشخصية، القاهرة، دار محمود للنشر والتوزيع، طبعة 5، 1996، ص 238. وقد طلبت من دائرة قاضي القضاة بكتاب رسمي من جامعة فيلادلفيا تزويدي بإحصائيات تخدم هذا الموضوع إلا أنني لم أتلق جوابا إلى يومي هذا كما أنني لم أجد ضالتي في دائرة الاحصاءات العامة.

([61])  الونشريسي، احمد بن يحيى، المعيار المعرب، المغرب، وزارة الأوقاف، 1981، ج2، ص(249-250) بتصرف.

([62])  صحيفة الرأي الصادرة بتاريخ 24/9/1995م الصفحة الخامسة والثلاثون.

([63])  الهندي، علاء الدين، الحديثان رقم (45844، 45843).

ابن قدامة، ج6، ص 59. الغندور، أحمد، الأحوال الشخصية، الكويت، مكتبة الفلاح، طبعة 4، 1992، ص132. شلبي، محمد، ص229.

([64])  مالك بن أنس، ج2، ص308. الطبري، محمد بن جرير، ج2، ص437.

([65])  رضا، محمد رشيد، ج6، ص193. مالك بن أنس، ج2، ص(306-307). ابن الهمام، ج2، ص372.

([66])  الهندي، علاء الدين، حديث رقم (45844)، ج16، ص548. ابن عاشور، ج6، ص120. ولمعرفة الأخطار الواقعة على الزوج والطفل والمجتمع من جراء هذا الزواج. ميرزا مكية، ص(318-321).

([67])  شلتوت، محمود، الفتاوى، دار الشروق، دار الشروق، طبعة 5، 1971، ص (279 – 281) بتصرف.

([68])  الكتاني، جعفر بن إدريس، ص85 الهامش.

([69])  القرضاوي، يوسف، الحلال والحرام في الاسلام مصر، مكتبة وهبه، طبعة 10، 1976، ص (176 – 177).

([70])  حوى، سعيد، الأساس في التفسير، ج3، ص1321.

([71])  ونيسي زهور، الزواج بالأجنبيات والأجانب وأثره على الأسرة، قسطنطينية، الملتقى الرابع للفكر الاسلامي، 1970، ص109.

([72])  كنت قد تحدثت في مبحث مستقل عن موقف قوانين الأحوال الشخصية في العالم العربي من الزواج بالكتابيات ولكنني قمت بحذفه نظرا لما تحدده المجلات المحكمة من الصفحات القابلة للنشر.