Contradictions of Imam Siddiq Khan Al- Qannuji’s Views between His Quranic Commentary & His Book on Principles of Islamic Jurisprudence: Deduction & Specification of Quran & Sunnah as a Model
MUSTAFA M. ESHARIF
FACULTY OF ARTS || ELMIRGIB UNIVERSITY || LIBYA
ANISURRAHMAN MANZHOORULHAQUE
F250619
FACULTY OF ISLAMIC SCIENCES || AL- MADINAH INTERNATIONAL UNIVERSITY || MALAYSIA
معارضات المفسر للأصولي في شخص الإمام صديق خان القنوجي: القياس وتخصيص عموم الكتاب والسنة نموذجاً
كلية الآداب || جامعة المرقب || ليبيا
كلية العلوم الإسلامية || جامعة المدينة العالمية || ماليزيا
مقدمة
يعرض هذا البحث شيئاً من سيرة العالم الموسوعي الكبير صديق خان القنوجي، وأبرز مؤلفاته العلمية وثناء العلماء عليه، كما يتحدث عن مسألة تخصيص القياس لعموم الكتاب والسنة وعرض أقوال العلماء في هذا المسألة مع بيان حججهم والردود، والحديث عن موقف الإمام القنوجي من هذه المسألة في تفسيره فتح البيان وكتابه الأصولي حصول المأمول، وعن طريقة معالجته للمسألة بمنهجين مختلفين أديا إلى تغيير ترجيحاته وأدلته والاستدلال بما يعود بالبطلان على الرأي.
مشكلة البحث
تعد قضية تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس من المسائل الأصولية الدقيقة التي اختلفت فيها الأفهام وتضاربت فيها الأدلة، فما هي أدلة الفرق المختلفة العقلية منها والنقلية وكيف اختار جمهور العلماء جواز الترجيح؟ والإمام صديق خان مثال على العالم المجتهد والموسوعي، حيث قوبلت مؤلفاته باحترام وتقدير كبيرين من العلماء، وأثنوا على علمه في التفسير وأصول الفقه وغيرها من العلوم. فمن هو الإمام صديق خان القنوجي وما منزلته بين العلماء؟ وبما أن الإمام كان يرى في نفسه مقدرة على الاجتهاد فقد رجح في بعض المسائل قولاً يخالف قول الجمهور، وفي كل هذا لا يبدو مختلفاً عن غيره من تفردوا باجتهاد معين، إلا أن الإمام القنوجي وقع في تناقضات حيث رجح قول الجمهور في جواز تخصيص عموم الكتاب والسنة، وترك قوله هذا في تفسيره إلى منع الجواز! وإلى هذه النقطة يبدو الأمر طبيعياً وقد يوضع في خانة تغير الفتوى بتغير الزمان، ولكن الغريب في الأمر أنه لما خالف قول الجمهور ساق ضمن الأدلة التي استدل بها ما يبطل مذهبه الجديد ويعيده لصف الجمهور. فما العوامل التي دفعت بالإمام القنوجي إلى تغيير رأيه في موافقة الجمهور إلى مخالفتهم بالكامل؟ وكيف وقع في مشكلة الاستدلال بأدلة توافق رأي الجمهور وما أثر المنهج الذي اعتمده في ذلك؟
أهداف البحث
تبرز أهداف البحث في النقاط الآتية:
- عرض سيرة الإمام القنوجي باختصار وبيان فضله وقيمة مؤلفاته.
- إظهار براعة الإمام في عرض أدلة الفرق المختلفة ومنهجه في الترجيح بين الأقوال.
- تفسير تناقض الإمام القنوجي في الاستدلال بما يعود على رأيه المخالف للجمهور بالبطلان، وربط ذلك بطبيعة المناهج التي اعتمدها ما بين أصولية وتفسيرية.
أهمية البحث
تظهر أهمية البحث في التعريف بالإمام صديق خان القنوجي وأبرز مؤلفاته وبيان رأي العلماء خاصة وأنه عالم موسوعي كبير ألف في فنون شرعية وأدبية متنوعة تظهر مقدرته العلمية، كما تظهر الأهمية في طريقة عرض الإمام القنوجي لمسألة أصولية مهمة وهي: هل يجوز تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس؟ فقد تناول الإمام هذه المسألة في كتابه الأصولي (حصول المأمول) وكذلك في تفسيره المشهور (فتح البيان)، وكان تناوله للموضوع نفسه مختلفاً في الكتابين إذ وافق الجمهور في أولهما وخالفهم في ثانيهما، وساق في الحالتين أدلة وبراهين على سبب ترجيحه لما ذهب إليه، وفي تفسيره الذي خالف فيه قول الجمهور لم يوضح لم خالف الجمهور بعد أن وافقهم أولاً، كما أنه جاء بأدلة من الآيات الكريمة تعضد قولهم في المسألة والظاهر أن سبب وقوعه في هذا التناقض هو اختلاف المنهج الأصولي في عرض المسائل عن المنهج التفسيري في عرض تلك المسائل نفسها.
منهج البحث
المنهج المتبع في هذا البحث هو المنهج الوصفي القائم على الخطوات الآتية:
- جمع المادة العلمية مكتبياً، توثيق المعلومات توثيقاً علمياً.
- تحليل المادة العلمية وعرض آراء الفرق المختلفة والترجيح بينها.
ويتبع الباحث المنهج الاستقرائي الجزئي لتتبع آراء الإمام القنوجي في مسألة تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس.
وأخيراً يطبق المنهج النقدي لمعرفة صحة الاستدلال بالأدلة من عدمه وبيان أثر المنهج في تغيير الآراء.
الدراسات السابقة
ثمة دراسات عن حياة الإمام القنوجي ومنهجه التفسيري مثل دراسات الباحثين:
- الفاتح عبد اللطيف الفحل وعنوانها: صديق حسن خان ومنهجه في تفسيره: فتح البيان في مقاصد القرآن.
- محمد مهدي علي الحمودي وعنوانها: القنوجي وآراؤه التفسيرية على ضوء أقوال أئمة التفسير من سورة “الذاريات الآية 31 إلى سورة الناس“.
وهما دراستان نافعتان عن سيرة الإمام القنوجي ومنهجه العام إلا أنهما لم تتحدثا عن مسألة تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس.
وثمة دراسات ذات صلة غير مباشرة بالبحث ولكنها أعانت الباحث مثل:
- دراسة الباحث: موفق ناجي مصلح ياسين وعنوانها: اختيارات الشنقيطي الأصولية في كتابه نثر الورود على مراقي السعود.
- ودراسة الباحث: محمد علي حسن محمد آدم وعنوانها: اختيارات ابن قدامة الأصولية في كتابه روضة الناظر التي خالف فيها الغزالي في كتابه المستصفى.
- ودراسة الباحث: فراس فياض يوسف وعنوانها: اختيارات الإمام الآمدي في كتابه “الإحكام في أصول الأحكام“.
- ودراسة الباحث: مفلاح بن عودة وعنوانها: اختيارات الإمام الشوكاني الأصولية في كتابه: “إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول“؛
والدراسات المذكورة مفيدة لتعرضها لمسألة القياس وتخصيص عموم الكتاب والسنة به، إلا أنها لم تتحدث عن منهج الإمام القنوجي في التعامل مع الأدلة المختلفة وطريقة ترجيحه وسبب وقوع التناقض في استدلالاته وهذا هو الجديد في البحث الذي نسعى إلى بيانه وتوضيحه.
خطة البحث
- المقدمة: وفيها ما تقدم.
- المبحث الأول: نشأته ورحلاته وشيوخه وثناء العلماء عليه ومؤلفاته.
- المبحث الثاني: تخصيص عموم الكتاب والسنة النبوية بالقياس.
- الخاتمة: وفيها النتائج والتوصيات.
المبحث الأول: نشأته ورحلاته وشيوخه وثناء العلماء عليه
تمهيد
يتناول هذا المبحث التعريف بشخص الإمام صديق خان القنوجي، والحديث عن أهم المراحل الاجتماعية والعلمية في حياته، وعرض شيء من مؤلفاته خاصة تفسيره فتح البيان وكتابه الأصولي حصول المأمول، وإيراد شيء من أقوال العلماء فيه وفي منزلته العلمية.
المطلب الأول: ترجمته: هو صديق بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني، البخاري، القِنَّوْجي، نزيل “بهوبال” بالهند(1). هكذا ترجم لنفسه في كتابه أبجد العلوم(2)، ونقلت بعض كتب التراجم أن اسمه: محمد بن صديق خان، وهو صحيح أيضا؛ لأن من شأن الهنود المسلمين أن يطلقوا اسم “محمد” على علمائهم.
لقبه ونسبته: يلقب بـ: النَّوَّاب عالي الجاه أمير الملك بهادر(3)، البخاري، القِنَّوْجي(4). وكنيته أبو الطيب(5). وقال أيضا في كتابه “أبجد العلوم” عن نفسه: (يرجع نسبه إلى حضرة سيد السادة، وقدوة القادة، زين العابدين علي بن حسين السبط بن علي بن أبي طالب– كرم الله وجهه– )(6).
ولد صديق حسن خان يوم الأحد وقت الضحى التاسع عشر من جمادى الأولى سنة 1248 هـ، الرابع عشر من أكتوبر 1832م ببلدة “باس بريلي” موطن جده لأمه، ثم جاء مع أمه من بريلي إلى قنوج موطن آبائه، ولما بلغ السنة السادسة من عمره توفي أبوه، فصار في حجر والدته يتيماً فقيراً(7)، وقد ذكر ذلك بنفسه فقال: ( ولدت في 19 جمادى الأولى سنة 1248 هـ، وانتقل أبي إلى رحمة ربه في سنة 1253 هـ، فربتني أمي، وقامت بتعليمي وتربيتي خير قيام)(8).
نشأ الإمام صديق حسن خان في موطنه بلدة قنوج في وسط علمي، بدءا من أسرته، فقد كانت أمه الحنون بعد وفاة أبيه سنة 1253 هـ تعلمه وتربيه وتوجهه التوجيه الإسلامي القويم، لأنها كانت عالمة مثقفة حكيمة، وقال عن والده في أبجد العلوم: (إنه كان في التقوى والديانة واتباع الحق واقتداء الدليل ورد الشرك والبدع آية باهرة، وقدرة كاملة، ونعمة ظاهرة من الله سبحانه وتعالى، وله مؤلفات بالألسنة الثلاثة: الهندية، والفارسية، والعربية)(9).
تلقى الإمام صديق خان دراسته الابتدائية في كتَّاب البلد، فقرأ فيه بعض أجزاء القرآن ومبادئ الفارسية، وقرأ مختصرات الصرف والنحو والبلاغة والمنطق على أخيه أحمد حسن بن أولاد حسن، ثم سافر إلى كانبور، فأقام فيها شهورا، وقرأ على أساتذتها في النحو والمنطق والفقه والحديث قراءة غير منتظمة، ولقي فيها العلماء والشيوخ.
ثم سمع عن دهلي العاصمة، مركز العلم، ومنبع الثقافة والحكمة، فساقه الشوق والشغف بالعلم إليها، وكان ذلك سنة 1269 هـ، فقرأ على علمائها، وأصبح من تلاميذ مفتيها صدر الدين خان بهادر، صدر الصدور، وأستاذ الأساتذة في دهلي، فاعتنى به، فأخذ عنه مجموعة من العلوم، وأرسله إلى ملتقيات العلماء والشعراء والفضلاء والوجهاء، فاستفاد بصحبتهم كثيراً في العلوم والآداب وحسن المحاضرة. وعندما أتم سنتين كاملتين في دهلي استأذن أستاذه المفتي صدر الدين للعودة إلى الوطن، فمنحه إجازة بخط يده، وكتب له شهادة بالتحصيل.
عاد الإمام صديق خان بعد عامين من دهلي، وهو غزير العلم، عميق الدراسة، واسع الاطلاع، خصب الفكر، عالي الهمة، فخطط لنفسه أعمالا علمية، وخدمات دينية واجتماعية، وخطة رسائل ومؤلفات، ولكن ظروف البيت الاقتصادية كانت سيئة جدا، فقرر أن يخرج من بلده قنوج طلبا للرزق، ثم سافر في شهر رجب سنة 1271 هـ/ 1854 م إلى إمارة بهوبال التي سمع عنها كثيرا، فولاه الوزير جمال الدين الصديقي الدهلوي تعليم أسباطه، فقرأ في تلك الفرصة القليلة نبذة صالحة من كتب الحديث على القاضي زين العابدين بن محسن الأنصاري اليماني نزيل بهوبال وقاضيها، ولكن بعد توليه وظيفة في الإمارة، والتي من خلالها أسند إليه تدوين تاريخ بهوبال، نشأ خلاف بينه وبين بعض العلماء في الإمارة، فاضطر إلى مغادرتها على الفور، فسار إلى بلدة طوك، ولكن الجو هناك لم يلائمه وأراد العودة إلى قنوج، إذ تلقى رسالة من أميرة بهوبال، ومن الشيخ جمال الدين يطلبانه إلى بهوبال، فجاء وحظي بمقابلة الأميرة فاحتفت به وأكرمته وعينته في الديوان الأميري، فبذل مجهودا ضخما لإنجاز أعمال فوضت إليه، فنال رضا وإعجاب الجميع، وترقى إلى مناصب جليلة في الإمارة، فتقدمت على يديه وأزهرت وأثمرت وأينعت، وأصبح يضرب بها المثل في السلام والوئام، والسكينة والهدوء والطمأنينة.
المطلب الثاني: شيوخه وتلاميذه: وسافر سنة 1285 هـ للحج، فذهب إلى الحُديدة في اليمن، ثم إلى مكة وقضى مناسك الحج، وبقي مدة إقامته في الحديدة ومكة عاكفاً على انتساخ الكتب النادرة في الحديث واشتغل بذلك في منى، ونقل بقلمه بعض الكتب المبسوطة، واقتنى عدداً من كتب الحديث، وقرأ كتب السنة على محدثي اليمن، وأخذ منهم الإجازة في الحديث، والتقى في رحلة الحج بعضا من كبار الشخصيات الإسلامية، ووثق معهم روابط أخوية وعلمية، وعاد بعد ثمانية أشهر من هذه الرحلة المباركة، التي غيرت مجرى حياته في مجالاتها المختلفة، فانكب على التأليف والترجمة في اللغات الثلاثة: العربية، والفارسية، والأردية، وطبع الكتب القديمة والحديثة، فعمّر بذلك مكتبة الهند الإسلامية، وملأها بذخائر من الفكر الإسلامي(10).
درس الإمام صديق خان على كثير من علماء الهند واليمن، وذلك لأن البيئة التي عاش فيها أو سافر إليها كانت تعج بالعلماء، وتعقد فيها حلقات العلم، فقد نال شرف الجلوس أمام علماء مشهود لهم بالعلم والمعرفة، فأجازوا له مشافهة وكتابة إجازة مأثورة عامة تامة، ومن هؤلاء: أخوه الأكبر السيد العلامة أحمد بن حسن. والشيخ المفتي: محمد صدر الدين خان الدهلوي. وحسين بن محسن السّبعي الأنصاري. وزين العابدين بن محسن السبعي الأنصاري. وعبد الحق بن فضل الله الهندي. والشيخ: محمد يعقوب الدهلويِّ.
ومن تلامذته: نعمان الألوسي مفتي الحنفية ببغداد. والمحدث: يحيى بن محمد بن أحمد بن حسن الحازمي (قاضي عدن). وأبو الخير، أحمد العطّار.
المطلب الثالث: ثناء العلماء عليه: إن مكانة الشخص العلمية تظهر فيما يخلفه من مؤلفات ينتفع بها طلبة العلم من بعده، وقد ظهرت مكانة الإمام صديق خان فيما خلفه من مؤلفات في عدة فنون كالعقيدة، والتفسير، والفقه وأصوله، والحديث، واللغة، وغيرها، مما يدل على أنه كان ذا باع ويد طولى، واطلاع واسع في مختلف العلوم، ومع أنه فتحت له الدنيا فصار صاحب مال وجاه ومنصب، إلا أن ذلك لم يمنعه من طلب العلم ونشره والتأليف فيه، بل صرف مما آتاه الله من المال والجاه في خدمة الدين، مما جعله محل ثناء العديد من العلماء، حيث شهدوا له بالعلم والمعرفة، ونذكر فيما يأتي بعضا من أقوالهم عن الإمام:
- قال أبو الحسن الندوي في كتابه “المسلمون في الهند“: وقد قام صديق خان شخصياً بما لا تقوم به مجامع علمية، في أكثر الأحيان، نظرا لسرعة التأليف، وكثرة المؤلفات، وضخامة الإنتاج(11).
- قال عبد الرزاق البيطار الدمشقي: (كان مليّاً بالعلوم، متضلّعاً منها بالمنطوق والمفهوم، مجتهداً في إشاعتها، مجدِّداً لإذاعتها، مع كونه يرى ذاته الشريفة كآحاد المسلمين، ويتواضع مع كل واحد من الناس لله رب العالمين، ويتحاشى كماله عن الدنيا وزخارفها، ويتجافى بقلبه عن مراقيها ومعاطفها، وأحيا السنن الميتة في ذلك المكان، بالأدلة البيضاء من السنة والفرقان، فهو سيد علماء الهند في زمانه)(12).
- أصيب الإمام صديق خان في آخر عمره بمرض الاستسقاء، واشتد به المرض وأعياه العلاج، واعتراه الذهول والإغماء، وكانت أنامله تتحرك كأنه مشغول بالكتابة، وفي يوم 29 جمادى الآخرة سنة 1307هـ فاضت نفسه إلى بارئها، وله من العمر تسع وخمسون سنة وثلاثة أشهر وستة أيام(13).
المطلب الرابع: أهم مؤلفاته العلمية: كان الإمام القنوجي مكثراً من التآليف في الفنون المتعددة من فقه وتفسير وأصول فقه ولغة وشعر وأدب، ففي التفسير له تفسيره المشهور فتح البيان في مقاصد القرآن، وكتابه الآخر نيل المرام من تفسير آيات الأحكام. وفي الحديث له السراج الوهاج في كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج وعون الباري لحل أدلة البخاري.
وفي العقيدة له الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح.
وفي الفقه وأصوله له الإقليد لأدلة الاجتهاد والتقليد، وحصول المأمول من علم الأصول.
وفي اللغة والأدب له لف القماط على تصحيح بعض ما استعملته العامة من المعرب والمولد والأغلاط والبلغة في أصول اللغة.
وفي التاريخ والتراجم له رياض الجنة في تراجم أهل السنة ومراتع الغزلان من تذكار أدباء الزمان.
وفي الأخلاق والمواعظ له تخريج الوصايا من خبايا الزوايا، وله مؤلفات باللغة الفارسية والأردية.
وامتاز تفسيره فتح البيان عن غيره من التفاسير الأخرى بأنه اشتمل على ما في كتب التفسير الأخرى من بدائع الفوائد، مع زوائد فرائد، لا توجد في غيره من التفاسير، من صحيح الدراية، وصريح الرواية، كما صرح بذلك مؤلفه(14). ولذلك جاء خاليا من الجدليات المذهبية، والمناقشات الكلامية، ومن الإسرائيليات، والخرافات، فنجده في بعض المواضع يعرض بعض هذه الإسرائيليات والخرافات ويدحضها ويكذبها. وامتاز أيضا بسهولة العبارة، ويسر الألفاظ، مع تعرض للترجيح بين التفاسير المتعارضة في مواضع كثيرة، وبيان للمعنى العربي والإعرابي واللغوي.
المبحث الثاني: تخصيص عموم الكتاب والسنة النبوية بالقياس
تمهيد: يعرض هذا المبحث معاني القياس والعام من حيث اللغة والاصطلاح، ويستعرض أدلة الفرق المختلفة في جواز أو منع تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس مع بيان أدلتهم والردود التي اعترض بها على الأدلة، ويبين رأي الإمام القنوجي في المسألة وترجيحاته.
المطلب الأول: تعريف القياس والعام
تعريف القياس: القياس لغة: يدل على تقدير شيء بشيء، ومساواته به، يقال: قست الشيء بغيره وعلى غيره، أقيسُه قَيْساً وقِياساً فانْقاسَ، إذا قدَّرته على مثاله(15).
- القياس اصطلاحا: اختلفت عبارات الأصوليين في حد القياس، وعلى كل حد منها اعتراضات يطول الكلام بذكرها، وسأقتصر على ذكر اثنين منها: الأول: تعريف الباقلاني، والرازي، والبيضاوي، وهو: “إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبِت“. والثاني: تعريف الشوكاني، وصديق خان في حصول المأمول: “استخراج مثل حكم المذكور، لما لم يذكر، بجامع بينهما“(16).
- ويرجح الباحث رأي الباقلاني والرازي والبيضاوي لامتيازه عن الثاني بقوة البيان فالمعلوم أقوى دلالة من المذكور، كما أنه يحوي إضافة مهمة وهي: عند المثبت.
تعريف العام: العام لغة: الشامل، مأخوذ من عمّ الشيء يعم عموما، شمل الجماعة، يقال: عمّهم بالعطيَّة، وهو مِعَمٌّ بكسر الميم، أي: خَيِّرٌ يَعُمُّ القوم بخيره، والعام خلاف الخاص(17).
العام اصطلاحا: اختلف الأصوليون في تعريف العام، فعرفوه بعدة تعريفات أقتصر منها على تعريف محمد الأمين الشنقيطي، وهو أن العام هو: “اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد دفعة بلا حصر“(18).
المطلب الثاني: تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس وأدلة الفرق: إذا ورد عام من الكتاب أو من السنة النبوية، وجاء قياس يعارض العام منهما في بعض أفراده، فهل يُخَصَّص هذا العام بهذا القياس ليعمل القياس فيما تناوله، ويبقى العام منهما معمولا فيما بقي، أم أن القياس لا يؤثر في العام فيبقى على عمومه؟(19)
والنزاع في هذه المسألة يكون بين العام والقياس عند من يقول بهما، فمن لا يعتبر القياس دليلا شرعيا، ولا يعتد به كالظاهرية فإنه لا يتصور الخلاف عندهم، لأن المعتبر لا يعارض ما لا يعتبر(20).
وكذلك من لا يقول من الجمهور بنوع من أنواع القياس، فإنه لا يعارض ذلك النوع من القياس العام أيضا. ومثاله: عندما يعارض العام القياس في الحدود والكفارات والرخص عند الحنفية وهم لا يحتجون به، فإنه لا عبرة بالقياس؛ لأنه لا يحتج به، فلا تعارض(21).
وكذلك من لا يقول بقياس الشبه، فإنه لا يعارض العام عنده، كأبي إسحاق المروزي، كما نقله عنه إمام الحرمين(22).
وقد جعل بعض الأصوليين الخلاف في القياس الظني خاصة، أما القياس القطعي فإنه يجوز التخصيص به بلا خلاف، وممن قال بذلك الأبياري(23) في التحقيق والبيان، وتبعه بعض الأصوليين، كالإسنوي وغيره(24).
لكن هذا القول غير مسلم، فقد حكى المرداوي(25) أن الخلاف جار فيه أيضا، حيث قال: (ظاهر كلام كثير من العلماء إجراء الخلاف فيه)(26).
والغزالي جعل محل الخلاف في قياس النص الخاص، أما إذا كان قياس نص عام لم يخص به، بل يتعارضان، كالعمومين(27).
وقد أشار الزركشي إلى أن مذهب القائلين بعدم جواز التخصيص بالقياس يشكل على هذا(28).
المذاهب: اختلف الأصوليون في تخصيص عموم الكتاب والسنة النبوية بالقياس على مذاهب، أهمها:
المذهب الأول: عدم جواز تخصيص عموم الكتاب والسنة النبوية بالقياس مطلقا. وهو مذهب الإمام الرازي في المعالم، وحكاه علاء الدين السمرقندي(29) عن مشايخ العراق من الحنفية، وهو أحد الوجهين عن أحمد، واختاره بعض أصحابه، منهم: أبو الحسن الجزري(30)، وابن حامد(31)، وجماعة من المعتزلة، منهم: الجبائي، وغيرهم(32).
ومعنى مطلقا: أي في كل أنواع وأحوال العام والقياس.
المذهب الثاني: جواز تخصيص عموم الكتاب والسنة النبوية بالقياس مطلقا. وهو مذهب الجمهور، أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحد الوجهين عن أحمد، واختاره أبو الحسين البصري، وأبو الحسن الأشعري، والرازي في المحصول، وجماعة من المعتزلة، كأبي هاشم آخِراً، والقاضي عبد الجبار(33).
المذهب الثالث: إن خصص العام قبل ذلك بدليل قطعي جاز، وإلا فلا. وهو مذهب أكثر الحنفية، منهم: أبو بكر الجصاص، وأبو الحسن الكرخي، واشترط أن يكون التخصيص بدليل منفصل، فإن كان بمتصل لا يجوز، وهو المنسوب إلى عيسى بن أبان(34).
المذهب الرابع: يجوز تخصيص عموم الكتاب والسنة النبوية بالقياس الجلي دون الخفي. وهو مذهب بعض الشافعية، ونسبه ابن برهان إلى أكثرهم، وممن قال به منهم: ابن سريج، والاصطخري، ونسبه ابن مفلح لبعض الحنابلة، واختاره الإمام صديق خان في حصول المأمول(35).
المذهب الخامس: العام والقياس إن تفاوتا في غلبة الظن رجحنا الأقوى، وإن تعادلا توقفنا. وهو مذهب الغزالي، واعترف الإمام الرازي في المحصول بأنه حق، وصححه الأصفهاني شارح المحصول، واستحسنه القرافي(36).
المذهب السادس: يجوز التخصيص بالقياس إذا كانت علته ثابتة بالنص أو بالإجماع؛ وإلا فلا، وهو مختار الآمدي، وابن الحاجب وزاد: أو كان الأصل مخصصا خص به، وإلا فالمعتبر القرائن في الوقائع، فإن ظهر ترجيح خاص فالقياس، وإلا فعموم الخبر(37).
المذهب السابع: عدم جواز التخصيص بالقياس في الكتاب خاصة. يعزى هذا المذهب إلى الحنفية(38).
المذهب الثامن: الوقف. وهو مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني، وإمام الحرمين الجويني(39).
المبحث الثالث: أدلة المذاهب واختيار الإمام صديق خان
أدلة المذهب الأول: استدل أصحابه على عدم جواز تخصيص عموم الكتاب والسنة النبوية بالقياس مطلقا بما يأتي:
- أن النص– الذي هو العام– أصل، والقياس فرع النص، فلو خصص القياس به لكان مقدما على أصله، أي: لجعل الفرع مقدما على الأصل، وهو غير جائز.
اعترض عليه: بتسليم أن القياس فرع النص؛ لكن لم يقدم على الأصل، الذي هو المقيس عليه، لأن القياس ليس فرعا للعام، فيجوز تقديمه على العام الذي ليس بمقيس عليه(40).
- حديث معاذ –رضي الله عنه– لما بعثه النبي– صلى الله عليه وسلم– إلى اليمن، قال له: ((كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟)) قال: أقضي بكتاب الله، قال: ((فإن لم تجد في كتاب الله؟)) قال: فبسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم– ، قال: ((فإن لم تجد في سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم– ؟ ولا في كتاب الله؟)) قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله –صلى الله عليه وسلم– صدره وقال: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسولِ الله لما يرضى رسول الله))(41). فإنه أخّر القياس عن الكتاب، والسنة، سواء أكان القياس أخص أو أعم، وصوبه النبي –صلى الله عليه وسلم– ، فدل ذلك على أن القياس لا يخصص النص.
اعترض عليه: بأنه– رضي الله عنه– أخّر السنة كذلك عن الكتاب، وأن تخصيص عام الكتاب بالسنة الخاصة محل اتفاق بين العلماء، فكذلك القياس الخاص يخصص العام منهما(42).
- أنه لو جاز التخصيص بالقياس، لجاز النسخ به، بجامع تقديم الخاص على العام، لكن النسخ بالقياس باطل، فالتخصيص به كذلك.
اعترض عليه: بأن التخصيص أهون من النسخ، لأن النسخ رفع الحكم بالكلية، والتخصيص بخلافه، وأيضا لا يلزم من تأثير الشيء في الأضعف تأثيره في الأقوى(43).
أدلة المذهب الثاني: استدل الجمهور على جواز تخصيص عموم القرآن والسنة النبوية بالقياس مطلقا بما يأتي:
- إجماع الصحابة– رضي الله عنهم– على تخصيص عموم الكتاب والسنة النبوية بالقياس، فقالوا في حدّ العبد: إنه نصف حد الحر، بالقياس على الأمة، وخصوا قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾(44) الذي هو عام في الحر والعبد. وقالوا: قد قال سبحانه في الإماء: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾(45)، والعبد كالأمة في الرق، فيجب أن يكون حده نصف حد الحر(46).
- العام دليل شرعي، والقياس دليل شرعي آخر، فإذا خصصنا العموم بالقياس فقد عملنا بالدليلين، وإذا تركنا القياس وعملنا بعموم الكتاب والسنة أدى ذلك إلى العمل بأحد الدليلين وترك الآخر، فإعمال الدليلين ولو من وجه أولى(47).
- أننا لو قدمنا العام على القياس لأدى ذلك إلى تقديم الضعيف على القوي؛ والسبب هو أن دلالة العام على ذلك الخاص أضعف من دلالة الخاص على ذلك الخاص؛ فإنه يجوز إطلاق العام بدون إرادة الخاص، ولا يجوز إطلاق الخاص بدون إرادة ذلك الخاص؛ لأنه ليس له مدلول غيره(48).
أدلة المذهب الثالث: استدل أصحابه على أن العام من الكتاب والسنة النبوية إن خص قبل تخصيصه بالقياس بدليل قطعي جاز، وإلا فلا بأنه إذا خصص بدليل قطعي فإنه يقطع بضعفه؛ لدخول المجاز فيه، فيجوز تسليط القياس عليه، أما إذا خصص بدليل ظني فإنه لم يقطع بضعفه؛ لعدم دخول المجاز فيه، فلا يمكن تسليط القياس عليه(49).
واستدل الكرخي على أن التخصيص يكون بدليل منفصل، فإن كان بمتصل لا يجوز: بأن المخصصات المتصلة كالشرط، والصفة، والاستثناء، والغاية، لا تستقل بنفسها، فيتعين أن يكون المخصص المتصل مع الكلام الذي دخل عليه كلاما واحدا موضوعا لما بقي بعد التخصيص، فلا يمكن تسليط القياس عليه، بخلاف المخصصات المنفصلة، فإنه لا يمكن جعل المخصص المنفصل والكلام الذي دخل عليه كالكلام الواحد، فيمكن تسليط القياس عليه(50).
أدلة المذهب الرابع: استدل أصحابه على جواز تخصيص عموم الكتاب والسنة النبوية بالقياس الجلي دون الخفي، بأن القياس الجلي أقوى من العام، والدليل: أنه يتبادر فيه الذهن إلى فهم العلة بمجرد سماع الحكم، بخلاف العام، فقليلا ما يتبادر الفهم إلى التعميم عند سماع العام، وذلك بسبب كثرة تطرق التخصيص إلى العموميات(51).
اعترض عليه: بأنه لا فرق بين القياس الجلي والخفي؛ لأن القياس الخفي أيضا دليل، فكان حكمه حكم القياس الجلي من جنسه في تخصيص العموم؛ قياسا على خبر الواحد: فإنه لمـّا كان دليلا؛ كان حكمه حكم الجلي من جنسه، وهو: الخبر المتواتر في التخصيص(52).
أدلة المذهب الخامس: استدل الغزالي على مذهبه بأنه إذا تبين رجحان أحدهما– يعني: العام أو القياس– تعين تقديم الراجح، سواء كان الراجح منهما عاما أو قياسا، ويعضد ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم– : ((نحن نحكم بالظاهر والله متولي السرائر))(53)، وإذا لم يتبين رجحان أحدهما على الآخر، بل تساويا؛ وجب التوقف(54).
أدلة المذهب السادس: استدل ابن الحاجب والآمدي على ما ذهبا إليه بأن العلة الثابتة بنص أو إجماع بمنزلة النص والإجماع، فيجوز التخصيص بها. وأما إذا كانت العلة مستنبطة فإنه يخصص بها إذا كانت راجحة، وإذا كانت مرجوحة على العام في محل التخصيص امتنع تقديمها عليه، لأنه يلزم من ذلك ترجيح المرجوح، وإن كانت مساوية امتنع تقديمها أيضا؛ لأنه يلزم منه ترجيح أحد المتساويين على الآخر من غير مرجح.
اعترض عليه: بأن ما ذكرتم يجري في جميع صور التخصيص، سواء كان التخصيص بالقياس أو بغيره، وذلك بأن يقال: الخاص إما أن يكون راجحا على العام في محل التخصيص أو مساويا له أو مرجوحا، وقد رجح الخاص على العام في غير صور القياس، جمعا بين الأدلة، فكذلك هنا.
وأيضا فإن العلة المستنبطة إذا كانت راجحة أو مساوية يجوز التخصيص بها جمعا بين الأدلة(55).
أدلة المذهب السابع: استدل أصحابه على عدم جواز التخصيص بالقياس في الكتاب خاصة بأن التخصيص نسخ، ولا ينسخ الكتاب بالقياس، ولو كان جليا(56).
يعترض عليه: بالفرق بين التخصيص والنسخ، فالنسخ رفع الحكم بالكلية، والتخصيص بخلافه.
أدلة المذهب الثامن: استدل القاضي أبو بكر الباقلاني، وإمام الحرمين الجويني على ما ذهبا إليه بأن القياس والعموم إذا تعارضا وجب التوقف، لأن كلّاً منهما حجة، فهما متكافئان، فيجب التوقف حتى يقوم دليل يرجح أحدهما على الآخر(57).
المطلب الثالث: اختيار الإمام صديق خان في تفسيره
اختار الإمام صديق خان عدم جواز تخصيص عموم الكتاب والسنة النبوية بالقياس مطلقاً. وبيان ذلك:
- في سورة النساء عند تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾(58) وبعد أن فسر الآية، ذكر أن الكتاب والسنة مقدمان على القياس مطلقاً، وأنه لا يجوز ترك العمل بهما بسبب القياس، ولا يجوز تخصيصهما بسبب القياس، سواء كان القياس جلياً أو خفياً، وسواء كان النص مخصوصاً قبل ذلك أم لا، وأن ما يؤكد ذلك عدة وجوه، عدّ منها تسعة، استدل بها على ذلك، فقال: (وهذه الآية دالة على أن الكتاب والسنة مقدمان على القياس مطلقاً، فلا يجوز ترك العمل بهما بسبب القياس، ولا يجوز تخصيصهما بسبب القياس البتة، سواء كان القياس جلياً أو خفياً، وسواء كان النص مخصوصاً قبل ذلك أم لا.
ومما يدل عليه أن قوله: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أمر بطاعة الكتاب والسنة، وهذا الأمر مطلق، فثبت أن متابعتهما سواء حصل قياس يعارضهما أو يخصصهما أو لم يوجد واجب، ومما يؤكد ذلك وجوه أخرى:
أحدها: أن كلمة “إِنْ” على قول الأكثرين للاشتراط، وعلى هذا كان قوله: ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ صريحاً في أنه لا يجوز العدول إلى القياس إلا عند فقدان الأصول.
الثاني: أنه تعالى أخّر ذكر القياس عن ذكر الأصول الثلاثة، وهذا مشعر بأن العمل به مؤخر عن الأصول الثلاثة.
الثالث: أنه– صلى الله عليه وآله وسلم– اعتبر هذا الترتيب في قصة معاذ حيث أخّر الاجتهاد عن الكتاب، وعلق جوازه على عدم وجدان الكتاب والسنة بقوله “فإن لم تجد“.
الرابع: أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، ثم إن إبليس لم يدفع هذا النص بالكلية؛ بل خصص نفسه عن ذلك العموم بقياس، ثم أجمع العقلاء على أنه جعل القياس مقدماً على النص، وصار بذلك السبب ملعوناً، وهذا يدل على أن تخصيص النص بالقياس تقديم للقياس على النص، وأنه غير جائز.
الخامس: أن القرآن مقطوع في متنه؛ لأنه ثبت بالتواتر، والقياس ليس كذلك، بل هو مظنون من جميع الجهات، والمقطوع راجح على المظنون.
السادس: قوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(59) وإذا وجدنا عموم الكتاب حاصلاً في الواقعة، ثم إنا لا نحكم به؛ بل حكمنا بالقياس، لزم الدخول تحت هذا العموم.
السابع: قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(60) فإذا كان عموم القرآن حاضراً، ثم قدمنا القياس المخصص عليه؛ لزم التقديم بين يدي الله ورسوله.
الثامن: قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾(61) جعل اتباع الظن من صفات الكفار، ومن الموجبات القوية في مذمتهم، فهذا يقتضي أن لا يجوز العمل بالقياس البتّة ترك هذا النص؛ لما بينا أنه يدل على جواز العمل بالقياس، لكنه إنما دل على ذلك عند فقدان النصوص، فوجب عند وجدانها أن يبقى على الأصل.
التاسع: أن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والقياس يفرق عقل الإنسان الضعيف، وكل من له عقل صحيح علم أن الأول أقوى بالمتابعة وأحرى)(62).
الترجيح: من خلال عرض المذاهب والأدلة عليها، أرى رجحان مذهب الجمهور، وهو جواز التخصيص بالقياس مطلقا، وذلك لقوة أدلتهم، وسلامتها عما يعارضها.
الخلاصة: هي أن الإمام صديق خان اختار في تفسيره عدم جواز التخصيص بالقياس مطلقا، سواء كان القياس جليا أو خفيا، فخالف الجمهور في ذلك، وخالف أيضا ما ذهب إليه في حصول المأمول حيث ذهب إلى جواز التخصيص بالقياس الجلي، وبما إذا كانت العلة منصوصة أو مجمعا عليها، فقال في معرض حديثه عن مسألة التخصيص بالقياس: (والحق الحقيق بالقبول أنه يخصص بالقياس الجلي؛ لأنه معمول به لقوة دلالته، وبلوغها إلى حد يوازن النصوص، وكذلك يخصص بما كانت علته منصوصة، أو مجمعا عليها.
أما العلة المنصوصة: فالقياس الكائن بها في قوة النص، وأما العلة المجمع عليها: فلكون ذلك الإجماع قد دل على دليل مجمع عليه)(63). فخالف أيضا الجمهور، لأنهم يرون جواز التخصيص بالقياس مطلقا.
لكنه مع إنكاره التخصيص بالقياس في تفسيره إلا أنه عمل به في موضعين هما:
- في سورة النساء عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(64) ذكر أن حد العبد في الزنا والقذف وشرب الخمر نصف حد الحر، وذلك بقياس العبد على الأمة لأن الله سبحانه نص على أن حد الأمة نصف حد الحرة، ولم يذكر سبحانه الحد في حق العبد فقاسوا العبد عليها، والحاصل أن هذا إنما هو تخصيص للنص بالقياس. حيث قال: (ولم يذكر الله سبحانه في هذه الآية العبيد وهم لاحقون بالإماء بطريق القياس، وكما يكون على الإماء والعبيد نصف الحد في الزنا، كذلك يكون عليهم نصف الحد في القذف والشرب)(65).
- في سورة النور عند تفسير قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(66) هو حد الزاني الحر البالغ البكر، وكذلك الزانية، وثبت بالسنة زيادة على هذا الجلد وهو تغريب عام وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: التغريب إلى رأي الإمام، والحديث يرده، وقال مالك: يجلد الرجل ويغرب، وتجلد المرأة ولا تغرب، وأما المملوك والمملوكة فجلد كل واحد منهما خمسين جلدة لقوله سبحانه: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ وهذا نص في الإماء وألحق بهن العبيد لعدم الفارق)(67).
وهذان الموضعان من تفسيره يدلان على اضطراب في الاستدلال عند الإمام القنوجي، ففي تفسيره خالف الجمهور مخالفاً موافقته للجمهور في كتابه الأصولي، ويرى الباحث أن سبب استدلال الإمام القنوجي بدليل يعود على مقدماته بالبطلان سببه اعتماد مناهج مختلفة في التعامل مع فنين عظيمين هما فن الأصول وفن التفسير، ولما كان ثانيهما حاصلاً من النظر في الآيات وتأويلها كان أثرها واضحاً في تغيير رأيه، فكتب الأصول عادة تخلو من الأمثلة التوضيحية إلا ما ندر للضرورة الملحة، أما الأدلة التفصيلية فتترك لكتب الفقه والتفسير، ولكن مناقشة المسألة الأصولية في التفسير يعني الاستدلال بالآيات الكريمات، وكان المنتظر من الإمام القنوجي أن يتابع الجمهور كما فعل في كتابه الأًصولي (حصول المأمول)، ولكنه فعل العكس تماماً فخالف الجمهور وانتصر لمذهب المانعين وبسط أدلته بالصورة نفسها التي فعلها في حصول المأمول.
ويرى الباحث أن الغوص في جزئيات المسألة وتفاصيل الأمثلة قادته إلى هذا الرأي بعيداً عن الاستدلالات المنطقية التي قد تهيمن في الكتب الأصولية، والأكثر غرابة من عدوله عن متابعة الجمهور هو استدلاله بأدلة لا تؤيد ترجيحه الجديد وهما الآيتان السالفتان، فالآيتان تصلحان لرأيه الأول في الانتصار لمذهب الجمهور. والأغرب من هذا وذاك هو إغفال الإمام التام عن بيان سبب تغيير مذهبه تاركاً للقارئ تفسير ذلك، وربما كان كتابة التفسير بعد سنين من كتابة مؤلفه الأصولي دليلاً غير مباشر على أن المذهب الجديد هو المتأخر زمانياً، والله أعلم
الخاتمة
توصل هذا البحث إلى مجموعة من النتائج مبنية على دراسة تحليلية ونقدية لمسألة أصولية في تفسير الإمام القنوجي وأحد كتبه الأصولية، ويمكن إجمالها فيا لآتي:
- تتجلى القدرة العلمية للإمام القنوجي في مؤلفاته الموسوعية في مختلف الفنون من فقه وأصول وتفسير وحديث وآداب ومواعظ وأخلاق ودعوة.
- قدرة الإمام القنوجي وبراعته في الكتابة في عدة فنون دليل على قوة اطلاعه على هذه الفنون ودقائقها من جهة، ودليل على تمكنه من مناهج التعامل مع هذه الفنون.
- كان الإمام القنوجي يرجح بين الأقوال بعد اطلاع مستوف ودقيق على كل الأدلة والاعتراضات، ولا يخالف جمهور العلماء إلا قليلاً وبالاعتماد على الأدلة.
- في مسألة تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس مال الإمام القنوجي إلى مذهب الجمهور القاضي بجواز التخصيص بالقياس وذلك في كتابه الأصولي حصول المأمول، إلا أنه في تفسيره فتح البيان مال إلى مذهب المخالفين للجمهور وساق أدلة جديدة على صحة دعواه.
- في استدلالاته الجديدة ساق بعض الآيات القرآنية التي ظنها مؤيدة لرأيه المخالف لرأي الجمهور، ورأى الباحث أنها على العكس تؤيد رأي الجمهور.
- يرى الباحث أن سبب استدلال الإمام القنوجي بدليل يعود على مقدماته بالبطلان سببه اعتماد مناهج مختلفة في التعامل مع فنين عظيمين هما فن الأصول وفن التفسير، ولما كان ثانيهما حاصلاً من النظر في الآيات وتأويلها كان أثرها واضحاً في تغيير رأيه.
التوصيات:
يوصي الباحث بإجراء المزيد من الأبحاث حول شخصية الإمام القنوجي ومؤلفاته، وأهمها:
- أولاً: التركيز على الجانب المنهجي في حياة الإمام القنوجي، واستقراء المناهج العلمية التي حصلها وطورها خلال مسيرته العلمية وكانت عاملاً مهماً في جعله عالماً موسوعياً طور مناهج التعامل مع التراث الإسلامي من تفسير وأصول وحديث وآداب.
- ثانياً: الاعتناء بمؤلفاته الأدبية والدعوية لإظهار أثره في جيل من الدعاة الهنديين جاؤوا من بعده وكان لهم أثرهم في الساحة الدعوية والتربوية.
- ثالثاً: تشكل المباحث الأصولية في كتابيه حصول المأمول وفتح البيان حقلاً ثرياً بالموضوعات المقارنة وبيان إبداع الإمام القنوجي في التأويل واستحداث الأدلة.
قائمة المصادر والمراجع
- ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي القرطبي الظاهري، الإحكام في أصول الأحكام، المحقق: أحمد محمد شاكر، قدم له: إحسان عباس، د.ط، (بيروت: دار الآفاق الجديدة، د.ت).
- ابن حميد، محمد بن عبد الله النجدي الحنبلي السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، د.ط، (د.م: مكتبة الإمام أحمد، د.ت).
- ابن حنبل، أحمد. مسند الإمام أحمد بن حنبل، ط1، د. ت (القاهرة: مؤسسة قرطبة).
- ابن فرحون، إبراهيم بن علي بن محمد، برهان الدين اليعمري، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تحقيق وتعليق: محمد الأحمدي أبو النور، د.ط، (القاهرة: دار التراث، د.ت).
- الأبياري، علي بن إسماعيل، التحقيق والبيان في شرح البرهان في أصول الفقه، تحقيق: د. علي بن عبد الرحمن بسام الجزائري، ط1، (الكويت: دار الضياء، 1434هـ، 2013م).
- الإسنوي، عبد الرحيم بن الحسن بن علي الشافعيّ، أبو محمد، جمال الدين، نهاية السول شرح منهاج الوصول، ط1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1420هـ، 1999م).
- أفندي، سليم فارس، قرة الأعيان ومسرة الأذهان في مآثر الملك الجليل النواب محمد صديق حسن خان، د.ط، (قسطنطينية: الجوائب، 1298هـ).
- الآلوسي، نعمان بن محمود بن عبد الله، جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، قدم له: علي السيد صبح المدني، د.ط، (د.م: المدني، 1401هـ– 1981م).
- البيطار، عبد الرزاق بن حسن بن إبراهيم، حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، حققه ونسقه وعلق عليه: محمد بهجة البيطار، ط2، (بيروت: دار صادر، 1413هـ– 1993م).
- الجصاص، أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي، الفصول في الأصول، ط2، (د.م: وزارة الأوقاف الكويتية، 1414هـ، 1994م).
- الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الشافعي، البحر المحيط في أصول الفقه، ط1، (د.م: دار الكتبي، 1414هـ– 1994م).
- السخاوي، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، د.ط، (بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة، د.ت).
- الشوكاني، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله اليمني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، تحقيق: أحمد عزو عناية، دمشق– كفر بطنا، قدم له: خليل الميس وولي الدين صالح فرفور، ط1، (د.م: دار الكتاب العربي، 1419هـ، 1999م).
- صديق خان، أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي، التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول، ط1، (قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1428هـ– 2007م).
- صديق خان، أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي، أبجد العلوم، ط1، (د.م: دار ابن حزم، 1423هـ– 2002م).
- صديق خان، أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي، الحطة في ذكر الصحاح الستة، ط1، (بيروت: دار الكتب التعليمية، 1405هـ– 1985م).
- صديق خان، أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي، حصول المأمول من علم الأصول، تحقيق ودراسة: أحمد مصطفى قاسم الطهطهاوي، راجعه وقدم له: الدكتور أبو الحسن عطية مسعد العكاوي، د.ط، (القاهرة: دار الفضيلة، د.ت).
- الطالبي، عبد الحي بن فخر الدين بن عبد العلي الحسني، نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، ط1، (بيروت: دار ابن حزم، 1420هـ– 1999م).
- العويد، عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم، التخصيص بالقياس، د.ط، (المملكة العربية السعودية: جامعة القصيم، د.ت).
- الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي، المستصفى، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، ط1، (د.م: دار الكتب العلمية، 1413هـ، 1993م).
- الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي، المنخول من تعليقات الأصول، حققه وخرج نصه وعلق عليه: الدكتور محمد حسن هيتو، ط3، (بيروت– لبنان، دمشق– سورية: دار الفكر المعاصر، دار الفكر، 1419هـ، 1998م).
- مخلوف، محمد بن محمد بن عمر بن علي ابن سالم، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، علق عليه: عبد المجيد خيالي، ط1، (لبنان: دار الكتب العلمية، 1424هـ، 2003م).
- المرداوي، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان الدمشقي الصالحي الحنبلي، التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، ط1، (السعودية: مكتبة الرشد: 1421هـ، 2000م).
- الندوي، أبو الحسن علي الحسني، المسلمون في الهند، ط1، (دمشق– بيروت: دار ابن كثير، 1420هـ– 1999م).
1(). ينظر: في ترجمته: الطالبي، نزهة الخواطر، ط1، 8/1246، وصديق خان، التاج المكلل، ط1، ص535، والشدياق، أفندي، قرة الأعيان ومسرة الأذهان، د.ط، ص2.
2(). ينظر: صديق خان، أبجد العلوم، ط1، ص725.
3(). هذا اللقب لقبته به الدولة البريطانية الحاكمة بالهند في 10 من شعبان سنة 1289 هـ، ومنحته حق التعظيم في أرض الهند بطولها وعرضها. ينظر: الطالبي، نزهة الخواطر، ط1، 8/1248، والبيطار، حلية البشر، ط2، ص739.
4(). القنّوجي: نسبة إلى “قِنَّوْج” بكسر القاف، وفتح النون المشددة، وسكون الواو، وآخره جيم، وهي من أقدم بلاد الهند وأعظمها، وتقع في أقاصي الهند. ينظر: صديق خان، التاج المكلل، ط1.
5(). ينظر: صديق خان، أبجد العلوم، ط1، ص725، وصديق خان، التاج المكلل، ط1، ص535، والبيطار، حلية البشر، ط2، ص738- 739.
6(). ينظر: صديق خان، أبجد العلوم، ط1، ص725.
7(). ينظر: صديق خان، الحطة، ط1، ص263، وصديق خان، أبجد العلوم، ط1، ص725، وصديق خان، التاج المكلل، ط1، ص535، والطالبي، نزهة الخواطر، ط1، 8/1247.
8(). مجلة ثقافة الهند، المجلد 52، العدد 2 سنة 2001 م، ص28- 29.
9(). صديق خان، أبجد العلوم، ط1، ص723.
10(). ينظر: الطالبي، نزهة الخواطر، ط1، 8/1247، والألوسي، جلاء العينين، د.ط، ص63.
11(). ينظر: الندوي، المسلمون في الهند، ط1، ص53- 54.
12(). البيطار، حلية البشر، ط2، ص745- 746.
13(). ينظر: الطالبي، نزهة الخواطر، ط1، 8/1248.
14(). ينظر: صديق خان، فتح البيان في مقاصد القرآن، د.ط، 1/12 وما بعدها.
15(). ينظر: الجوهري، الصحاح، ط4، (قوس) 3/967، وابن فارس، معجم مقاييس اللغة، د.ط، (قوس) 5/40، وابن منظور، لسان العرب، ط3، (قوس) 6/186.
16(). ينظر: الشوكاني، إرشاد الفحول، ط1، 2/90، وصديق خان، حصول المأمول، د.ط، ص318.
17(). ينظر: الجوهري، الصحاح، ط4، (عمم) 5/1993، وابن منظور، لسان العرب، ط3، (عمم) 12/426، والزبيدي، تاج العروس، د.ط، (عمم) 33/149.
18(). وصف الشنقيطي هذا التعريف بأنه تعريف تام مانع. ينظر: الشنقيطي، مذكرة في أصول الفقه، ط5، ص243.
19(). ينظر: العويد، التخصيص بالقياس، د.ط، ص14.
20(). ينظر: ابن حزم، الإحكام، د.ط، 7/53، والشوكاني، إرشاد الفحول، ط1، 1/392، وصديق خان، حصول المأمول، د.ط، ص262،
21(). ينظر: الجصاص، الفصول في الأصول، ط2، 4/105، وصديق خان، حصول المأمول، د.ط، ص262، والعويد، التخصيص بالقياس، د.ط، ص16.
22(). ينظر: الغزالي، المنخول، ط3، ص481، والعويد، التخصيص بالقياس، د.ط، ص16.
23(). هو: علي بن إسماعيل بن علي بن حسين الأبياري، المصري، المالكي، أبو الحسن، شمس الدين، الفقيه الأصولي، أحد العلماء الأعلام، وأئمة الإسلام، برع في علوم شتى، وكان الإمام ابن عقيل المصري الشافعي يفضله على الإمام فخر الدين الرازي في الأصول، من مصنفاته: شرح البرهان لأبي المعالي الجويني، المسمى: التحقيق والبيان في شرح البرهان“، و“سفينة النجاة على طريقة الإحياء“، توفي سنة 616 هـ. ينظر: ابن فرحون، الديباج المذهب، د.ط، 2/121، ومخلوف، شجرة النور الزكية، ط1، 1/239.
24(). ينظر: الأبياري، التحقيق والبيان، ط1، 2/208، والإسنوي، نهاية السول، ط1، ص215.
25(). هو: علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي السّعدي الصّالحي الحنبلي، ويعرف بالمرداوي، أبو الحسن، علاء الدّين، الإمام العلّامة، انتهت إليه رئاسة المذهب في وقته، وبرع وفضل في فنون من العلوم، من مصنفاته: “الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف” و “التحرير في أصول الفقه” وشرحه، و “الحصون المعدّة الواقية من كل شدّة” و “تصحيح كتاب الفروع” لابن مفلح، و “شرح الآداب“. وغيرها. توفي سنة 885هـ. ينظر: السخاوي، الضوء اللامع، د.ط، 5/225، وابن حميد، السحب الوابلة، د.ط، ص296.
26(). المرداوي، التحبير شرح التحرير، ط1، 6/2683.
27(). ينظر: الغزالي، المستصفى، ط1، ص249.
28(). ينظر: الزركشي، البحر المحيط، ط1، 4/496، والعويد، التخصيص بالقياس، د.ط، ص19.
29(). هو: محمد بن أحمد بن أبي أحمد، علاء الدين السمرقندي الحنفي، شمس النظر، اختلف في كنيته ففي الفوائد البهية كني بأبي بكر، وفي تاج التراجم، والجواهر المضية بأبي منصور، فقيه أصولي، كان إماما فاضلا، جليل القدر، من مصنفاته: “تحفة الفقهاء“، و “ميزان الأصول في نتائج العقول“، و “شرح الجامع الكبير“، اختلف في سنة وفاته، والراجح أنه توفي سنة 539 هـ. ينظر: القرشي، الجواهر المضية، د.ط، 2/6، وابن قطلوبغا، تاج التراجم، ط1، ص252، وحاجي خليفة، سلم الوصول إلى طبقات الفحول، د.ط، 3/70، واللكنوي، الفوائد البهية، د.ط، ص158، والزركلي، الأعلام، ط15، 5/317.
30(). هو أبو الحسن الجزري البغدادي، كان له قدم في المناظرة ومعرفة الأصول والفروع، تخصص بصحبة أبي علي النجاد، وكانت له حلقة بجامع القصر، ومن جملة اختياراته: أنه لا مجاز في القرآن، وأن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر، وأن المني نجس. ينظر: ابن أبي يعلى، طبقات الحنابلة، د.ط، 2/167، وابن مفلح، المقصد الأرشد، ط1، 3/159.
31(). هو: الحسنُ بن حامد بن علي بن مروان، البغدادي الوَرَّاق، أبو عبد الله، شيخ الحنابلة في زمانه، ومدرسهم ومفتيهم، فقيه، أصولي، أشهر تلاميذه القاضي أبو يعلى، له عدة مصنفات، منها: كتاب “الجامع” في الاختلاف و “شرح الخرقي” و “شرح أُصول الدين“، توفي راجعًا من مكة المكرمة سنة 403 هـ. ينظر: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ط1، 7/ 313، وابن أبي يعلى، طبقات الحنابلة، د.ط، 2/ 171 – 177، والذهبي، سير أعلام النبلاء، د.ط، 13/18، وابن العماد، شذرات الذهب، ط1، 5/17.
32(). ينظر: الجصاص، الفصول في الأصول، ط2، 1/211، وابن السمعاني، قواطع الأدلة، ط1، 1/190، والكلوذاني، التمهيد، ط1، 2/121، وابن عقيل، الواضح في أصول الفقه، ط1، 3/386، والسمرقندي، ميزان الأصول، ط1، ص320، والرازي، المعالم، د.ط، ص172، والآمدي، الإحكام، د.ط، 2/337، وآل تيمية، المسودة، د.ط، ص119، والطوفي، شرح مختصر الروضة، ط1، 2/571، والأصفهاني، بيان المختصر، ط1، 2/340، وابن مفلح، أصول الفقه، ط1، 3/981، والزركشي، البحر المحيط، ط1، 4/489، والعويد، التخصيص بالقياس، د.ط، ص21.
33(). ينظر: أبو الحسين البصري، المعتمد، ط1، 2/275، وأبو يعلى، العدة، ط2، 2/559، وابن عقيل، الواضح في أصول الفقه، ط1، 3/386، والآمدي، الإحكام، د.ط، 2/337، وصفي الدين الهندي، نهاية الوصول، ط1، 4/1683، والزركشي، تشنيف المسامع، ط1، 2/780، وابن أمير حاج، التقرير والتحبير، ط2، 1/287، والمرداوي، التحبير شرح التحرير، ط1، 6/2683، والرجراجي، رفع النقاب، ط1، 3/237.
34(). هو: عيسى بن أبان بن صَدَقَة البغدادي الحنفي، القاضي، يكنى أبا موسى، أخذ العلم عن محمد بن الحسن الشيباني، والحسن بن زياد، من مصنفاته: “إثبات القياس“، و“اجتهاد الرأي“، و“الجامع” في الفقه، توفي بالبصرة سنة 221هـ. ينظر: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ط1، 11/158، والشيرازي، طبقات الفقهاء، ط1، ص137، القرشي، الجواهر المضية، د.ط، 1/401، وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، د.ط، 2/235، واللكنوي، الفوائد البهية، د.ط، ص151.
ينظر في المذهب الثالث: الجصاص، الفصول في الأصول، ط2، 1- 155- 158، والسرخسي، أصول السرخسي، د.ط، 1/142، وعلاء الدين البخاري، كشف الأسرار، د.ط، 1/294، والفناري، فصول البدائع، ط1، 2/144، وأمير بادشاه، تيسير التحرير، د.ط، 1/321.
35(). ينظر: ابن برهان، الوصول إلى الأصول، د.ط، 1/266، والرازي، المحصول، ط3، 3/96، والقرافي، نفائس الأصول، ط1، 5/2102، وابن مفلح، أصول الفقه، ط1، 3/981، وصديق خان، حصول المأمول، د.ط، ص262.
36(). ينظر: الغزالي، المستصفى، ط1، 249- 255، والرازي، المحصول، ط3، 3/101- 102، والقرافي، شرح تنقيح الفصول، ط1، ص205- 206، الأصفهاني، الكاشف عن المحصول، (مخطوط)، اللوحة 238، الورقة 1.
37(). ينظر: الآمدي، الإحكام، د.ط، 2/337، والأصفهاني، بيان المختصر، ط1، 2/342، والرهوني، تحفة المسؤول، ط1، 3/250، وصديق خان، حصول المأمول، د.ط، ص262.
38(). ينظر: المرداوي، التحبير شرح التحرير، ط1، 6/2689، وابن النجار، مختصر التحرير شرح الكوكب المنير، ط2، 3/379.
39(). ينظر: الباقلاني، التقريب والإرشاد، ط2، 3/194، والجويني، البرهان في أصول الفقه، ط1، 1/157.
40(). ينظر: القرافي، نفائس الأصول، ط1، 5/2104، والطوفي، شرح مختصر الروضة، ط1، 2/573، والحلوائي، شرح المنهاج، د.ط، ص211.
41(). رواه الإمام أحمد في مسنده. رقم الحديث 22114. 5/236. قال المحقق شعيب الأرنؤوط: حديث ضعيف. ورواه غيره من أهل السنن كأبي داود والترمذي وغيرهما، وضعفها جميعاً الشيخ الألباني.
42(). ينظر: الطوفي، شرح مختصر الروضة، ط1، 2/573- 574، والأصفهاني، بيان المختصر، ط1، 2/4- 47، ابن وأمير حاج، التقرير والتحبير، ط2، 1/288، وأمير بادشاه، تيسير التحرير، د.ط، 1/323- 324.
43(). ينظر: القرافي، نفائس الأصول، ط1، 5/2104، وصفي الدين الهندي، نهاية الوصول، ط1، 4/1696- 1697، والسبكي، الإبهاج، د.ط، 2/175.
44(). سورة النور، من الآية: 2.
45(). سورة النساء، من الآية: 25.
46(). ينظر: الكلوذاني، التمهيد، ط1، 2/122- 123.
47(). ينظر: الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، ط2، ص330، والحلوائي، شرح المنهاج، د.ط، ص211، والرجراجي، رفع النقاب، ط1، 3/254.
48(). ينظر: الرجراجي، رفع النقاب، ط1، 3/253.
49(). ينظر: الإسنوي، نهاية السول، ط1، ص214، والرجراجي، رفع النقاب، ط1، 3/255.
50(). ينظر: الرجراجي، رفع النقاب، ط1، 3/256.
51(). ينظر: صفي الدين الهندي، نهاية الوصول، ط1، 4/1697، والرجراجي، رفع النقاب، ط1، 3/256.
52(). ينظر: الشيرازي، التبصرة، ط1، ص139، والكلوذاني، التمهيد، ط1، 2/124- 125، وابن عقيل، الواضح في أصول الفقه، ط1، 3/388.
53(). قال السخاوي في المقاصد الحسنة ص162: (اشتهر بين الأصوليين والفقهاء، بل وقع في شرح مسلم للنووي في قوله –صلى الله عليه وسلم– : ((إني لم أومر أن أنقب على قلوب الناس، ولا أشق بطونهم))، ما نصه معناه، ((أني أمرت بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر))، ولا وجود له في كتب الحديث المشهورة، ولا الأجزاء المنثورة، وجزم العراقي بأنه لا أصل له، وكذا أنكره المزي وغيره) والحديث معناه صحيح كما في صحيح البخاري من حديث عمر –رضي الله عنه– أنه قال: ((إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم– وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم)). رواه البخاري في كتاب الشهادات باب الشهداء العدول 3/169 رقم (2641)، ويشهد له أيضا حديث أم سلمة: ((إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق، فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو فليتركها)). أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب المظالم، باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه 3/131 رقم (2458)، ومسلم في صحيحه في كتاب الأقضية باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة 3/1337 رقم (1713). ينظر في الحديث: ابن حجر، التلخيص الحبير، ط1، 4/465، والسخاوي، المقاصد الحسنة، ط1، ص162، والعجلوني، كشف الخفاء، ط1، 1/219، والشوكاني، الفوائد المجموعة، د.ط، ص200.
54(). ينظر: الغزالي، المستصفى، ط1، ص251- 252، والرجراجي، رفع النقاب، ط1، 3/256- 257.
55(). ينظر: الآمدي، الإحكام، د.ط، 2/337، والأصفهاني، بيان المختصر، ط1، 2/343، والبابرتي، الردود والنقود، ط1، 2/279.
56(). ينظر: المرداوي، التحبير شرح التحرير، ط1، 6/2689، وابن النجار، مختصر التحرير شرح الكوكب المنير، ط2، 3/379.
57(). ينظر: الباقلاني، التقريب والإرشاد، ط2، 3/195، والجويني، البرهان في أصول الفقه، ط1، 1/157، وابن السمعاني، قواطع الأدلة، ط1، 1/190، والقرافي، شرح تنقيح الفصول، ط1، ص 206،
58(). سورة النساء، الآية: 59.
59(). سورة المائدة، من الآية: 45.
60(). سورة الحجرات، من الآية: 1.
61(). سورة الأنعام، من الآية: 148.
62(). صديق خان، فتح البيان، د.ط، 3/159- 161.
63(). صديق خان، حصول المأمول، د.ط، ص261- 262.
64(). سورة النساء، الآية: 25.
65(). صديق خان، فتح البيان، د.ط، 3/89.
66(). سورة النور، الآية: 2.
67(). صديق خان، فتح البيان، د.ط، 9/165.