بيان خطورة نفي القدر

Dangers of Denying Divine Decree

Mohammed Bahram Ramadhan

The Islamic University || Madinah || KSA

DOI PDF

Tab title
This research aimed to study For a clarifying and Exposing the danger of denying Divine Decree and the miss understanding and invalid thought on this matter, to the limit that some of them riches (kufr) disbelieving in Islam, and explaining the effect of denying fate on religion in aspects of belief, behavior, and acts of worship, As well as exposing the beliefs and ideology of the People of the Sunnah and Group in this matter. is being the method used the descriptive, inductive, critical approach. So that describes the research and shows Dangers of Denying Divine Decree, And trying to guide those who have been afflicted with him, He returned to his senses and his beautiful response with faith By Decree On the approach of the Sunnis and the community. Through my research, I reached the most important results:  denying Divine Decree is a slander in Allah’s lordship, his name and attributes and his right to be worship. Negating the decree by most of the people is contradiction because they say: ”Allah didn’t create the evil thing, and they say Allah created the devil and he is the key to all evil”. negating the divine decree contributes to deviating from (sound) behavior and obedience. Negating divine decree obstruction Islamic law order and prohibition. Denying decree will result in lack of believe in a pillar from the 6 pillars of faith, and denying one of the pillars of faith is a major disbelieve that takes the person out of the fold of islam. Keywords: The danger of denying the decree. Al-qadariyah (Deniers of decree). (Al mjoos) The Fire worshipper of the nation.

بيان خطورة نفي القدر

محمد بهرام رمضان

الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة || المملكة العربية السعودية

Tab title
هَدِفَ هذا البحث إلى دراسة وبيان وإظهار خطورة نفي القدر، وما يترتب عليه من لوازم سيئة وباطلة بل في بعضها كفرية، وبيان أثر نفي القدر على الدين في جوانب العقيدة والسلوك والعبادات، وإظهار عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة في هذا الباب. يكون المنهج المتبع في هذا البحث المنهج الوصفي الاستقرائي النقدي، بحيث يصف هذا البحث ويبين خطورة نفي القدر، ويحاول هداية من ابتلي به، ويرده إلى رشده ودينه رداً جميلاً بالإيمان بالقدر على منهج أهل السنة والجماعة. من خلال بحثي هذا توصلت إلى نتائج من أبرزها: إن نفي القدر طعن في ذات الله تبارك وتعالى، وربوبيته، وأسمائه وصفاته، وألوهيته. ونفات القدر من أكثر الناس تناقضاً لأنهم يقولون: إن الله لم يخلق الشر، ويقولون: إن الله خلق إبليس -وهو رأس الشر-. ونفي القدر له أثر كبير على الانحراف في سلوك العبد وطاعاته لربه. ونفي القدر تعطيل للشرائع والأمر والنهي. ويلزم من نفي القدر عدم الإيمان بركن من أركان الإيمان الستة، وعدم الإيمان بركن من أركان الإيمان كفر أكبر يخرج صاحبه من الإسلام. الكلمات المفتاحية: خطورة نفي القدر، نفي القدر، نفات القدر، القدرية، مجوس الأمة.

المقدمة

إنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إلَيْهِ، ونعوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فلا مضلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهِدُ أن لاَ إلَهَ إلا اللَّهُ وَحَدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهِدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(1). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}(2). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}(3). أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الكَلامِ كَلامُ اللَّه، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَة.

وبعد

فقد ابتليت هذه الأمة بظهور فرق ينتسبون إلى الإسلام ويضربون الإسلام والمسلمين من الداخل، وهذه الفرق أظهروا مقالات مخالفة للكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، وحاولوا بإظهارها تغيير عقيدة المسلمين وفطرتهم السليمة بأنواع من الشبهات، ومن هذه المقالات؛ مقالة نفي القدر، وكان لهذه المقالة أثر كبير على الدين خصوصاً عقيدة المسلمين، بحيث نفوا تحتها مجموعة من أسماء الله تبارك وتعالى وصفاته، وطعنوا في ربوبيته وألوهيته، وأثروا في عقيدة وسلوك وعبادات بعض المسلمين المغترين بهم.

فقمت بكتابة هذا البحث تحت عنوان (بيان خطورة نفي القدر) لأبين خطورة نفي القدر على دين المسلم وما يترتب عليه من لوازم باطلة وخطيرة خصوصاً ما يتعلق بعقيدة المسلم في أسماء الله تعالى وصفاته وربوبيته وألوهيته، وكذلك خطورته على سلوك المسلم وطاعته وعبادته لربه.

مشكلة البحث:

عقيدة نفي القدر من العقائد القديمة المخالفة لدين الإسلام الصحيح, وقد ظهرت على أيدي بعض التابعين في عهد الصحابة رضوان الله عليهم(4)، ثم تبنى هذه العقيدة فرقة المعتزلة، حيث استمرت إلى يومنا هذا، وما زالت هذه الفكرة موجودة عند بعض الناس خصوصا عند العقلانيين المعاصرين، مع ما فيها من خطورة عظيمة على عقيدة الإنسان وعباداته وسلوكه وتصرفاته ومبادئه.

أسئلة البحث:

تتحدد مشكلة الدراسة في الأسئلة الآتية:

  1. ما خطورة نفي القدر على الاعتقاد في أسماء الله تعالى وصفاته؟
  2. ما خطورة نفي القدر على الاعتقاد في ربوبية الله تعالى؟
  3. ما خطورة نفي القدر على الاعتقاد في ألوهية الله تعالى؟
  4. ما خطورة نفي القدر على سلوك المسلم وطاعاته لربه؟

أهداف البحث:

يهدف البحث إلى تحقيق الآتي:

  1. بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في أسماء الله تعالى وصفاته
  2. بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في ربوبية الله تعالى.
  3. توضيح خطورة نفي القدر على الاعتقاد في ألوهية الله تعالى.
  4. كشف تأثير وخطورة نفي القدر على سلوك المسلم وطاعاته لربه.

أهمية البحث:

تظهر أهمية البحث من أهمية الموضوع؛ حيث إن الموضوع متعلق بذات الله تبارك وتعالى وأسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته، وشرف العلم يظهر بشرف المعلوم. ويؤمل الباحث أن تفيد نتائجه على النحو الآتي:

  1. قد يفيد في كشف الشبهات التي يبثها منكرو القدر؛ وتحصين الشباب منها؛ فالموضوع متعلق بمسألة الإيمان والكفر، ومتعلق بأحد أركان الإيمان، بحيث من لا يؤمن بالقدر خيره وشره يكون خارجاً عن الإيمان.
  2. قد يفيد في لفت نظر الدعاة والمربين إلى واقع جهل كثير من المسلمين بموضوع القدر، ووقوع كثير منهم في الزلل والخطأ في مسألة القدر نفياً وإثباتاً خصوصاً الفرق المخالفة المنتسبة إلى الإسلام والتوعية بها.
  3. يؤمل الباحث أن تسهم نتائج البحث في الارتقاء بالوعي بالقدر وتخفيف الكثير من السلبيات التي تحدث نتيجة لضعف الإيمان به؛ وضرورة استحضاره عند النوازل حسب منهج أهل السنة والجماعة.
  4. من المتوقع أن يمثل البحث إضافة للمكتبة العلمية الإسلامية؛ يستفيد منه الباحثون في الموضوع.

الدراسات السابقة:

بعد البحث والتنقيب لم أجد بحثاً معيناً ولا دراسة علمية معينة تحت عنوان (بيان خطورة نفي القدر)، لكنني وجدت بعض الرسائل العلمية المتعلقة بباب القدر، وتختلف مضمونها ومحتواها عن بحثي هذا، وهنا أذكر بعضها مع ذكر بعض فروقات بينها وبين بحثي:

    1. آراء المتكلمين في القضاء والقدر، لأحمد عبد القادر عبد الله العاني، بحث مقدم لمؤتمر العلمي الثاني لجامعة الإمام الأعظم كلية العلوم الإسلامية في رمادي، العراق, سنة 2012م. وذكر الباحث فيه تعريفاً بالقضاء والقدر والفرق بينهما، وذكر النهي عن مجالسة القدرية، وكذلك ذكر أقوال المتكلمين من القدرية والجبرية في القضاء والقدر.
    2. الشبهات النقلية لمخالفي أهل السنة والجماعة في مسائل القدر عرضاً ونقداً، لهند بنت دخيل الله، رسالة علمية مقدمة لجامعة أم القرى، كلية الدعوة وأصول الدين، قسم العقيدة، مرحلة الدكتوراه, سنة 1429ه، وفيه ذكرت الباحثة منزلة الأدلة النقلية بين أهل السنة والجماعة ومخالفيهم ومجمل أقوالهم في القضاء والقدر، وذكرت: مسألة الحكمة والتعليل، التحسين والتقبيح العقليان، تنزيه الله عن الظلم، الاستطاعة والتكليف بما لا يطاق، الإرادة، أفعال العباد الاختيارية، الطبع والختم والهدى والضلال، الرزق والأجل.
    3. القدر عند المعتزلة عرض ونقد، الجوهرة بنت عبد الله آل الشيخ، بحث مقدم لجامعة الملك سعود، قسم العقيدة والمذاهب، مرحلة الماجستير، وذكرت الباحثة تعريفاً بالمعتزلة ومفهوم القدر عندهم، وعرضت مسائل متعلقة بالقدر عند المعتزلة ونقدتها، وهي: التحسين والتقبيح، تعليل أفعال الله، فعل الصلاح والأصلح، الاستطاعة، تكليف ما لا يطاق، المشيئة واشتمالها المحبة والرضا، الظلم.

الفرق بين دراستي في هذا البحث والدراسات السابقة ذكرها في عدة أوجه منها:

  1. دراستي في بيان خطورة نفي القدر، بخلاف الدراسات السابقة فهي تتركز على مسألة عرض أقوال المتكلمين وأصولهم وشبهاتهم في مسألة القضاء والقدر.
  2. دراستي تتركز على قسمين أساسيين:
    1. قسم متعلق بذات الله تبارك من أسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته، بحيث تبين مدى خطورة نفي القدر على الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته وربوبيته وألوهيته. فالدراسات السابقة لم تتطرق للموضوع بهذه الكيفية والتقسيم الثلاثي، ولم تفصل في آثار وخطورة نفي القدر على الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته، ولم تذكر آثار وخطورة نفي القدر على الإيمان بربوبية الله تعالى وألوهيته. وإنما تركيزها الأساسي في عرض شبهات القدرية والجبرية في باب القضاء والقدر وذكر أصولهما في هذا الباب.
    2. القسم الثاني في دراستي متعلق ببيان خطورة نفي القدر على عقيدة العبد وطاعته لربه وعباداته وسلوكه وتصرفاته. وهذا القسم لم تتطرق إليه الدراسات السابقة ولم تذكره.

منهج البحث وطبيعة العمل فيه:

يستخدم الباحث من خلال هذا البحث المنهج الوصفي، بحيث يصف قضية معينة ويبين خطورتها على عقيدة المسلم وسلوكه وتصرفاته، وطبيعة العمل في هذا البحث تكون كالآتي:

    1. إظهار وبيان خطورة نفي القدر في جوانب العقيدة والسلوك والعبادات, وما يترتب عليه من لوازم سيئة وباطلة بل في بعضها كفرية.
    2. محاولة هداية من ابتلي بنفي القدر، ورده إلى رشده ودينه رداً جميلاً بالإيمان بالقدر على منهج أهل السنة والجماعة.
    3. التركيز على جزأين أساسيين في البحث؛ جزء متعلق بالله تعالى من حيث أسمائه وصفحاته وربوبيته وألوهيته، وجزء متعلق بالعبد؛ من حيث اعتقاده في الله وسلوكه وعباداته.
    4. بيان تناقض نفات القدر في عقيدتهم في نفي القدر، وبيان بطلان عقيدتهم في هذا الباب.
    5. في تقريراتي للمسائل المذكورة لا أخرج عن منهج أهل السنة والجماعة والعلماء الراسخين في القرون المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.

خطة البحث:

تشتمل على مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة، وهي كالتالي:

  • المقدمة: وفيها: مشكلة البحث, أسئلة وأهداف البحث, أهمية البحث, الدراسات السابقة, منهج البحث وطبيعة العمل فيه، خطة البحث.
  • التمهيد: وفيه ثلاثة مطالب:
    • المطلب الأول: تعريف مصطلح القدر لغة واصطلاحا.
    • المطلب الثاني: بيان معنى نفي القدر.
    • المطلب الثالث: تاريخ نشأة القول بنفي القدر وأبرز القائلين به.
  • المبحث الأول: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في أسماء الله تعالى وصفاته: وفيه: سبعة مطالب، وهي:
    • المطلب الأول: بيان خطورة تفي القدر على الاعتقاد في اسم العليم وصفة العلم.
    • المطلب الثاني: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم القدير وصفة القدرة.
    • المطلب الثالث: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في صفة الكتابة.
    • المطلب الرابع: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم الخالق وصفة الخلق.
    • المطلب الخامس: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في صفة المشيئة.
    • المطلب السادس: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في صفة الإرادة.
    • المطلب السابع: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم الهادي وصفة الهداية.
  • المبحث الثاني: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في ربوبية الله تعالى وألوهيته وعلى سلوك المسلم وطاعاته لربهوفيه: ثلاثة مطالب، وهي:
    • المطلب الأول: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في ربوبية الله تعالى.
    • المطلب الثاني: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في ألوهية الله تعالى.
    • المطلب الثالث: بيان خطورة نفي القدر على سلوك المسلم وطاعاته لربه.
  • الخاتمة: وفيها: أبرز النتائج والتوصيات.

التمهيد

المطلب الأول: تعريف مصطلح القدر لغة واصطلاحاً:

تعريف القدر لغة:

يقول ابن فارس: “(قدر) القاف والدال والراء أصل صحيح يدل على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته. فالقدر: مبلغ كل شيء. يقال: قدره كذا، أي مبلغه. وكذلك القدر. وقدرت الشيء أقدره وأقدره من التقدير، وقدرته أقدره(5).

تعريف القدر اصطلاحاً:

قال السفاريني: “ما سبق به العلم وجرى به القلم، مما هو كائن إلى الأبد، وأنه عز وجل قدر مقادير الخلائق وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل، وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده تعالى، وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها(6).

المطلب الثاني: بيان معنى نفي القدر(7):

نفي القدر هو القول بأن العبد له الاستطاعة والمشيئة والقدرة الكاملة، وأنه يملك لنفسه الخير والشر والضر والنفع والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة، وأنه يعمل بدءًا من نفسه من غير أن يكون سبق له ذلك في علم اللَّه.

ونفات القدر زعموا أن للخير والشر خالقين، الله تعالى خالق الخير، والشيطان خالق الشر، وزعموا أن الله تعالى يشاء ما لا يكون، ويكون مالا يشاء، وزعموا أنهم منفردون بالقدرة على أعمالهم دون ربهم، فأثبتوا لأنفسهم الغنى عن الله عز وجل، ووصفوا أنفسهم بالقدرة على ما لم يصفوا الله عز وجل بالقدرة عليه، كما أثبت المجوس للشيطان من القدرة على الشر ما لم يثبتوا لله عز وجل، فكانوا مجوس هذه الأمة؛ إذ دانوا بديانة المجوس، وغلاتهم أضافوا على ما سبق إنكار علم الله بالأشياء قبل خلقها وإنكار كتابته لها.

ويظهر فيما سبق أن نفي القدر ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الغلو في نفي القدر، وهو: إنكار علم الله سبحانه بالأشياء قبل خلقها وإنكار كتابته لها وإنكار مشيئته وخلقه وقدرته في الأشياء.

القسم الثاني: الإيمان بالعلم والكتابة مع إنكار المشيئة والخلق والقدرة.

يقول ابن القيم: “مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر وهي أربع مراتب المرتبة الأولى علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها المرتبة الثانية كتابته لها قبل كونها المرتبة الثالثة مشيئته لها الرابعة خلقه لها(8).

هذا هو الإيمان الصحيح بالركن السادس من أركان الإيمان الذي هو الإيمان بالقدر, وهو أن تؤمن بالقدر بمراتبها الأربعة بأن الله سبحانه وتعالى له علم سابق بما يريد خلقه قبل خلقه له, ثم يكتب ما يريد خلقه, ثم يشاء خلقه, ثم يخلقه سبحانه وتعالى.

المطلب الثالث: تاريخ نشأة القول بنفي القدر وأبرز القائلين به(9):

بعدما انطوى عهد النبوة، وكثرت الفتوحات، واختلط المسلمون بغيرهم ظهرت بدعة نفي القدر التي تُعد أول شرك في الإسلام. وكان أول ظهورها في البصرة ودمشق, وقد ظهرت في أواخر عهد الصحابة كابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم فاشتد نكيرهم على تلك البدعة وأصحابها وتبرؤوا منهم ومن قولهم.

وتكاد مصادر أهل السنة تجمع على أن أول من تكلم بنفي القدر رجل من أهل البصرة يعمل بقالاً ويقال له: سنسويه، وبعضهم يسميه (سيسويه)، وبعضهم يسميه (سوسن), ثم تلقفها عنه معبد الجهني، وأخذ عن معبد غيلان الدمشقي.

قال الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام: “أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له: (سوسن) كان نصرانياً فأسلم، ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان عن معبد(10).

وبعد معبد وغيلان ظهر رؤوس الاعتزال كواصل بن عطاء، وعمرو ابن عبيد، فنقلوا هذه المقالات ونشروها.

هذا هو المشهور من الأقوال في بداية القول بنفي القدر، وهو القول الأرجح, ويشهد على ذلك ما جاء في قصة الحديث المشهور حديث جبريل، عن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرينفقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن، ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف، قال: «فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني»، والذي يحلف به عبد الله بن عمر «لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر»…”(11).

ويسمون هؤلاء بالقدرية لأنهم أضافوا القدر إلى أنفسهم.

وفلسفة القدر عندهم كما يقول ابن قتيبة:

قولهم في القدر: إن العبد مستقل بعمله في الإرادة والقدرة، وليس لمشيئة الله تعالى وقدرته في ذلك أثر.

ويقولون: إن أفعال العباد ليست مخلوقةً لله، وإنما العباد هم الخالقون لها، ويقولون: إن الذنوب الواقعة من العباد ليست واقعة بمشيئة الله.

وقالوا: نحن نفعل ما لا يريد الله تعالى ونقدر على ما لا يقدر(12).

ومن أقوالهم في هذا قول عبدالجبار الهمذاني المعتزلي: “اتفق أهل العدل على أن أفعال العباد مِنْ تصرفهم، وقيامهم، وقعودهم حادثةٌ من جهتهم، وأن الله جلَّ وعزَّ أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها، ولا مُحدثَ سواهم، وأن من قال: إن الله سبحانه خالقها ومحدثها فقد عظم خطؤه(13).

والإنسان عند المعتزلة يجوز أن يُفْني فعل الله تعالى الذي هو القدرة بفناء الحياة بأن يقتل نفسه، ويجوز أن يبطل فعل الغير للسكون بتحريك المحل.

وكان منشأ ضلالهم كثرة الجدل، وتقديم العقل على النقل، والنظر إلى النصوص بعين عوراء, بأنهم في البداية أرادوا تنزيه الله عز وجل عن الشر، ورتبوا على نفيهم الأفعالَ القبيحةَ عن الله, فقالوا: إن العباد هم الخالقون لأفعالهم. فوقعوا في نفي القدر.

المبحث الأول: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في أسماء الله تعالى وصفاته

إن الله تبارك وتعالى إله كامل، وله الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأسماءه وصفاته كاملتان من كل وجه وليس فيهما نقص أبدا، ونثبت ما أثبتهما الله تعالى لذاته، من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تفويض، ولا ننقص ولا نزيد فيما أثبتها الله تعالى لذاته من الأسماء والصفات، أو أثبتها له نبيه صلى الله عليه وسلم.

فنفي القدر تعطيل لصفات الله تبارك وتعالى وتنقيص من شأنه سبحانه، واستكبار عليه تعالى، ويظهر ذلك من خلال تصريحات نفات القدر أثناء نفيهم للقدر، وكذلك يظهر من خلال لوازم باطلة تترتب على نفي القدر، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.

وهنا أذكر وأبين بعض أخطار نفي القدر المتعلقة بأسماء الله تعالى وصفاته في سبعة مطالب:

المطلب الأول: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم العليم وصفة العلم:

إن الله تبارك وتعالى علام الغيوب، وأنه أحاط بكل شيء علماً، وهو سبحانه يعلم ما كان، ويعلم ما يكون، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون. وأنه سبحانه لا يخفى عليه خافية، ولا يخفى عليه من مثقال ذرة في السماوات والأرض وما بينهما، وأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وخطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم العليم وصفة العلم تكون في جوانب منها:

  1. نفي القدر طعن في الله تعالى ووصف له بالجهل سبحانه، وإثبات لصفة النقص في علمه, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. لأن بعض نفات القدر يقولون: “إن الله تعالى لم يعلم حتى خلق لنفسه علماً، وأن الأشياء إنما تصير معلومة له عند حدوثها ووجودها(14). يعني قبل حدوثها لا يعلم عن الأشياء شيئاً.

ويقولون: “إن الله أمر العباد ونهاهم، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه، ولا من يدخل الجنة ممن يدخل النار حتى فعلوا ذلك، فعلمه بعد ما فعلوه؛ ولهذا قالوا: الأمر أنف، أي: مستأنف(15).

سبب قولهم هذا: في البداية أنهم أرادوا الاعتذار عن التعجيز بنفي العلم، فزادوا تجهيل الرب تعالى مع تعجيزه تعالى عن ذلك لأنهم فروا من قولهم: إن ذلك عجز، إلى قولهم: ليس بمعلوم، فليس بمقدور فزادوا على نفي القدرة الاستدلال على صحة نفيها بنفي العلم فراراً من لفظ التعجيز إلى نفي القدرة والعلم(16).

  1. نفي القدر بإنكار علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها كفر وخروج عن الإسلام بإجماع فقهاء الأمة(17).

قال أبو حنيفة رحمه الله: “بيننا وبين القدرية الكلام في حرفين أن نسألهم هل علم الله ما يكون أبداً على ما يكون؟ فإن قالوا: لا. كفروا، لأنهم جهلوا ربهم. وإن قالوا: نعم. قيل شاء أن ينفذ علمه كما علم أو لا؟ فإن قالوا: لا. قالوا: بأن الله شاء أن يكون جاهلاً, ومن شاء ذلك فليس بحكيم. وإن قالوا: نعم. أقروا بأنه شاء أن يكون كل شيء كما علم أن يكون(18).

ويقول عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله: “سمعت أبي رحمه الله، حين سأله علي بن الجهم عن من قال: بالقدر يكون كافرا؟ قال: إذا جحد العلم، إذا قال: إن الله عز وجل لم يكن عالما حتى خلق علما فعلم فجحد علم الله عز وجل فهو كافر(19).

  1. أنه وقوع في التناقض لأن من القدرية من يقول: “إن الله تعالى لا يقال إنه عالم بنفسه. ومن العجائب عالم بغيره ولا يكون عالماً بنفسه!”(20).
  2. رد لمجموعة من الآيات الواردة في أن الله عالم غيب السماوات والأرض، منها:
    • قول الله تبارك وتعالى: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) }(21).
    • وقوله تعالى: { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)}(22).
    • وقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)}(23).
    • وقوله عز وجل: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)}(24).
    • وقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)}(25).
    • وقوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}(26).
    • وقوله سبحانه: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(27).
    • وقوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)}(28).
    • وقوله تعالى: { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}(29).

هذه الآيات في غاية الوضوح على أن الله سبحانه وتعالى عالم بما كان, وبما لم يكن, وبما يكون وكيف يكون, وهو علام الغيوب, وعلمه أحاط بكل شيء, والقول بإنكار العلم تتطاول على القرآن ورد لآيات كثيرة فيه.

المطلب الثاني: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم القدير وصفة القدرة:

إن الله سبحانه وتعالى غالب على أمر جميع مخلوقاته، وهو على كل شيء قدير، وغيره إليه فقير، ولا يعجزه شيء في هذا الكون.

وخطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم القدير وصفة القدرة تكون في جوانب منها:

  1. تنقيص من شأن الله تبارك وتعالى بنفي القدرة عنه وإثبات العجز له سبحانه، لأنهم يقولون: إن الإنسان مخير وليس لله تعالى قدرة على أفعال العباد. وهذا إثبات للعجز لله تعالى، لأن العجز ضد القدرة، وأن ما قدر الإنسان عليه فلم يعجز عنه في حين قدرته عليه, وأن ما عجز عنه فلم يقدر عليه في حين عجزه عنه، وإن نفي القدرة إثبات للعجز، وأن نفي العجز إثبات للقدرة، وهذا معروف ببديهيات العقل وما يجهله العوام فضلا عن العلماء. ونفي القدرة صفة نقص لذاته، وليس يحتمل أن يكون الله غير قادر لوجه حسن(30).
  2. جرأة على الله تعالى وبدعة وجهل بقولهم إن الله لم يقدر على خير ولا شر في أفعال العباد(31).
  3. الغنى عن الله تعالى تشبهاً بالمجوس لأنهم زعموا أنهم يملكون الضر والنفع لأنفسهم رداً لقول الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}(32)، وانحرافا عن القرآن وعما أجمع عليه المسلمون، وزعموا أنهم ينفردون بالقدرة على أعمالهم دون ربهم، وأثبتوا لأنفسهم غنى عن الله عز وجل، ووصفوا أنفسهم بالقدرة على ما لم يصفوا الله بالقدرة عليه، كما أثبت المجوس للشيطان من القدرة على الشر ما لم يثبتوه لله عز وجل، فكانوا مجوس هذه الأمة، إذ دانوا بديانة المجوس، وتمسكوا بأقوالهم، ومالوا إلى أضاليلهم(33).
  4. التفرق والاختلاف بين المسلمين عموماً, وفي ما بينهم أي نفات قدرة اللهخصوصاً بسبب تقديم عقلهم على النقل, وعدم فهمهم لهذه المسألة فهماً صحيحاً كما كان عليه السلف الصالح، ومما يكشف عن افتضاحهم في مذاهبهم وتبرئ بعضهم من بعض ما يحكى أن سبعة من رؤوس القدرية اجتمعوا في مجلس واحد وتناظروا في أن الله تعالى هل يقدر على ظلم وكذب يختص به؟ فكل واحد منهم توغل في هذه المسألة بعقله المنكوس إلى أن تحيروا وصاروا كلهم منقطعين متحيرين وافترقوا من هذا المجلس، وكان كل واحد يعتقد أن أقوال الباقين كلها كفر، وكل منهم كان يكفر الباقين(34).
  5. القنوط من رحمة الله تبارك وتعالى, واليأس من روحه لاعتقاد أن الله تعالى لا يقدر على جلب منفعة للعبد ودفع مضرة على العبد، تعالى الله عن قولهم(35).
  6. رد لمجموعة من الآيات في القرآن الكريم التي تثبت بـأن الله تعالى على كل شيء قدير، ولا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، فمن هذه الآيات:
  • قول الله تبارك وتعالى: { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(36). نفاة القدرية قالوا: والله لا يهدي من يشاء.
  • وفي قوله: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}(37). والقدرية ينكرون أن تكون الهداية والضلال بيد الله تبارك وتعالى.
  • وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ}(38).

بين الله تبارك وتعالى في هذه الآية أنه لا أحد يستطيع يعجز الله تعالى في إرادته وقدرته وجميع أفعاله, وإن الله على كل شيء قدير ولا شيء يعجزه سبحانه.

  • وقوله عز وجل: { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(39). والقدرية يقولون ليس الله على كل شيء قدير. تعالى الله عن قولهم.
  • وقوله سبحانه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}(40). إذا لم تكن الهداية بيد الله, ولم يقدر الله تعالى على هداية خلقه فما فائدة هذه الآية؟! وما فائدة سؤال الله الهداية؟!

وبهذا تبين خطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم القدير وصفة القدرة.

المطلب الثالث: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في صفة الكتابة:

إن الله تبارك وتعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، وأول ما خلق القلم فقال له اكتب مقادير الخلائق إلى يوم القيامة، وهو سبحانه عنده أم الكتاب.

وخطورة نفي القدر على الاعتقاد في صفة الكتابة تكون في جوانب منها:

  1. نفي القدر فيه تجرؤ على الله تبارك وتعالى بأنه لم يكتب على الكافرين الكفر، ولم يكتب على العاصين المعصية، ولم يكتب في اللوح المحفوظ ما يفعله العباد من الشر، بل وصل الأمر ببعضهم إلى الطعن في القرآن انتصاراً لمذهبهم، كما فعل عمرو بن عبيد(41) رأس المعتزلة حين جاءه رجل فقال له: “ألا تعجب من فلان؟ يزعم أن {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}(42). في اللوح المحفوظ! فقال عمرو بن عبيد: ” لئن كانت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} في اللوح المحفوظ، فما على أبي لهب من لوم، وما على الوليد(43) من لوم” –يعني في قوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}(44)-“(45).

وفي رواية للقصة: عن معاذ بن معاذ(46)، قال: “كنت عند عمرو بن عبيد فأتاه رجل يقال له: عثمان بن خاش(47) وهو أخو السمري(48)، فقال: “يا أبا عثمان، سمعت والله الكفر اليوم، قال: لا تعجل بالكفر، وما سمعت؟ قال: سمعت هاشماً الأوقعي(49) يقول: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}(50), و {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}(51)، لسن في أم الكتاب! والله يقول: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)}(52)، فسكت عمرو هنية، ثم أقبل علينا، وقال: فوالله لئن كان القول كما يقول فما على أبي لهب، ولا على الوليد من لوم، قال عثمان: هذا والله الدين يا أبا عثمان(53).

  1. رد لمجموعة من الآيات في القرآن الكريم التي تثبت بأن الله تبارك وتعالى كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ، من هذه الآيات:
  • قول الله تبارك وتعالى: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}(54).
  • وقوله سبحانه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(55).
  • وقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(56).
  • وقوله عز وجل: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(57).
  • وقوله عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }(58).
  • وقوله سبحانه: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(59).
  • وقوله عز وجل: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(60).

فهذه الآيات واضحات في أن الله تبارك وتعالى كتب ويكتب مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم, وعدم الإيمان بالكتابة مخالف ورد لهذه الآيات, ومعلوم رد آية واحدة في كتاب الله كفر مخرج من ملة الإسلام.

المطلب الرابع: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم الخالق وصفة الخلق:

إن الله تبارك وتعالى خالق كل شيء؛ السماوات والأرض وما بينهما وما فيهن، وليس في الكون إلا خالق ومخلوق والخالق هو الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له في خلقه، وهو سبحانه خلق جميع المخلوقات، ومن ذلك العباد وأفعالهم, فلا يخرج شيء في هذا الوجود عن ملكه وخلقه, فهو خالق كل عامل وعمله، وهو المتفرد سبحانه بالخلق وحده.

وخطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم الخالق وصفة الخلق تكون في جوانب منها:

  1. مقالة نفي القدر إثبات لخالقِين كثر مع الله، وفيها عدم الإيمان بأن الله وحده هو الخالق لجميع المخلوقات. لأن نفات القدر يقولون بأن الإنسان خالق أفعاله، وأن الله تعالى لم يخلق شيئاً غير الأجسام، فأما الأعراض فإنها من اختراعات الأجسام(61).
  2. تشبه بالمجوس بإثبات خالقَين خالق الخير وخالق الشر بقولهم: إن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به، إذ لو خلقه ثم يعذبهم عليه يكون ذلك جوراً!! والله تعالى عادل لا يجور. وأثبتوا أن العباد يخلقون الشر، نظيراً لقول المجوس الذين أثبتوا خالقين: أحدهما الخير، والآخر يخلق الشر.

وهؤلاء القدرية تمردوا في مسألة خلق الأفعال حتى وصل بهم الأمر بأن يقولوا بخالقِين كثر زائدين على ألف ألف, وزادوا في ذلك المجوس من وجهين:

أحدهما: إن المجوس قالوا بخالقَين اثنين، أما القدرية قالوا بخالقِين لا يحصرون.

والثاني: إن المجوس لم ينفوا كون الباري سبحانه خالقاً, وهؤلاء الذين قالوا إن العبد يسمى خالقاً، والباري سبحانه لا يجوز أن يسمى خالقاً، خالفوا به أمة الإسلام. وكما تمردوا في مسألة القرآن, حتى أدى بهم القول أن قالوا: إنه يخلق كلاماً في محل، فيكون متكلماً بما خلقه في ذلك المحل. فلزمهم بذلك أن لا يكون الله آمراً ولا ناهياً، وأن يكون الأمر والنهي لذلك المحل، وليس لله تعالى على عبده شرع ولا تكليف(62).

  1. مشاركتهم المجوس في جعل إبليس شريكاً مع الله تعالى في الخلق، لأن القدرية زعمت أن الله تعالى يخلق الخير، والشيطان يخلق الشر، بمعنى شاركوا فيه المجوس فيما خالف به المجوس أهل الأديان، وكان الأصل الذي ذم به المجوس مما خالفوا به أهل الأديان؛ لأنهم قالوا: كان الله واحداً لا شريك له، ثم حدثت منه فكرة ردية, إما لما أصابته عينه، أو لما ظن أن يكون له عدوا ينازعه، فإذا إبليس حدث من تلك الفكرة الردية فخلق هو شر العالم، والله خيره من غير أن كان لله قدرة على خلق شيء من الشر والفساد ونحو ذلك، أو لإبليس قدرة على خلق شيء من الخير والصلاح، فقام العالم بهما. وبهذا كله خالفوا به أهل الأديان(63).
  2. الوقوع في التناقض في قولهم: إن الله لم يخلق الشر ولم يبتل به، وإبليس رأس الشر وهو مقر بأن الله خلقه(64).
  3. رد لمجموعة من الآيات التي تثبت بأن الله تعالى خالق كل شيء، منها:
  • قول الله عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}(65).
  • وقوله سبحانه: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}(66).
  • وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}(67).
  • وقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)}(68).

بين الله تبارك وتعالى في هذه الآيات بأنه سبحانه خلق كل شيء من خير وشر, وكونه خلق الشر لحكم أراده سبحانه وتعالى منها: ابتلاء العباد, وليميز الخبيث من الطيب, وتعظيم أجر عباد الله الطيبين الصالحين, وتعليمهم الصبر. وغير ذلك من الحكم الكثيرة.

المطلب الخامس: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في صفة المشيئة:

إن الله سبحانه وتعالى ذو مشيئة كاملة ولا يعجزه شيء، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

وخطورة نفي القدر على الاعتقاد في صفة المشيئة تكون في جوانب منها:

  1. نفي القدر إثبات لصفة العجز لله تعالى, وتنقيص من شأنه عز وجل, وخلاف لعلماء الأمة في أن الله تبارك وتعالى ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن نفات القدر زعموا أن الله تعالى يشاء ما لا يكون، ويكون مالا يشاء(69).
  2. قول نفات القدر يستلزم أن الله تبارك وتعالى مقهوراً, لأن نفات القدر يزعمون أن الله تعالى قد شاء ما لم يكن, وقد كان ما لم يشأ. وهذا القول يؤدى إلى أن يكون مقهوراً مكرها على حدوث ما كره حدوثه. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً(70).
  3. إنهم شبهوا بالمجوس, ودانوا بديانتهم, وضاهوا أقوالهم لقولهم: إن الله تعالى يخلق الخير ويشاؤه, وأن الشيطان يخلق الشر ويشاؤه، وأن الشر لا يخلقه الله ولا يشاؤه، وزعموا أن للخير والشر خالقَين كما زعمت المجوس، وأنه يكون من الشر مالا يشاء الله كما قالت المجوس ذلك(71).
  4. إنهم جعلوا إبليس شريكاً لرب العالمين, بل جعلوه أقوى منه تعالى الله عن قولهم وفعلهم علواً كبيراً، لأنهم يزعمون أن الله تبارك وتعالى شاء من الكفار والعصاة الإيمان والطاعة فما كانت، وشاء منهم إبليس العصيان والكفر فكان ما أراده إبليس، فقد نفذت مشيئة إبليس ولم تنفذ مشيئة الله، فقول الناس إذن: كافة ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. باطل، والصحيح على قولهم وسوء اعتقادهمأن يقول القائل: ما شاء إبليس كان وما شاء الله لم يكن. ونستغفر الله من تسطير هذه الكلمات, ولكن حاكي الكفر ليس بكافر, ولله الحمد على نعمة الإسلام والسنة(72).
  5. يزعمون أن الله تبارك وتعالى يقع في ملكه ما لا يشاء، لأنهم يقولون: هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان، لم يحب هذه الأفعال ولم يرضها فلم يردها فيكون مالم يشأ، ويشاء ما لم يكن. فأثبتوا وجود الكائنات بدون مشيئة(73).
  6. نفي القدر تكبر على الله تبارك وتعالى, لأن نفات القدر يزعمون أنهم يملكون الضر والنفع لأنفسهم دون الله، وأنهم عندهم مشيئة كاملة لأنفسهم دون مشيئة الله تعالى رداً لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}(74)، وإعراضاً عن القرآن، وعما أجمع عليه أهل الإسلام.
  7. رد لمجموعة من الآيات التي تثبت بأن الله تعالى له مشيئة كاملة، منها:
  • قول الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}(75).
  • وقوله تبارك وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا}(76).
  • وقوله عز وجل: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}(77).
  • وقوله تعالى مخبرًا عن نبيه شعيب عليه السلام أنه قال: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}(78).
  • وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}(79).
  • وقوله عز وجل: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)}(80).

هذه الآيات تبين بأن الله تبارك وتعالى ذو مشيئة نافذة كاملة تامة لا نقص فيها بوجه من الوجوه, وأنه ما شاء كان, وما لم يشأ لم يكن.

المطلب السادس: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في صفة الإرادة:

إن الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد, ولا يعجزه شيء، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.

وخطورة نفي القدر على الاعتقاد في صفة الإرادة تكون في جوانب منها:

  1. نفي القدر فيه إثبات لصفة العجز لله تعالى، والتنقيص من شأنه عز وجل، ومخالفة للأمة الإسلامية في أن الله تبارك وتعالى إذا أراد شيئا أن يكون كان، وما لم يرد أن يكون لم يكن. لأن نفات القدر يقولون: إن الله تبارك وتعالى لا يريد وقوع الشر فيقع الشر.

ويقولون: لا نقول لم يزل مريداً للتفرقة بين أوليائه وأعدائه. زعموا أن الله لا يريد التفرقة بين أوليائه وأعدائه، ونسبوه سبحانه إلى النقص. تعالى الله عن قول القدرية علواً كبيراً.

وأرادوا أن يصفوا الرب سبحانه بالعدل، وسموا أنفسهم العدلية فوصفوه بالعجز، وذلك أن قول القدرية واعتقادهم؛ أن الله سبحانه أراد من خلقه أجمعين الإيمان والطاعة ولم يحصل ما أراد.

روي أن أعرابيا جاء عمرو بن عبيد فقال له: إن ناقتي سرقت فادع الله أن يردها علي، فقال: «اللهم إن ناقة هذا الفقير سرقت، ولم ترد سرقتها، اللهم أرددها عليه» فقال الأعرابي: يا شيخ، الآن ذهبت ناقتي وأيست منها، قال: «وكيف؟» قال: لأنه إذا أراد أن لا تسرق فسرقت، لم آمن أن يريد رجوعها فلا ترجع، ونهض من عنده منصرفاً(81).

  1. إنهم جعلوا إبليس شريكا لرب العالمين، بل يلزم من قولهم إن إبليس أقوى من الله تعالى الله عن قولهم وفعلهم علواً كبيراً، لأنهم يزعمون أن الله أراد من العباد أمراً لم يكن وأخرجوه من ملكه وقدره، وأراد إبليس من العباد أمراً فكان. وإبليس عند القدرية أقوى وأعز. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

ويقولون: إن الله تبارك وتعالى لا يريد كون الشر لأحد ومن أحد، ويريده الشيطان ثم يكون ذلك وإن لم يكن ما يريده الله، كما قالت الزنادقة في كون ذلك من الشيطان وخالق الشر وإن لم يرده الله.

وقالوا: إن الله سبحانه أراد من الكفار والعصاة الإيمان والطاعة فما كانت، وأراد منهم إبليس العصيان والكفر فكان، وإذا تأملت مرادات إبليس في الدنيا وجدتها أكثر من مرادات الله سبحانه، فقد نفذت إرادة إبليس ولم تنفذ إرادة الله، وما أراد إبليس كان وما أراد الله لم يكن. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا(82).

  1. يزعمون أن الله تبارك وتعالى يقع في ملكه ما لا يريد، لأنهم يقولون: إن الله لا يريد وقوع الكفر والفسوق والعصيان. فوقع مالم يرد، وأراد ما لم يكن. فأثبتوا وجود كائنات بدون إرادته. تعالى الله عن قولهم(83).
  2. رد لمجموعة من الآيات التي تثبت بأن الله تعالى له إرادة كاملة، منها:
  • قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}(84).
  • وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}(85).
  • وقوله سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(86).
  • وقوله عز وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)}(87).

إن الله سبحانه وتعالى بين في هذه الآيات بأن له إرادة كاملة مطلقة في الهداية والإضلال, لكنه لا يضل أحداً إلا بسبب عمله السيئ, واختياره لطرق الضلالة, وأنه سبحانه عادل لا يظلم مثقال ذرة.

المطلب السابع: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم الهادي وصفة الهداية:

إن الله سبحانه وتعالى هو الهادي، وبيده هداية الخلق، وأنه هو الذي خلق الخلق فسواهم ثم هداهم أجمعين، فكل ميسر لما خلق له، وأن الله تبارك وتعالى يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، وهو سبحانه لا يعجزه شيء في هذا الكون.

وخطورة نفي القدر على الاعتقاد في اسم الهادي وصفة الهداية تكون في جوانب كثيرة منها:

  1. نفي القدر إثبات لصفة العجز لله تعالى, والتنقيص من شأنه عز وجل بأن الله تبارك وتعالى لا يقدر على هداية الخلق، وأن الخلق موكلون إلى أنفسهم، والهداية والضلال بأيديهم. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا(88).
  2. التكبر على الله تبارك وتعالى, والاستغناء عنه بزعمهم أنهم يملكون الهداية والضلال والنفع والضر لأنفسهم دون الله. ويزعمون أن من أراد أن يؤمن آمن لأن الحول والقوة والاختيار بيده، وأن العبد هو الذي يهدي نفسه, ولا يفتقر في حصول هذا الاهتداء إلى الله, بل كل عبد عندهم معه ما يحصل به الاهتداء، وأن الله لا يقدر من الهدى إلا على ما فعله من إرسال الرسل، ونصب الأدلة، وإزاحة العلة، ولا مزية عندهم للمؤمن على الكافر في هداية الله تعالى، ولا نعمة له على المؤمن أعظم من نعمته على الكافر في باب الهدى(89).
  3. القنوط من رحمة الله تبارك وتعالى, واليأس من روحه باعتقاد أن الله لا يقدر على هداية الإنسان، تعالى الله عن قولهم(90).
  4. رد لمجموعة من الآيات التي تثبت بأن الله تعالى هو الهادي وبيده هداية الخلق، منها:
  • قول الله تبارك وتعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(91).
  • وقوله سبحانه: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}(92).
  • وقوله عز وجل: { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}(93).
  • وقوله تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}(94).
  • وقوله سبحانه: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}(95).

في هذه الآيات بين الله تبارك وتعالى بأن هداية التوفيق بيده وحده لا أحد يشاركه فيها, وأنه سبحانه وتعالى يهدي من يشاء برحمته وفضله, ويضل من يشاء بعدله وحكمته, ولا يظلم أحداً في الهداية والإضلال.

المبحث الثاني: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في ربوبية الله تعالى وألوهيته وعلى سلوك المسلم وطاعاته لربه

المطلب الأول: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في ربوبية الله تعالى:

إن الله تبارك وتعالى هو الخلاق العليم، وهو علام الغيوب والشهادة، وفعال لما يريد، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، وصورهم فأحسن صورهم ورزقهم من الطيبات، وهو المدبر لأمور هذا الكون، وكل شيء عنده بمقدار، وعنده أم الكتاب يمحو فيه ما يشاء, ويثبت فيه ما يشاء، وهو المحيي والمميت، وبيده خزائن السماوات والأرض، وله جميع صفات الربوبية الكاملة سبحانه وتعالى.

فمقالة نفي القدر طعن في ربوبية الله تبارك وتعالى، ونقص من شأنه عز وجل من عدة أوجه منها:

  1. كما تقدم(96) من النفات للقدر منهم من ينكر علم الله بالأشياء قبل كونه، ويزعمون أن الله تعالى لم يعلم حتى خلق لنفسه علماً، وأن الأشياء إنما تصير معلومة له عند حدوثها ووجودها، وهذا إثبات للجهل لله تعالى, والجاهل لا يستحق أن يكون رباً. تعالى الله عن قولهم.
  2. كما تقدم(97) فإن منهم ينكر قدرة الله تعالى على أفعال المخلوقات, ويقول: إن الإنسان مخير, وليس لله تعالى قدرة على أفعال العباد، وإنما العباد يفعلون ما يشاؤون، وأن الله تعالى يكون في ملكه ما لا يريده، فيريد الشيء أن يكون ولا يكون, تعالى الله عن ذلك، وهذا طعن في ربوبية الله تعالى، وإثبات للعجز له سبحانه، والعاجز لا يصلح أن يكون رباً.
  3. من القدرية من ينكر خلق الله تعالى لأفعال العباد، ويقولون إن العباد هم الخالقون لأفعالهم، وبهذا أنهم أثبتوا خالقِين كثر مع الله, وعقيدتهم هذه أسوء من عقيدة المجوس, لأن المجوس أثبتوا خالقَين؛ خالق الخير, وخالق الشر. أما نفات القدر جعلوا كل من فيه روح خالقاً مع الله, وهم يخلقون الخير والشر في أنفسهم لأنفسهم. وكذلك جعلوا إبليس شريكاً مع الله تعالى في الخلق، لأنهم يزعمون أن الله تعالى يخلق الخير، والشيطان يخلق الشر. بل جعلوا إبليس أقوى من الله تعالى, لأن الله لم يرد ولم يشأ الشر وخلْقه، وإبليس أراد وشاء الشر وخلْقه، فحصل ما أراد وشاء إبليس، ولم يحصل ما أراده الله وشاءه تعالى الله عن قولهم، وبهذا جعلوا الله عاجزاً في خلقه وإرادته ومشيئته، وجعلوه مقهوراً, لأنه قد شاء وأراد ما لم يكن, وكان ما لم يشأ ولم يرد، ولا شك أن هذا شرك في ربوبية الله تعالى(98).

المطلب الثاني: بيان خطورة نفي القدر على الاعتقاد في ألوهية الله تعالى:

إن الله تبارك وتعالى هو الإله الحق، ولا معبود بحق إلا هو، وهو المستحق لإفراد العبودية له، وصرف جميع العبادات له قلبية وقولية وعملية.

ولكن نفي القدر طعن في ألوهية الله سبحانه، لأنه كما تقدم في المبحث الأول أن نفي القدر طعن في أسماء الله وصفاته عز وجل، وكذلك طعن في ربوبيته، وإثبات للصفات النقص والعجز له سبحانه، وأنه ليس قادراً على كل شيء، وليس عالماً بكل شيء، وليست له المشيئة الكاملة والإرادة الكاملة، وليس خالقاً لكل شيء، ويوجد معه خالقون كثر، وإبليس لعنه الله شريك مع الله تعالى في خلقه ومشيئته وإرادته، فلا شك أن هذه المقالات كل واحدة منها كفر أكبر, وطعن في أسماء الله وصفاته, وربوبيته، والطعن فيهما طعن في ألوهية الله تعالى, لأن أسماء الله وصفاته وربوبيته تستلزم ألوهية الله تبارك وتعالى, لأن الإله المعبود لا بد أن يكون له أسماء حسنى, وصفات علا, وربوبية كاملة، والإله الذي عنده الصفات الناقصة, ويشاركه غيره في صفاته وربوبيته لا يستحق أن يكون إلهاً، ولا يستحق العبادة وحده, لعجزه ومشاركة غيره معه، وكما شاركه غيره في أسمائه وصفاته وربوبيته كذلك يشاركه غيره في العبادات والدعاء والخوف والرجاء والاستعانة والاستغاثة والتوكل وغير ذلك من أنواع العبادات القلبية والقولية والفعلية. وهذا شرك في الألوهية، تعالى الله عن قول القدرية علواً كبيراً(99).

المطلب الثالث: بيان خطورة نفي القدر على سلوك المسلم وطاعاته لربه(100):

لنفي القدر أخطار وآثار سيئة على سلوك المسلم وطاعاته لربه، وما يتعلق بعلاقته بينه وبين ربه خصوصاً، وما يتعلق بعلاقته بينه وبين الخلق عموماً.

وهنا أذكر بعض هذه الأخطار المترتبة على نفي القدر، المتعلقة بسلوك المسلم وطاعاته:

  1. تترتب على نفي القدر: الغرور بالنفس, وعدم شكر نعم الله، والبطر وعدم الاعتراف بفضل الله، لأن نافي القدر يوصله الأمر إلى أن يعتقد بأن ما أصابه من الخير هو بذكائه وحسن تدبيره، ويكون حاله مثل حال قارون إذ قال الله في حقه: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي…}(101).
  2. تترتب على نفي القدر: عدم الطمأنينة والجزع، وعدم الصبر على الضراء والمصائب وأقدار الله المؤلمة، لأن نافي القدر ليس عنده هذه العقيدة بأن كل ما أصابه من البلاء يكون بقدر الله تعالى له، ويعجز وييأس من روح الله، ولا يصبر ويحتسب الأجر.
  3. نفي القدر سبب لانتشار الأمراض القلبية؛ مثل الحسد والحقد والبغض والعداوة بين الناس، ويوقع الناس في التفرق والتمزق، لأن نافي القدر لا يعتقد أن ما عليه غيره من خير هو من فضل الله عليهم، وهو الذي آتاهم ورزقهم وأكرمهم وقدر لهم هذا الخير. فلذا صعب أن تجد عند نافي القدر السكينة وطمأنينة القلب وسلامة الصدر أمام غيره، بخلاف المؤمن بالقدر بحيث يرضى بما قسمه الله له، وبما قسمه لغيره، ويعرف أنها كلها من عند الله، ويعيش سالم القلب مطمئناً، ومؤمناً مستسلماً لما قدره الله على الخلائق.
  4. نفي القدر ذل للإنسان, بحيث يجعله يتكفف الناس, ويسألهم حاجاته، ويستعين بهم في إفراج كرباته، لأنه يعتقد بأن الخير والشر بأيديهم، ولا يسأل الله تعالى أن يفرج همه، وينفس كربه، ولا يطلب حاجاته منه، ولا يعتمد على الله تعالى، لأنه لا يعتقد بأن الأمر كله بيد الله تعالى خلقاً ومشيئة وتقديراً وإيجاداً، ولا يعتقد بأن المستعان على حصول المراد هو الله وحده دون غيره، فلذا يعيش نافي القدر ذليلاً حقيراً منبوذاً بين الناس.

يقول الشاعر:

لا تسألنّ بني آدم حاجة واسأل الذي أبوابه لا تحجب

الله يغضب إن تركت سؤاله وترى ابن آدم حين يُسأل يغضب(102)

  1. تترتب على نفي القدر: كفر النعمة، وعدم الرضا بالرزق وبما قسمه الله له من الأرزاق، وعدم القناعة، وبالتالي كفر النعمة وعدم شكر على ما رزقه الله تعالى.
  2. من لوازم نفي القدر عدم اللجوء إلى الله تعالى, ودعائه التوفيق, وطلب العون منه بأن يعينك على فعل الطاعات, وترك المعاصي.
  3. النافي للقدر لا يكون قلبه متعلقاً بالله تعالى يسأله أن يثبت قلبه ويدفع عنه الشر ولا يكله إلى نفسه، ولا يخاف من أن يقلب الله قلبه، ولا يخاف من مكر الله، ولا يعتقد بأن قلوب بني آدام بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. فلذا يخشى على نافي القدر أن تسيء خاتمته، ولا يؤمن عليه من الزيغ والانحراف، لأن الخسارة كل الخسارة أن يكلك الله إلى نفسك، والفوز والنجاح من أن لا يكلك الله إلى نفسك, بل يكلك الله تعالى إليه سبحانه.
  4. من لوازم نفي القدر لا يبقى معنى في دعائنا بأن يمسك الله على يد الظالم بأن لا يظلم، وأن ينصر المسلمين عليهم، وأن يهدي ضال المسلمين إلى الحق.
  5. البيت القصيد في المسألة: نفي القدر تعطيل للشرائع والأمر والنهي.

الخاتمة

أبرز النتائج

من خلال هذا البحث توصلت إلى مجموعة من النتائج وأهمها الآتي:

  1. يلزم من نفي القدر عدم الإيمان بركن من أركان الإيمان الستة، وعدم الإيمان بركن من أركان الإيمان كفر أكبر يخرج صاحبه من الإسلام.
  2. نفي القدر طعن في ذات الله تبارك وتعالى وعلمه وإرادته، وتنقيص من شأنه، ووصف له بالعجز وعدم القدرة على كل شيء، وعدم المشيئة الكاملة، وعدم خلق كل شيء، وإثبات للصفات الناقصة له تعالى، وإنكار للصفات الكاملة له. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
  3. نفات القدر من أكثر الناس تناقضاً لأنهم يقولون: إن الله لم يخلق الشر، ويقولون: إن الله خلق إبليس. وهو رأس الشر.
  4. نفات القدر من المتشبهين بالمجوس, بل أسوأ منهم لإثباتهم خالقِين كثر مع الله تعالى.
  5. نفات القدر جعلوا إبليس شريكاً مع الله تعالى في خلقه ومشيئته وإرادته، بل جعلوه أقوى من الله تعالى في هذه الصفات. تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
  6. نفي القدر رد لمجموعة من الآيات التي تثبت صفات كاملة لله تعالى في القرآن الكريم وطعن فيها.
  7. نفي القدر طعن في ربوبية الله تبارك وتعالى، وإثبات للشركاء له في خلقه وإرادته ومشيئته
  8. نفي القدر طعن في ألوهية الله تبارك وتعالى, لأن الطعن في أسماء الله وصفاته وربوبيته طعن في ألوهيته.
  9. نفي القدر سبب للتكبر على الله تعالى واستغناء عنه، وسبب لعدم تعلق القلب بالله تعالى، وسبب للغرور وعدم شكر النعمة، لاعتقاد أن الإنسان خالق أفعاله، وبالتالي يستغنون عن الله، ولا يحتاجون إلى الاستعانة به ودعاء التوفيق منه، وشكر النعمة.
  10. نفي القدر يجعل الإنسان لا يطمئن ولا يصبر على المصائب، ولا يرضى بما قدره الله له، لأنه لا يؤمن بالقدر.
  11. نفي القدر يجعل الإنسان ذليلاً يتكفف الناس, ويسألهم حاجاته دون الله تعالى، ولا يربطه بالله تعالى بأن يدعوه ويسأله الحوائج.
  12. نفي القدر سبب لانتشار الأمراض القلبية مثل: الحسد والحقد والبغض والعداوة بين الناس، ويوقع الناس في التفرق والتمزق.
  13. نفي القدر تعطيل للشرائع والأمر والنهي.
  14. مقالة نفي القدر مقالة كفرية تخرج القائل بها عن دائرة الإسلام (بعد إقامة الحجة عليه).

التوصيات

استنادا لما تم التوصل إليه من النتائج في هذا البحث يوصي الباحث بالتوصيات الآتية:

  1. رجوع الناس إلى القرآن والسنة بفهم القرون المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، لمعرفة وفهم الدين فهماً صحيحاً سليماً خصوصاً في باب القدر, لأنه باب دقيق وحساس, وضل فيه كثير من الفرق المنتسبة للإسلام.
  2. رجوع المسلمين إلى كبار علمائهم، وطلب الفتيا منهم في أمور دينهم عامة, وفي باب القدر خاصة, لأنهم هم الراسخون في هذا الباب ويفهمون دقائق مسائله.
  3. عدم الكلام في الدين بغير علم، خصوصا في باب القدر, لأنه باب من تكلم فيه بغير علم ضل, ومن خاض فيه زل.
  4. أوصي نفسي والمسلمين بدراسة أركان الإيمان الستة دراسة تفصيلية صحيحة لكي لا نقع في أخطاء تنقض إيماننا بركن من أركان الإيمان خصوصاً الركن السادس الذي هو الإيمان بالقدر, لأنه باب لا يفهمه ولا يعلم تفاصيله كثير من المسلمين.
  5. أدعو الجهات المسؤولة والدعاة والمربين والآباء إلى تعليم الشباب وعموم المسلمين معنى الإيمان بالقدر تعليماً صحيحاً مبنياً على الكتاب والسنة بفهم القرون المفضلة، وذلك عن طريق الخطب، وإقامة الدورات، والدروس، والكتب، والمجلات، ووسائل الإعلام، وغير ذلك من الطرق.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم

  1. ابن أبي الخير، أبو الحسين يحيى بن سالم العمراني اليمني، الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار، تحقيق: سعود بن عبد العزيز الخلف، أضواء السلف، الرياض، السعودية، الطبعة الأولى، 1419ه.
  2. ابن أبي العز، صدر الدين محمد بن علاء الدين عليّ بن محمد الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية، تحقيق: أحمد شاكر، وزارة الشؤون الإسلامية، والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة الأولى، 1418ه.
  3. ابن الوزير، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني، العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثالثة، 1415 ه.
  4. ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، الاستقامة، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1403ه.
  5. ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، الإيمان، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، عمان، الأردن، الطبعة الخامسة، 1416ه.
  6. ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، تحقيق: مجموعة من المحققين، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، الطبعة الأولى، 1426ه0
  7. ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، جامع الرسائل، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، دار العطاء، الرياض، الطبعة الأولى، 1422ه.
  8. ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، جامع المسائل، تحقيق: محمد عزير شمس، إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، مكة، الطبعة الأولى، 1422ه.
  9. ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، لسان الميزان، تحقيق: دائرة المعرف النظامية، الهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1390هـ.
  10. ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي الظاهري، الفصل في الملل والأهواء والنحل، الناشر: محمد علي صبيح, مكتبة الخانجي، القاهرة, 1348ه.
  11. ابن حنبل, عبد الله ابن أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانيّ، السنة، تحقيق: د. محمد بن سعيد بن سالم القحطاني، دار ابن القيم، الدمام، الطبعة الأولى، 1406ه.
  12. ابن سعد، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410ه.
  13. ابن فارس, أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا, معجم مقاييس اللغة, تحقيق: عبد السلام محمد هارون, دار الفكر, 1399هـ.
  14. ابن قتيبة, أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري, تأويل مختلف الحديث, المكتب الاسلامي, مؤسسة الإشراق, الطبعة الثانية, 1419هـ.
  15. أبو الفتح, شهاب الدين محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي, المستطرف في كل فن مستطرف, عالم الكتب بيروت, الطبعة الأولى، 1419هـ.
  16. الأسفراييني، أبو المظفر طاهر بن محمد، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، تحقيق: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، لبنان، الطبعة الأولى، 1403ه.
  17. الأشعري، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق، الإبانة عن أصول الديانة، تحقيق: د. فوقية حسين محمود، دار الأنصار، القاهرة، الطبعة الأولى، 1397ه.
  18. الأشقر, عمر سليمان عبد الله الأشقر, القضاء والقدر, دار النفائس, عمان الأردن, الطبعة الثالثة عشر, 1425ه.
  19. البغدادي، عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله التميمي، الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية، 1977م.
  20. حافظ الحكمي, حافظ بن أحمد بن علي, معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول, تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر, دار ابن القيم, الدمام, الطبعة الأولى, 1410ه.
  21. الحمد, محمد بن إبراهيم, الإيمان بالقضاء والقدر, دار الوطن, الرياض, الطبعة الثانية, 1416ه.
  22. السفاريني, شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد, لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية, مؤسسة الخافقين ومكتبتها, دمشق, الطبعة الثانية, 1402هـ.
  23. الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر، الملل والنحل، تحقيق: عبد العزيز محمد الوكيل, مؤسسة الحلبي, 1387ه.
  24. الفِرْيابِي، أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن، كتاب القدر، تحقيق: عبد الله بن حمد المنصور، أضواء السلف, الرياض المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1418ه.
  25. القاضي, أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد المعتزلي, المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق: مجموعة من المحققين، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر.
  26. القناوي، أبو الحسن القفطي شيث بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة، حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر، تحقيق: عبد الله عمر البارودي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405ه.
  27. اللالكائي، أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري الرازي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، تحقيق: أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي، دار طيبة، السعودية، الطبعة الثامنة، 1423ه.
  28. الماتريدي، أبو منصور محمد بن محمد بن محمود، التوحيد، تحقيق: د. فتح الله خليف، دار الجامعات المصرية، الإسكندرية, 2010م.
  29. مسلم, بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري, المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (صحيح مسلم), تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء التراث العربي, بيروت.
  30. المَلَطي، أبو الحسين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، تحقيق: محمد زاهد بن الحسن الكوثري، المكتبة الأزهرية للتراث، مصر, الطبعة الثانية, 1977م.

1) [آل عمران:102].

2) [النساء:1].

3) [الأحزاب:70-71].

4) انظر: مسلم, صحيح مسلم (1/ 37).

5) ابن فارس, معجم مقاييس اللغة (5/ 62).

6) السفاريني, لوامع الأنوار البهية (1/ 348).

7) انظر: الفريابي، القدر (ص 155- 226). الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة (ص 15- 19). الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع (ص 165- 176).

8) ابن القيم، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص 29).

9) انظر: الحمد, الإيمان بالقضاء والقدر (ص 168-173).

10) الفريابي, القدر (ص: 206).

11) مسلم, صحيح مسلم (1/ 36).

12) ابن قتيبة, تأويل مختلف الحديث (ص: 137-138).

13) القاضي, المغني في أبواب التوحيد والعدل (8/283).

14) الشهرستاني، الملل والنحل (1/ 133).

15) ابن تيمية، الإيمان (ص 299).

16) ابن الوزير، العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (6/ 10).

17) انظر: ابن أبي الخير، الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (1/ 65). الماتريدي، التوحيد (ص303-304).

18) الماتريدي، التوحيد (ص 303- 304).

19) ابن حنبل، السنة (2/ 385).

20) البغدادي، الفرق بين الفرق (ص 323).

21) [لقمان: 34].

22) [التوبة: 78].

23) [الأنعام: 59].

24) [الطلاق: 12].

25) [هود: 6].

26) [الصافات: 171: 173].

27) [البقرة: 30].

28) [الأنعام: 28].

29) [البقرة: 29].

30) انظر: ابن الوزير، العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (5/ 291). ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل (5/ 9).

31) انظر: ابن الوزير، العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (5/ 321).

32) [يونس: 49].

33) انظر: الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة (ص 17). ابن عساكر، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري (ص 157). ابن تيمية، بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (1/ 105).

34) انظر: الاسفراييني، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين (ص 88- 89).

35) انظر: ابن عساكر، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري (ص 157). ابن تيمية، التسعينية (3/ 1011).

36) [يونس: 25].

37) [الكهف: 17].

38) [التوبة:2].

39) [البقرة: 284].

40) [الفاتحة: 6].

41) عمرو بن عبيد بن باب، مولى لبني تميم، ويكنى أبا عثمان، معتزلي صاحب رأي ليس بشيء في الحديث، توفي سنة (144ه) ودفن بمران على ليال من مكة طريق البصرة. انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى (7/ 201).

42) [المسد:1].

43) الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، شارك غزوة البدر ضد المسلين، مات بعد الهجرة بثلاثة أشهر عن خمس وتسعين سنة، ولم يسلم. انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى (4/ 98- 101).

44) [المدثر: 11].

45) اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 813).

46) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان بن الحر بن مالك بن الخشخاش ويكنى أبا المثنى، وولد سنة (119ه) في خلافة هشام بن عبد الملك، وولي قضاء البصرة لهارون أمير المؤمنين، ثم عزل. وتوفي بالبصرة في شهر ربيع الآخر سنة (196ه). انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى (7/ 215).

47) مجهول، ولم أقف على ترجمته غير ما قاله ابن حجر العسقلاني: “عثمان بن خاش بصري ذاكر عمرو بن عبيد في مسألة من الاعتزال فجره عمرو إلى بدعته فهي آفته…”. ابن حجر، لسان الميزان (4/ 134).

48) لم أقف على ترجمته.

49) لم أقف على ترجمته.

50) [المسد:1].

51) [المدثر: 11].

52) [الزخرف: 1-4].

53) اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 813).

54) [الرعد: 39].

55) [الأنبياء: 105].

56) [الحديد: 22].

57) [الحج: 70].

58) [هود: 6].

59) [النمل: 75].

60) [سبأ: 3].

61) انظر: الشهرستاني، الملل والنحل (1/ 66).

62) انظر: الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة (ص 15). الأسفراييني، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين (ص 90). ابن أبي العز، شرح الطحاوية (ص 538).

63) انظر: الماتريدي، التوحيد (ص 314).

64) انظر: ابن أبي الخير، الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (2/ 507).

65) [الأنعام: 102].

66) [الرعد: 16].

67) [الصافات: 96].

68) [الزمر: 62].

69) انظر: الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة (ص 15).

70) انظر: البغدادي، الفرق بين الفرق (ص 325).

71) انظر: ابن عساكر، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري (ص 156).

72) انظر: القناوي، حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر (ص 32).

73) انظر: ابن تيمية، الاستقامة (1/ 431). ابن تيمية، التسعينية (3/ 1010).

74) [الأعراف: 188].

75) [التكوير: 29].

76) [البقرة: 253].

77) [السجدة: 13].

78) [الأعراف: 89].

79) [البقرة: 253].

80) [يونس: 99].

81) انظر: الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة (ص 83). اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 816)، القناوي، حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر (ص 31).

82) انظر: الماتريدي، التوحيد (ص 92)، ابن أبي الخير، الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (2/ 507)، القناوي، حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر (ص 31- 32).

83) انظر: ابن تيمية، الاستقامة (1/ 431). ابن تيمية، التسعينية (3/ 1010).

84) [هود: 107].

85) [البقرة: 253].

86) [يس: 82].

87) [الأنعام: 125].

88) انظر: ابن الوزير، العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (6/ 12-13). ابن تيمية، الفتاوى الكبرى (1/ 102).

89) انظر: ابن تيمية، الفتاوى الكبرى (1/ 102- 103). ابن تيمية، جامع الرسائل (1/99).

90) انظر: ابن عساكر، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري (ص 157)، ابن تيمية، التسعينية (3/ 1011).

91) [الأعراف: 178].

92) [الكهف: 17].

93) [البقرة: 26].

94) [الروم: 29].

95) [الأنعام: 125].

96) انظر: (ص 9-10)

97) انظر: (ص 18-21)

98) انظر: الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة (ص 15). الأسفراييني، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين (ص 90). الشهرستاني، الملل والنحل (1/ 66). ابن أبي العز، شرح الطحاوية (ص 538).

99) انظر: المبحث الأول (ص10), والمطلب الأول من المبحث الثاني (ص25), وحافظ الحكمي, معارج القبول (3/952).

100) انظر: الحمد, الإيمان بالقضاء والقدر (ص87-112). الأشقر, القضاء والقدر(ص 109-112).

101) [القصص: 76- 78].

102) أبو الفتح, المستطرف في كل فن مستطرف (ص: 303).