مجلة العلوم الإسلامية

أسلوب الحِجَاج في إثبات البعث في النظم الكريم بين المكي والمدني: دراسة بلاغية تحليلية

The Pilgrims’ Method in Proving Baath in Noble Systems between Al-Makki and Al-Mady is an Analytical Synagogue

Mohsen Ali Mohammad Al-Shahri

Medina || Saudi Arabia

DOI PDF

Tab title
This research is entitled “Pilgrims’ Method in Proving Baath between Mekki and Medani” This study shows the way pilgrims practice in the noble systems, especially since this method is represented in most important issues that the regimes wanted to decide in souls, including the case of proving Baath, and the denial of the other day was of bad humiliation, so the pilgrims came to prove the other day in accordance with the intentions of Al-Maki and Al-Madni, and in accordance with the context of each Sura. The study was carried out within the framework of the analytical descriptive method, and the research dealt with a brief introduction of research, the researcher’s approach, and the research problem, and the research was divided into six discussions: The first research explained the concept of pilgrims, and presented its rhetorical value, and the second study showed the difference between the Holy Quran and the third research that started on two verses of the Holy Qur’an in his argument to prove the Baath, and then showed how the fourth was discussed Keywords: Pilgrims- Baath- Mekki- Civil- Impact- persuasion – recipient.

أسلوب الحِجَاج في إثبات البعث في النظم الكريم بين المكي والمدني:
دراسة بلاغية تحليلية

محسن بن علي الشهري

المدينة المنورة || المملكة العربية السعودية

Tab title
تقوم هذه الدراسة بإبراز أسلوب الحِجَاج في النظم الكريم، لا سيما أن هذا الأسلوب تمثل في جل القضايا المهمة التي أراد النظم تقريرها في النفوس، ومن ذلك قضية إثبات البعث، وكان إنكار اليوم الآخر من الضلال البين، ومن أجل ذلك جاء الحِجَاج في إثبات اليوم الآخر بما يتوافق مع مقاصد المكي والمدني، وبما ينسجم مع سياق كل سورة. وقد تمت الدراسة في إطار المنهج الوصفي التحليلي، وقد تناول البحث مقدمة تم من خلالها عرض فكرة موجزة عن البحث، ومنهج الباحث، ومشكلة البحث، وقد تم تقسيم البحث إلى ستة مباحث: حيث عمد المبحث الأول إلى توضيح مفهوم الحِجَاج، وإبراز قيمته البلاغية، وجاء المبحث الثاني يوضح الفرق بين القرآن المكي والمدني، ثم المبحث الثالث الذي بدأ التطبيق على آيتين من القرآن المكي في طريقة حِجَاجه لإثبات البعث، ثم بينت في المبحث الرابع كيف هيأ النظم الكريم لأسلوب الحِجَاج في القرآن المكي، ثم تناولت في المبحث الخامس آيتين من القرآن المدني في طريقة حِجَاجه لإثبات البعث، ثم جاء المبحث السادس لأبين فيه تهيئة النظم لأسلوب الحِجَاج في القرآن المدني، ثم خلصت بعد ذلك إلى أبرز النتائج، والتوصيات. الكلمات المفتاحية: الحِجَاج– البعث– المكي– المدني– التأثير– الإقناع– المتلقي.

المقدمة:

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، والصلاة والسلام على إمام الفصحاء نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه أئمة القول وأساطين البيان.

أما بعد:

فقد تميز العرب بفصاحة القول وصناعة الكلام، وإسكات الخصم، والبراعة في إظهار الحجة وقوة البيان، ومن ذلك جاءت معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم من جنس ما برع فيه القوم، فقد كان القول عندهم له يخفض ويرفع، ولا أدل على ذلك مما ورد في شعرهم ونثرهم، وتعددت فنون هذا القول، فجاء النظم الكريم من جنس ما يحسنونه، فخاطبهم به وحاججهم عليه، ولا أبين مما جاء في حوار القرآن الكريم مع المكذبين من كفار العرب، فقد ألزمهم وأفحمهم بالحجة والبرهان، وذلك يرجع إلى البلاغة العالية لهذا الأسلوب في الـتأثير والإقناع، والحِجَاج من الأساليب الظاهرة البينة في أسلوب النظم الكريم.

يعد الحِجَاج من أهم النظريات التي تهتم به التداولية، ويرتكز في أساسه على الطريقة أو الأسلوب الذين يتبناهما المتكلم في تغيير معتقدات المتلقي وإقناعه بالموضوع المراد إيصاله إليه، وحول هذا المعنى تدور تعاريف الحِجَاج.

وقد جاء هذا البحث ليوضح الفرق بين تناول المكي لآيات إثبات البعث، وآيات المدني، بما يتسق ويتلاءم مع كلا المرحلتين. وقد بان أن لكل مرحلة طرائقها في التناول، والمقامات المستدعية لتنوع الظواهر البلاغية بما يصلها إلى غاياتها من الإقناع، وفيما يلي بيان لأهمية البحث، والأهداف المرجوة منه، ومشكلة البحث، والدراسات السابقة، ومنهج البحث، وخطته.

مشكلة البحث:

نزل القرآن الكريم منجماً، منه المكي والمدني، وعرض لعدة قضايا كبرى أراد تقريرها في النفوس، ومنها قضية البعث، فجاء تقريرها بأسلوب الحِجَاج وذلك بآليات مختلفة، وعليه فهل تشابهت هذه الآليات في تناول الآيات المكية والمدنية أم اختلفت؟ وهل كان الحِجَاج من الأساليب التي عمدت إلى البراهين العقلية مباشرة، أم هيأ لذلك أمور؟

أهداف البحث:

  1. بيان أعظم وجوه الإعجاز، وهو الإعجاز البلاغي، الذي يبرز دور الحِجَاج في إثبات البعث.
  2. التعمق في تدبر القرآن الكريم وآياته.
  3. إبراز دور الحِجَاج وأثره في النفوس.
  4. إظهار آليات الحِجَاج التي تتشكل مراعاةً للمقام، ومقتضى الحال.

أهمية البحث:

  1. أسلوب الحِجَاج بين المكي والمدني من الأساليب التي تبعث على التدبر والتفكر في النظم الكريم.
  2. يعد أسلوب الحِجَاج مظهراً من مظاهر إعجاز النظم الكريم.
  3. إبراز وإظهار النكت البلاغية من أسلوب الحِجَاج.

الدراسات السابقة:

أقرب الدراسات التي أجدها تتقاطع مع هذا البحث هي دراسة بعنوان: ” بلاغة الاحتجاج العقلي في القرآن الكريم رسالة دكتوراه للباحثة زينب بنت عبد اللطيف الكردي، نوقشت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1432هـ. تمثلت الرسالة في بابين، الأول في بلاغة أساليب الاحتجاج، والثاني في السمات البلاغية العامة للاحتجاج، والدراسة جيدة في موضوعها، وتفارق هذا البحث بأنه لم يكن هناك نظرة شمولية وبينية للحِجَاج بين المكي والمدني في الآيات التي وردتها، فظهر الحِجَاج بوصفه دراسة لإظهار كيفية إدلاء البراهين، فجاءت جل الأمثلة على هذا المقصد دون وضع قضية معينة أو آيات معينة للنظر في تفاوت أساليب الاحتجاج.

منهج البحث: المنهج الوصفي التحليلي الذي يناقش المصطلحات والتعريفات، وتحليل الآيات موضع الدراسة، واستنباط من النكات واللطائف ما يعاضد أسلوب الحِجَاج.

خطة البحث: اقتضت خطة البحث أن تكون على النحو الآتي:

  • المبحث الأول: تعريف الحِجَاج لغةً، واصطلاحاً، وإبراز قيمته البلاغية
  • المبحث الثاني: القرآن المكي، والقرآن المدني
  • المبحث الثالث: الحِجَاج في إثبات البعث في الفترة المكية
  • المبحث الرابع: آيات التهيئة قبل الحِجَاج في المكي
  • المبحث الخامس: الحِجَاج في إثبات البعث في الفترة المدنية
  • المبحث السادس: آيات التهيئة قبل الحِجَاج في المدني
  • الخاتمة: وفيها النتائج والتوصيات.

المبحث الأول: تعريف الحِجَاج لغةً، واصطلاحاً:

أولاً: تعريف الحِجَاج:

لغةً: يذكر ابن فارس (395هـ) أن الحاء والجيم أصل يدل على القصد، ومن الممكن أن تكون الحجة مشتقة من هذا؛ لأنها من القصدية، يقال حاججت فلانا فحججته أي غلبته بالحجة، وذلك الظفر يكون عند الخصومة، والجمع حُجج، والمصدر الحِجَاج(1). وفي مختار الصحاح للرازي (666هـ) يوضح بأن الحجة هي البرهان وحاجه من باب رد، أي غلبه بالحجة(2).

ويظهر مما سبق أن الحِجَاج يكون فيه القصد إلى إظهار الحجة والبرهان، والقدرة على الخصام والحجة فيه، فهي منازعة بالقول للإقناع والتأثير لإظهار الغلبة، تبرز بسوق الأدلة، وقد أكد القرآن الكريم عليها في أكثر من موضع، منها ما أقام فيها الحجة في قضية الإيمان والكفر، يقول تعالى: ﴿قُلْ فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: 149].

اصطلاحاً: من المعلوم أن الحِجَاج كان حاضراً تطبيقاً في القرآن والسنة، وفي كلام العرب شعره ونثره، إلا أنه على المستوى التنظيري لم يكن متواجداً بصورة واضحة، ولم يفرد هذا المصطلح بتعريف واضح يحدد أركانه ووظائفه؛ إذ كان مندرجاً ضمن علوم عدة، منها العلوم اللغوية، والدينية، والفكرية، والفلسفية، ومن هذه العلوم التي تواجد فيها الحِجَاج بصور جلية علم البلاغة، فقد جاء الحِجَاج فيها موزعاً بين علومها الثلاث، المعاني، والبيان، والبديع، ومجيئه لم يكن بلفظ الحجة والتأثير.

وكان لعلماء التراث من أهل اللغة والأصول جهود طيبة في هذا الفن لكنها كانت غير مباشرة، حيث كان الحِجَاج وسيلة لإثبات مذاهبهم والبرهنة على أفكارهم، والحِجَاج لم يبرز كفناً أو مدرسة إلا في القرن السابق والحالي على يد مؤلفين غربيين، وعليهم فقد اعتمدت أغلب الدراسات العربية المعاصرة على استثمار النظريات الغربية، أو ترجمتها، وإذا ما جئنا نطالع في تعريف الحِجَاج، نجد أن تعريف الحِجَاج يتعدد بتعدد مشاربه، بين الفلسفة، والبلاغة، والمنطق، والقانون، والخطاب، فالحِجَاج كما يظهر تتشعب استعمالاته، ومن هنا فإن أولى المحاولات التي حاولت أن تجعل من النظرية البلاغية أداة تفسير وتحليل غيرها من الظواهر، تولّدت الحاجة إلى بناء تصوّر نظري للحِجَاج، ويعد كتاب (مبحث في الحِجَاج، الخطابة الجدية) لبيرلمان وتيتكا هو نظرية حِجَاجية معاصرة لها أسس ومبادئ يقوم عليها وقد خلصا الحِجَاج من ربقة المنطق ومن أسر الأبنية الاستدلالية، إلى مجالات استخدام اللغة، وقد قدم المؤلفان تعريفاً جديداً للحِجَاج، فوضحوا أنه جملة من الأساليب تضطلع في الخطاب بوظيفة هي حمل المتلقي على الاقتناع بما تعرضه عليه والزيادة في حجم هذا الاقتناع معبراً عن غاية الحِجَاج الأساسية الذي يدفع المتلقي إلى تغيير سلوكه(3)، وبالتالي يمكن أن أوضحه بأن الحِجَاج يوجه عقل المتلقي إلى التسليم بما قاله المخاطب، والتسليم هو الاقتناع.

وخلاصة القول، أن الحِجَاج في النظم الكريم لا يقوم على المنازعة والإذعان والإجبار، كما هو مشار في المعنى اللغوي المدرج سابقاً، إنما هو خطاب يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة مع البراهين العقلية، يقول تعالى ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ﴿21 لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر[الغاشية: 21 – 22]، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القرآن لا يدعو إلى ترك الناس يسيرون على أهوائهم وإنما بسبيل النظر والاستدلال(4)، وعلى ذلك فإن الحِجَاج خطاب قصدي قائم على الحوار والتوجيه، والحث على النظر والتفكر والتعقل لإحداث التأثير في المتلقي بغية تغيير قناعة أو تبديل سلوك، وللنظم الكريم طاقة حِجَاجية وتأثيرية لا يمكن تأطيرها أو موضوعتها، إنما نسعى إلى إبراز شيء من هذه الطاقة، فأسرار النظم لا تنفذ.

فكيف تعامل النظم الكريم مع منكري النبوة والبعث، وكيف وُظف الأسلوب الحِجَاجي في هذا المحاورات، هو ما سنلقي عليه الضوء من خلال الآيات التي وقفت عليها.

وقبل أن ندخل إلى المباحث، أود أن أضيف إلى ما سبق القيمة العلمية للحِجَاج:

تبرز قيمة الحِجَاج العلمية، والتأثيرية في النقاط التالية:

  1. العدول الذي يحدثه الحِجَاج في النظم الكريم، في مبناه المعنوي، واللفظي، باعتبار العدول محور رئيس في البحث البلاغي.
  2. مراعاة مقتضى الحال، وملاءمة المقام، ركن أساس في دوران أساليب الحِجَاج، ليصل أثر الحِجَاج إلى المتلقي.
  3. يتشكل الحِجَاج ضمن ظواهر بلاغية متعددة، كالقصر، والاستفهام، والتقديم والتأخير، والتصوير، وغير ذلك مما يستدعيه المقام.
  4. يُحدث الحِجَاج صدمة للمتلقي، من خلال الأدلة القوية المنساقة، وهذه الصدمة مرحلة من مراحل الإقناع.
  5. تكمن قيمة الحِجَاج في العلاقة بين الدال والمدلول من خلال الحجج والبراهين، إذ يشوبها في بدء الأمر شيء من الخفاء الذي يتطلب التأمل والتفكر، وهذا يبعد الحِجَاج عن المباشرة والسطحية، وكما قيل المنساق بعد تعب أعز من المنساق بلا طلب.

المبحث الثاني: القرآن المكي، والقرآن المدني:

نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم برهاناً لدعوته، كما هو شأن كل نبي يبعث إلى قومه، ومعه ما يؤيده من الله تعالى، والقرآن لم ينزل جملة واحدة، إنما نزل منجماً بحسب الأحداث والوقائع، وعلى ذلك فإن المراد بالمكي هو ما نزل قبل الهجرة، وإن كان بغير مكة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، وإن لم يكن في المدينة، على أرجح الأقوال بين العلماء.

هذا، وقد تميز كل من القرآن المكي والمدني بخصائص وسمات، أذكرها إيجازاً:

تميز القرآن المكي بالدعوة إلى التوحيد، وإثبات الرسالة، وإثبات اليوم الآخر، والوعد والوعيد، كما في التثبت على مكارم الأخلاق من عدل وإحسان وما يعضد ذلك، ونبذ ما ينافي فضائل الأخلاق، ويكثر في المكي قصص الأنبياء والأمم السالفة للعبرة والقياس، ومن الجانب اللفظي تميز بقصر الفواصل، وقوة الألفاظ مع الإيجاز.

أما القرآن المدني فتميز بعرض التشريعات من حلال وحرام، وأمر ونهي، كما تركز فيه دعوة أهل الكتاب، والكشف عن حقيقة النفاق، وتميز من الجانب اللفظي بطول الآيات والإطناب، وسلاسة الألفاظ مقارنة بالمكي (5).

وذكر ذلك يهيئ القارئ لما سيأتي من حِجَاج القرآن المكي والمدني للبعث.

المبحث الثالث: الحِجَاج في إثبات البعث في الفترة المكية:

الموطن الأول:

يقول تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿48 قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴿49: [يونس: 48– 49]، وردت هاتان الآيتان الكريمتان في سورة يونس، وهي سورة مكية(6)، ومن أبرز مقاصد هذه السورة الكريمة مواجهة المكذبين للوحي بالحجج والبراهين، ودعوتهم للإيمان ترغيباً وترهيبا، وما جاء في هذه الآية شاهد صريح في تمثيل مقصد السورة وغرضها، فقد جاء سؤال المشركين التهكمي المكذبين بالبعث عن موعد قيام الساعة والبعث ﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِين وهنا جاء الجواب مع الحجة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم تشريفاً وكرامة له، وفي الجواب تمثل الحِجَاج على المستوى المعنوي واللفظي، فأما على المستوى المعنوي، فجاء الجواب بالعدول عن مجاراتهم عن الأسلوب التهكمي؛ إلى حمل سؤالهم سؤال المسترشد البصير؛ لما يرومه النظم من إرشادهم وبلاغهم تمام البلاغة لإقامة الحجة عليهم، وعلى هذا العدول جاء الجواب في قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ  وهذا فيه صدمة للمتلقي حين أنه لا ينتظر جواباً، وهذا يحدث انفعالاً في المتلقي، يتحقق فيه مراد النظم من إحداث تأثير على المستوى النفسي والوجداني يزعزع القناعات السابقة، أما على المستوى اللفظي، فيظهر ذلك من بيانه صلى الله عليه وسلم بأنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، وهذا النبي، فكيف يكون حال غيره ذلك اليوم، ونلحظ من هنا أن الخطاب القرآني انتقل منهم من حال تكذيبهم إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم في عدم امتلاكه لنفسه ضراً ولا نفعاً إلا بما يشاء الله، وقدم هنا الضر على النفع؛ مراعاة لمقتضى حالهم لما أظهروا من استبطاء العذاب، فكيف ذلك لمن لا يملك عن نفسه دفع الضر فضلاً عن جلب النفع، ولعل الحِجَاج جاء هنا بطريق القياس، لما يوصله القياس من التقارب بين الأشياء، ولما فيه من تذكير العقول وتنبيه الفطر ما أودع الله فيها من إعطاء النظير حكم نظيره(7)، ونجد هذا جلياً في هذه الآية، وختمت الآية ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ  بأن لكل أمة أجل لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وهذا كله يتضافر عليهم بإقامة الحجة عليهم، والتأثير لتغيير سلوكهم من التكذيب والكبر، إلى التصديق والعمل.

الموطن الثاني:

يقول تعالى: ﴿يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ﴿12 يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ﴿13ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ [الذاريات: 12- 14]، وردت هذه الآيات في سورة الذاريات، وهي مكية(8)، ويعد من أبرز مقاصدها ربط القلب البشري بالسماء وتعليقه بغيب الله المكنون وتخليصه من أوهام الأرض، والتجرد لعبادة الله والفرار إليه كما جاء فيها: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّـهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ [الذاريات: 50] (9)، والشاهد في هذه الموطن، حِجَاج أهل الكفر والضلال في إنكارهم البعث والنشور على ما ورد من سؤالهم التهكمي عن يوم الدين﴿ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ فتمثل الجواب بالأسلوب الحِجَاجي بما يتحقق من غرض السورة وغايتها، وهو ربط القلوب بالله، ومن خلال ذلك حُمل سؤالهم على غير مرادهم، وهذا العدول المعنوي فيه ما يحرك عواطفهم ويثير عقولهم، ويوقظ شعورهم بأن يوم الدين يقع، يوم يُصلون النار إذا استمروا على حالهم، ويقال لهم: ذوقوا فتنتكم، فالحِجَاج هنا ورد بطريق الترهيب والتهديد، وهو أبلغ من أي طريق؛ لما أن القوم متمادون في تمردهم وعتوهم وتكذيبهم، ولا أدل على ذلك حين عبروا تهكماً بـ ﴿أَيَّانَ وهي لا تكون إلا في الأمور العظام(10)، والتعبير بقوله: ﴿ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ب﴿ذُوقُوا وهي استعارة لطيفة فيها بعد حِجَاجي، إذ أصل الذوق يكون بالفم، فاستعير الذوق للعذاب والجامع بين ذوق الطعام وذوق العذاب وجدان الطعم والإحساس به، ولما أن الذوق يعد أقوى المحسوسات في الإنسان، ويعلم مما تقدم أن الاستعارة ملائمة للمقام هنا لما فيها من وسيلة تأثيرية يقوم الذهن بربط المعاني الحقيقية بالعدولية، أو الانتقال من الذهني إلى الحسي ليحصل من الصورة القشعريرة التي من خلالها تهز الوجدان خوفاً وهلعاً، وهذا التأثير هو أهم وسائل الحِجَاج للإقناع وتغير السلوك، والانتقال من التكذيب إلى التصديق والعمل بمقتضاه، وعلى ما تقدم ذكره يظهر جلياً أن الحِجَاج تمثل بجانبيه المعنوي واللفظي بما يقضتيه المقام، وأسرار النظم لا تنفذ.

المبحث الرابع: آيات التهيئة قبل الحِجَاج في المكي:

تعد التهيئة من روافد الحِجَاج في النظم الكريم، وباب من أبواب بلاغته، وقد كثرت المعاني التي هُيئ المخاطبون لتلقيها في القرآن الكريم، ومن تلك المعاني التي يروم الحِجَاج وصول أثرها إلى المتلقي، الإيمان باليوم الآخر، إن اليوم الآخر من القضايا الكبرى التي أخذت حيزاً في النظم الكريم، وقد جاء القرآن بأساليب متعددة في إثبات هذا اليوم، منها الحِجَاج، ولا توجد قضية كبرى يروم النظم تحقيقها إلا هيأ لها القلوب والعقول. وقد مر معنا مثالين من النظم الكريم في حِجَاج منكري البعث، ونريد في هذا المبحث أن ننظر إلى كيف جاءت التهيئة لسوق الحِجَاج في الآيتين الكريمتين.

إن آية يونس جاء ترتيبها في السورة ثمانٍ وأربعين، وافتتحت السورة بقوله تعالى: ﴿الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ [يونس: 1] فإن تقديم هذه الحروف من شأنه أن يوقظ الأسماع ويوجه القلوب ويستثير متلقيه حتى يرتقب ما بعده، وهذه على مستوى السياق البعيد للسورة، فالذي يصل إلى هذه الآية ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا  [يونس: 49]، يكون متهيأ من تلك الإثارة التي هيأت النفوس لتلقي قضايا الغيب والمصير، وأما على المستوى القريب للآية أجد أن قوله تعالى: ﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّـهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ﴾ﱠ [يونس: 46]، فالنظم يقرر في هذا الموقف أن عذاب الكفار إما أن يكون مشاهداً من قبل النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وأما أن يكون بعد موته، وهذا يدل على أن الأمر كله لله وليس للنبي صلى الله عليه وسلم علم به، وتلقي هذا المعنى واستقراره في النفس يهيئ لصدور الجواب منه صلى الله عليه وسلم إنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، وهذا كله يقودنا في نهاية الأمر إلى ضرورة خلوص النفس إلى الإيمان بالله وباليوم الآخر.

أما آيات الذاريات فإنها وقعت قريبا من مفتتح السورة فقد جاءت بعد إحدى عشرة آية، وهيأ لها القسم الذي جاء في مستهل السورة، يقول تعالى: ﴿والذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴿1﴾ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ﴿2﴾ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ﴿3﴾ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ﴿4﴾ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴿5﴾ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ﴿6﴾وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ﴿7[الذاريات: 1-7]، والقسم من الأساليب التي تلفت السامع، وتجذب الانتباه، وتثير الوجدان، إلى ترقب الجواب وإدراك المعنى الذي من أجله جاء القسم، ولا يساق القسم إلا لأمر جلل، وخطب عظيم، وبذلك هيأ هذا القسم حلول العذاب بمن لم يؤمن بذلك اليوم.

وكما ترى من خلال الآيتين المكية، فقد تقارب فيهما أسلوب الحِجَاج والتهيئة، في عبارات موجزة قوية، وتصوير بديع، في أسلوب يغلب عليه الحزم؛ لما اقتضته المرحلة آنذاك.

المبحث الخامس: الحِجَاج في إثبات البعث في الفترة المدنية:

الموطن الأول:

يقول تعالى:﴿وْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 259]، وردت هذه الآية في سورة البقرة، وهي مدنية، ومن أبرز مقاصدها إقامة الأدلة على الإيمان بالآخرة، ومداره الإيمان بالبعث(11)، وتمثلت هذه الآية بشكل صريح عن مقصد السورة الكريمة، وطريق إثبات اليوم الآخر تمثل بأسلوب الحِجَاج، وتحديداً بطريق القصص، الذي هو أحد تقنيات الحِجَاج التي يستدعيها متى طلب المقام ذلك كما في هذه السورة، ولا يخفى ما في القصص القرآني من الإقناع العقلي والتأثير الوجداني، وليس لمجرد المتعة.

وموجز القصة إماتة رجل هو وحماره مائة عام، ثم أحياهم الله، وطعامهم باقٍ من تلك الأيام إلى وقت الإحياء دون أن يفسد أو يتغير، وهذا ينبئ عن قدرة الله عز وجل، وفي هذه الآية أقوى دليل على البعث إذ وقت الإماتة والإحياء في دار الدنيا(12).

إن تأثير الحِجَاج هنا يكمن في إعمال الذهن، وتصور هذه القصة من المتلقي، فمن المعلوم عقلاً أن الطعام لا يمكث ساعات أو أيام إلا ويفسد، أما بقاؤه كما هو مائة عام دون أن يتغير أو يتبدل، فهذا الحدث غير المعهود، يدعو النفس إلى التفكر والمراجعة، كما إن الطول الزماني فيه بعد حِجَاجي يؤجج المتلقي على الإقناع، حيث لم يجئ في النظم عام أو عامين إنما ذكر ﴿مِائَةَ عَامٍ﴾ وعامل الزمن هنا مؤثر كبير، وما يحدثه من صدمة في النفوس، فقليل في هذه الأمة من يعمّر مائة عام، والواقع يشهد بذلك، ووسائل الإقناع في عرض القصص كثيرة، منها تصوير حال البلدة في قوله::﴿وْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا﴾ بطريق الكناية حيث نقلت فكرة الخراب من الذهن إلى الحس، وللمتأمل أن يتخيل كيف تهدمت وتساقطت وخربت، وهذا أفضل مما تصف بالخراب، فالكناية هنا أعطت بعداً حِجَاجياً وفتحت مساحة في الخيال يتم من خلال ذلك التأثير والإقناع. وهذه بعض الإشارات في الآية الكريمة، وكيف يصور النظم المدني فكرة البعث، فنلحظ هنا العرض المطول الذي فيه إطناب في إثبات البعث، والتصوير القصصي، وما فيه من كناية، وصور تتعاون قوى النفس من فكر وخيال في فهمها وتأملها.

الموطن الثاني:

يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّـهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّـهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39]، وردت هذه الآية في سورة النور، وهي مدنية(13)، ومن مقاصد السورة الكريمة إثبات الأمور على غاية الحكمة، بحسب ما ورد فيها، ومن ذلك إثبات البعث والحساب، والشاهد في هذه الآية أسلوب الحِجَاج الذي جاء بإثبات البعث والحساب، وتمثل الحِجَاج هنا عن طريق التمثيل الذي هو أحد طرق الاستدلال والبرهنة.

وموجز التمثيل في هذه الآية أن أعمال الكفرة الصالحة لا تنفعهم، ولا تنجيهم من العذاب، إذ شبهت أعمالهم بسراب يراه الظمآن وقت الهجير، وقد غلبه العطش؛ فيحسبه ماء، فيسعى إليه، فلا يجد ما يراه، وبعد ذلك ينتقل السياق إلى الحقيقة وهو العذاب.

والآية كما يظهر إنها في إبطال الأعمال الصالحة للكفرة في الدنيا، وفيها إثبات ضمني بالبعث والحساب، ومن أجل ذلك جاءت الآية تنبيهاً وإرشاداً لشرط وجود الإيمان بالله وباليوم الآخر حتى تقبل الأعمال، والبعد الحِجَاجي جلي في الآية، حيث شبهت أعمال الكفار في اضمحلالها بسراب في مكان منخفض ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ﴾ والسراب رطوبة كثيفة تصعد على الأرض، وبقيعة من القاع، والقيع أرض واسعة سهلة مستوية لا ارتفاع فيها ولا انهباط، لا حجر فيها، ولا شجر، وما حولها أرفع منها، وبعد حِجَاجي آخر يتمثل في التشويق الذي تولد من إسناد الأعمال إلى الذين كفروا في قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ دون إضافتها إليهم، فعندما يسمع المتلقي في بداية الآية ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يتشوق إلى ما سيعرف من شؤونهم وأحوالهم(14)، وهذا فيه بعد تأثيري، ولا إقناع إلا من بعد إثارة فتأثير. كما أن ذكر السراب دون العطشان؛ ليدلل على الشدة في طلب الماء، مما يجعله مثل الكافر في شدة الخيبة عند مسيس الحاجة(15). والنظم الكريم ملئ بالأسرار والنكت، فأسرار الكتاب لا تنفذ.

المبحث السادس: آيات التهيئة قبل الحِجَاج في المدني:

وقعت آية البقرة: ﴿وْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌﱠ في ترتيب السورة تسع وخمسون بعد المائتين، وقد هيأ لها السياق البعيد والقريب دخولها في موقعها الحسن في السورة، فنجد أن مفتتح السورة جاء من الحروف المقطعة ﴿الم﴾ [البقرة: 1]، ومعلوم ما في الحروف من استثارة النفس والفكر والتشوف إلى ما سيأتي بعد ذلك، وتلا الآية الأولى قوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]، ز فالسورة ترسم خطوطها من مفتتحها بأن القرآن هدى للمتقين، وهذا على مستوى السياق البعيد، أما على المستوى القريب فقد هيأ النظم لتقرير حقيقة البعث يوم القيامة أن الله يخرج الذين آمنوا من الظلمات إلى النور، يقول تعالى: ﴿اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 257] ، ثم تمثلت بعد هذه الآيات قصة مُحاج إبراهيم عليه السلام، وأردفت بقصة الرجل الذي مر على قرية خاوية عروشها.

أما آية النور ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ فقد وقعت بعد ثمانٍ وثلاثين آية، هيأ لها السياق البعيد والقريب، فجاء في مفتتح السورة التذكير في تطبيق أحكام الله، والجزاء المترتب على كل ذنب، من الزنا والقذف إلى آخر تلك العقوبات المترتبة على ما سيق في السورة، والذي يُظهر لي علاقة الآية ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ﴾ بما قبلها، أنه جاء في السورة أن تجنب الأعمال الرذيلة التي حذرت السورة من الوقوع فيها، وعمل الصالحات لا ينجي إن لم يكن في النفس إيمان بالله عز وجل وتوحيد له بربوبيته وألوهيته، وقد تمثل البعد الحِجَاجي في إظهار هذا المحذور، أما السياق القريب للسورة فقد هيأ له بقصة جزاء المؤمنين بالله واليوم الآخر، فجاء على مقابلها هذه الآية.

الخاتمة:

أولاًنتائج البحث:

  1. الحِجَاج نظام استدلالي، يستدعي الظواهر اللغوية والبلاغية طريقاً للإقناع والتأثير، مراعياً مقتضى الحال، والمقام.
  2. الإيجاز والإطناب بين المكي والمدني، حيث جاء أسلوب الحِجَاج في الآيات المكية موجزاً فيه قوة وجزالة، بخلاف ما جاء في المرحلة المدنية التي أطنب فيها الأسلوب.
  3. كثرت الطريقة الجدلية في المكية، والتي جاءت على طريقة الحوارات والمقاولات، حيث كان الكفر في تلك المرحلة على أشده، أما في المدنية فقد جاء الحِجَاج بالتمثيل والاستدلال القصصي.
  4. قوة العبارات في المكي أكثر منها في المدني.
  5. المواجهة في المكي أشد منها في المدني.
  6. أسلوب التهيئة قد يشترك في السياق البعيد، لكل من آيات المكي والمدني، لما يحدثه من التهيئة ويستشرف فيها قلب وعقل المتلقي لأن التهيئة وسيلة وليست غاية في نفسها، أما التهيئة القريبة فإنها تكون غالباً من جنس المهيأ، ليحدث في ذلك الانسجام بين النص.

ثانياًالتوصيات:

  1. برز أسلوب الحِجَاج بشكل جلي في إثبات القضايا الكبرى في النظم الكريم، وعليه يمكن تناول هذا الأسلوب على وازن قضية البعث بين المكي والمدني.
  2. تدوير البلاغة العربية بنظرة حِجَاجية بما يتوافق مع طبيعتها اللغوية.

المصادر والمراجع:

  1. ابن القيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، أعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م.
  2. ابن فارس، أحمد بن فارس القزويني الرازي، مقاييس اللغة، المحقق: الناشر: دار الفكر، عام النشر: 1399هـ– 1979م.
  3. أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف، البحر المحيط في التفسير، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1413هـ.
  4. البقاعي، إبراهيم بن عمر، مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1408هـ /1987م.
  5. البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، تحقيق، محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ.
  6. الجديع، عبد بن يوسف، المقدمات الأساسية في علوم القرآن، مؤسسة الريان، بيروت، الطبعة السادسة، 1437هـ /2016م.
  7. الدريدي، سامية، الحِجَاج في الشعر العربي القديم، من الجاهلية إلى القرن الثاني الهجري، عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن الطبعة الأولى، 2008م.
  8. الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح المحقق: يوسف الشيخ محمد، الناشر: المكتبة العصريةالدار النموذجية، بيروت – صيدا، الطبعة: الخامسة، 1420هـ / 1999م.
  9. السامرائي، فاصل صالح، معاني النحو، دار الفكر، الأردن، عمّان، الطبعة الخامسة، 1432هـ.
  10. سيد قطب، إبراهيم بن حسين الشاذلي، في ظلال القرآن، دار الشروق، الطبعة التاسعة،1400هـ، 1980م.
  11. الطاهر بن عاشور، محمد الطاهر بن محمد، التحرير والتنوير، الناشر: الدار التونسية للنشر – تونس، سنة النشر: 1984 هـ.
  12. عبد الرزاق حسن أحمد، المكي والمدني في القرآن الكريم، من أول القرآن الكريم إلى نهاية سورة الإسراء: دار ابن عفان، القاهرة، الطبعة الأولى، 1420هـ.
  13. الفالح، محمد عبد العزيز، المكي والمدني من السور والآيات من أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس، الطبعة الأولى، 1433هـ: 336.

1 (1) ابن فارس، أحمد القزويني الرازي، مقاييس اللغة، 2/29.

2(2) الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح 66.

(3)(3) الدريدي، سامية، الحِجَاج في الشعر العربي القديم، من الجاهلية إلى القرن الثاني الهجري، 21.

(4)(4) الطاهر بن عاشور، محمد الطاهر بن محمد، التحرير والتنوير3/26.

(5)(5) الجديع، عبد بن يوسف، المقدمات الأساسية في علوم القرآن: 54

(6)(6) عبد الرزاق حسن أحمد، المكي والمدني في القرآن الكريم، من أول القرآن الكريم إلى نهاية سورة الإسراء: 317.

(7)(7) ابن القيم الجوزية، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، أعلام الموقعين عن رب العالمين: 1/133.

(8)(8) الفالح، محمد عبد العزيز، المكي والمدني من السور والآيات من أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس: 336.

(9)(9) سيد قطب، إبراهيم بن حسين الشاذلي، في ظلال القرآن: 6/3373.

(1(10) السامرائي، فاصل صالح، معاني النحو: 2/182.

(111) البقاعي، إبراهيم بن عمر، مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور: 2/9.

(1(12) أبوحيان، محمد بن يوسف الأندلسي، البحر المحيط في التفسير: 2/295.

(1(13) الفالح، محمد عبد العزيز، المكي والمدني من السور والآيات من أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس: 158.

(14)(14) الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير: 18/251.

(15)(15) البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 4/109.