Debt and Pledge Verses in the Holy Quran: An Objective Inimitable Study
Shareefah Abedulkareem Freihat
Facaulty of Education in Zulfi || Majmah University || KSA
آيتا الدَّين والرِّهَان: دراسة إعجازية موضوعية
كلية التربية بالزلفي || جامعة المجمعة || المملكة العربية السعودية
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه الغر الميامين ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد.
اهتم الإسلام بالإنسان وفضله على سائر المخلوقات يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (1).
ولما كان الإنسان بطبعه مخلوقاً اجتماعياً، تربطه بغيره علاقات عدة، جاء الإسلام بأحكامه وتشريعاته لينظم علاقة الإنسان مع خالقه ومع نفسه ومع غيره.
ومن هنا جاء تميز أحكام الإسلام عن أحكام البشر بشموليتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان، فما من قضية من القضايا إلا وفي القرآن ما يضبطها بأحكام دقيقة متناولة لكل الجزيئات.
ذلك لأن القرآن في أساسه كتاب هداية فكان لا بد من احتوائه على أحكام تشريعية يبرز فيها إعجازه.
ومن هذه التشريعات ما ورد من أحكام في آيتي الدين والرهان.
فآية الدين أطول آية في القرآن وهي آخر القرآن عهداً بالعرش فقد أخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب أنه بلغه: “إن أحدث القرآن بالعرش آية الدين“(2) وأخرج أبو عبيد عن ابن شهاب قال: “آخر القرآن عهداً بالعرش آية الربا وآية الدين(3)
ومن هنا برزت أهمية الآية الكريمة فنحن نعلم أن القرآن الكريم تدرج في تشريع أحكامه؛ لتكون في النهاية النتائج مرضية فأكد أولا على العقيدة وترسيخها في القلوب ثم جاء بعد ذلك الأمر الصلاة، وحرم شرب الخمر وقت وأداء الصلاة ثم جاء في النهاية التحريم المطلق ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ (4)، ﴿وإِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(5)
وبعد تأسيس الدولة الإسلامية القادرة على تطبيق الأحكام والمحافظة على حقوق الأفراد نزلت آية الدين بكل ما فيها من أحكام (مبينة جملاً من الحلال والحرام وهي أصل في مسائل البيوع وكثير من الفروع)(6)
ومن أجل أهمية آيتي الدين والرهان في تنظيم العلاقات القائمة على المداينة تناولت في بحثي هذا دراسة الإعجاز التشريعي بهما، ولقد كان لكتابي الجامع لأحكام القرآن “القرطبي” وأحكام القرآن “لابن العربي” دوراً كبيراً في توضيح دقائق أحكام هذه الآيات وما اشتملت عليه من إعجاز.
أهمية الدراسة:
ظروف الحياة تفرض على الإنسان أن يستعين بغيره، ونظراً للجانب الإنساني الذي يتحقق في تقديم الدين للآخرين تجد البعض يبتعد عن تقديم المساعدة بدافع الأنانية، من جانب الحرص على المال من الضياع، ولما كان الإسلام هو الدين الرباني الذي يحث على تقديم الإحسان وإحياء روح الإنسانية في نفس المسلم شرع الدين كمخرج لكل من ذاقت به السبل، وحفاظاً ورعايةً للحقوق ودفعاً للحرام، جاءت أطول آية تحمل في معانيها الجانب الإنساني والتشريع الرباني لإحياء الإحسان ودفعا للطمع واستغلال الغير.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في بيان دقة الإسلام في تشريع الأحكام بعجز القوانين البشرية في تحديد جميع الجوانب المتعلقة بالدين لقصور الجانب الإنساني عن الإحاطة بكل تفاصيل الدين بحكمة تزرع حب الخير وتدفع الضرر لكل من دعته الحاجة، أو لكل من سعى لفعل الخير.
منهج الدراسة:
جاء ترتيب مواضيع الدراسة حسب ما تناولته الآية الكريمة باستخدام المنهج التحليلي والموضوعي، لبيان تفاصيل الدين وما يتعلق به من أحكام في المدين والدائن والشهود، ثم الاستشهاد بالأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أهداف الدراسة:
- تحديد كاتب الدين وأحقية المدين في الإملاء.
- بيان العوارض المخلة بالإملاء
- توضيح الأحكام المتعلقة بالإشهاد على الدين.
- بيان الأحكام المتعلقة بالتجارة.
- بيان أثر التقوى على سلوك المؤمن.
- تناول مسألة الرهن على الدين لحفظ الحقوق.
مشكلة الدراسة:
جاء البحث للإجابة عن الأسئلة التالية: ما الحكمة من مشروعية الدين؟ ما الحكمة من كتابة الدين واشتراط الشهود واعتبار شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل؟ ما أهمية الإملاء في الدين؟ ما الأحكام المتعلقة بالتجارة؟.
الدراسات السابقة:
- آيتا الدين والرهان بين الدقة البيانية وحفظ الحقوق المالية، نايل أبو زيد ذكر الدقة البيانية والتشريعية وركز على الجانب البياني جاءت دراسته في مبحثين تناول في المبحث الأول سبل حفظ المال في ظل المنهج الرباني بالكتابة والاشهاد والمبحث الثاني حفظ المال بالرهن حالة الإئتمان .
استفدت من هذا البحث في بيان الحكمة من الحيطة في الدين للدائن.
- آية المداينة دراسة تحليلية، مهند أحمد جعفر قام الباحث بتحليل الفاظ الآية الكريمة وبيان ما اشتملت عليه من معان واستنبط ما تحويه من أحكام.
- الإعجاز التشريعي في آية الدين، سعيد راشد الصوافي
ذكر الباحث سمات الإعجاز في الآية الكريمة وما تضمنته من تشريعات وذكر وجوه القراءات القرآنية.
جاءت دراستي لآيتي الدين والرهان تجمع بين الإعجاز التشريعي من خلال تحليل الآيتين مع التفسير الموضوعي وربطه بالواقع لمعالجة قضايا مجتمعية معاصرة.
خطة البحث:
جاء البحث في مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة على النحو الآتي:
- المقدمة والتمهيد: واشتملت على ما تقدم.
- المبحث الأول: كتابه الدين واشتمل على:
-
- المطلب الأول: تحديد كاتب الدين
- المطلب الثاني: أحقية المدين في الاملاء
- المطلب الثالث: العوارض المخلة بالإملاء
- المبحث الثاني: “الإشهاد على الدين “واشتمل على
- المطلب الأول: الشهود
- المطلب الثاني: شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد
- المطلب الثالث: أداء الشهادة
- المطلب الرابع: أثر الكتابة والإشهاد في دفع الريب
- المبحث الثالث: التجارة واشتمل على:
- المطلب الأول: الكتابة والإشهاد في التجارة
- المطلب الثاني: حماية الكاتب والشهيد مع التأكيد على التقوى
- المبحث الرابع: “الدين في السفر ” واشتمل على:
- المطلب الأول: الرهن
- المطلب الثاني: الائتمان
- وخاتمة تحتوي على أهم نتائج البحث والتوصيات.
التمهيد:
الإسلام دين ورسالة خالدة ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ (7).
فهو النهر الذي لا ينضب، وهو البحر الواسع الممتد المحيط بكل جوانب الحياة الشامل لكل صغيرة وكبيرة، معطاءً لكل من غرف منه عادلاً في عطائه لا يحابي أحداً ولا يُظلمُ تحت لوائه من التزام به.
فالإسلام بشموليته وعالميته التزام بالعدل وهو محور هذا الدين الحنيف بكل تشريعاته وأحكامه، مما جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً في زمن كان فيه الإسلام مطبقاً على أرض الواقع، ومن مظاهر عدل الإسلام أن حرم على المسلمين أكل أموال بعضهم بعضاً بالباطل ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (8).وكذلك حرم الربا الذي يتحقق فيه الجشع والاستغلال وإثارة الحسد والأحقاد بين الأفراد.
لكن غاية أحكام الإسلام إنما تتحقق بإيجاد مجتمع عادل متعاون يشد بعضه بعضاً فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله.
وكذلك حرم كنز المال وادخاره دون الاستفادة منه أو إفادة الغير لقوله تعالى: ﴿…. وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ (35) (9).
فالإسلام هذب المسلم على أن يكون معطاءً، عنصر خير وإصلاح لنفسه ولغيره ناهياً نفسه عن الأنانية وحب الذات شعاره: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ (10).
فما دامت الحياة فانية ومتاعها فانٍ فمن انعدام الحكمة وضعف الإدارة أن يدخر الإنسان ماله دون إخراج حق الله منه وأخوه المسلم بحاجةٍ إليه ليقيم به حياته ويحقق النفع لنفسه لغيره.
ولكن من العدل والتعاون أن يكون المسلم إلى جنب أخيه وهذه هي دعوة الإسلام ومعجزته الخالدة، وأي نظام في الحياة لا تتحقق فيه إنسانية الإنسان إلا إذا اشتمل على العدل والتعاون بمفهومهما الشامل لكل جزيئاته.
ومن هذه الأحكام التي يتجلى فيها التشريع الإسلامي بأسمى صوره وأدق تفاصيله “الدين“.
حيث يتحقق به العناية والاهتمام لكلٍ من حق الدائن والمدين، فالدائن فاعل الخير الأول إذ يُقدم ماله ديناً للمدين من باب التعاون والإحسان يقول تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (11). ويقول صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه…”(12) وفي التعاون على دفع المصائب وتخفيف آثارها يقول صلى الله عليه وسلم” من نفس على مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخي….”(13). فهذا التعاون قائم بهدف نيل الأجر من الله تعالى.
ومن حكمة التشريع أن راعى حق الدائن وحفظه من الضياع، وكل ذلك محدد بحكمة ودقة في قوله تعالى﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاستشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(14)
هذه الآيات الكريمات من سورة البقرة أكبر سورة في القرآن التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم في فضلها: “اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنها فرقان من طير صوافٍ تحاجان عن أصحابهما اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة“(15). ومن فضلها تنفر منها الشياطين يقول صلى الله عليه وسلم “لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة “(16).
فهذان الحديثان وغيرهما واضحان في بيان عظم سورة البقرة بما تشتمل عليه من ترسيخ للعقيدة في النفوس وبناء شخصية إسلامية شديدة الحرص على تطبيق أحكام الإسلام وشرائعه.
فآيتا الدين جاءتا واضحتين في مشروعية الدين باعتباره وسيلة إنسانية قائمة على التعاون بين الأفراد من أجل تحقيق المنفعة ذلك أن الآيات السابقة لآيات الدين جاءت تذكر جريمة الربا وما ينتظر الإنسان من العقاب في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: ﴿….فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾(17).
يقول وهبه الزحيلي: “مناسبة الآية لما قبلها حالة المداينة الواقعة في المعاوضات الجارية بين الناس ببيع السلع بالدين المؤجل بطريقة تحفظ الأعمال وتصونها عن الضياع بعد بيان حكم التعامل بالربا ومنعه؛ أو أن المراد بيان كيفية حفظ المال الحلال بعد بيان الإنفاق في سبيل الله وتحريم الربا اللذين يترتب عليهما نقص المال إما حالاً أو مالاً“(18).
يقول النيسابوري “ولا منفعة يتوصل إليها بالطريق الحرام إلا وجعل الله سبحانه وتعالى لتحصيل مثلها طريقاً حلالاً وسبيلاً مشروعاً“(19).
المبحث الأول: كتابة الدين
قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾
بدأت الآية الكريمة بتوجيه الخطاب للمؤمنين وذلك أن من شأن الإيمان أن يحمل المخاطب على سرعة الامتثال والالتزام فالإيمان يشتمل القول والعمل.
(ثم جاء التعبير عن عملية القرض بين الناس بـ(تداينتم) حتى تشمل على كل دين ثابت مؤجل سواء كان بدله ديناً أو عيناً فمن اشترى داراً بألف درهم إلى أجل كان مأموراً بالكتاب والإشهاد بمقتضى الآية الكريمة والتي دلت على أنها مقصورة في دين مؤجل في أحد البدلين لا فيهما جميعا)(20)، فالنبي صلى الله عليه وسلم “نهى عن بيع الكالئ بالكالئ(21) أي بيع الدين بالدين مثاله ” أن يكون– مثلاً– لشخص دين على آخر، ولثالث دين على الأول، فيبيع أحد الدائِنَيْن دَيْنه من الآخر بالدَّيْن الذي له على الثالث فهذا البيع وأمثاله منهيُّ عنه وباطل، لعدم القدرة على تسليم المبيع” (22).
أما لو كان أحد البدلين معجلاً والآخر مؤجلاً فهذا مما أباحه الإسلام بالشروط التي ذكرتها الآية الكريمة، والذي يدل على ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)(23)، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنه قال (أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى إن الله أحله وأذن فيه ثم قرأ قوله تعالى﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ… ﴾ (24).
أما عن مجيء قوله (بدين) بعد (تداينتم) فللمفسرين عدة أقوال:
- “لأن تداينتم لفظ مشترك يحتمل أن يكون من الدين الذي هو الجزاء كقوله تعالى: ﴿مالك يوم الدين﴾ يعني يوم الجزاء، فيكون بمعنى تجازيتم، فأزال الاشتراك عن اللفظ بقوله “بدين” وقصره على المعاملة بالدين وجائز أن يكون جهة التأكيد وتمكين المعنى في النفس“(25).
- “ليرجع الضمير إليه في قوله “فاكتبوه” إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال فاكتبوا الدين فلم يكن النظم بذلك الحسن ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال“(26).
- “ليشتمل أي دين كان صغيراً أو كبيراً مسلماً أو غيره“(27).
وبناءً على هذه الأقوال فأيّاً كان المقصود منها فقد وضح للقارئ إعجاز الله وحكمته سواء أكان في تحديد المعنى المقصود من الدين حتى لا يلتبس على الناس أمور دينهم أو في تحديد أنواع الدين حتى لا يقع الخلاف. ثم قال تعالى: ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ…… ﴾ ذلك أن في تحديد الأجل أدعى لحفظ الحقوق وضمانها.
وقوله: (مسمى) دل على “أن من حق الأجل أن يكون معلوماً كالتوقيت بالسنة والأشهر والأيام“(28).
ثم جاء الأمر بالكتابة (فاكتبوه) “والمراد من ذلك أن يكون الدين موثقاً ليستذكر به عند حلول الأجل وذلك أن الإنسان بطبعه الغفلة والنسيان كما أنه قد يدخل الشيطان للإنسان من مداخل شتى فيدفعه على الإنكار وجحود حق الآخرين“(29).
(والأمر بالكتابة يحمل على الندب والإرشاد من أجل حفظ الأموال وإزالة الريب) (30) والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ فالرهن لا يجب إجماعاً لقوله تعالى ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ والرهن بدل (من الكتابة عند تعذرها في الآية فلو كانت الكتابة واجبه لكان بدلها واجباً)(31).
وكذلك قوله تعالى ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾ (اي لا تملوا من كتابة الدين قل أو كثر فإن كتابته أقرب إلى العدل وعدم ضياع الحقوق وأسهل لإقامة الشهادة عند الاختلاف وأبعد عن الشك في قدر الدين أو صفته أو أجله فقال العلماء: هذه المعاني تدل على أن الأمر بالكتابة أمر إرشاد وتوجيه وليس أمر ايجاب وتحتيم)(32)، لكن هناك بعض العلماء من أخذ بظاهر الآية وقال: إن الأمر بالكتابة يحمل على الوجوب لا الندب.
يقول ابن عاشور: (والأرجح أن الأمر للوجوب فإنه الأصل في الأمر، وأن قوله تعالى “ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ” رخصة خاصة لحالة الائتمان بين المتعاقدين، فإن حالة الائتمان حالة سالمة من تطرق التناكر والخصام لأن الله تعالى أراد من الأمة قطع أسباب التهارج والفوضى فأوجب عليهم التوثق في مقامات المشاحنة لئلا يتساهلوا ابتداءً ثم يفضوا إلى المنازعة في العاقبة، يظهر لي أن في الوجوب نفيا للحرج عن الدائن إذا طلب من مدين الكتابة حتى لا يعد المدين ذلك من سوء الظن به فان في القوانين معذرة للمتعاملين)(33).
والذي يتضح لدي أن القول الأول هو الأرجح بالإضافة إلى ما ذكروه من أدلة فإن الدين أساسه قائم على التعاون وتقديم الخير إلى الناس فلو كان أمر الكتابة للوجوب لوجب العقاب لمن خالف الأمر وهذا يتنافى مع العدل الرباني.
يقول الله تعالى ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾(34)، وقال تعالى ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾.(35) فالأمر بالكتابة للإرشاد والتوجيه حتى لا يقع الندم على فعل الخير في حال أنكره الطرف الآخر ولم يكن يملك الدائن دليلا على حقه، ثم انتقلت الآيات بعد ذلك لبيان الكيفية التي يتم بها كتابة الدين.
المطلب الأول: تحديد كاتب الدين
قال الله تعالى: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾(36)هذا تعيين للشخص الذي يقوم بكتابة الدين فهو كاتب وليس أحد المتعاقدين)(37)؛ لذلك قال بينكم، ولم يقل أحدكم (لأنه لما كان الذي له الدين يُتهم في الكتابة للذي عليه الدين وكذلك بالعكس شرع الله تعالى كاتبا غيرهما يكتب بالعدل لا يكون لا في قلبه ولا قلمه هوادة لأحدهما على الآخر).(38)
(فهو كاتب عادل في كتابته لا يميل إلى أحد فيجعل له من الحق ما ليس له ولا يميل عن الآخر فيبخس من حقه شيئا)(39) ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ﴾. “لا يأب أن ينفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها“. (40)
وفي أمر الكتابة على الكاتب أربعة أقوال كما يراها ابن العربي:
- فرض كفاية كالجهاد والصلاة.
- فرض على الكاتب في حال فراغه.
- أنه مندوب.
- أنه منسوخ بقوله تعالى ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ والصحيح أنه أمر إرشاد فلا يكتب حتى يأخذ حقه)(41).
وهذا ما أميل إليه أن كتابة الدين ليست واجبة على المتعاقدين فمن باب أولى ألا تجب على الكاتب وإنما تحمل على الندب لما فيها من تقديم الإحسان لقوله صلى الله عليه وسلم “من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل“(42)
(والكتابة لا تكون ضماناً تاماً إلا إذا كان الكاتب عالماً بما يجب علمه في ذلك من أحكام شرعيه وشروط مرعيه واصطلاحات عرفيه وكان عادلاً مستقيماً لا غرض له إلا بيان الحق كما هو مبين من غير محاباة ومراعاة، وإنما قدم صفة العدالة على صفه العلم بذلك لأن من كان عدلاً يسهل عليه أن يتعلم ما ينبغي لكتابة الوثائق لأن العدالة تهديه إلى ذلك ومن كان عالماً غير عدل فإن العلم بذلك لا يهديه إلی العدالة)(43).
المطلب الثاني: أحقيه المدين في الاملاء
﴿فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ…… ﴾(44) الآية.
(إن المدين الذي عليه الحق هو الذي يملي على الكاتب اعترافه بالدين ومقدار الدين وشرطه وأجله ذلك خيفة أن يقع الغبن علی المدين لو أملى الدائن ثم ليكون إقراره بالدين أقوى وأثبت وهو الذي يملي وفي الوقت ذاته {يدعو](45)ضمير المدين وهو يملي أن يتقي الله ربه ولا يبخس شيئاً من الدين الذي يُقر به ولا من سائر أركان الإقرار الأخرى)(46)
فإذا كانت القلوب ممتلئة بتقوى الله ومخافته كان لا بد لصاحب الحاجة أن يقدر معروف صاحبه واحسانه له ويشكر ربه أن سخر له من خلقه من يقضي له حاجته يقول صاحب المنار (مذكراً له بأن الله ربه الذي غذاه بنعمه وسخر له قلب الدائن فبذل له ماله ليحمله بالتذكير بجلال الذات الإلهية وهو من قبيل الترهيب بجمال نعم الربوبية وهو من قبيل الترغيب على شكر الله تعالی بالاستقامة وشكر الدائن بالاعتراف بحقه على وجه الكمال لأنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس)(47)
وفي ذلك كله يحصل للدائن بينه تثبت له حقه من الضياع فيما لو أنكر عليه المدين، وكذلك ضمن للمدين حقه إذا اعترضته إحدى العوارض الثلاثة السفه، الضعف، عدم القدرة على الإملاء “فجعل الولي هو الذي يملئ الدين ليتحقق بذلك التوازن في حفظ كلاً من حق الدائن والمدين.
المطلب الثالث: العوارض المخلة بالإملاء
“فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل“.
في هذا الجزء من الآية الكريمة، دخل حرف “أو” بين كلاً من السفه والضعف وعدم القدرة على الإملاء وذلك “ليدل على كونها أموراً متغايرة فالسفيه غير الضعيف والضعيف غير ما لا يستطيع الإملاء“(48).
- السفيه “وهو الذي لا يحسن التصرف بالمال ويضعه في غير موضعه(49) لضعف رأيه ونقصان عقله من البالغين(50).
فالسفيه يحجر عليه ويمنع من التصرف المطلق لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾(51) وذلك “من باب مراعاة حق السفيه نفسه بحفظ ماله ودفع الضرر عن الجماعة حتى لا يتحمل بيت المال نفقته“(52).
الضعيف: “هو الذي يغلبه قلة النظر لنفسه كالطفل“(53). “والمجنون والشيخ الخرف“(54). فمن الرحمة بهؤلاء أن تكون عليهم ولاية لحفظ حقوقهم وحمايتها من الاحتيال.
- الذي لا يستطيع الإملاء وذلك لضعف لسانه عن الإملاء لخرسه أو جهله بما له وما عليه(55).
أو كل من حال بينه وبين الإملاء حائل يمنعه من القدرة على الإملاء لذلك حدد الشرع لهؤلاء ولياً ينوب عنهم في الإملاء شريطة أن يكون عدلاً “فليملل وليه بالعدل” “أي من غير نقص ولا زيادة“(56)، وذكرت هذه الصفة “لزيادة الدقة فربما تهاون الولي ولو قليلاً لأن الدين لا يخصه شخصياً“(57)، وبذكر هذه العوارض المخلة بالتصرف وجعل الولاية عليها اتضحت حكمة الشرع بسد أبواب الظلم حتى لا يدع مجالاً لأحد تسول له نفسه بأكل أموال الناس بالباطل بأن ينتهز الفرصة ويزيد من مقدار الدين مستغلاً حاجة المدين وضعف قوته وقلة حيلته.
المبحث الثاني: الإشهاد على الدين
﴿استشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ … ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا… وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ﴾
في بداية الآية الكريمة (كان الحديث عن الأساس الأول لمعاملة الدين وهو الكتابة ومن ثم تتابع الكلام لينتقل إلى الأساس الثاني في الأهمية وهو الإشهاد وذلك لأن الكتابة وحدها لا تكفي فقد يتعرض المكتوب للتلف أو يتهم بأنه قد عبثت به الأيدي تزويراً وتغييراً وقد يتعرض لما يمنع من إيضاح جميع معالمه بسبب طول المدة فيأتي الإشهاد إلى جانبه حصناً منيعاً للديون وللمعاملات المؤجلة كما أن الكتابة من قبل كانت حصناً للشهود من النسيان ودرعاً واقياً من السهو)(58).
وجاء الأمر بالإشهاد على صيغة الندب لا الوجوب وذلك لما ذكرت سابقاً من أن الأمر بكتابة الدين للندب والإرشاد وبما أن الإشهاد على الدين هي عملية إتمام لأمر الكتابة فينطبق عليها نفس الحكم في كتابة الدين.
المطلب الأول: الشهود
﴿وَاستشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾(59). بينت الآية الكريمة أن عدد الشهود اثنان ” اثنين من رجالكم ” (وجاء وصف الشهود بالرجولة والمراد بهم البالغون من الذكور فالطفل لا يقال له رجل وإنما أمر الله بإشهاد البالغ لأنه الذي يصلح أن يؤدي الشهادة فأما الصغير فيحفظ الشهادة فإذا أداها وهو رجل جازت ولا خلاف فيها)(60)، ولكن وقع الخلاف في صفات الشهود من جهتي الإسلام والحرية بين اشتراطهما وردهما، والذي أراه بأن الإسلام والحرية من شروط الشهادة وذلك لقوله تعالى ﴿مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ ومن تبعيضيه أي شهيدين كائنين من رجال المسلمين الأحرار إذ الكلام في معاملاتهم….أما إذا كانت المداينة بين الكفرة أو كان من عليه الحق كافراً فيجوز استشهاد الكافر)(61).
والدليل على ذلك أيضاً أن الخطاب في بداية الآية الكريمة كان خاصاً بالمؤمنين وما جاء بعدها إنما هو بمثابة التوجيه والإرشاد للمؤمنين وما زال السياق بمخاطبتهم ولم ينتقل إلى خطاب غيرهم ولو قصد برجالكم غير المسلمين لذكر ذلك كما في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾(62).
فإن قوله تعالى ” ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ” (وصف الاثنين بأن يكونا عدلين وقوله “منكم” أي من المسلمين قال الجمهور وهو قول ابن عباس وقوله تعالى: ” أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ” قال ابن عباس: من غير المسلمين يعني أهل الكتاب) (63)، ومن الحكمة أن يشترط في الشهود الإسلام لإن المسلم أوثق في أمانته ولأن الوازع الديني قد يحرك ضمير المسلم ويجعله أضبط لحفظ الحقوق من غيره لما يعلمه المسلم من الإثم الذي ينتظر من يكتم الشهادة، أما عن اشتراط الحرية فذلك لأن العبد لا يملك أمر نفسه وأمره بيد سيده ولما يتطلب الشاهد أن يدلي بشهادته وقت الشهادة وهذا هو ما يراه جمهور العلماء ويحتجون على ذلك بقوله تعالى ﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ (64)فهذا النص يقتضي أن من تحمّل شهادة وجب عليه الأداء إذا ما طولب بها والعبد ليس كذلك فإن السيد إن لم يأذن له في ذلك حرم عليه الذهاب إلى الشهادة فوجب أن لا يكون العبد من أهل الشهادة)(65)، بالإضافة إلى أن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ …مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ (66)خطاب يتناول الذين يتداينون والعبيد لا يملكون ذلك دون إذن السادة)(67).
كل هذه الشروط في الشهود إذ كانوا من الرجال وإن من كمال الحكمة أن جعل الله تعالى سعة في الأحكام فكما أباح الدين من باب السعة بعد أن حرم الربا جاءت السعة بجواز شهادة المرأة بشرط التعدد، وفي قبول شهادتها دليل على أهلية المرأة وأحقيتها في إبرام العقود التجارية وأنها مسؤولة عن أموالها فلا يحق لأحد أن يجعل نفسه وصياً عليها ما دامت بالغة عاقلة وفي ذلك تهذيبا للعقول المتحجرة التي لا ترى للمرأة حقا لامتلاك الأموال والإتجار بها.
المطلب الثاني: شهادة المرأة
شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد قال الله تعالى ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾(68).
يقول ابن العربي: (ذهب بعض العلماء إلى أن قوله تعالى ” فَإِنْ لَمْ يَكُونَا ” من ألفاظ الإبدال وظاهره يقتضي أن لا تجوز شهادة النساء إلا في حالة عدم وجود الرجال ويرد على القائلين بأنه لو كان مراد الله تعالى ذلك لقال تعالى فإن لم يوجد رجلان فرجل وامرأتان فما دام النص القرآني يقول ” فإن لم يكونا ” فهذا قول يتناول حالة الوجود أو العدم)(69).
وقوله تعالى ﴿ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ (تقيد من الله سبحانه وتعالى على الاسترسال على كل شاهد وقصر الشهادة على الرضا خاصة لأنها ولاية عظيمة… ودليل على تفويض القبول في الشهادة إلى الحاكم لأن الرضا معنى يكون في النفس بما يظهر إليها من الأمارات عليه ويقوم من الدلائل المنيعة له ولا يكون غير هذا فإنا لو جعلناه لغيره لما وصل إليه إلا بالاجتهاد واجتهاده أولى من اجتهاد غيره).(70)
ثم ينتقل السياق في بيان السبب الذي من أجله جعلت شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد ” أن تضل احداهما فتذكر إحداهما الاخرى “.
(والضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بمواضيع التعاقد مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء فتذكرها الأخرى بالتعاون معا على تذكر ملابسات الموضوع كله…
.. وقد ينشا من طبيعة المرأة الانفعالية، فإن وظيفة الأمومة العضوية البيولوجية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيها إلى التفكير البطيء)(71)، وهذا هو الغالب في مجتمع النساء ولكن قد تكون هناك حالات نادرة يكون لدى المرأة القدرة على اتقان دورها في المعاملات المالية بشكل متفوق يفوق قدرة الرجل كما هو الحال بالنسبة إلى بعض الرجال ممن يمتلك القدرة على مسؤولية البيت بكل اتقان، ولكن هذه حالات نادرة مخالفة لواقع الأغلبية والإسلام بدوره رسالة للكافة فإن أحكامه تأتي عامة للأمر الغالب.
يقول الزنداني: (إن الله تعالى قد خلق البشر من ذكر وأنثى كَمُل بهما الخلق وجعل لكل نوع منهما خصائص تميزه عن النوع الآخر في التكوين البدني والنفسي والهرموني والعصبي وتبع عن ذلك الاختلاف في التكوين التكامل في الحياة البشرية… وتستقيم الحياة باجتماع تلك الخصائص ورعايتها في كل من النوعين، والمنهج القويم هو الذي يجعل الوظيفة تبعاً للمساواة في الخِلقة والاختلاف في الوظيفة تبعاً للاختلاف في الوظيفة والفطرة)(72).
(وفي دراسة أجرتها مجلة ” الريدرزاريجست ” تحت عنوان لماذا يفكر الأولاد تفكيراً مختلفاً عن البنات؟.. ومما اعتبرته المجلة اكتشافاً مذهلاً هو أن تخزين القدرات والمعلومات في الدماغ يختلف في الولد عنه في البنت.. ففي الفتى تتجمع القدرات الكلامية في مكان مختلف عن القدرات الهندسية والفراغية بينما هي موجودة في كلا فصي المخ لدى الفتاة ومعنى ذلك أن دماغ الفتى أكثر تخصصاً من مخ أخته)(73)
المطلب الثالث: أداء الشهادة
قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا “وقال ” وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَة﴾.
بعد أن ذكرت الآيات طريقتين لحفظ المال وهما الكتابة والإشهاد جاء الخطاب موجها للدائن والمدين ليتحقق لكل منهما حفظ حقه. ثم انتقل الخطاب للشهود لتوجيههم ودعوتهم لإظهار الشهادة وحفظ الحقوق (فعطف قوله ” ولا يأب ” على ﴿وَاستشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ﴾ فعندما أمر المتعاقدين باستشهاد شاهدين نهى الشاهد أن يرفض الشهادة ليتم المطلوب وهو الإشهاد.
وجاء الخطاب للمتعاقدين بصيغة الأمر لأنه يظن بهما إهمال الشهادة أما خطاب الشهود فجاء بصيغة النهي اهتماماً بما فيه التفريط)(74).
ولقد ذكرت سابقاً أن الأمر بالإشهاد يحمل على الندوب وعلى العكس من ذلك فإن أداء الشهادة يحمل على الوجوب ودليله قوله تعالى ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ﴾ فلا يكون الإثم إلا على ترك واجب ومخالفة للأمر خصوصا وأن في ترك الشهادة وكتمانها ضياع لحقوق الغير.
ولأن الإنسان قد يتنازل عن حق نفسه ويعفو عن الطرف الآخر وهو ما عززه الشرع وذلك في قوله تعالى ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 280)
وفي الحديث الشريف عن أبي قتادة الأنصاري ” من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش “(75)
وما روي أنه “كان تاجراً يداين الناس فإذا رأى معسراً قال لفتيانه: تجاوزا عنه لعل الله يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه“(76).
أما وما دام الأمر متعلقاً بحق غيره فليس له أن يتنازل ويعفو إلا بموافقة صاحب الحق وبما أن صاحب الحق يطالب بحقه ويدعو من يساعده وجب على الشاهد ألا يرد طلب الدائن أو المدين في أداء الشهادة.
يقول صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها“(77).
وأما عن المعنى المقصود من الخطاب في قوله “ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا“. فقد قال الحسن وابن عباس“: ألا تأبى إذا دعيت إلى تحصيل الشهادة ولا إذا دعيت إلى أدائها“(78).
ولكن هناك من يرى قصر المقصود فقط على التحمل دون الأداء. يقول ابن العربي: “إن المراد هنا حالة التحمل للشهادة لأن حالة الأداء مبين بقوله: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ﴾ وإذا كانت حالة التحمل فهي فرض على الكفاية…. لأن إباية الناس كلهم عنها إضاعة للحقوق وإجابة جميعهم إليها تضييع للأشغال فصارت كذلك فرضاً على الكفاية“(79).
ولكني أقول بأن يحمل المعنى على التحمل والأداء معاً وذلك لأن الآية فيها دعوة للشهداء بعدم الإباء فإن قوله “الشهداء” عام يشمل الشاهد عند تحمل الشهادة وعند أدائها ولم يأتي ما يخصها ويجعلها خاصة للتحمل وما استدلوا به من أن قوله “ولا تكتموا الشهادة……” بحملها على أداء الشهادة فقط صحيح فالآية خاصة بالأداء ولكن هذا لا يعني أن تكون الأولى خاصة للتحمل وإنما هي للتحمل والأداء ولكن لأهمية الأداء والحاجة إليه في حفظ الحقوق من الضياع بعد وقوع الخلاف بين الطرفين تخصص التأكيد للأداء دون التحمل مع بيان ما يتبع كتم الشهادة من الإثم “فإنه آثم قلبه“.
“كما أنه خص القلب بالذكر إذ الكتم من أفعاله وإذ هو المضغة التي بصلاحها يصلح الجسد كله“(80).
ولقوله صلى الله عليه وسلم: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب“(81).
المطلب الرابع: أثر الكتابة والإشهاد في دفع الريب
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾.(82)
وبعد أن ذكرت الآية أهمية الكتابة والإشهاد انتقلت إلى دعوة كلٍ من الدائن والمدين والكاتب إلى أن لا يملوا من كتابة الدين صغيره وكبيره (لأن الصغير والكبير لا حدود لهما فقد يكون صغيراً في نظر غني ملئ ويكون كبيراً عند غيره ولأن إهمال الصغير يؤدي الى جحوده وعندئذ تذهب الثقة وإذا ذهبت ساد التناحر والتنازع ولأن التهاون في الصغير قد يؤدي إلى التهاون في الكبير)(83).
(ثم بين الله تعالى الحكمة من الأوامر والنواهي المتقدمة وهي أن ذلك البيان الذي أمر به القرآن من الكتابة والإشهاد أعدل في إصابة حكم الله تعالى لأنه يكون إلى الصدق أقرب وعن الكذب أبعد وهو أيضاً أحرى بإقامة العدل بين المتعاملين وأعون على أداء الشهادة على وجهها الصحيح وأقرب إلى إزالة الشكوك في تعيين جنس الدين ونوعه وقدره وأجله(“(84).
المبحث الثالث: التجارة
قال الله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.(85)
المطلب الأول: الكتابة والإشهاد على التجارة
لما كانت الآية الكريمة تتحدث عن كتابة الدين والإشهاد عليه لوجود الأجل ولاحتمال الجحود والنسيان كانت الحاجة ملحة في توثيقه لحفظ الحقوق ولدفع الخلاف والنزاع (وأما إذا تفاصلا في المعاملة وتقابضا وبأن كل واحد منهما من صاحبه فيقل بالعادة خوف التنازع إلا بأسباب عارضه(86)
فلا يوجد حرج على المتعاقدين في عدم الكتابة لانتفاء الحاجه إليها قال الزحيلي: (وهذا يدل على أن الإسلام متماشياً مع الواقع متجاوب مع ما تقضيه المعاملات من تطور وسرعة ورعاية المصلحة)(87)ثم قال الله تعالى ” وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ “.
وهذا يعني أن رفع الأمر بالكتابة في التجارة لا يعني رفعه بالإشهاد وذلك (لأن الإشهاد بلا كتابة أخف مؤنة ولأن الحاجة إذا وقعت إليها لا يخاف فيها النسيان وهذا من باب الإرشاد إلى طريق الاحتياط)(88)، لا الوجوب لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم (ابتاع فرساً من أعرابي واستتبعه لنقص الثمن فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم وأبطأ الأعرابي وطفق الرجال يتعرضون للإعرابي فيسومون بالفرس وهم لا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتعه حتى زاد بعضهم في السوم على ما ابتاعه به منه فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كنت مبتاعاً هذا الفرس وإلا بعته فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداءه فقال: أليس قد ابتعته منك قال الإعرابي لا والله ما بعتكه فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي والإعرابي وهما يتراجعان وطفق الإعرابي يقول هلم شاهداً يشهد أني قد بعتكه قال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك بعته فأقبل النبي على خزيمة فقال: لم تشهد قال: بتصديقك يا رسول الله….)(89). فهذه الحادثة دليل على أن الإشهاد على البيع ليس للوجوب وفي ذلك توسعة على الأمة أكثر مما لو كان الأمر للوجوب.
المطلب الثاني: حماية الكاتب والشاهد مع التأكيد على التقوى
﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (90)﴾، بعد أن كان الأمر بالكتابة والإشهاد جاء الخطاب بالنهي عن المضارة لمزيد من الدقة والعناية في حفظ الحقوق والمضارة تحتمل أن يكون الكاتب والشهيد مصدراً للإضرار أو أن يكون المكتوب له والمشهود له مصدراً للإضرار لأن يضار يحتمل البناء للمعلوم ولمجهول ولعل اختيار هذه المادة هنا مقصود لاحتمالها حكمين ليكون الكلام موجهاً فيحمل على كلا معنييه لعدم تنافيهما وهذا من وجه الإعجاز“(91).
(فكثير من الكّتاب والشهداء يفسقون بتحويل الكتابة والشهادة أو كتمها وإما متعامل يطلب من الكاتب والشاهد أن يدع شغله لحاجته أو أن يبدل له كتابته أو شهادته)(92)
فبكل حكمة جاء الخطاب ليشمل الجميع ليتحقق التوازن في ضبط الحقوق من أجل أن لا يستغل صاحب الحاجة إلى حاجته أو فاعل الخير لإحسانه وحتى لا يقع في نفسه شيئاً من الندم أو الاعتراض على قدر الله وحكمه.
ثم اتبع المضار عن النهي بقوله تعالى ” وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ” وفي ذلك ذم لمن يخالف ما نهى الله عنه من المضارة ذاكراً ذلك بصيغة ” أن وذلك (للإشارة أن مثل هذا الفعل الذي يتحقق به الفسق لا يكاد يقع من المخاطبين وهم الذين آمنوا لأن من شأن الإيمان أن يمنعه)(93)، كما أنه في امتثال طاعة الله تعالى فيما أمر ونهى تتحقق التقوى في النفوس فتكون على هدى ونور تأخذ من أمور الحياة ما يتحقق به الخير والصلاح لها ولغيرها وأول هذه الأمور التقوى والعلم يقول تعالى ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ (94) ولا بد للمسلم من الاستزادة يقول تعالى ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾(95) والتقوى خير ما يستزيد منه المسلم يقول تعالى ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ (96)
و ذلك لأنه بهما يتميز الإنسان عن غيره وأود أن أنبه صيغة الأمر والطلب بالاستزادة في كتاب الله لم ترد إلا مع العلم والتقوى وهذا ما يؤكد أهميتهما في الخير والصلاح، لذلك كان من الحكمة والصلاح أن تنتهي آية الدين بالدعوة إلى التقوى والعلم.
يقول سيد قطب “…. وعلى عادة القرآن في ايقاظ الضمير واستجابة الشعور كلما هم بالتكليف ليستمد التكليف دفعته داخل النفس لا من مجرد ضغط النص يدعو المؤمنين إلى تقوى الله في النهاية ويذكرهم بأن الله هو المتفضل عليهم وهو الذي يُعلمهم ويُرشدهم“(97) فمتى ما تولدت في نفس المسلم التقوى واستشعر بحقٍ رقابة الله تعالى له جعل من نفسه حسيباً على نفسه .
﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يقول الرازي: “إشارة إلى كونه سبحانه وتعالى عالماً بجميع مصالح الدنيا والآخرة“(98).
“لا يكاد يخفى عليه حالكم وهو مجازيكم بذلك كرر لفظ الجلالة في الجمل الثلاثة لإدخال الروعة وتربية المهابة وللتنبيه على استقلال كل منهما بمعنى على حياله فإن الأولى حث على التقوى والثانية وعد بالانعدام والثالثة تعظيم لشأنه تعالى“(99) لفظ الجلالة له وقعه على نفوس البشرية مطلقاً مسلماً وكافراً لكن صداه لا يأتي إلا في قلب المؤمن .
وفي تقديم الأمر بالتقوى على الأمر بالعلم يتناسب مع سياق الآيات وما دعت إليه، ذلك أن عدم المضارة تحتاج إلى تقوى الإنسان وصلاحه وجميع ما ورد من الأحكام في الآية الكريمة كلها تحتاج إلى أن يكون الإنسان المؤمن عالماً بها حتى لا يقع في النزاع والخلاف ولكن ما ذهب إليه (المدعين للتصوف أن التقوى تكون سبباً للعلم وبينوا على ذلك أن سلوك طريقتهم وما يأتونه منها من الرياضة وتلاوة الأوراد والأحزاب تثمر لهم العلوم الإلهية وعلم النفس وغير ذلك من العلوم بدون علم وهذا الزعم فتح للجاهلين(100). (
ويتنافى مع الحقيقة ذلك “أن التقوى عمل يتوقف على العلم وإن هذا العلم لا بد أن يؤخذ بالتعليم والتلقي“(101).
وأول ما خاطب الله به محمد صلى الله عليه وسلم “اقرأ” بالإضافة إلى أن الأمر بالاستزادة من العلم كان سابقاً لأمر الاستزادة من التقوى فقولة تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾(102) في سورة طه وهي من السور المكية “أي زدني منك علماً ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة حتى توفاه الله عز وجل“(103)، يقول صلى الله عليه وسلم “اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً والحمد لله على كل حال“(104).
أما قوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾. فإن القول الراجح في معنى الآية “تزودوا للأخرة بالتقوى“(105). كما أن الأمر بها جاء في العهد المدني. وعلى هذا فإن طلب الزيادة من العلم كان قبل التقوى ولكن تقديم التقوى على العلم في الآية الكريمة من أجل أن يتناسب مع السياق.
المبحث الرابع: الدين في السفر
قال الله تعالى ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ في الآية السابقة ذكرت حكمين من أحكام حفظ الدين وهما الكتابة والإشهاد وما يتعلق بهما من أحكام شرعية في غاية الدقة والشمول، غير أن توفر كلٍّ من الكاتب والشهيد في الحضر يختلف عنه في السفر فمن باب المحافظة على المال وضمان الحقوق في كل الأحوال شرع الرهن والائتمان. والرهن: هو جعل عين متموله وثيقة بدين يستوفيها منها عند تعذر الوفاء. (106)
والائتمان: هو اطمئنان النفس وسلامتها مما تخافه(107).
المطلب الأول: الرهن
قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾(108)، ﴿وإن كنتم﴾ لما ذكر الله الندب إلى الإشهاد والكتابة لحفظ الأموال والحقوق انتقل السياق لبيان الرهن كوسيلة لحفظ الأموال في حالة وجود أعذار تحول بين عمليتي الكتابة والإشهاد أو من باب سعة الأحكام في تعدد الوسائل والطرق ومن هذه الأعذار السفر وذكر السفر لاعتباره غالب الأعذار ويدخل فيه كل عذر فلا يقتصر الرهن في السفر دون الحضر.
لكن هناك (من حمل هذه الآية علی ظاهرها ولم يجيزوا الرهن إلا في حالة السفر مثل مجاهد والضحاك)(109)، لكن الصحيح جوازها في السفر والحضر لما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتری طعاما من يهودي إلی أجل ورهنه درعاً من حديد) (110).
واشترط لصحة الرهان القبض (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) (وصف الرهان بكونها مقبوضة يدل علی أنه ما لم يقبض المرهون لا يظهر وجه للتوثق به)(111)، لكن هناك من يری بأنه لا يتوجب القبض لصحة الرهان ولكن (يبقی القبض حكم من أحكامه…….وليس ركنا من اركانه ولا شرطا ًلتمامه)(112).
والذي أراه القول الأول الذي يرى قبض المرهون ركناً من أركانه، وذلك لأن الرهن شرع من باب حفظ الحقوق فإذا لم يتحقق المنفعة المقصودة من حفظ الحقوق فالقبض بدل الكتابة والإشهاد والرهن عمليه تتم بين العاقدين دون شهود ولا كتابه فالقبض أدعی للحفظ ووقوع الجحود والنكران، (ولو كان الرهن يلزم بدون قبض لم يكن لقوله ” مقبوضة” أية فائدة وكلام الشارع يصان عن اللغو وعدم الفائدة)(113)
المطلب الثاني: الائتمان
قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾.(114)
هنا يبرز ” تدرج حكيم ” (115) وبيان واضح حتى يكون المؤمن على بصيرة وهدى في المحافظة على ماله (فقد بدأت الآية الكريمة ببيان حفظ المال بأهم الطرق وأحفظها وهو الكتابة والإشهاد مع بيان كل ما يتعلق بهما من أحكام وضوابط ثم انتقل إلى الطريقة الثانية وهي الرهن وهي أقل درجة في حفظ المال إلى أن وصل إلى أقل هذه الطرق وهي الائتمان، ولما كانت هذه الطريقة بحاجة إلى تفرس وتمييز الأمين من غيره وهذا مما لا يتوفر لكل شخص جاء التعبير بأداة الشرط ” فإن أمن ” (وفي هذه إشارة وتوجيه للمؤمنين من البينات المانعة من الاعتداء وأكل الحقوق سواء في البيع أو الدين حتى لا يعرض المتعاملون أنفسهم لجحود وإنكار بعض ضعاف الإيمان)(116).
إذاً لا بد من التأكد من وجود الأمانة عند من يؤتمن حتى لا تكون هناك مدعاة لوقوع الخلاف وضياع الحقوق لذا جاء التعبير ” أمن ” بدل أعطى أو أودع لبيان السبب الذي اعتمد عليه وهو خُلق الأمانة في صاحبه.)(117)
وقوله تعالى ﴿بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ (توجيه لكل من الدائن والمدين.. فالدائن يأتمن المدين إذا لم ير حاجة للإشهاد عليه.. والمدين يأتمن الدائن إذا سلم له رهناً أغلى ثمناً بكثير من قيمة الدين المرتهن فيه)(118)، (و بعد أن أصبح الدين في ذمة المدين وحل الأجل جاء الخطاب يدعو المدين علی أن يكون عند حسن ظن الدائن به……وأن يؤدي له الحق المرتهن له)(119)، يقول صلى الله عليه وسلم (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك “(120)، وحتی لا يكون هناك مجال لمن تدعوه نفسه للخيانة لم يكتف الشارع بالأمر بل جعل الإنسان حسيبا علی نفسه في قوله تعالى ﴿وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾
(فان كان صاحب الحق لم يوثّق علی حقه بكتاب أو شهادة أو رهن فإن التقوی هي الوثيقة الكبرى التي لا تعدلها وثيقه)(121)
والتقوی تدفع الإنسان إلی قول الحق وعدم كتمان الشهادة: ” وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ “، فالله تعالی وحده العالم بأحوالكم في السر والعلن فهو وحده الذي يملك العلم المطلق، فقد حقق لنا تشريعاً يتناسب مع أحوال البشر مراعياً طبيعة النفس الإنسانية المجبولة على حب المال والمحافظة عليه فصان الحقوق من النسيان والجحود وهذب النفوس من الجشع والاعتداء وصدق الله العظيم حين قال ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ (122).
ولعلم الله المسبق بتفاوت حياة البشر واختلاف أحوالهم وحاجة الإنسان لأخيه الإنسان شرع الله الدين بينهم وحث صاحب المال على بذل ماله لإعانة أخيه المسلم والتفريج عنه لقضاء حاجاته دون أن يعود على صاحب المال نفع دنيوي ودون أن يعود على صاحب الحاجة ضرر دنيوي يفسد عليه آخرته كما في الربا إذ إنه فوق حاجته يثقله بدين زائد يظهر فيه جشع بعض البشر وطمعهم وانعدام الرحمة والإنسانية من قلوبهم وكأنه خلق لجمع المال وتكديسه واستغلال غيره من البشر وفي هذا من الإثم الكبير على صاحب الربا وآخذه يقول تعالى “ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ“(123)
و“ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه».(124)
وفي هذا الأمر من الأضرار الجسام على الفرد والمجتمع لا تحمد عواقبها، من انتشارٍ للسرقة والجرائم بسبب الحاجة مع عدم توفر التقوى أو الإسلام عندهم .
أما ما يتحقق بالدين القائم على الرحمة والإنسانية ففيه من الخير العميم على الفرد بنيل الأجر من الله تعالى يقول صلى الله عليه وسلم “ من نفس على مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخي….”(125)
والخير على المجتمع إذ يتحقق فيه التعاون والتكافل بأسمى صوره ويجعله يشد بعضه بعضا وهذا يؤدي إلى انتشار الأمن والأمان والرحمة والإحسان .
وبالمقابل على المدين أن لا يجحد من أحسن إليه و أسدى له المعروف فلا بد له من مقابلة هذا الإحسان بالإحسان في وفاء الدين وإعادته في وقته حتى لا ينفّر الناس من فعل الخير و لا تنتشر العداوة بين الناس من عدم الوفاء بالدين فالمال زينة الدنيا والعزيز على صاحبه جاهد نفسه من أجل قضاء حاجة غيره فأنت أيها المدين جاهد نفسك في كبحها عن أكل مال غيرك وحتى لا تصد الدائن من التعامل مع مدين آخر .
الخاتمة
يقول الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ (126)
إن من رحمة الله ونعمه على البشرية أنه أرسل إلى كل أمة نبياً لهم يدعوهم ويأمرهم لما فيه من صلاحهم واستقامتهم والرسول صلى الله عليه وسلم كغيره من الأنبياء جاء بالهدى ليكون نبراساً نستهدي به ليخرجنا من الظلمات إلى النور، فأنزل الله عليه كتاباً فيه دستوراً بنظم حياتنا ليكون لنا خيراً في الدنيا والآخرة. ومهما بذل الإنسان من جهدٍ وكان كل شخص في عون الآخر فلن يصلوا إلى نهاية إعجازه وعظيم ما جاء به يقول تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي…. ﴾ (127)، ومن أحكام القرآن التشريعية التي تتحقق بها مصلحة الأفراد وتنظيم علاقاتهم المالية “الدين” الذي شرع من باب التيسير على الأمة.
ولقد جاءت أحكام الدين بشروط واضحة في آيتي الدين والرهان حيث قمت في ها البحث ببيان الجانب التشريعي فيهما وتوصلت إلى النتائج التالية:
- جمال التفسير الموضوعي في بيان إعجاز القرآن وتوضيح خفاياه ودفع الريب عنه.
- أهمية التوثيق في قطع الخلافات المالية.
- مراعاة الإسلام لحق الأفراد أن جعل الولاية عليهم في حالة عدم قدرتهم على تدبير أموالهم حفظاً لحقوقهم بالدرجة الأولى ووقاية لكل من تراوده نفسه من الاعتداء على مال غيره .
- اهتمام الإسلام بالمرأة ومراعاته لطبيعة قدراتها ووظيفتها.
- العلم والتقوى هما الأساس في تحقيق التشريع وتطبيقه.
- أهمية التقوى والعلم في تربية المهابة من الله في نفس المسلم.
- استشعار رقابة الله جل وعلا كفيلة في صون الحقوق وحفظها.
- التدريج في التشريع والأحكام هي السمة الواضحة في التشريع الإسلامي.
التوصيات:
- ضرورة استشعار رقابة الله تعالى في كل شيء.
- ترك الحياء جانبا في المعاملات المالية والمطالبة بالتوثيق.
- الرجوع للقرآن الكريم في جميع جوانب الحياة.
- توضيح الفرق بين رعاية الإسلام للمرأة من خلال دلالات الآيات وبين واقع المجتمعات في امتهان المرأة وفهمهم للآيات حسب قناعاتهم الشخصية تجاه المرأة
والحمد لله رب العالمين
قائمة المصادر المراجع
- ابن العربي، أبي بكر محمد بن عبد الله، أحكام القرآن، تحقيق (محمد علي البجاوي)، (بيروت: دار المعرفة).
- ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، (تونس: الدار التونسية).
- ابن كثير، عماد الدين أبي الفداء إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، تحقيق (محمد علي الصابوني)، (بيروت: دار الفكر).
- أبو السعود، محمد بن محمد العماوي، تفسير أبو السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، (بيروت: دار إحياء التراث العربي).
- أبو داود، سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد تعليقات كَمَال يوسُفْ الحوُت والأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها، دار الفكر.
- أبو زهرة، محمد، زهرة التفاسير، (القاهرة: دار الفكر العربي، 1974م).
- أبو عبيد، القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي، فضائل القرآن للقاسم، تحقيق مروان العطية، ط1 ( بيروت: دار ابن كثير، 1995
- البار، محمد علي، عمل المرأة في الميزان، ط1، (جدة: الدار السعودية، 2002م).
- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تحقيق مصطفى البغا، (بيروت: دار ابن كثير، 1987م).
- البقاعي، برهان الدين أبي الحسن بن إبراهيم، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، أخرج آياته وأحاديثه (عبد الرازق غالب المهدي)، (بيروت: دار الكتب العلمية).
- البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، تحقيق (محمد عبد الرحمن المرعشلي) ط1 (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1418م).
- الجصاص، أبي بكر أحمد بن علي الرازي، أحكام القرآن، ضبط نصه وخرج أحاديثه (عبد السلام أحمد علي شاهين)، (بيروت: دار الكتب العلمية).
- الخازن، علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم، لباب التأويل في معاني التنزيل، ضبطه وصححه عبد السلام محمد علي شاهين، ط1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 2004م).
- الخن، مصطفى الخن، مصطفى البغا، علي الشربجي، الفقه المنهجي، (دمشق: دار القلم، 1998).
- الدار قطني، علي بن عمر، عنى بتصحيحه وتحقيقه (عبد الله هاشم)، (القاهرة: دار المحاسن، 1966).
- الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي، تفسير مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، ط1، (بيروت: دار الفكر، 1981م).
- رضا، محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ط2 (بيروت: دار المعرفة).
- الزحيلي، وهبه الزحيلي، التفسير المنير، ط1، (بيروت: دار الفكر المعاصر، 1991م).
- الزمخشري، جاد الله محمود بن عمر الزمخشري، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق وتعليق (محمد مرسي عامر) ط2 (الأزهر: دار المصحف، 1977م).
- الزنداني، عبد المجيد، المرأة وحقوقها السياسية في الإسلام، ط1 (بيروت: مؤسسة الريان، 2000).
- زيدان، عبد الكريم زيدان الوجيز في أصول الفقه، الطبعة الأولى.
- السايس، محمد علي السايس، آيات الأحكام، حققه وقدم له وخرج أحاديثه (طه عبد الرؤوف)، ط1 (الأزهر: مكتبة الأزهرية، 2001م).
- السيوطي، جلال الدين السيوطي، الدر المنثور، ط1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1990م).
- الشنقيطي، محمد المين بن محمد المختار الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، (الرياض: الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، 1983م).
- الشيباني، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، مسند أحمد، شرحه ووضع فهارسه (حمزة أحمد الزين)، ط1(القاهرة: دار الحديث، 1995).
- الطبري، أبي جعفر عماد بن جرير الطبري جامع البيان عن تأويل أي القرآن، حققه وعلق حواشيه (محمود محمد شاكر)، راجعه وخرج أحاديثه (أحمد محمد شاكر) (مصر: دار المعرفة).
- القرطبي، أبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، (بيروت: دار إحياء التراث العربي).
- قطب، سيد قطب، في ظلال القرآن، ط7، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1971م.
- الكلبي، أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي، التسهيل لعلوم التنزيل، ضبطه وصححه وخرج آياته (محمد سالم هاشم)، ط1 (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995م).
- النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، سنن النسائي، تحقيق عبد الغفار سليمان، ط1، دار الكتب العلمية(بيروت: 1991م).
- النيسابوري، أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، تحقيق فؤاد عبد الباقي (بيروت: دار احياء التراث العربي ).
- النيسابوري، أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مروان العطية (بيروت: دار الكتب العلمية، 1990).
- النيسابوري، أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، غرائب القرآن ورغائب الفرقان، تحقيق (إبراهيم عوض) ط1 (مصر: مطبعة مصطفى البابي، 1962م)
الأبحاث
- أبو زيد، نايل أبو زيد، آيتا الدين والرهان بين الدقة البيانية وحفظ الحقوق المالية، مؤته للبحوث والدراسات، المجلد الخامس عشر، العدد الأول، 2000م).
- أبو عبيدة، القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي، فضائل القرآن، تحقيق: مروان العطية، ومحسن خرابة، ووفاء تقي الدين، دار ابن كثير (دمشق– بيروت)
- الصوافي، سعيد راشد الصوافي، الإعجاز التشريعي في آية الدين، الجامعة الاسلامية العالمية، مجلد ٢١، عدد ٤١، ٢٠١٧.الطبعة: الأولى، 1415 هـ– 1995 م
- مهند أحمد جعفر وعبد القادر، الطاهر محمد، آية المدينة دراسة تحليلية، جامعة أم درمان، ٢٠٠٨.
1() الإسراء، 70
2() الطبري، جامع البيان، 6/41 رقم 6316
3) أبو عبيد، فضائل القرآن، باب منازل القرآن بمكة والمدينة وذكر أوائله وأواخره، 369
4() النساء: 43
5() المائدة: 90
6() ابن العربي، أحكام القرآن، 1/247
7() آل عمران: 19
8() البقرة: 188.
9() التوبة: 34- 35.
10() آل عمران: 185.
11() المائدة: 2.
12() البخاري، صحيح البخاري، كتاب المظالم باب لا يظلم المسلم ولا يسلمه، 2/862 رقم 2310.
13() النيسابوري، صحيح مسلم: كتاب الذكر، والدعاء والتوبة والاستغفار باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، 4/2074 رقم 2699
14() البقرة: 282- 283
15() النيسابوري، صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، 1/553، رقم804 والبطلة: السحرة
16()النيسابوري، صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في البيت، 1/539 رقم 780
17() البقرة: 149
18() الزحيلي، التفسير الميسر، 3/106
19() النيسابوري، غرائب القرآن، 3/87.
20() الجصاص، أحكام القرآن، 1/586
21() النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، كتاب البيوع، حديث معمر بن راشد 2/65 رقم 2342 قال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
22() ) مصطفى الخن واخرون، الفقه المنهجي 6/38
23() البخاري، صحيح البخاري، كتاب السلم، باب السلم في كيل معلوم، 2/781 رقم 2125
24() ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1/252 قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه المستدرك على الصحيحين كتاب التفسير 2/314 رقم 3130
25() الحصاص، أحكام القرآن، 1/585.
26() الزمخشري، الكشاف، 10/156.
27() النيسابوري، غرائب القرآن، 2/87.
28() الزمخشري، الكشاف 1/156.
29() انظر ابن العربي، أحكام القرآن، 1/247.
30() القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1/383.
31() الشنقيطي، أضواء البيان، 1/322.
32() الخن وآخرون، الفقه المنهجي، 3/265.
33() ابن عاشور، التحرير والتنوير، 3/100.
34() الرحمن: 60.
35() الزلزلة: 7.
36) ) البقرة 282
37() قطب، في ظلال القرآن، 1/491.
38() القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 2/383.
39() رضا، تفسير المنار، 3/120.
40() البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، 1/164.
41() ابن العربي، أحكام القرآن، 1/248.
42() النيسابوري، صحيح مسلم، كتاب السلام، باب استحقاق الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة، 4/ 1726 رقم 2199
43() رضا، تفسير المنار، 3/120.
44) )البقرة: 282
45() كتب، يناشد.
46() قطب، في ظلال القرآن، 3/492.
47() رضا، تفسير المنار، 3/121.
48() انظر الرازي، مفاتيح الغيب، 4/121.
49() الخن وآخرون 3/593.
50() الرازي، مفاتيح الغيب، 4/121.
51) ) النساء: 15
52() زيدان، الوجيز في اصول الفقه، 123.
53() ابن العربي، أحكام القرآن 1/250.
54() الرازي، مفاتيح الغيب 4/121.
55() الرازي، مفاتيح الغيب: 4/121.
56() أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم 1/270.
57() قطب، في ظلال القرآن، 2/492.
58() نايل أبو زيد، آتيا الدين والرهان بين الدقة البيانية وحفظ الحقوق، المجلد الخامس عشر، العدد الأول، ص47.
59) )البقرة 282
60() ابن العربي، أحكام القرآن، /252.
61() ابو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم 1/270.
62) ) المائدة: 106
63() ابن كثير، 11/558.
64) )البقرة: 282
65() الخازن، لباب التأويل في معاني التنزيل، 1/215.
66) ) البقرة: 282
67() القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 3/390.
68) ) البقرة 282
69() ابن العربي، أحكام القرآن، 1/252
70() المصدر السابق 1/254
71() قطب، في ظلال القرآن، 3/493
72() الزنداني، المرأة وحقوقها السياسية في الإسلام، ص605.
73() البار، عمل المرأة في الميزان، ص76.
74() ينظر ابن عاشور، التحرير والتنوير 3/112.
75() الشيباني، مسند أحمد، حديث أبي قتادة الأنصاري، 16/ 371 اسناده صحيح تعليق شعيب الأرناؤوط
76() البخاري، صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء 2/ 731 رقم 1972.
77() النيسابوري، صحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب خير الشهود، ، 3/1344 رقم الحديث 1719.
78() القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 3/1398.
79() ابن العربي، أحكام القرآن، 1/256.
80() القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 31/415
81() البخاري، صحيح البخاري، كتاب الايمان، باب فضل من استبرأ لديه، 1/28 رقم 52
82) )البقرة 282
83() أبو زهره، زهرة التفاسير، 2/1073
84() الزحيلي، التفسير المنير، 3/112.
85) ) البقرة: 282
86() القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 3/402.
87() الزحيلي، التفسير المنير، 3/112.
88() الرازي، مفاتيح الغيب، 4/128.
89() النسائي، سنن النسائي، كتاب البيوع، باب التسهيل في ترك الاشهاد على البيع: 4/ 48 رقم 6243قال الألباني صحيح.
90) ) البقرة 282
91() ابن عاشور، التحرير والتنوير 3/117.
92() ابن العربي، أحكام القران 1/260.
93() رضا، تفسير المنار، 30/120.
94) ) البقرة 282
95) طه 114
96) البقرة، 197
97() قطب، في ظلال القرآن 3/495.
98() الرازي، مفاتيح الغيب 4/129.
99() أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم 1/271.
100() رضا، تفسير المنار 3/128
101() رضا، تفسير المنار 3/131
102) )طه: 114
103() ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/495
104() النيسابوري، المستدرك على الصحيحين باب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، 1/690 قال الحاكم حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
105() الكلبي، التسهيل لعلوم التنزيل 1/102.
106() الخن وآخرون، الفقه المنهجي 3/263.
107() ابن عاشور، التحرير والتنوير 3/122.
108) ) البقرة: 283
109() الزمخشري، الكشاف 1/157.
110() البخاري، صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب شراء النبي بالنسية، 2/9رقم الحديث2068.
111() الزحيلي، التفسير المنير، 3/283.
112() أبو زهرة، زهرة التفاسير، 2
113() الخن وآخرون، الفقه المنهجي، 3/274.
114) ) البقرة 283
115() أبو زهرة، زهرة التفاسير، 2/1080.
116() أبو زيد، آيتا الدين والرهان بين الدقة البيانية وحفظ الحقوق، ص58
117() أبو زهرة، زهرة التفاسير، 2/1080
118() ابن عاشور، التحرير والتنوير، 3/124
119() الزمخشري، الكشاف 1/158.
120() أبو داود، سنن أبي داود، كتاب الاجارة باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده2/312 رقم3535 قال الألباني حسن صحيح.
121() أبو زهرة، زهرة التفاسير 2/1080.
122() الانعام، 38.
123) ) البقرة: 275
124) ) الترمذي، سنن الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في أكل الربا 3/ 405 رقم 1206 قال الألباني صحيح
125) ) سبق تخريجه ص 8
126() النحل: 89.
127() الكهف: 109.