مجلة العلوم الإسلامية

حكم التقييد بعمل أهل المدينة وكيفية تقديمه على مصادر التشريع وأثره في علم الأصول

Ruling on restricting with the work of the people of Medina and how to submit it on the sources of legislation in the science of assets

FAROOQ ABBAS NOORALDEEN

Technical Institute/ Kirkuk || Northern Technical University || Iraq

DOI PDF

Tab title
After Praise be to Allah, the use of it, I saw that the plan of this research project entitled by virtue of the limitation of the work of the people of medina and how to submit the sources of legislation and its impact on knowledge assets, where there is some controversy when the assets in the rule of jurisprudence and scientists, medina of the Prophet, peace be upon him, the workflow of this controversy, I saw that the work plan of the search above, consists of two sections, the first section consist of two prerequisites, which dealt with the concept of the people of medina (Definition), the rule of restraint in their work, and then listed the various sources of legislation, either on the second section that consist of two prerequisites , the first section examined the causes that lead to a restriction on the sources of legislation, the second section indicated what effects which lead to the restriction of the work of the people of medina in the science of assets, according to the views of the Fundamentalists In conclusion, and then shown The conclusion of research, with the results, with the anniversary of the recommendations research concluded the indexing of the sources and references. Keywords: work of the people of Medina, Origins of Islamic jurisprudence, sources of Islamic legislation.

حكم التقييد بعمل أهل المدينة وكيفية تقديمه على مصادر التشريع
وأثره في علم الأصول

فاروق عباس نور الدين

المعهد التقني/ كركوك || الجامعة التقنية الشمالية || العراق

Tab title
بعد الحمد لله والاستعانة به، وجدت خطة بحثي هذا المعنون بــ حكم التقييد بعمل أهل المدينة وكيفية تقديمه على مصادر التشريع وأثره في علم الأصول، حيث إن هناك جدل قائم عند أهل الأصول في حكم العمل بفقه علماء مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وللانتهاء من هذا الجدل رأيت أن أعمل خطة للبحث أعلاه، يتكون من مبحثين، ففي المبحث الأول الذي يحتوي على مطلبين، تناولت فيه مفهوم أهل المدينة (تعريف)، وحكم التقييد بعملهم، ومن ثم سردت مصادر التشريع المختلفة، أما في المبحث الثاني الذي يحتوي على مطلبين أيضا، المبحث الأول درست فيه الأسباب التي تؤدي إلى تقديم حكم التقييد على مصادر التشريع، المبحث الثاني بينت ماهي الآثار التي تؤدي إلى التقييد بعمل أهل المدينة في علم الأصول، وذكرت آراء الأصوليين في ذلك، ثم بينت خاتمة للبحث مع جملة من النتائج، مع ذكري للتوصيات وختمت بحثي بفهرسة للمصادر والمراجع، وقمت في البحث بتتبع المنهج الوصفي التحليلي وذلك من أجل بيان حجية عمل أهل المدينة من عدمها، بالإضافة إلى ذكر الآراء المختلفة للأصوليين وأدلتهم وذكر الاعتراضات والمناقشات والردود، ثم الترجيع في النهاية. الكلمات المفتاحية: عمل أهل المدينة، أصول الفقه الإسلامي، مصادر التشريع الإسلامي.

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (سورة النساء، الآية 1)

أما بعد..

فإن حجية عمل أهل المدينة من أهم المسائل التي كثر فيها الخلاف بين الفقهاء وهو من الأصول التي اعتمد عليها الإمام مالك رحمه الله تعالى في بناء مذهبه، ونظرا للتخبط والجدل القائم عند طلاب العلم عندما يستدل العلماء في المسألة بعمل أهل المدينة كان بحثي بعنوان: حكم التقيد بعمل أهل المدينة وكيفية تقديمه على مصادر التشريع في علم الأصول.

مشكلة البحث وأهم التساؤلات

  1. لماذا هذا الغموض الذي يسيطر على جل طلاب العلم عندما يستدل العلماء على المسألة بعمل أهل المدينة؟

  2. هل عمل أهل المدينة بمنزلة الإجماع القطعي الذي لا تجوز مخالفته أم هو دون ذلك؟

  3. هل عمل أهل المدينة حجة بنفسه، أم أنه يرجح به اجتهاد أهل المدينة على غيرهم؟

أهداف البحث:

  1. إزالة الغموض حول عمل أهل المدينة وحجية العمل به.

  2. بيان آراء الأصوليين في حجية عمل أهل المدينة.

  3. بيان أنواع عمل أهل المدينة.

  4. تبرئة الإمام مالك رحمه الله تعالى مما نسب إليه من تخصيص الإجماع بهم، أو أن إجماعهم لا تجوز مخالفته.

أهمية البحث:

    1. إن من جملة ما اختلف فيه الفقهاء: حجية العمل بعمل أهل المدينة وإجماعهم، والذي يعتبر من الأصول التي اعتمد عليها الإمام مالكرحمه الله تعالى في بناء مذهبه

    2. إن عمل أهل المدينة من الأصول التي أكثر الإمام مالك رحمه الله تعالى وأصحابه من الاستدلال بها، في كثير من المسائل الفقهية، وعند دراسة هذا الدليل من الناحية النظرية نجد أن العلماء يختلفون في كثير من المسائل المتعلقة به.

    3. إن اختلاف العلماء في العمل بعمل أهل المدينة وإجماعهم له تأثير كبير في فروع الفقه وبعض أحكامه والتي نشأ خلافا فيها نتيجة العمل بهذا الأصل

    4. بالرغم من احتجاج الإمام مالك رحمه الله بعمل أهل المدينة، إلا أن مدلوله والمقصود منه ليس على قدر كاف من الوضوح، مما أدى إلى كثرة الجدل حول معناه

    5. كثرة التشنيع على الإمام مالك رحمه الله تعالى بسبب تقديمه لعمل أهل المدينة على خبر الآحاد، ولأهمية ذلك اخترت البحث في (حكم التقييد بعمل أهل المدينة وكيفية تقديمه على مصادر التشريع وأثره في علم الأصول).

منهج البحث:

قمت في البحث بتتبع المنهج الوصفي التحليلي وذلك من أجل بيان حجية عمل أهل المدينة من عدمها، بالإضافة إلى ذكر الآراء المختلفة للأصوليين وأدلتهم وذكر الاعتراضات والمناقشات والردود، ثم الترجيع في النهاية.

الدراسات السابقة:

بعد البحث والتنقيب والتدقيق وجدت أن هذا الباب لم يطرق كثيراً ومن طرقه من الباحثين لم يُلم بالموضوع من جميع جوانبه وإليك بيان بالدراسات السابقة:

  1. عمل أهل المدينة وأثره في فقه الإمام مالك، رسالة ماجستير بالجامعة الأردنية للمؤمني، أحمد أرشيد علي، عام1995م، تطرق الباحث في رسالته لمدرسة المدينة المنورة ونشأتها وأشهر فقهائها، ثم تطرق للتعريف بعمل أهل المدينة، ثم تطرق لذكر المسائل التي احتج بها الإمام مالك رحمه الله، ولم يتطرق الباحث لذكر آراء الأصوليين في الاحتجاج بعمل أهل المدينة.

  2. عمل أهل المدينة وأثره في الخلاف بين الإمام مالك والإمام الليث دراسة فقهية وأصولية مقارنة رسالة الليث بن سعد أنموذجاً، رسالة ماجستير بجامعة آل البيت الأردنية مقدمة من الباحث الجبوري، محمد خضير محمد، عام 2018م، تناول الباحث عمل أهل المدينة من ناحية القيمة العلمية للرسائل التي كانت بين أهل العلم في العصور الأولى وكيف أنهم كانوا يجتمعون رغم اختلافهم ولم يكن بينهم من عداوة ولا بغضاء، ولم يتعرض الباحث لحجية عمل أهل المدينة.

  3. خبر الواحد إذا خالف عمل أهل المدينة: دراسة وتطبيقا، رسالة ماجستير جامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية، مقدمة من الباحث فلمبان، حسان بن محمد حسين عبدالغني عام 1988م، تعرض الباحث في رسالته إجمالا لعمل أهل المدينة وموقف الأصوليين منه ثم تطرق لخبر الآحاد وحجيته إذا خالف عمل أهل المدينة.

خطة البحث:

  • المقدمة: واشتملت على ما تقدم.

  • المبحث الأول: التعريف بعمل أهل المدينة وفيه أربعة مطالب:

    • المطلب الأول: المقصود بعمل أهل المدينة عند الأصوليين والمعاصرين

    • المطلب الثاني: مظان تناول الغالبية العظمى من الأصوليين عمل أهل المدينة ضمن باب الإجماع

    • المطلب الثالث: أنواع عمل أهل المدينة.

  • المبحث الثاني: حجية عمل أهل المدينة وفيه أربعة مطالب:

    • المطلب الأول: دعوى القول بأن الإمام مالك رحمه الله تعالى يرى أن إجماع الأمة هو إجماع أهل المدينة

    • المطلب الثاني: آراء الأصوليين في الاحتجاج بعمل أهل المدينة.

    • المطلب الثالث: المصطلحات التي تدل على نسبة المسائل إلى عمل أهل المدينة.

    • المطلب الرابع: بعض المسائل التي احتج فيها الإمام مالك بعمل أهل المدينة.

المبحث الأول: التعريف بعمل أهل المدينة

المطلب الأول: المقصود بعمل أهل المدينة عند الأصوليين والمعاصرين

المقصود بعمل أهل المدينة عند الأصوليين:

اختلف الأصوليون في تحديد المقصود بعمل أهل المدينة إلى عدة اتجاهات، وبصورة عامة يمكن تحديد اختلافهم في اتجاهين:

  • أولا: المراد بعمل أهل المدينة عند غير المالكية:

مما تقدم في النقول السابقة في المطلب السابق عن الأصوليين من غير المالكية يمكن تعريف عمل أهل المدينة بناءً على اعتبارهم له إجماعاً مقابل لإجماع الأمة بأنه هو:

(اتفاق المجتهدين من أهل المدينة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين على أمر من الأمور نقلياً كان أو اجتهادياً)(1).

قد عُرف بالاتفاق؛ لأن الاتفاق معتبر في تعريف الإجماع عند جمهور الأصوليين، ولأن النقول السابقة تدل على أنهم اعتبروه إجماعاً مقابلاً لإجماع الأمة لذلك ردوه.

وأضيف الاتفاق إلى المجتهدين حتى لا يتبادر إلى الذهن أن المقصود إجماع من في المدينة، ولو لم يكن من المجتهدين.

قال إمام الحرمين: (نقل عن مالك أنّه كان يرى اتفاق أهل المدينة – يعني المجتهدين فيها– حجة)(2)، وهذا قيد معتبر في الإجماع لأن الإجماع هو (اتفاق أهل الحل والعقد) وهم المجتهدون.

وقيدت (اتفاق المجتهدين من أهل المدينة) بعصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، حتى لا يتوهم أن المقصود اتفاق أهل المدينة مطلقاً في كل زمان، وهذا القيد ذكره ابن السبكي رحمه الله تعالى في النقل السابق عنه حيث قال: (ولا ينبغي أن ّيظن ظان أنّ مالكاً رضي الله عنه يقول بإجماع أهل المدينة لذاتها في كل زمان، وإنما هي من زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمان مالك لم تبرح دار العلم، وأثار النبي صلى الله عليه وسلم بها أكثر وأهلها بها أعرف)(3)

وهكذا يظهر جلياً من كلام الأصوليين غير المالكية، أنهم يعتبرون عمل أهل المدينة إجماعاً مساويا موازياً لإجماع الأمة.

  • الثاني: تعريف عمل أهل المدينة عند المالكية ومن وافقهم من الأصوليين:

فقد سلك الأصوليون من المالكية مسلكاً مشابهاً لمسلك غيرهم من الأصوليين في وضع عمل أهل المدينة في مسائل الإجماع.

قال أبو الوليد الباجي رحمه الله تعالى (قد أكثر أصحاب الإمام مالك من ذكر إجماع أهل المدينة والاحتجاج به، وتسبب ذلك في حمل بعضهم على غير وجهه فسمع به المخالف عليه، وعدل عما رواه المحققون من أصحاب الإمام مالك رحمة الله عليه، وذلك أنّ مالكاً رحمه الله تعالى إنما عَوَّلَ على أقوال أهل المدينة، واحتج بها فيما طريقه النقل، كمسألة الأذان، والإسرار بالبسملة، وترك إخراج الزكاة من الخضروات، وغير ذلك من المسائل الكثيرة التي طريقها النقل، واتصل بها العمل في المدينة على وجه لا يخفى مثله ونقل نقلاً بحجج تقطع، فهذا نقل أهل المدينة عنده في ذلك حجة مقدمة على خبر الآحاد.

ومن أقوال أهل المدينة ما نقلوه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الآحاد وما أدركوه من الاستنباط والاجتهاد، فهذا لا فرق فيه بين علماء المدينة وعلماء غيرهم في أنّ المصير منهم إلى ما كان عَضَّدَه الدليل والترجيح، ولذلك خالف الإمام مالك في مسائل عديدة أقوال أهل المدينة، هذا مذهب مالك في هذه المسألة وبه قال محققو أصحابنا كأبي بكر الأبهري، وابن القصار وأبو التمام، وهو الصحيح)(4).

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: (أعلموا أكرمكم الله أن جميع أرباب لمذاهب من الفقهاء وأصحاب الأثر والنظر والمتكلمين ألبٌ واحد على أصحابنا في هذه المسألة مُخَطِّئُون لنا فيها بزعمهم، محتجون علينا بما سنح لهم حتى تجاوز بعضهم حد التعصب والتشنيع إلى الطعن في المدينة، فهم يتكلمون في غير موضع خلاف، فمنهم من لم يتصور المسألة ولا تحقق، ومنهم من أخذ ممن لم يحققه عنا، ومنهم من أحالها وأضاف إليها ما لا نقوله فيها كما فعله المحاملي والغزالي والصيرفي فأوردوا عنا في المسألة ما لا نقوله واحتجوا علينا بما يحتج به على الطاعنين على الإجماع، ثمّ فَصَّل وبَيَّن أنه على ضربين:

الأول: إجماعهم على عمل من طريق الاجتهاد والاستدلال، وهذا النوع أنكره كثير من السادة المالكية وأنكروا أن يكون الإمام مالك رحمه الله تعالى يفتي بهذا أو أن يكون هذا مذهبه ولا أصحابه) (5).

الثاني: من طريق النقل والحكاية التي تؤثره الكافة عن الكافة، وعملت به عملاً لا يخفى ونقله الجمهور عن الجمهور عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن الحاجب رحمه الله تعالى: (إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة عند مالك رحمه الله تعالى ، فقيل محمول على أنّ روايتهم مقدمة وقيل على المنقولات المستمرة كالأذان، والصحيح التعميم)(6).

قال ابن السبكي في تعليقه على قول ابن الحاجب (والصحيح التعميم) قال في الصورتين المذكورتين وغيرهما مما طريقه الاجتهاد والاستدلال وهو رأي أكثر المغاربة وتبعهم المصنف)(7).

وقال القرافي رحمه الله تعالى: (عمل أهل المدينة عند الإمام مالك رحمة الله عليه فيما طريقه التوقيف حجة خلافاً للجميع)(8).

وقال التلمساني رحمه الله تعالى: (إجماع أهل المدينة حجة عند مالك وخالفه غيره ومثاله احتجاج أصحابنا بإجماعهم في الأذان، والصاع والمد وغير ذلك من المنقولات المستمرة)(9).

  • يتضح لنا مما ذكرناه من أقوال المالكية أنّ عمل أهل المدينة هو: (ما اتفق عليه العلماء بالمدينة كلهم أو أكثرهم في زمن الصحابة والتابعين سواء كان سنده نقلاً أو إجماعاً أو اجتهاداً)(10).

  • تعريفات المعاصرين لعمل أهل المدينة:

  • تعريف عبد الرحمن شعلان: عمل أهل المدينة هو ما اتفق عليه العلماء والفضلاء بالمدينة كلهم أو أكثرهم في زمن مخصوص سواء أكان سنده نقلا أو اجتهاد(11).

  • تعريف الدكتور أحمد نور سيف: ما نقله أهل المدينة من سنن نقلا مستمرا عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما كان رأيا واستدلالا(12).

  • تعريف الاستاذ حسن فلمبان: إن عمل أهل المدينة عبارة عن أقاويل أهل المدينة بعضه أجمع عليه عندهم وبعضه عمل به بعض الولاة والقضاة حتى اشتهر وكله سمي إجماع المدينة وأن منه ما كان أصله سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنه ما كان سنة خلفائه الراشدينرضي الله عنهم، ومنه ما كان اجتهادا ممن بعدهم(13)

  • التعريف الراجح والأصوب:

بعد نقلنا لهذه التعاريف: وبعد تأمل هذه التعاريف والنظر في المسائل المدروسة من عمل أهل المدينة ، تبين أن التعريف الأول هو الأصوب والأدق من الناحية الوصفية للعمل دون النظر إلى ما يكون منه حجة أو لا لكنه لم يبين في التعريف الزمن الذي ينتهي إليه العمل المعتبر ولعل الباحث فعل ذلك هروبا من التحديد بسبب الخلاف القائم بين من يلحق إجماع تابعي التابعين بعمل من قبله، ومن يجعل التابعين نهاية من يعتد بعملهم عند مالك ، وقد جزم الباحث فيما بعد باعتبار التابعين خاتمة من يعتد بعملهم عند مالك، فكان الأولى أن يقول: “عمل أهل المدينة هو ما اتفق عليه العلماء والفضلاء بالمدينة كلهم أو أكثرهم في زمن الصحابة والتابعين سواء أكان سنده نقلا أو اجتهادا.

المطلب الثاني: مظان تناول الغالبية العظمى من الأصوليين عمل أهل المدينة ضمن باب الإجماع

تناول الغالبية العظمى من الأصوليين عمل أهل المدينة ضمن باب الإجماع زاعمين أن مراد الإمام مالك بعمل أهل المدينة إجماعهم، وأنه عِندَه حجة معتمد بمنزلة إجماع الأمة ولا اعتداد عنده بما يخالف إجماعهم.

قال الجصاص رحمه الله تعالى: (زعم قوم من المتأخرين أن إجماع أهل المدينة لا ينبغي لأهل سائر الأمصار مخالفتهم فيما اجتمعوا عليه)(14).

وقال الغزالي: (قال مالكالحجة في إجماع أهل المدينة فقط)(15).

وقال الآمدي رحمه الله تعالى: (اتفق الأكثرون من أهل العلم على أنّ إجماع أهل المدينة لا يكون حجة على من خالفهم في حال انعقاد إجماعهم، خلافاً لمالك رحمة الله عليه فإنه قال يكون حجة)(16).

نلاحظ مما سبق أنّ معظم الأصوليين غير المالكية يذكرون هذا الدليل ضمن حديثهم عن الإجماع، وبالتالي يعاملونه معاملة إجماع الأمة، وزعم بعض الأصوليين أنّ الإمام مالك يعتبر أنّ إجماع أهل المدينة حجة في كل عصر، وليس مقصوراً على عصر الصحابة والتابعين(17).

وقد بَيَّنَ بعضهم: أنّ مراد الإمام مالك رحمه الله تعالى بالزمن الذي استدل فيه بعمل أهل المدينة، هو الزمن الممتد من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى زمنه هو رحمه الله تعالى .

قال ابن السبكي (ولا ينبغي أن ّيظن ظان أنّ مالكاً رحمه الله تعالى يقول بإجماع أهل المدينة لذاتها في كل زمان، وإنما هي من زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمان مالك لم تبرح دار العلم، وآثار النبي صلى الله عليه وسلم بها أكثر وأهلها بها أعرف)(18).

المطلب الثالثأنواع عمل أهل المدينة:

قسم كثير من العلماء عمل أهل المدينة إلى مراتب منهم القاضي عبد الوهاب المالكي(19)والباجي والقاضي عياض كما سبق في النقول السابقة عنهم، وقد وافق ابن تيميه رحمه الله تعالى هذا التقسيم فقال:

إجماع أهل المدينة على مراتب عدة:/**

  • الأولى: ما يجري مجرى النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد وكترك صدقة الخضروات والأحباس.

  • الثانية: العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان رضي الله عنه.

  • الثالثة: إذا تعارض في المسألة دليلان كحديثين أو قياسين وجهل أيهما أرجح، وأحدهما عمل به أهل المدينة.

  • الرابعة: العمل المتأخر بالمدينة(20).

يتبين لنا من هذه التقسيمات إلى أنّ عمل الأصوليين ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: العمل النقلي ويشمل الآتي:

  1. نقل شرع مبتدأ من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم.

  2. نقل شرع مبتدأ من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.

  3. نقل تقرير الرسول صلى الله عليه وسلم.

  4. نقل ترك الرسول صلى الله عليه وسلم.

  5. العمل الذي يطابق لخبر ويخالفه خبر آخر.

  6. العمل القديم بالمدينة، ويلحق بالعمل النقلي على افتراض أنه لا يوجد عمل قديم بالمدينة مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

القسم الثاني: العمل الذي طريقه الاجتهاد والاستدلال ويشمل العمل المتأخر بالمدينة الذي ذكره ابن تيميه رحمه الله تعالى .

المبحث الثاني: حجية عمل أهل المدينة وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: دعوى القول بأن الإمام مالك رحمه الله تعالى يرى أن إجماع الأمة هو إجماع أهل المدينة:

يرى الإمام مالك أن إجماع أهل المدينة حجة، ويتضح ذلك في رسالته إلى الليث بن سعد حيث كتب إليه : “اعلمرحمك اللهأنه بلغني أنك تفتي الناس بأشياءَ مخالفة لما عليه جماعة الناس عندنا وببلدنا الذي نحن فيه، وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك، وحاجة مَن قبلك إلى ك واعتمادهم على ما جاءهم منك، حقيقٌ بأن تخاف على نفسك، وتتبع ما ترجو النجاة باتباعه؛ فإن الله تعالى يقول في كتابه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 100] وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17- 18] الآية، فإنما الناس تبع لأهل المدينة، إليه ا كانت الهجرة، وبها نزل القرآن، وأُحِل الحلال، وحُرِّم الحرام؛ إذ رسول الله بين أظهرهم، يحضرون الوحي والتنزيل، ويأمرهم فيطيعونه، ويسُنُّ لهم فيتبعونه، حتى توفاه الله واختار له ما عندهصلوات الله عليه ورحمته وبركاته، ثم قام مِن بعده أتبع الناس له من أمته ممن ولي الأمر من بعده، فما نزل بهم مما علِموا أنفَذوه، وما لم يكن عندهم فيه علم سألوا عنه، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم وحداثة عهدهم، وإن خالفهم مخالفٌ أو قال أمرًا غيرُه أقوى منه وأولى، تُرك قوله وعمِل بغيره، ثم كان التابعون من بعدهم يسلكون تلك السبيل، ويتبعون تلك السنن، فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهرًا معمولًا به لم أرَ لأحدٍ خلافه للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالُها ولا ادعاؤها، ولو ذهب أهل الأمصار يقولون: هذا العمل ببلدنا، وهذا الذي مضى عليه من مضى منا، لم يكونوا من ذلك على ثقة، ولم يكن لهم من ذلك الذي جاز لهم(21).

والذي يمكن أن يتعلق به من نسب إلى الإمام مالك أنه يرى أن الإجماع هو إجماع أهل المدينة في هذه الرسالة أمران:

  1. قوله رحمه الله تعالى: “فإنما الناس تبع لأهل المدينة“.

  2. قوله رحمه الله تعالى: “فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهرًا معمولًا به لم أرَ لأحد خلافه“.

وهذا لا يدل على أنه يرى تخصيص الإجماع بهم، أو أن إجماعهم لا تجوز مخالفته، وإنما أوضَحَ مكانة أهل العلم في المدينة أن غيرهم يقتدون بهم، ولا يرى لأحد عذرًا في مخالفة الأمر عندهم إذا كان ظاهرًا معمولاً به، بل غاية ما يدل عليه أنه حجة عنده، ولا يلزم من كونه حجة عنده أن يكون إجماعًا بمنزلة إجماع الأمة.

ومما يدل على بطلان هذه الدعوى من أن الإجماع هو إجماع أهل المدينة: أنه لم يذكر له أنه بمخالفته إجماع أهل المدينة، يكون مخالفًا لإجماع الأمة(22)

وبهذا يتبين أن دعوى القول بأن الإمام مالك رحمه الله تعالى يرى أن إجماع الأمة هو إجماع أهل المدينة قول باطل لا أساس له من الصحة، ولم ينقل عنه (23).

فقد زعم بعض أهل الأصول أن الإمام مالك رحمه الله تعالى عدّ إجماع أهل المدينة بمنزلة إجماع الأمةالمصدر الثالث من مصادر التشريعوعدم اعتداده بما يخالف إجماعهم.

كذلك زعم بعضهم أيضا: أن الإمام مالك يرى إجماع أهل المدينة حجة في كل عصر دون اقتصاره على عصر الصحابة والتابعين، وهذا ظن فاسد لا يليق أن ينسب إلى الإمام مالك رحمه الله(24).

وبناءً على ما ذكر سابقاً من الفهم الخاطئ وغير المصنف لمراد الإمام مالك رحمه الله تعالى بعمل أهل المدينة شنّع أكثرهم عليه.

حكى أبو بكر الصيرفي وأبو حامد الغزالي رحمهما الله: أن مالكاً يقول: لا يعتبر إلا بإجماع أهل المدينة دون غيره، وهذا ما لا يقوله هو ولا أحد من أصحابه.

وحكى بعض الأصوليين أن مالكاً يرى إجماع الفقهاء السبعة بالمدينة إجماعاً، ووجه قوله بأنه لعله كانوا عنده أهل الاجتهاد في ذلك الوقت دون غيرهم، وهذا ما لم يقله مالك ولا روي عنه (25).

المطلب الثاني: أقوال الأصوليين في الاحتجاج بعمل أهل المدينة، وهو الذي عليه مدار هذا البحث:

اختلف الأصوليون في حجية عمل أهل المدينة على مذهبين:

  • المذهب الأول: أنّ عمل أهل المدينة ليس حجة مطلقاً: وإليه ذا ذهب أكثر الأصوليين غير المالكية، منهم ابن حزم(26) وأبو إسحق الشيرازي(27) والسرخسي(28) وإمام الحرمين(29) والغزالي(30) أبو الحسين البصري(31) وأبو الخطاب الكلوذاني(32) والآمدي(33) وأبو بكر الجصاص(34) وغيرهم.

وأدلتهم:

    1. أنّ أدلة الإجماع لا تتناول أهل المدينة وحدهم، لأن اسم المؤمنين واسم الأمة الوارد في أدلة الإجماع لا يقع عليهم بانفرادهم (35)، فجميع الآيات الدالة على صحة الإجماع ليس فيها تخصيص أهل المدينة بها من غيرهم لأن قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة: 143](36)خطاب لسائر الأمة لا يختص بهذا الاسم أهل المدينة دون غيرهم، وكذلك قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)آل عمران(110)(37)وقوله تعالى (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلى ثُمَّ إلى مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان(15).(38) وقوله تعالى (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء(115)(39)

فقد عمت هذه الآيات سائر الأمة فغير جائز لأحد أن يختص بها أهل المدينة دون غيرهم، فلو جاز أن يختص بها أهل المدينة لجاز أن يقال في قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (40) وقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليه سَبِيلاً)(41) وقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)(42) أنه مخصوص بأهل المدينة دون غيرهم، فلما بطل هذا لأن عموم اللفظ لم يفرق بينهم وبين غيرهم، كان حكم الآيات الموجبة لصحة الإجماع لمَّا كانت مبهمة لم يجز لأحد الاقتصار بها على أهل المدينة دون غيرهم.(43)

    1. أنّ الله سبحانه لما أخبر عن عصمة جميع الأمة فقد دل بهذا على جواز الخطأ على بعضهم(44).

    2. لو كان إجماعهم هو المعتبر في كونه حجة لما خفي أمره على التابعين ومن بعدهم فلم نر أحداً من تابعي أهل المدينة ومن غيرهم وممن جاء بعدهم من دعا سائر الأمصار إلى اعتبار إجماع أهل المدينة ولزوم إتباعهم، بل إجماع السلف من أهل المدينة وغيرهم ظاهر في تسويغ الاجتهاد لأهل سائر الأمصار معهم وأجازوا لهم مخالفتهم إياهم، فقد حصل إجماع السلف من أهل المدينة وغيرهم على بطلان قول من اعتبر إجماع أهل المدينة.(45)

    3. لا يخلو إجماع أهل المدينة من أن تكون صحته متعلقة بالموضع أو بالرجال ذوي العلم منهم، فإن كان متعلقاً بالموضع، فالموضع موجود فيجب اعتبار الموضع في سائر الأزمان وهذا خُلفٌ في القول، وكذلك فإن الإجماع لا يختص بمكان دون مكان، فالأماكن لا تؤثر في كون الأقوال حجة، بدليل أنّ مكة لها شرف وفضل ولم يعتد بإجماع أهلها، وأيضاً هذا قول يؤدي إلى أنّ إجماعهم حجة ما داموا في المدينة فإذا خرجوا منها لم يكن حجة، وهذا لا وجه له لأن من كان قوله حجة في مكان كان حجة في سائر الأمكنة كقوله صلى الله عليه وسلم.(46)

    4. هل عمل أهل المدينة مع الخبر المسند حقاً أم لا؟ فإن كان حقاً فالعمل لا يزيد الحق درجة في أنه حق ولا يبطله أن يترك العمل به، وإن كان الخبر باطلاً قبل العمل به فالباطل لا يحققه العمل به.(47)

  • المذهب الثاني: أنّ عمل أهل المدينة حجة: وإليه ذهب الإمام مالك، وأتباعه وبعض الأصوليين غير المالكية، وهؤلاء اختلفوا على ثلاثة أقوال:

  • القول الأول: أنّ عمل أهل المدينة فيما طريقه النقل بأقسامه التي أشرنا إليه ا سابقا حجة، وإليه ذهب المحققون من المالكية كأبي الحسين محمد بن يوسف القاضي البغدادي، والقاضي عبد الوهاب المالكي، والشيخ الطرطوشي، وأبي الوليد الباجي، وأبي العباس القرطبي، وابن رشيق، وأبي بكر الأبهري ونقله عن الإمام مالك، والقاضي الباقلاني، والرهوني، والقرافي، والشريف التلمساني، ورجع إليه القاضي أبو يوسف وهو مروي عن الإمام الشافعي في رواية يونس بن عبد الأعلى ورجحه ابن تيميه ونقله عن الإمام أحمد واختاره ابن دقيق العيد وغيرهم من الأصوليين.(48)

وأدلتهم:

  1. إنّ عمل أهل المدينة بالمعنى السابق (النقلي) بمنزلة الخبر المتواتر، فوجب تقديمه على ما سواه من أخبار الآحاد والأقيسة ولا ينبغي أن يخالف في هذا أحد، وقد نقل الاستدلال بهذا الدليل عن الإمام مالك في رده على القاضي أبي يوسف حين جادله في الأذان، وقال له: تُؤَذِّنُون بالترجيع وليس عندكم في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه؟ فالتفت إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى وقال: يا سبحان الله ما رأيت أعجب من ذلك.. ينادى كل يوم على رؤوس الأشهاد خمس مرات ويتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد وتريد في ذلك فلان عن فلان؟ هذا أصح عندنا من أي حديث، ما أدري ما أذان يوم ولا ليلة هذا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن فيه من عهده ولم ينقل الإنكار على مؤذن فيه.(49)

وقد سأله عن الصاع فقال: خمسة أرطال وسدس بأرطالكم يا أهل العراق، فقال: ومن أين قلتم ذلك؟ فقال مالك لبعض أصحابه: احضروا ما عندكم من الصاع فأتى أهل المدينة أو عامتهم من المهاجرين والأنصار وتحت كل واحد منهم صاع، فقال: هذا صاع ورثته عن أبي عن جدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال مالك رحمه الله: أترى هؤلاء يكذبون يا أبا يوسف؟ قال: لا والله ما أراهم يكذبون، قال مالك: فأنا حررت هذه الصيعان فوجدتها خمسة أرطال وسدس بأرطالكم يا أهل العراق، فقال مالك رحمه الله تعالى: (هذا الخبر الشائع عندنا أثبت من الحديث) فقال أبو يوسف: رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله ولو اطلع صاحبي على ما اطلعت حتما سيرجع كما رجعت)(50).

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: (فإن هذا النقل محقق معلوم موجب للعلم القطعي فلا يترك لما توجبه غلبة الظنون)(51).

وقال ابن رشيق رحمه الله تعالى: (المجمع عليه الذي لا اختلاف فيه هو الذي تناقله أهل العصر عن الذي قبلهم، فهذا هو إجماع أهل المدينة عنده (يعني الإمام مالك) لا إجماع عن رأي واجتهاد، وهذا ما لا يتوقف عن الاحتجاج به منصف، فإنه يفيد العلم الضروري، كنقلهم مسجده صلى الله عليه وسلم ومنبره وقبره وأنه تزوج عائشة وحفصة رضى الله عنهن، وأنه سرى سرايا وغزي غزوات وعاهد الكفار إلى غير ذلك من مما علم من جهة قولهم وإخبارهم، وإن لم ينقلوا مستنده بالعنعنة ولا حاجة في الواضحات من مزيد بسط).(52)

وقال القاضي عبد الوهاب رحمه الله تعالى: (إنّ عمل أهل المدينة النقلي قد توافرت فيه شروط التواتر من تساوي أطرافه وامتناع الكذب والتواطؤ والتشاعر على ناقليه وهذه صفة ما يحج نقله) (53)

واعترض على هذا الدليل: بأن ما سبيله التواتر فهم وغيرهم فيه سواء، فقد نزل بعض الأمصار مثل البصرة والكوفة ومكة جماعة من الصحابة ونقلت السنن عنهم، والخبر المتواتر من أي جهة ورد لزم المصير إليه ووقع العلم به. فصارت الحجة في النقل فلم تختص المدينة بذلك وسقطت المسألة.(54)

وأجيب عن هذا الاعتراض:

بأنا نسلم ما تقولون لو تصورت المسألة في حق غيرهم، ولكن لا يوجد نقل متواتر مثل نقل أهل المدينة، لأن شرط نقل التواتر تساوي طرفيه ووسطه، وهذا موجود في نقل أهل المدينة ونقلهم الجماعة عن الجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو العمل في عصره وإنما ينقل أهل البلاد غيرها عن جماعتهم حيث يرجعون إلى الواحد أو الاثنين من الصحابة فرجعت المسألة إلى خبر الآحاد.)(55) فالأصل اختصاص المدينة بنقل العمل المتواتر وإن كان له نظائر في بعض الأمصار فهو نادر)(56).

ورُدّ هذا الجواب: بأن عمل أهل مكة في الأذان ونقلهم المتواتر عن الأذان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مثلهم.

وأُجِيب عن هذا الرد: بأن آخر الفعلين من النبي صلى الله عليه وسلم والذي مات عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فيعتبر كالناسخ للسابق).(57)

واعترض ثانياً: بأن العمل إنما هو فعل والفعل لا يفيد التواتر إلا أن يقترن بالقول، فإن التواتر طريق الخبر لا العمل وجعل الأفعال تفيد التواتر عسير بل لعله ممتنع)(58).

وأجيب عن هذا الاعتراض: بأن أصل العمل إنما هو خبر من قول الشارع أو فعله ثمّ انطبعت في الأفعال امتثالاً وانتشرت ونقلت بالأفعال(59)، (إذ الاقتداء بالأفعال أبلغ من الاقتداء بالأقوال).(60)

  1. أنّ أهل المدينة إذا أجمعوا على أمر من الأمور إما أن يكونوا أخذوه توقيفاً، أو رآهم عليه الصلاة والسلام فأقرهم ولم يتعرض للنهي عنه ولا أنكره، وأي ذلك كان فقد حصل النقل له من جميعهم والتواطؤ عليه من كافتهم فيجب أن يقدم على غيره).(61)

  2. أن عمل أهل المدينة متصل فإذا عملوا بأحد المتعارضين دليل على أنه الناسخ للآخر إذ كانوا إنما يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن ابن شهاب رحمه الله تعالى أنه قال (وأعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخه ومنسوخه) ولما أخذ مالك بما عليه الناس وطرح ما سواه انضبط له الناسخ من المنسوخ على يسر.(62)

  3. أنّ أهل المدينة أعرف بالتنزيل وأخبر بمواقع الوحي والتأويل، ولا ريب في أنهم أخبر بأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ضرب من الترجيح لا يدفع.(63)

  • القول الثاني: أنّ عمل أهل المدينة حجة مطلقاً سواء كان طريقه النقل أو الاستدلال والاجتهاد، فقد ذهب إلى ذلك بعض المالكية منهم أبي مصعب القاضي وأبي الحسين بن أبي عمر من البغداديين وأحمد بن المعزل وقال به أكثر المغاربة وعليه يدل ظاهر عبارة ابن الحاجب.(64)

وأدلتهم:

  1. أن أهل المدينة لهم صفات مميزة من فضل الصحبة والمخالطة والملابسة والمساءلة ومشاهدة الأسباب والقرائن، وإجماعهم بمثابة ترجيح تفسير الصحابي_ راوي الحديث_ لأحد محتملي الخبر على تفسير غيره، وكترجيح قياس الصحابي على قياس غيره، وكترجيح عمل الصحابي بما رواه على رواية من لم يعمل بها، قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى (إنّ العادة تقضي بأن مثل هذا الجمع المنحصر من العلماء لا يجمعون إلا عن راجح فدل على أنه راجح)(65)، ولأنهم أعرف بوجوه الاجتهاد وأبصر بطريق الاستنباط والاستخراج لما لهم من المزية.

اعترض على هذا الدليل بالآتي:

  • أولاً: لا نسلم بقضاء العادة باتفاق مثلهم على راجح أنهم بعض الأُمة فجاز أن يكون متمسك غيرهم أرجح (66)

أُجيب عن هذا الاعتراض: (بأنه وإن كان جائزاً إلا أنه بعيد، والاحتمال البعيد لا ينفي الظهور، إذ العادة تقضي باطلاع الأكثر عدداً وإجماعاً وأحقيةً على الراجح، والأكثر كافٍ في الاطلاع عـلى الراجح، لأن العادة إذا قضت باطلاع الأكثر بَعُد ألا يطلع عليه أحد من أهل المدينة).(67)

ثانياً: أنّ صفات الصحبة والمخالطة ومشاهدتهم الأسباب والقرائن ليست منحصرة في أهل المدينة فإن لمعظم الصحابة هذه الميزات وقد انتشروا وتفرقوا في الأمصار فإذا كان إجماع أهل المدينة حجة على من خرج منها فإجماع من خرج منها حجة على من بقى فيها لا فرق، (68) (أما كون إجماعهم بمـثابة تفسير الصحابي راوي الخبر وتقديمه على تفسير غيره فهذا يصدق في مسألة ترجيح خبر على خبر آخر معارض له وعمل أهل المدينة بأحدهما، فيرجح الذي عملوا به على الذي لم يعملوا به).(69)

  1. إن رواية أهل المدينة مقدمة على رواية غيرهم فيكون عملهم الاجتهادي راجحاً على اجتهاد غيرهم.(70)

اعترض على هذا الدليل: بأنه قياس مع الفارق لأن الرواية ترجح بمجرد الكثرة عند التساوي فيما عداها من الصفات، والاجتهاد لا يرجح بمجرد الكثرة، (71)لأن الرواية مستندها السماع ووقوع الحوادث المروية زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرته، ولما كان أهل المدينة أعرف بذلك وأقـرب إلى معرفة المروي كانت روايتهم أرجح، أما الاجتهاد فطريقه النظر والاستدلال بالقلب على الحكم وذلك ما لا يختلف بالقرب والبعد ولا يختلف باختلاف الأماكن.(72)

  1. أن النبي صلى الله عليه وسلم بين فضل المدينة وفضل أهلها ودعا لهم كقوله (إن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد.)(73) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثمّ ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق)(74)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها)، (75) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء).(76)

وجه الاستدلال من الآثار التي سبق ذكرها، أنّ الخطأ خبث فيكون منفي عن أهلها(77)، كما أنّ تزكيته صلى الله عليه وسلم لهم تقتضي أنهم على الحق.

اعترض على هذا الدليل بالاعتراضات الآتية:

الاعتراض الأول: قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى (هو بعيد)(78) لأنه ظاهر في أنها تخرج عنها خبثاً كان فيها، ولا دلالة على انتفاء الخطأ عما اتفق عليه أهلها، وإلا لزم ألا يقع خطأ من مجتهد مدني.(79)

الاعتراض الثاني: اعترض الجصاص رحمه الله تعالى – بأن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لهم والآثار التي وردت في فضل المدينة ليس فيها ما يوجب كون إجماعهم حجة.

ولو سلمنافإنما دعا لأهل المدينة الذين كانوا في عصره لأنهم كانوا مهاجرين وأنصار وكانوا مجتمعين في المدينة ثم تفرقوا في البلدان بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان المقصود أن إجماع هؤلاء حجة فهذا مما لا خلاف فيه، وإن كنت أردت إجماع من بعدهم فما الدليل على أنهم بالوصف الذي ذكرت بعد ذهاب الصحابة.(80)

واعترض أيضاًبأن الإمام مالك رحمه الله تعالى لم يحفظ عنه من طريق ولا وجه أن إجماع أهل المدينة فيما طريقه الاجتهاد حجة عنده، ولم يحتج بعمل أهل المدينة إلا في المواضع التي طريقها النقل، فأحتج على أبي يوسف في صحة الوقف وقال هذه أوقاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقاته ينقلها الخلف عن السلف، وكذلك ناظره في الصاع فأحتج عليه الإمام مالك رحمه الله بنقل أهل المدينة للصاع، وأن الخلف عن السلف ينقل أن هذا الصاع الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يغير ولم يبدل.(81)

وقد عرض عليه الرشيد أو غيره أن يحمل الناس على موطئه فأمتنع من ذلك، وقال إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار وإنما جمعت علم أهل بلدي، (82)، ولو كان يرى إجماع أهل المدينة الاجتهادي حجة على غيرهم لوافق على هذا العرض.

واعترض على الاستدلال بحديث (المدينة طيبة تنفي خبثها)- بأنه حديث آحاد فلا يجوز التمسك به في المسألة العلمية.

وأجيب عن هذا الاعتراض: بمنع كون المسألة علمية بل هي ظنية فإن أصل الإجماع ظني فكيف هذا الإجماع.

وردّ على هذا الجواب: بافتراض أنهم مصيبون فيما يتفقون عليه لكن لا يلزم منه أن يكون قولهم واتفاقهم حجة على غيرهم من المجتهدين، لأنه يجوز للمجتهد أن يخالف مجتهداً آخر وإن كان يقطع بإصابته على قولنا أن كل مجتهد مصيب.

سلمنا ذلكلكنه منقوًص بقول الواحد منهم فإنه بالاتفاق ليس بحجة، مع أن الحديث بعينه يدل على انتفاء الخطأ عن قوله، لأن انتفاء الخبث عنها لا يكون إلا بانتفاء جميع أفراد الخطأ عن جميع أفراد ساكنيها، إذ لو بقى الخطأ في فرد من أفراد ساكنيها لما انتفى جميع أفراد الخطأ عنها(83).

  • القول الثالث: أنّ إجماعهم النقلي حجة وإجماعهم الاستدلالي حجة إذا انفرد ومرجح، وقيل حجة بمعنى أنّ المستند إليه مستند إلى مأخذ من مآخذ الشرعية كالمستند إلى القياس، وخبر الواحد، ولا ينزل منزلة إجماع جميع الأمة، وإذا عارضه خبر فالخبر أولى، وبذلك قال بعض الأصوليين من مالكية وغيرهم منهم القرطبي والأبياري وأبو العباس ونسب إلى بعض الشافعية.(84)

وأدلتهم:

استدلوا على حجية عمل أهل المدينة النقلي بما استدل به أصحاب القول الأول واستدلوا على قولهم بالآتي:

أن المدينة مأرز الإيمان ومنزل الأحكام والصحابة هم المشافهون لأسبابها الفاهمون لمقاصدها ثم التابعون نقلوها وضبطوها، فإجماعهم حجة لهذا الوجه أي مشاهدتهم لقرائن الأحوال الدالة على مقاصد الشرع، فهم أولى بالاجتهاد من غيرهم، لأنهم وإن شاركوا أهل الأمصار في مقامات العلم فقد فضلوا عليهم بمشاهدة الوحي وترتيب الشريعة ووضع الأمور في مواضعها، وعلمهم بناسخ القرآن ومنسوخه وما أستقر عليه آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم.(85)

اعترض على هذا الاستدلال: بأن مرجع هذا إلى أن الاعتبارات التي كانت سببا في ترجيح روايتهم هي كفيلة بأن ترجح اجتهادهم، وهذا مدرك ضعيف لوجود فارق بين الرواية التي تتأثر بالكثرة وغيرها، وبين الاجتهاد الذي لا تؤثر تلك الاعتبارات عليه.(86)

ولهذا الضعف في مدركهم قال القاضي عياض رحمه الله تعالى (ولم يرتضه القاضي أبو بكر ولا محققو أئمتنا).(87)

واعترض أيضاً: بأن الشريعة كملت بين جميع أهل العصر الذين تحققوا النبي عليه الصلاة والسلام وحفظوا عنه وابتلوا بالحوادث فاستفتوه، واختلفوا في الأحكام فاستقضوه، وخافوا العواقب فاستظهروا به، ثم إنهم بعد أن صار إلى الله كانوا بين مقيم بالمدينة ومقيم بمكة ونازل بينهما وظاهر عنهما إلى البعيدة، واستقرت الشريعة على الكتاب والسنة الشائعة والقياس المنتزع والرأي الحسن والإجماع المنعقد، فلم يكن بلد أولى من بلد، ولا مكان أولى من مكان، ولا ناس أولى وأحفظ لدين الله من ناس، فهم في الإصابة شركاء وبالحكم بما ألقي إليه م متفقون.(88)

وإليك الترجيح: بعد استعراض المذاهب التي سبق ذكرها وما استدل به كل مذهب من هذه المذاهب وذكر المناقشات والاعتراضات والردود عليها، يتبين لنا والله أعلم أن عمل أهل المدينة النقلي بمعناه الذي سبق الذي قال بحجيته أصحاب القول الأول من المذهب الثاني هو الراجح، وذلك لقوة أدلتهم التي استدلوا بها، وردهم لأدلة الذين قالوا بعدم حجية عمل أهل المدينة مطلقاً، وأن أدلة من نفى حجية عمل أهل المدينة في غير موضع الخلاف كما أسلفنا، وأن عمل أهل المدينة الاجتهادي ليس حجة بل أهل المدينة وغيرهم في الاجتهاد سواء، وهذا هو الذي ذهب إليه المحققون من المالكية.

المطلب الثالث: المصطلحات التي تدل على نسبة المسائل إلى عمل أهل المدينة:

الفرع الأول: المصطلحات:

استعمل مالك رحمه الله –في نقل بعض مسائل فقهه مصطلحات كثيرة مثل قوله:

(الأمر المجتمع عليه عندنا)

مثال ذلك: في المكاتب بين الرجلين يقاطعه أحدهما قال: وقال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في المكاتب يكون بين الرجلين الشريكين أنه لا يجوز لأحدهما أن يقاطعه على حصته إلا بإذن شريكه، وذلك أن العبد وماله بينهما فلا يجوز لأحدهما أن يأخذ من ماله شيئا دون شريكه إلا بإذنه، ومن قاطع مكاتبا بإذن شريكه ثم عجز المكاتب، فإن أحب الذي قاطعه أن يرد الذي أخذ منه من المقاطعة ويكون على نصيبه في رقبة العبد فإن ذلك له، فإن مات المكاتب وترك مالا استوفى الذين بقيت لهم الكتابة حقوقهم من ماله، ثم كان ما بقي من ماله بين الذي قاطعه وبين شركائه على قدر حصصهم في المكاتب…) (89)

(الذي أدركت عليه الناس)

مثال ذلك: عن يحيى بن سعيد، أنه كان يقول: «إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها. ولما فاته من وقتها أعظم، أو أفضل من أهله وماله» قال يحيى: قال مالك: «من أدرك الوقت وهو في سفر، فأخر الصلاة ساهيا أو ناسيا، حتى قدم على أهله أنه، إن كان قدم على أهله وهو في الوقت، فليصل صلاة المقيم. وإن كان قد قدم وقد ذهب الوقت، فليصل صلاة المسافر. لأنه إنما يقضي مثل الذي كان عليه» [ص: 13] قال مالك: «وهذا الأمر هو الذي أدركت عليه الناس، وأهل العلم ببلدنا» وقال مالك: «الشفق الحمرة التي في المغرب. فإذا ذهبت الحمرة، فقد وجبت صلاة العشاء، وخرجت من وقت المغرب» (90)

(ليس العمل عندنا) (ليس عليه العمل) (الأمر عندنا)

مثال ذلك: قال: وقال مالك في الحدث الذي يذكره: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، قال: ليس عليه العمل ولا أرى أن يعمل به ولا يقنت في رمضان لا في أوله ولا في آخره، ولا في غير رمضان ولا في الوتر أصلا قال مالك: والوتر آخر الليل أحب إلي لمن يقوى عليه (91)

(الأمر عندنا) (الأمر القديم الذي لم يزل الناس عليه)

مثال ذلك: قال مالك: «الأمر عندنا أنه لا يتوضأ من رعاف ولا من دم ولا من قيح يسيل من الجسد، ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر أو نوم. (92)

(الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم عندنا)

مثال ذلك: سئل مالك عن تثنية الأذان والإقامة، ومتى يجب القيام على الناس حين تقام الصلاة؟ فقال: «لم يبلغني في النداء والإقامة إلا ما أدركت الناس عليه، فأما الإقامة، فإنها لا تثنى. وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. وأما قيام الناس، حين تقام الصلاة، فإني لم أسمع في ذلك بحد يقام له، إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس (93)

(ليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به)

مثال ذلك: قال مالك في حديث ابن عمر: «المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا إلا بيع الخيار»، قال مالك: ليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه (94)

(ليس ذلك بمعمول به ببلدنا) (هي السنة)

مثال ذلك: قال ابن وهب عن داود بن قيس أن زيد بن أسلم حدثه: «أن رسول اللهصلى الله عليه وسلمقال في الصلاة على الميت: أخلصوه بالدعاء» قال ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وفضالة بن عبيد وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وواثلة بن الأسقع والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وابن المسيب وربيعة وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد: أنهم لم يكونوا يقرءون في الصلاة على الميت.

قال ابن وهب وقال مالك: ليس ذلك بمعمول به ببلدنا إنما هو الدعاء، أدركت أهل بلدنا على ذلك. (95)

وغير ذلك من المصلحات (96)

الفرع الثاني: دلالة المصطلحات:

علمنا فيما سبق أن مالكا يستعمل مصطلحات كثيرة في نقله لبعض مسائل الفقه، والتي هي ذات دلالات، وقد أرجعها الدكتور أحمد محمد نور سيف إلى ثلاثة أنواع وهي:

الأول: ما استعمل مالك فيه أساليب لم يتضح في قضاياها العمل، بقدر ما تدل على اختياره الفقهي فيقول: (الأمر عندنا) (الأمر عندنا وهو أحب ما سمعت) (الأمر عندنا الذي نأخذ به قول عائشة).

الثاني: وهو الذي نقل به قضايا إجماع أهل المدينة، ولم يعرف فيها خلاف عنهم، فيقول: (الأمر المجتمع عليه عندنا) (الأمر الذي لا خلاف فيه عندنا) (الأمر المجتمع عليه والذي لا اختلاف فيه عندنا) (الأمر المجتمع عليه والذي أدركته عليه أهل العلم ببلدنا.

الثالث: وتقل رتبة العمل عن الإجماع الكلي، والذي لا يعرف فيه مخالف من أهل المدين فيؤثر عن البعض خلاف ما عليه أغلبهم، فيستعمل مالك لهذا مصطلحات أخرى تتنوع كثيرا ويتبع في نقل هذا طريقين:

الأول: يستعمل من المصطلحات ما يثبت به القضية التي يتكلم عنها على أنها عمل أهل المدينة فيقول: (الأمر الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا) (الأمر الذي لم يزل عليه الناس عندنا) (على هذا العمل وبه مضى أمر الناس).

الثاني: يستعمل من المصطلحات ما ينفي به العمل عن القضية التي نقلها أو الحديث الذي أورده، فيقول: (ليس عليه العمل) (ليس لهذا حد معروف) (ليس ذلك بمعمول به ببلدنا). وقد صرح أحيانا بأنه مع عدم وجود العمل عليه لا يراه ولا يعمل به، فيقول: (ليس عليه العمل ولا أرى أن يعمل به) (ليس عليه العمل وأحب إلينا كذلك).

والمصطلحات التي يستعملها لقضايا الإجماع واضحة في دلالتها، وكذلك التي يستعملها لنقل العمل، إلا أن هناك مصطلحا يكتنفه شيء من الغموض، وكثيرا ما اشتبه بالمصطلحات التي وردت في النوعين السابقين، هذا المصطلح هو (الأمر عندنا)(97)

المطلب الرابع: بعض المسائل التي احتج فيها الإمام مالك بعمل أهل المدينة:

المسائل التي يحتج بها الإمام مالك بعمل أهل المدينة كثيرة، وقد يوافقه غيره من الأئمة على ذلك لدليل قام عنده وقد لا يوافقه.

وهذه بعض المسائل المتنوعة التي احتج فيها الإمام مالك بعمل أهل المدينة.

  • المسألة الأولى: القراءة خلف الإمام:

  1. ذهب الإمام مالك إلى استحبابه لقراءة الفاتحة في الصلاة السرية وتركه لها في القراءة الجهرية

وحجته في ذلك رحمة الله عليه: أنه الأمر الذي عليه أهل المدينة. فقد جاء في الموطأ “: قال يحي: سمعت مالكاً يقول: الأمر عندنا أن يقرأ الرجل وراء الإمام، فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة، ويترك القراءة فيما يجهر فيه الإمام بالقراءة (98).

  1. ذهب الإمام الشافعي إلى وجود قراءة الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية. قال: “فواجب على من صلى منفرداً أو إماماً أن يقرأ بأم القرآن في كل ركعة لا يجزيه غيرها (99).

  2. ذهب الحنفية إلى عدم قراءة المأموم للفاتحة في الصلاتين السرية والجهرية (100).

  3. وذهب الإمام أحمد إلى استحباب القراءة للمأموم فيما لا يجهر فيه، وفي سكتات الإمام وإذا كان بعيداً لا يسمع قراءة الإمام (101).

  • المسألة الثانية: توريث ذوي الأرحام:

ذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى منع الميراث عن ذوي الأرحام، واحتجب إجماع أهل المدينة.

جاء في (الموطأ): وما عليه الإجماع عندنا ولا خلاف فيه والذي ذهب إليه أهل العلم من بلدنا: أن ابن الأخ لأم، والجد أبو الأم: والعم أخو الأب لأم: والخال، والجدة أم أبي الأم، وابنة الأخ للأب والأم: والعمة والخالة: لا يرثون بأرحامهم شيئاً (102)

المسألة الثالثة: قتل المسلم بالذمي:

اختلف الأئمة في قتل المسلم بالذمي، إذا قتله المسلم عمداً، هل يقتل به؟

قال الإمام مالك رحمة الله تعالى وحجته في ذلك عمل أهل المدينة: لا يقتل مسلم بكافر إلا أن يقتله المسلم قتل غيلة فيقتل به (103).

المسألة الرابعة: المقدار المحرم في الرضاع:

ذهب جمهور العلماء إلى أن حرمة النكاح تثبت بالرضاع كما تثبت بالنسب، وإنما اختلفوا في مسائل أخرى تتعلق بالرضاع منها: ما هو المقدار الذي به يثبت التحريم؟

  1. فذهب الإمام مالك رحمه الله وحجته في ذلك عمل أهل المدينة: إلى أن التحريم يثبت بقليل الرضاع وكثيره. قال مالك رحمه الله في (الموطأ): الرضاعة إذا كانت في الحولين فإنها تثبت التحريم وقليلها وكثيرها سواء ووافقه في ذلك الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى (104).

  2. وذهب الشافعي رحمه الله تعالى إلى أن ثبوت التحريم يتحقق بخمس رضعات متفرقات.

  3. وورد عن الإمام أحمد ثلاث روايات في المسألة.

  1. التحريم يثبت بقليل الرضاع وكثيره.

  2. التحريم لا يثبت إلا بثلاث رضعات.

  3. التحريم لا يثبت إلا بما زاد عن رضعات (105)

  • المسألة الخامسة: مسألة ضع وتعجّل:

ذهب جمهور العلماء إلى تحريم تأخير القضاء بالدين مقابل الزيادة فيه، ولكنهم اختلفوا في تعجيل القضاء مقابل نقصان شيء من الدين، وهو ما يسمى (ضع وتعجل)(106)

ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى القول بتحريم تعجيل القضاء مقابل النقصان من الدين، فلا يجوز ذلك بأي حال من الأحوال، وهو مما أجمع عليه أهل المدينة كافة.

قال الإمام مالك رحمة الله عليه في (الموطأ): والأمر المكروه الذي لا خلاف فيه عندنا، أن يأخذ الرجل من الرجل ديناً إلى أجل، فيضع عنه الطالب ويعجله المطلوب، وذلك عندنا كالذي يؤخر الدين بعد وجوبه، على أن يزيد الغريم في الدين، قال: فهذا هو الربا بعينه (107).

الخاتمة

نتائج البحث:

كان عملي في هذا البحث على شقين:

  • الشق الأول: التعريف بعمل أهل المدينة عند المالكيين وغيرهم من الأصوليين وأيضًا المعاصرين.

  • الشق الثاني: عمل أهل المدينة عند الإمام مالك رحمه الله تعالى وبيان حجية عمل أهل المدينة.

وهذه خلاصة للبحث تتضمن أهم نتائجه:

  1. إنّ تحديد معنى عمل أهل المدينة مختلف فيه بين أكثر الأصوليين والمالكية، وإن كان بعض الأصوليين قد وافق المحققين من المالكية في تحديد معنى عمل أهل المدينة.

  2. إنّ كثيرا من النقول عن الإمام مالك في عمل أهل المدينة التي نقلها عنه بعض الأصوليين لم تثبت عنه، والأقوال التي ثبتت عنه والمسائل التي بناها على عمل أهل المدينة تدل على أنه أراد بعمل أهل المدينة عملهم المتصل ونقلهم المستفيض الذي هو عنده بمثابة نقل التواتر الذي يقدم على أخبار الآحاد.

  3. القول الراجح في حجية عمل أهل المدينة حسب ما ورد من أدلة ومناقشات وردود هو القائل بحجية عمل أهل المدينة النقلي.

  4. إنّ عمل أهل المدينة بنيت عليه كثير من المسائل الفقهية وهي في أغلبها موافقة للسنة النبوية ولا يوجد عمل قديم بالمدينة مخالف للسنة.

أهم التوصيات

  1. أوصي نفسي وأوصي أبناء الأمة جميعا بضرورة التثبت والتحقيق فإنّ مسألة عمل أهل المدينة قد اتخذها بعض الناس ذريعة للانتقاص من قدر الإمام مالك رحمه الله ومذهبه ولكن عند التحقيق فيها يتضح أنها ليست كما روج لها وقيل عنها وإنما مرجعها إلى النقل العملي المتواتر وهو أبلغ من نقل الأقوال كما قال الإمام الشاطبي.

  2. على كل باحث يتعرض للمسألة التي تناولها بحثي أن يفرق في عمل أهل المدينة بين نوعين وهوما العمل الذي مرده ومرجعه إلى الرواية، والعمل الذي مرده ومرجعه إلى الاجتهاد.

  3. بعد هذه الجولة السريعة لا يسع المرء إلا أن يقف وقفة اعتراف بأن باب علوم الفقه من أعظم العلوم وأسماها وأن الفقهاء الكرام في اجتهاداتهم الفقهية كانوا يسيرون على طريق بين وواضح مما يجعلنا ننحني لهم احتراما وتبجيلا وتوقيرا.

قائمة المصادر والمراجع:

  1. ابن الحاجب أبو عمر عثمان بن عمر المالكي، مختصر المنتهى مع شرحه رفع الحاجب، ط دار الكتب العلميةبيروتالطبعة الأولى 1419هـ– 1999م.

  2. ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ط. دار الكتب العلميةبيروتالطبعة الثانية 1403

  3. ابن برهان البغدادي أبو الفتح أحمد بن محمد، الوصول إلى علم الأصول، ط. دار المعارف الطبعة الأولى 1984م.

  4. ابن تيمية أحمد بن تيمية الحراني الحنبلي، الفتاوى الكبرى، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1987.

  5. ابن حجر أحمد بن على أبو الفضل العسقلاني الشافعي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، محب الدين الخطيب. ط: دار المعرفة: بيروتسنة 1379هـ.

  6. ابن حزم الظاهري أبو محمد على بن أحمد الأندلسي، المحلى. تحقيق د.عبد الغفار البنداري. ط. دار الفكربيروتسنة 1421هـ– 2001م.

  7. ابن رشد(الجد)أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد، البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل، ط. دار الغرب الإسلاميبيروتالطبعة الأولى 1406هـ– 1986م.

  8. ابن رشد(الحفيد) محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار المعرفةبيروت الطبعةالسادسة 1982م

  9. ابن رشيق العلامة الحسين بن رشيق المالكي، لباب المحصول في علم الأصول، ط. دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث. الطبعة الأولى 1422هـ– 2001م.

  10. ابن سبكي تاج الدين عبد الوهاب بن على السبكي، الإبهاج شرح المنهاج، ط. دار الكتب العلمية بيروت 1404 الطبعة الأولى.

  11. ابن سبكي، رفع الحاجب عن مختصر بن الحاجب، ط عالم الكتب الطبعة الأولى 1419هـ– 1999م.

  12. ابن قدامة المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ط: دار الفكر: بيروتالطبعة: الأولى. 1405هـ.

  13. أبو اسحق إبراهيم بن علي، اللمع في أصول الفقه الشيرازي طبعة دار الكلمة مصر المنصورة سنة 1418هـ– 1997م.

  14. أبو الحسين البَصْري محمد بن على الطيب المعتزلي (المتوفى: 436هـ) المعتمد في أصول الفقه المؤلف المحقق: خليل الميس الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت.

  15. أبو الحسين البصري محمد بن على بن الطيب، المعتمد في أصول الفقه، تحقيق خليل الميس. ط. دار الكتب العلميةبيروتالطبعة. الأولى ستة 1403

  16. أبو خطاب الكلوذاني محفوظ بن أحمد بن الحسن، التمهيد في أصول الفقه. ط. مؤسسة الريان الطبعة الثانية 1421هـ– 2000م.

  17. أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، ط. دار الحديثحمص سوريا الطبعة الأولى 1969م.

  18. الأم، الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريسط: دار المعرفة: بيروتط: الطبعة الثانيةهـ1393 – 1973م

  19. إمام الحرمين أبو المعالى عبد الملك بن عبد الله الجويني، البرهان في أصول الفقه، تحقيق سمير مصطفى رباب. ط دار إحياء التراث العربي – بيروتالطبعة الأولى 1423هـ– 2002م.

  20. الإمام مالك بن أنس أبو عبد الله الأصبحي، الموطأ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ط. دار إحياء التراث العربيمصر.

  21. الإمام مسلم بن الحجاج القشيري: النيسابوري صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي ط. دار الكتاب العربي.

  22. الآمدي سيف الدين أبو الحسن على بن أبي على بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، ط. دار الكتب العلمية – بيروت– 1403هـ– 1983م.

  23. الباجي أبو الوليد سليمان بن خلف، إحكام الفصول في أحكام الأصول. تحقيق د. عبد الله الجبوري ط. مؤسسة الرسالة – بيروتالطبعة الأولى سنة 1409هـ– 1989م.

  24. البخاري محمد بن إسماعيل أبو عبد الله الجعفي، الجامع الصحيح، تحقيق: مصطفى ديب البغا. ط: دار ابن كثير، إلى مامة: بيروتالطبعة: الثالثة 1407هـ – 1987م.

  25. بوساق محمد المدني، المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث – دبي.

  26. البيهقي أحمد بن الحسين بن على بن موسى أبو بكر، سنن البيهقي الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا. ط: مكتبة دار الباز: مكة المكرمة ط: 1414 – 1994-

  27. الترمذي محمد بن عيسى أبو عيسى السلمي، الجامع الصحيح سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون. ط دار إحياء التراث العربي: بيروت

  28. الجصاص أبو بكر أحمد بن على الرازي، الفصول في الأصول، ط. دار الكتب العلميةبيروتالطبعة الأولى 1420هـ– 2000م

  29. الحاكم محمد بن عبد الله أبو عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. ط دار الكتب العلميةبيروتالطبعة: الأولى1411هـ –1990م.

  30. حسان بن محمد حسين فلمبان، خبر الواحد إذا خالف عمل أهل المدينة، ط دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث. دبي. الطبعة. الأولى 2001م.

  31. الحطاب محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري أبو عبد الله، مواهب الجليل شرح مختصر خليل، طبعة دار الفكر –بيروتالطبعة الثانية 1398هـ.

  32. الدارقطني على بن عمر أبو الحسن البغدادي، سنن الدارقطني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني. ط: دار المعرفة: بيروت – سنة. 1386هـ – 1966م.

  33. الدكتور أحمد محمد نور سيف، عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين، طبع دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث (دبي(.

  34. الرهوني أبو زكريا يحي بن موسى: تحفة المسئول شرح منتهى تحقيق الهادي بن الحسين الشبيبي. السؤل ط. دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث ط 1422هـ– 2002م

  35. الزركشي بدر الدين محمد بن بهادر، البحر المحيط، تحقيق محمد محمد تامر.ط. دار الكتب العلميةبيروتالطبعة الأولى 1420هـ– 2000م.

  36. الزيلعي أبو محمد عبد الله بن يوسف الحنفي، نصب الراية لأحاديث الهداية، تحقيق محمد يوسف البنوري طبعة دار الحديثمصرسنة 1357هـ

  37. الشاطبي أبو إسحق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي، الموافقات في أصول الشريعة مع تعليقات عبد الله دراز. ط. صبيح.

  38. الشريف التلمساني أبو عبد الله محمد بن أحمد المالكي، مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف طبع دار الكتب العلميةبيروتلبنان.

  39. الشنقيطي سيدي عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود على مراقي السعود دار الكتب العلمية –بيروت – لبنان الطبعة الأولى 1421هـ– 2000م.

  40. صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود المحبوبي، التوضيح شرح التنقيح، طبعة دار الأرقم – بيروتلبنان الطبعة: الأولى 1419هـ– 1998م.

  41. علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، أبو الحسن برهان الدين (المتوفى: 593هـ)، الهداية في شرح بداية المبتدي، المؤلف: المحقق: طلال يوسف، الناشر: دار احياء التراث العربيبيروت – لبنان.

  42. الغزالي حجة الإسلام محمد بن محمد أبو حامد: المستصفى من علم الأصول طبعة دار الفكر.

  43. القاضي عياض بن موسى بن عياض إلى حصبي، ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، تحقيق أحمد بكية محمود طبعة دار مكتبة الحياة – بيروتالطبعة: الأولى1967م.

  44. القرافي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، نفائس الأصول شرح المحصول، ط دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الأولى 1421هـ2000م.

  45. مصطفى ديب البغا، أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي، ار القلم للطباعة والنشر والتوزيع.

  46. مولاي الحسين بن الحسن الحيانرحمه الله تعالىمنهج الاستدلال بالسنة في المذهب المالكيتأسيس وتأصيلدعدد الأجزاء: 2الطبعة: الأولى– 1424هـ/ 2003م، الناشر: دار البحوث والدراسات الإسلامية – دبي.

1() د. مصطفى ديب البغا، أثر الأدلة المختلف فيها، (2/ 427).

2() إمام الحرمين، البرهان في أصول الفقه 1/256.

3() ابن السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج 2/287.

4() الباجي، إحكام الفصول في أحكام الأصول ص(413- 414).

5() القاضي عياض، ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك– 1/47.

6() ابن الحاجب، مختصر المنتهى الأصولي مع شرحه تحفة المسئول 2/250.

7() ابن السبكيرفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب 2/192.

8() القرافي، شرح تنقيح الفصول ص(334).

9() التلمساني، مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ص(132).

10() محمد بوساق، المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة 1/77.

11() عبد الرحمن بن عبد الله الشعلان، أصول فقه مالك النقلية، ج2، ص.1042. 1050.

12() بوساق، عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين، ص.443-444.

13() فلمبانّ، خبر الواحد إذا خالف عمل أهل المدينة، ص.101-102.

14() الجصاص، الفصول في الأصول 2/149.

15() الغزالي، المستصفى في أصول الفقه 1/187.

16() الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام – 1/243.

17() السر خسي، أصول السرخسي 1/214.

18() ابن السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج 2/287.

19() نقله عنه ابن رشيق – لباب المحصول 1/404.

20() ابن تيمية، الفتاوى الكبرى 20/303- 310.

21() القاضي عياض، ترتيب المدارك وتقريب المسالك، (1/ 10).

22() د. أحمد محمد نور سيف، عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين ص 101.

23() فقد نسب الغزالي إلى مالك أنه يقول: لا حجة إلا في إجماع أهل المدينة، انظر المستصفى، ج1، ص 187.

24() بوساق، المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة، ، ج1، ص 68.

25() القاضي عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 67، 68، 71.

26() ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام 4/202.

27() الشيرازي، اللمع في أصول الفقه ص(50).

28() السرخسيأصول السرخسي 1/314.

29() إمام الحرمينالبرهان في أصول الفقه 1/256.

30() الغزالي المستصفى في أصول الفقه 1/187.

31() أبو الحسين، المعتمد في أصول الفقه 2/492.

32() الكلوذانيالتمهيد في أصول الفقه 3/273.

33() الآمديالإحكام في أصول الأحكام1/343.

34() الجصاصالفصول في الأصول 2/149.

35() أبو الحسين البصريالمعتمد في أصول الفقه 2/492الكلوذانيالتمهيد في أصول الفقه 3/274.

36() سورة البقرة: من الآية(143).

37() سورة آل عمران آية(110).

38() سورة لقمان: 15.

39() سورة النساء: من الآية115.

40() سورة البقرة: من الآية43.

41() سورة آل عمران: من الآية97.

42() سورة البقرة: من الآية 183.

43() الجصاص الفصول في الأصول 2/149

44() الشيرازي: اللمع في أصول الفقه ص(96) وابن برهان، الوصول إلى الأصول 2/122.

45() الجصاص، الفصول في الأصول 1/150.

46() الجصاص المرجع السابق. وابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام ص(554) والشيرازي التبصرة في أصول الفقه ص(362) والسرخسي: أصول السرخسي 1/314 وابن برهان المرجع السابق. الكلوذاني التمهيد في أصول الفقه 3/274.

47() ابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام 2/98-99.

48() أبو الوليد الباجيإحكام الفصول في أحكام الأصول 3/273والقاضي عياضترتيب المدارك ص(48) وابن تيميه – الفتاوى الكبرى 20/310وابن القيم – إعلام الموقعين عن رب العلمين 2/364 وابن رشيق –لباب المحصول في علم الأصول/404. والقرافي تنقيح الفصول ص(334والشريف التلمساني مفتاح الوصول ص(132) والرهونيتحفة المسئول 2/250.

49() القاضي عياض: ترتيب المدارك1/50 والباجي: إحكام الفصول ص(417).

50() ابن تيمية: مجموع الفتاوى 20/306 والقاضي عياض: ترتيب المدارك 2/124-125.

51() القاضي عياض: ترتيب المدارك 1/48-49.

52() ابن رشيق: لباب المحصول في علم الأصول 1/406.

53() القاضي عبد الوهاب، المعونة على مذهب عالم المدينةنقله عنه د.بو ساق: المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة 1/93.

54() القاضي عياض: ترتيب المدارك 1/49.

55() القاضي عياض: المرجع السابق.

56() د. بو ساق: المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة 1/94.

57() القاضي عياض: المرجع السابق ص(50).

58() ابن رشد الحفيد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/171.

59() فلمبان: خبر الواحد إذا خالف عمل أهل المدينة ص(75).

60() الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة 3/44.

61() ابن رشد الجد: البيان والتحصيل 7/332.

62() الشاطبي: الموافقات 3/43.

63() ابن السبكي: الإبهاج شرح المنهاج 2/365.

64() ابن الحاجبمختصر المنتهى الأصولي مع تحفة المسئول 2/250 وابن السبكيرفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب 2/194.

65() ابن الحاجب: مختصر المنتهى مع شرحه تحفة المسئول 2/250.

66() الرهوني: تحفة المسئول 2/256.

67() الرهوني: المرجع السابق.

68() الباجي: إحكام الفصول ص(416) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 1/244

69() فلمبان: خبر الواحد إذا خالف عمل أهل المدينة ص(79).

70() ابن الحاجب: مختصر المنتهى مع تحفة المسئول 2/257.

71() الرهوني: تحفة المسئول 2/257.

72() الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام 1/305.

73() البخاري محمد بن إسماعيل صحيح البخاري كتاب فضائل أهل المدينة 2/221.

74() متفق عليه البخاري: صحيح البخاري 2/223 ومسلم: صحيح مسلم 2/1005.

75() البخاري: المرجع السابق 2/222.

76() مسلم: صحيح مسلم 2/1008.

77() الشنقيطي، نشر البنود على مراقي السعود 2/55.

78() ابن الحاجب: مختصر المنتهى مع تحفة المسئول2/250.

79() الرهوني: تحفة المسئول 2/257.

80() الجصاص: الفصول في الأصول 2/152-153.

81() الباجي: إحكام الفصول في أحكام الأصول416-418.

82() ابن تيمية: الفتاوى الكبرى 20/311.

83() الأرموي، نهاية السؤل في دراية الأصول 6/2584- 2585.

84() القاضي عياض – ترتيب المدارك 1/51والزركشيالبحر المحيط 3/532- 533.

85() أبن رشد الجد: البيان والتحصيل 17/332 والزركشي: البحر المحيط 3/531 وابن أمير الحاج: التقرير والتحبير 3/100.

86() مولاي الحسين بن الحسن الحيان: منهج الاستدلال بالسنة في المذهب المالكي 1/331.

87() القاضي عياض: ترتيب المدارك 1/51.

88() الزركشي: البحر المحيط 3/533.

89() الإمام مالك، المدونة 2/461.

90() الإمام مالك، الموطأ 1/12

91() الإمام مالك، المدونة 1/289

92() الإمام مالك، الموطأ 1/21

93() الإمام مالك، الموطأ 1/70

94() الإمام مالك، المدونة 3/222

95()الإمام مالك، المدونة 3/251

96() بوساق، المسائل التي بناها الإمام مالك عل عمل أهل المدينة، ص.76-77.الجيدي، العرف والعمل، ص.325.

97() نور سيف، عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين، ص 412-414.

98() مالك ’ الموطأ: ج1، ك 3، الصلاة، ب 10، ص 54.

99() الشافعي، الأم1/129.

100() المرغيناني، الهداية شرح البداية: 1/ 55.

101() ابن قدامة، المغنيج1، ص 331، الموسوعة الإلكترونية.

102() مالك، الموطأ: ج2، ك27.

103() مالك، الموطأ، ك 43، العقول، ب 15، ما جاء في دية أهل الذمة، ج 2، ص 296.

104() الموطأ كتاب 30 الرضاع، باب رضاعة الصغير (2/113) الهداية شرح البداية للمرغيناني، (1/223)، الموسوعة الإلكترونية.

105() د. مصطفى البغا، أثر الأدلة المختلف فيها، (2/504).

106() بوساق، المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة، (2/764).

107() مالك، الموطأ كتاب 31 البيوع، باب39 ما جاء في الربا في الدين (2/160).