from Qiafah (tracking) to genitic footprint, scientific experience
through prophetic judgment
Khemais Messaoud Benachour
Faculty of Dawa and Fundamentals of Religion || Umm Al Qura University || Makka || KSA
من القيافة إلى البصمة الوراثية، الخبرة العلمية من خلال الاجتهاد النبوي
كلية الدعوة وأصول الدين || جامعة أم القرى || مكة المكرمة || المملكة العربية السعودية
المقدمة:
الحمد لله حمدا يُدنينا من رضاه ويُزَلفنا إلى جنته، والصلاة والسلام على نبي الرحمة المهداة والنعمة المجزاة وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن الفكرة الرئيسية لهذه الدراسة تتمثل في إبراز وجه من وجوه الاستشراف النبوي، وذلك أن الخبرة العلمية باعتبارها إنتاجا بشريا عرضة للتبدل والتطور نحو الأفضل، عن طريق تراكم الخبرات والمعارف المختلفة، ولذلك رأينا في تاريخ الفقه الإسلامي كيف تتغير الفتوى باعتبارها رأياً واجتهاداً ومقاربة شرعية.
ووجه الاستشراف في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع في الحسبان مصلحة الأجيال المقبلة حيث ستطرأ لا محالة قضايا مستجدة ومنازعات لا يمكن استباق تحسينها أو تقبيحها أو وضعها في إطار حكم من الأحكام الشرعية.
و أماعن المنهج المتبع فهو التأصيل والتحليل والاستنباط، حيث يتم البحث عن النصوص الشرعية للوقائع التي حدثت في وقت التنزيل والتي تدل صراحة على كيفية التعامل مع النوازل والمستجدات في غياب النص الوحيي عن طريق الاجتهاد، ثم تحليلها واستنباط النتائج المرجوة منها.
وتتلخص إشكالية الموضوع في التساؤل التالي: هل يمكن للاجتهاد النبوي أن يصير نصاً وبالتالي لا اجتهاد معه؟، أم أنه فتحٌ للمجال أمام المجتهدين من بعده ليس لكي يشرعوا مثله ولكن لإقامة المقاربات الشرعية للنوازل والمشكلات الطارئة المتعلقة بحيثيات الزمان والمكان داخل المجتمعات الإسلامية عبر العصور المتلاحقة إلى اليوم بغرض الحفاظ على الحقوق والواجبات في إطار مقاصد الحق والعدل في الإسلام.
أهداف البحث:
- الاستشراف النبوي هدفه فتح باب الاجتهاد فيما يطرأ من نوازل متوقعة في المستقبل.
- أن الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص صريح يهدف إلى تحقيق مقاصد الحق والعدل وفق أصول الإسلام وشريعته.
- بيان صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان وأنه يحفظ حقوق الأجيال القادمة.
أهمية البحث:
تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تبرز المسوغات لإيجاد مقاربات شرعية للنوازل لا على أنها تشريع مؤكد ولكن تقنين وتنظيم للعلاقات والمصالح المتبادلة في إطار وضع أسس تساير المقاصد الشرعية اليقينية لكي يحافظ المجتمع الإسلامي على إسلامية لا تشوبها شائبة ومن غير المساس بالثوابت التشريعية في مجالات العبادات والمعاملات والأخلاق.
الدراسات السابقة:
هناك دراسات سابقة كثيرة تتمثل في مؤلفات وكتب ورسائل جامعية وأبحاث لها علاقة بتخصص الشريعة والقانون أغلبها يتعلق باستعمال الخبرة العلمية وخاصة البصمة الوراثية كدليل إثبات أو نفي للنسب على سبيل المثال، وجل هذه الدراسات هي دراسات وصفية ومقارنة تناولت بعض التطبيقات والنماذج التي تضمنتها دراستي ولكن الفرق الأساسي يكمن أولا في المنهج حيث استخدمتُ المنهج التأصيلي التحليلي ومنهج الاستنباط، ويكمن الفرق أيضاً في تناولي لمسألة الاجتهاد والاستشراف النبوي وبعض التطبيقات التي لم تتطرق إليها الدراسات السابقة في حدود علمي وسأذكر بعض النماذج من هذه الدراسات السابقة وهي:
- إثبات النسب ونفيه بالبصمة الوراثية. أ. د. محمد جبير الألفي. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. طبعة: 2015م.
- الأحكام الشرعية والقانونية للبصمة الوراثية في الإثبات القضائي. د. أوان عبد الله الفيضي. دار الكتب القانونية. مصر، الإمارات. طبعة: 2017م
- البصمة الوراثية ودورها في الإثبات الجنائي بين الشريعة والقانون. أ. د. فؤاد عبد المنعم أحمد. الدار المصرية للنشر والتوزيع.
- إثبات النسب بالبصمة الوراثية بعد نفيه باللعان، دراسة فقهية. عاصم بن منصور بن محمد. مجلة الجمعية الفقهية السعودية. الرياض. 2015م
- رسالة ماستر(ماجستير) بعنوان: دور البصمة الوراثية في إثبات النسب، دراسة مقارنة. إعداد الطالب: حبة زين العابدين. إشراف د. حسونة عبد الغني. كلية الحقوق. جامعة محمد خيضر. بسكرة الجزائر. 2014/2015م.
- رسالة ماجستير بعنوان: البصمة في الإثبات الجنائي. إعداد الطالبة: الزهراء بن الزاوي. إشراف د. العيد سعادنة. كلية الحقوق والعلوم السياسية. جامعة الحاج لخضر. باتنة الجزائر.
خطة البحث:
تنقسم هذه الدراسة(البحث) إلى مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة.
- المقدمة: اشتملت على ما تقدم ذكره.
- المبحث الأول: مجال الاجتهاد النبوي وتغيره، وفيه مطالبان.
- المبحث الثاني: مفهوم الخبرة العلمية (القيافة والبصمة الوراثية)، وفيه ثلاثة مطالب.
- المبحث الثالث: نماذج عن الخبرة العلمية في الاجتهاد النبوي، وفيه خمسة مطالب.
- الخاتمة وفيها النتائج والتوصيات.
المبحث الأول: مجال الاجتهاد النبوي وتغيره
المطلب الأول– مجال الاجتهاد النبوي:
يمكن اعتبار ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين:
قسم يصدر عنه باعتباره شخصية فذة ذات مواهب متعددة خَلقية وخُلقية ونفسية، حظيت باصطفاء الله عز وجل لتحميله رسالة الإسلام الخاتمة، ويدخل في هذا القسم ما علمه من معارف عصره في مجتمعه العربي الذي عرف الطب والقيافة وبعض مبادئ الفلك وفنون الحرب والتجارة، إضافة إلى الأدب والبلاغة فكان ينهل من كل ذلك بعفوية وذكاء هما في قمة الكمال البشري.
و أما القسم الثاني فهو علم الوحي الإلهي الذي نبأه به العليم الخبير. ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ (الشورى: 52)، ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ (الضحى: 7)، وباعتبار أن العلم الإلهي شامل لجميع الأزمنة فإن ما صدر منه صلى الله عليه وسلم مما أُوحي إليه به مما يتعلق ببعض الميادين العلمية هو حق حتى وإن صعب على المسلمين الأوائل إدراكه أو ربما اعتبروه من المتشابه والمشكل، فإن الله عز وجل يرينا في الآفاق بين الفينة والأخرى بعضا من آياته حتى يتبين للناس أنه الحق، ومن أجل هذا وقع الخلاف بين الأصوليين والفقهاء فيما يتعلق بمجال الاجتهاد النبوي.
فالاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم جائز وواقع ومن أمثلة وقوعه: إذنه صلى الله عليه وسلم للمتخلفين عن غزوة تبوك قبل أن يتبين صادقهم من كاذبهم، وأسره لأسارى بدر وأخذ الفداء منهم، وأمره بترك تأبير النخل، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي)1، وإرادته صلى الله عليه وسلم النزول دون ماء بدر حتى قال له الحباب بن المنذر رضي الله عنه: إن كان هذا بوحي فنعم. وإن كان الرأي والمكيدة فانزل بالناس على الماء لتحول بينه وبين العدو. فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس بوحي إنما هو رأى رأيته)، فرجع إلى قول الحباب رضي اللّه عنه(2).
ولكن لم يتفق الفقهاء والأصوليون على ذلك فمنهم من أجازه مطلقاً، ومنهم من أجازه في الأمور الدنيوية ومنعه فيما يتعلق بالأمور الدينية، ومنهم من أجازه حتى فيما له علاقة بالدين والعقيدة.
ومن ذلك حديث عائشة حيث قالت: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندي امرأةٌ من اليهود، وهي تقول: هل شعرت أنكم تُفْتَنُون في القبور؟ قالت: فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (إنما تُفْتَنُ يهود). قالت عائشة: فلبثنا لياليَ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل شعرتِ أنه أُوحِىَ إليَّ أنّكم تُفتنون في القبور؟ قالت عائشة: فسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْدُ يستعيذُ من عذاب القبر)(3).
فالنبيّ صلى الله عليه وسلم نفى فتنة القبر أوّلًا عن أهل التوحيد، اجتهادًا منه، لمّا وجد أماراتٍ تدلُّ على أن عذاب القبر خاصٌّ بالكفار. ثمّ أُوحي إليه بأن من أهل التوحيد من يُعذّب في قبره، فرجع عن اجتهاده، وأخبر بما نزل عليه به الوحي في ذلك.
وأما أمور الدنيا فكثير من الأصوليين يرى أن الإجماع فيها ليس بحجة كتجهيز الجيوش وتدبير الحروب والعمارة والزراعة وغيرها من مصالح الدنيا؛ لأن الإجماع فيها ليس بأكثر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أن قوله صلى الله عليه وسلم إنما هو حجة في أحكام الشرع دون مصالح الدنيا وكذلك الإجماع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم وأنا أعلم بأمور دينكم)(4).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رأياً في الحرب راجع الصحابة في ذلك وربما ترك رأيه برأيهم، وقد ورد مثل هذا في غزوة بدر وحرب الخندق وغير ذلك، ولم يكن أحد يراجعه فيما يكون من أمر الدين.
إلا أن بعض الأصوليين يرى أن الإجماع ينعقد في أمور الدنيا أيضاً وإذا رأى أهل العصر شيئاً واتفقوا عليه لا يجوز مخالفته سواء كان في أمر الدين أو في أمر الدنيا؛ لأن أدلة الإجماع منعت من الخلاف على الأمة ولم يفصل بين أن يكون اتفقوا على أمر ديني أو دنيوي والصحيح الأول(5).
وذلك أن أمور الدنيا ليست ثابتة بل يعتريها التغير المستمر بسبب التراكمات الحضارية وهذه المتغيرات هي التي يجب مراعاتها في تلك المقاربات الشرعية باعتبارها أعداداً متغيرة مع الاحتفاظ بالثوابت ولا سيما الأصول العامة للشريعة والعقيدة في الإسلام.
وربما فهم البعض أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم وخطأه في ذلك دليل على عدم حجية السنة. فقد قال ابن خلدون (ت: 808هـ): والطبُّ المنقولُ في الشرعيّات من هذا القبيل، وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمرٌ كان عاديًا للعرب، ووقَعَ في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وهو من نوع ذِكْر أحواله التي هي عادةٌ وجبلّةٌ، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بُعث ليعلّمنا الشرائع، ولم يُبعث لتعريف الطبّ ولا غيره من العادات. 6
وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم). فلا ينبغي أن يُحمل شيءٌ من الطبِّ الذي وقع في الأحاديث المنقولة على أنه مشروع، فليس هناك ما يدلّ عليه. اللهم إلا إذا استُعمل على جهة التبُّرك وصدق العَقْدِ الإيماني، فيكون له أثرٌ عظيم في النفع(7).
وقد يكون هذا الكلام صحيحاً إذا افترضنا عدم نزول وحي في ذلك ولكن بعد نزوله تصبح القضية قضية وحي إلهي وليست اجتهاداً نبوياً.
ومن هنا وجب التفريق بين ما هو شرع إلهي واجب الاتباع وبين ما هو اجتهاد نبوي بشري يعتمد على التجارب من أجل جلب المصلحة ودرء المفسدة ولذلك فقد ثبتت مخالفته صلى الله علبيه وسلم في اجتهاده بعد ثبوت المصلحة المؤكدة في بعض المجالات الدنيوية كالزراعة والحرب.
المطلب الثاني: تغير اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم
تغير اجتهاده صلى الله عليه وسلم قد يكون إما بسبب نزول وحي إلهي أو بسبب ظهور معطيات جديد، والأمثلة كثيرة منها أنه صلى الله عليه وسلم قال: نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن زيارتها تذكرة، ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تأكلوها بعد ثلاث فكلوها واستنفعوا بها في أسفاركم(8). وفي رواية أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نهيتكم عن الظروف وإن الظروف– أو ظرفاً– لا يحل شيئاً ولا يحرمه وكل مسكرٍ حرام(9).
وللفقهاء في هذه الإباحة بعد النهي أقوال وتوجيهات قال النووي: كان الانتباذ في الحنتم والدباء والنقير والمزفت منهيا عنه في أول الاسلام خوفا من أن يصير مسكرا فيها ولا نعلم به لكثافتها فيتلف ماليته وربما شربه الإنسان ظانا أن لم يصر مسكرا فيصير شاربا للمسكر وكان العهد قريبا بإباحة المسكر فلما طال الزمان واشتهر تحريم المسكرات وتقرر ذلك في نفوسهم نسخ ذلك وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط أن لا تشربوا مسكرا. قال النووي: هذا الذي ذكرناه من كونه منسوخا هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء قال: وقال قوم التحريم باق وكرهوا الانتباذ في هذه الأوعية، ذهب إليه مالك وأحمد وإسحاق وهو مروي عن عمر وبن عباس رضي الله عنهم، وقال الخطابي القول بالنسخ هو أصح الأقاويل. (10).
ومع وجاهة هذه التخريجات فإنه يمكننا بوضوح ملاحظة أثر العامل الزمني المستقبلي في بعض الاجتهادات النبوية مثل مراعاة النهي عن زيارة القبور لقرب عهدهم بالشرك ثم الإباحة بعد انتشار العلم والسنة، وكذلك ربط النهي عن المشروبات التي تتوفر فيها تلك العلة المنضبطة وهي الإسكار؛ لأن المشروبات بعد ذلك تنوعت تنوعا كبيرا وكذلك تنوعت وسائل حفظ اللحوم والأغذية عموما، فكانت الإباحة بعد النهي.
ونستشف من كل هذا مراعاة مصلحة مجتمع عصر الرسالة ومصلحة الذين يأتون من بعده، وهذا ما نلاحظه أيضاً في اجتهادات الصحابة الكرام الذين اقتدوا بهديه صلى الله عليه وسلم في مثل مسائل الاجتهاد الاستشرافي هذه سيما فيما يتعلق بالسياسة الشرعية فقد ضرب عمر بن الخطاب الخراج على أرض السواد11 مع أنها فتحت عنوة وقال: إني أريد أمرا يسع الناس أولهم وآخرهم، مراعاة لحقوق للأجيال القادمة. هذا فيما يتعلق بالتفكير الاستشرافي بوجه عام.
ولكن الإشكال المطروح هنا هو كيفية معرفة المسائل الاجتهادية النبوية التي تندرج في إطار الوحي الإلهي أو التي هي في إطار الاجتهاد البشري الذي يدور مع المصلحة المتحققة وجوداً وعدماً، وهذه الحيثية بالذات هي التي تتعلق بموضوع الاستشراف النبوي في هذه الدراسة كما سيأتي
المبحث الثاني: مفهوم الخبرة العلمية (القيافة والبصمة الوراثية)
المطلب الأول: مفهوم الخبرة العلمية:
الخبرة هي المعرفة ببواطن الأمور(12). والخِبْرة ضَرْب من الدُّرْبة(13). والخَبِير: الأكّار(الحراث). لأنّه يُصْلِح الأرضَ ويُدَمِّثُها ويلَيِّنها. ويقولون: الخبير الأكّار، لأنه يخابر الأرض، أي يؤاكِرُها(14). ويقال: على الخبير سَقطْتَ: يقال لمن سأل عن الأمر من هو عالم به، فالخبير بالأمر: العالم به، والخُبْر: العلم، والخبرة التجربة؛ لأن العلم يقع معها، وفي القرآن: (فَاسْأل بِهِ خَبِيرا). (15).
والخبير: العارف المتخصص، ويعرف هذه الكلمة من يترددون على المحاكم، ففي بعض القضايا يُعَيَّن خبير ليرشد إلى الحقيقة ويقدم تقريرًا للمحكمة عمَّا طلبت(16). والله تعالى الخَبير، أي العالِم بكلِّ شيء. قال اللهُ تعالى: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ (فاطر: 14).
وما يمكن أن نصفه بالخبرة العلمية ما يتعارف عليه أهل الاختصاص في كل علم وكان مستنده الملاحظة والافتراض والتجربة الحسية، والعالم أو الخبير هو من كانت ملاحظاته واستنتاجاته صحيحة في كثير من الحالات وليس في كلها.
أما فيما يخص الجانب الاستشرافي في أحد أوجه الخبرة العلمية وهو القيافة أو ما يسمى اليوم بالبصمة الوراثية (كل منهما يشتركان في معنى تتبع الأثر الدال على صاحبه) فربما يتساءل البعض عن علاقة القيافة بهذه البصمة التي هي آخر ما توصلت له الإنسانية في مجال علوم الحياة، والجواب أن القيافة ليست كهانة أو شعوذة؛ بل هي علم؛ لأن أول خطوة في المنهج العلمي هي الملاحظة ثم الاستنتاج ثم التجربة واستخلاص الأحكام.
والعرب اشتهروا بعلم القيافة ووظفوه في تذليل الصعوبات العملية التي كانت تعترضهم في أسفارهم وفي حروبهم وفي معرفة أنسابهم أيضاً وأما البصمة الوراثية فليست طفرة في مسار العلم وإنما هي ثمرة للتراكمات المعرفية العالمية في مجال علوم الحياة وما كان يعلمه مجزز المدلجي17 ببصره الثاقب وعقله الراجح صار اليوم بفعل البصمة الوراثية علماً يقيناً تؤكده التجربة المخبرية وقوانين البيولوجيا.
وربما كنا نحن المسلمين قد وقعنا في حرج كبير لو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوظف القيافة في بعض المنازعات باعتبارها دليل إثبات أو دليل نفي؛ بل إنه صلى الله عليه وسلم لم يلغ اعتبار القيافة حتى أمام حجة أقوى منها في وقته وهي الفراش. على ما سيأتي.
ولو أردنا أن نؤصل هذه النظرة عقديا فربما جاز لنا القول: إن علم الله شامل وهو من الصفات العظيمة له سبحانه وهو الخلاق العليم ولذلك فكل ما يعلمه الناس إلى يوم القيامة علمه الله وخلقه ويحق لنا بالتالي أن ننسبه إليه تعالى، والعلم البشري ما هو إلا اكتشاف للقوانين التي أودعها الله في هذه الطبيعة منذ أن خلق الله السموات والأرض، وقد امتدح الله العلماء الذين يكتشفون تلك القوانين باستعمال المنهج العلمي الذي يعتمد على الملاحظة عن طريق الحواس ثم وضع الافتراضات المختلفة، ثم التجربة واستخلاص القوانين الثابتة ثبوتاً نسبياً يكفي لبناء الأحكام الدنيوية التي أساسها المصلحة الراجحة.
ولذلك امتدح القرآن الكريم أولي الألباب وذوي العقول فقال: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (آل عمران: 190). وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ (الزمر: 21)، وقال: ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (آل عمران: 191).
وفي الوقت نفسه نعى على الذين لا يستخدمون المنهج العلمي التجريبي فأوصلهم ذلك إلى الكفر والشرك فقال: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ (الأعراف: 179).
فقد فتح الاجتهاد النبوي المجال المستقبلي لتطور هذه الخبرة العلمية باعتبارها العدد المتغير في هذه الدالة الاجتهادية مع الاحتفاظ الضروري بالأعداد الثابتة فيها وذلك أن الإسلام عقيدة وشريعة قد كمل وتم والحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله. قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة: 3).
قال ابن جرير الطبري: أكملت لكم أيها المؤمنون فرائضي عليكم وحدودي، وأمري إياكم ونهيي وحلالي وحرامي وتنزيلي من ذلك ما أنزلت منه في كتابي وتبياني ما بيَّنت لكم منه بوحيي على لسان رسولي والأدلة التي نصبتُها لكم على جميع ما بكم الحاجة إليه من أمر دينكم فأتممت لكم جميع ذلك فلا زيادة فيه بعد هذا اليوم. قالوا: وكان ذلك في يوم عرفة، عام حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوَدَاع(18).
ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية إحدى وثمانين يوماً، ثم قبضه الله إليه(19).
المطلب الثاني: تعريف البصمة الوراثية
هي أثر الختم بالأصبع، تقول: بصم بصما أي ختم بطرف أصبعه(20).
وأما الوراثة فهي علم يبحث في انتقال صفات الكائن الحي من جيل لآخر وتفسير الظواهر المتعلقة بهذا الانتقال(21).
وإذا ما اعتمدنا لفظ البصمة بمعنى العلامة أو أثر الختم بالأصبع – كما اعتمدها مجمع اللغة العربية – فإن المراد بالبصمة الوراثية: العلامة أو الأثر الذي ينتقل من الآباء إلى الأبناء أو من الأصول إلى الفروع(22).
ولكن إذا أردنا أن نعرف حقيقة البصمة الوراثية فلا بد من معرفة الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين: DNA (dioxyribonucleic acid) ويعرف بالعربية الحَمْن أو الحمض المُزَدْأَن الرَّيْبِيّ النّوويّ. هو الحمض النووي الذي يحتوي على التعليمات الجينية التي تصف التطور البيولوجي للكائنات الحية ومعظم الفيروسات كما أنه يحوي التعليمات الوراثية اللازمة لأداء الوظائف الحيوية لكل الكائنات الحية. ينتظم الدنا داخل الخلية في تركيبات تسمى (الأجسام الصبغية أو الكروموسومات، والكروموسومات في مجموعها تكون ما يعرف بالجينوم: (genome) المحتوى الجيني أو الصبغي للخلية(23).
وعليه فالبصمة الوراثية هي تعيين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء أو أجزاء من حمض الدنا المتمركز في نواة أي خلية من خلايا جسمه، ويظهر هذا التحليل في صورة شريط من سلسلتين كل سلسلة بها تدريج على شكل خطوط عرضية مسلسلة وفقا لتسلسل القواعد الأمينية على حمض الدنا، وهي خاصية لكل إنسان تميزه عن الآخر في الترتيب، وفي المسافة بين الخطوط العرضية تمثل إحدى السلسلتين الصفات الوراثية من الأب (صاحب الماء) وتمثل السلسلة الأخرى الصفات الوراثية من الأم (صاحبة البويضة). ووسيلة هذا التحليل أجهزة متطورة في متناول المختصين(24).
المطلب الثالث: بعض التطبيقات:
من خلال الاجتهاد النبوي في حديث الولد للفراش– على ما سيأتي– ومن خلال الخبرة العلمية الحديثة فقد صار بالإمكان أن نقترح بعض التطبيقات وأن نضع بعض الملاحظات المتعلقة أساساً بالأبوة البيولوجية وترجيح اعتبارها شرعاً، وقبل ذلك لا بد من الإشارة إلى قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21- 26/10/1422هـ الموافق لـ: 5- 10/1/2002م الذي اعتمد التعريف التالي: البصمة الوراثية هي البِنْيَةُ الجينية (نسبة إلى الجينات، أي المورثات)، التي تدل على هوية كل إنسان بعينه.
وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة، لتسهيل مهمة الطــب الشرعي، ويمكن أخذها من أي خلية (بشرية) مـن الدم، أو اللعاب، أو المني، أو البول، أو غيره، وقد قرر المجمع أيضا بأنه: لا مانع شرعًا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي، واعتبارها وسيلة إثبــات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لحديث: (ادرؤوا الحدود بالشبهات).
وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة وقرر أيضا أنه يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية:
- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان الاشتراك في وطئ الشبهة ونحوه.
- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
- حالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها: أو بقصد التحقق من هويات الأسرى والمفقودين.
وعليه أسجل الملاحظات التالية:
أولا– إن البصمة الوراثية اليوم تعتبر أقوى دلالة من الفراش عند التنازع عكس القيافة التي هي خبرة علمية ولكن دلالتها أقل قوة من الفراش فالعبرة بقوة الدليل فوجب الاعتداد في هذه المسائل بالأقوى وهي البصمة الوراثية، فالولد في الأصل للفراش ما لم يرد دليل أقوى كما سبق ذكره عند بعض العلماء المحققين.
ثانيا– من خلال حديث الولد للفراش وما استنبطه الفقهاء منه يتبين أن التنازع كان في إثبات النسب وليس في نفيه كما هو في اللعان، بينما المشكلة في عصرنا هي في النفي لا في الإثبات وذلك لكثرة جرائم الزنا وتهرب الزناة من نسبة أولادهم البيولوجيين لهم ووجود قوانين وضعية تحميهم للهروب من المسؤولية الجنائية التي تتحملها المزني بها وحدها ومولودها البريء، رغم أن الجريمة مشتركة بين فردين مما يحتم إيجاد مقاربات شرعية قضائية لردع الزناة بنسبة أولادهم من الزنى لهم وهذا مما يتحمله الفقه الإسلامي من خلال اجتهادات بعض الأئمة والمحققين.
ثالثا– يؤكد الفقهاء وشراح حديث الولد للفراش على أن الأبوة البيولوجية لها عدة اعتبارات شرعية مثل اعتبارها في المحرمية وعدم اعتبارها في الميراث وذلك ما أشار إليه بعضهم بقوله ببعض أحكام النسب– كما سبقت الإشارة إليه – إضافة إلى وجود مذهب فقهي جد معتبر يرى أن ابن الزنى ينسب إلى الزاني، كمذهب الشعبي وإسحاق وذكر ذلك عن عروة وسليمان بن يسار وبه قال بعض المالكية ونسبه بعضهم إلى القرطبي، وذهب ابن تيمية إلى قريب من هذا القول(25).
وكان إسحاق بن راهويه يذهبُ إلى أن المولودَ مِن الزِّنى إذا لم يكن مولوداً على فراش يدَّعيه صاحبه، وادعاه الزاني، أُلحِقَ به، وأوَّل قول النبي صلى الله عليه وسلمَ: الولد للفراش، على أنه حكم بذلك عند تنازُع الزاني وصاحب الفراش، كما تقدم.
وهذا مذهب الحسن البصرى، رواه عنه إسحاق بإسناده، في رجل زنى بامرأة، فولدت ولداً، فادَّعى ولدَها فقال: يُجلد ويلزمُه الولد، وهذا مذهبُ عروة بن الزبير، وسليمانَ بن يسار ذكر عنهما أنهما قالا: أيُّما رجل أتى إلى غلام يزعم أنه ابن له، وأنه زنى بأمه ولم يَدَّعِ ذلك الغلامَ أحد، فهو ابنُه، واحتج سليمان، بأن عمر بن الخطاب كان يُلِيطُ أولادَ الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام، وهذا المذهبُ كما تراه قوة ووضوحاً، وليس مع الجمهور أكثرُ مِن: الولد للفراش(26).
وهذا المذهب سيزداد قوة بتطور الخبرة العلمية المتمثلة في البصمة الوراثية حيث سيسهم ذلك في حل كثير من المشاكل الاجتماعية والمآسي الأسرية التي يتسبب فيها الزناة بلا رادع ويتحملها كثير من الضحايا الأبرياء مما يتنافى ومقاصد الحق والعدل في الإسلام، ومن آيات الله تعالى أنه كلما أحدث الناس من الأفعال والفواحش كلما أحدث الله لهم من الآيات في مكافحة جرائمهم وتحايلهم على الشرع، وكما قال عمر: نحدث لهم من الأحكام بقدر ما أحدثوا من الأعمال. 27
المبحث الثالث: نماذج عن الخبرة العلمية في الاجتهاد النبوي
للتدليل على ما سبق سوف أختار مجموعة من المسائل التي تبين بما لا يدع مجالا للشك أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل ذكاءه البشري للحكم في بعض النزاعات أو للتحقق من بعض المسائل باستعمال ما توفر له من خبرة علمية آنذاك(كالقيافة مثلاً)، أو باستعمال بعض القرائن التي تعتبر دليلاً علمياً كافيا إلى حد كبير في الإثبات أو في النفي، وبالتالي إعطاء الإذن في إصدار الأحكام الاجتهادية أو المقاربات الشرعية فيما سيطرأ من نزاعات.
وقد ثبت في السنة أنه صلى الله عليه وسلم اجتهد وحكم وقضى في بعض النزاعات وأن اجتهاده هو تشريع؛ لأن الوحي يقره، وأما اجتهاد غيره من علماء الأمة بعده فليس تشريعا وإنما هو مقاربة شرعية ووجه الاستشراف في كل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم شرع للعلماء بعده طريقة ومنهجية الاجتهاد الصحيح فيما سيطرأ – لا محالة – من حوادث ونزاعات في إطار مقاصد الحق والعدل في الإسلام.
المطلب الأول: التنازع في نسبة الولد وحديث عائشة: الولد للفراش.
والحديث بتمامه مروي عن عائشة رضي الله عنها حيث قالت: (اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال: هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة قال: فلم ير سودة قط)(28).
قال ابن القيم: فهذا الحكم النبوي أصل في ثبوت النسب بالفراش، وفى أن الأمة تكون فراشاً بالوطء، وفى أن الشبه إذا عارض الفراش، قدم عليه الفراش، وفى أن أحكام النسب تتبعض، فتثبت من وجه دون وجه وهو الذى يسميه بعض الفقهاء حكماً بين حكمين وفى أن القافة حق، وأنها من الشرع(29).
فقد لخص ابن القيم عدداً قيما من الاستنباطات المفيدة من هذا الحديث من شأنها إزالة كتير من الغموض والاشتباه فرب سامع أوعى من ناقل.
كما أن الفقهاء المحققين تركوا لمن يأتي بعدهم مجالاً واسعاً للاستنباط سيما عندما تظهر معطيات جديدة ومن ذلك ما قاله ابن دقيق العيد من أن الأصل في الولد أنه للفراش، وهو باق ما لم يرد أقوى منه فيصار إليه. 30
وقال أيضا: لكن لما رأى شبه الغلام بعتبة، تورع النبي أن يستبيح النظر إلى زوجته سودة، فأمرها بالاحتجاب منه احتياطاً وتورعاً(31).
وقد استدل به بعض المالكية على قاعدة من قواعدهم وأصل من أصول المذهب وهو الحكم بين حكمين، وذلك أن يكون الفرع يأخذ مشابهة من أصول متعددة فيعطى أحكاما مختلفة ولا يمحض لأحد الأصول. 32
فالفراش مقتض لإلحاقه بزمعة والشبه البين مقتض لإلحاقه بعتبة فأعطي النسب بمقتضى الفراش وألحق بزمعة، وروعي أمر الشبه بأمر سودة بالاحتجاب منه فأعطي الفرع حكماً بين حكمين فلم يمحض أمر الفراش فتثبت المحرمية بينه وبين سودة ولا روعي أمر الشبه مطلقاً فيلتحق بعتبة(33).
وفي نفس هذا السياق (أي العمل بأقوى القرائن) قال النووي: «قوله: رأى شبهاً بيناً بعتبة ثم قال صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش. دليل على أن الشبه وحكم القافة إنما يعتمد إذا لم يكن هناك أقوى منه كالفراش كما لم يحكم صلى الله عليه وسلم بالشبه في قصة المتلاعنين مع أنه جاء على الشبه المكروه»(34).
ويوجه ابن القيم هذا الإشكال بأنه لم يلحقه بعبد بن زمعة على أنه أخ له وإنما جعله مملوكا له كما في قوله: هو لك يا عبد بن زمعة واللام للتمليك، ويؤيد ذلك ما في آخر الحديث من أمره صلى الله عليه وآله وسلم لسودة بالاحتجاب منه ولو كان أخا لها لم تؤمر بالاحتجاب منه(35).
وقال ابن القيم أيضا: «وإما أن يكون مراعاة للشبهين وإعمالاً للدليلين فإن الفراش دليل لحوق النسب، والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدعي وأعمل الشبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة وهذا من أحسن الأحكام وأبينها وأوضحها ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه»(36).
ويوجه ابن عبد البر بدوره هذا الحديث بقوله: ولما كان لعبد بن زمعة شريك فيما ادعاه وهو أخته سودة ولم يعلم منها في ذلك تصديق له ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد بن زمعة ما أقر به في نفسه ولم يجعل ذلك حجة على أخته إذ لم تصدقه ولم يجعله أخاها وأمرها بالحجاب منه قال: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عبد بن زمعة فمعناه هو لك يدك عليه لا أنك تملكه ولكن تمنع بيدك عليه كل من سواك منه(37).
و يمكن أيضا أن نقول إن إعمال الدليلين أولى في حالة صعوبة الترجيح بين الأدلة.
فقد تنوعت أقوال العلماء في توجيه الحديث إما بإعمال قرينة دون أخرى أو بإعمال القرينتين معا أو بالقول بحكم بين حكمين كما يراه المالكية، أو بتبعض أحكام النسب كما قال ابن القيم، وأما أمره سودة وهي أخته بالاحتجاب منه فهذا يدل على أصل مهمّ في المسألة، وهو تبعيض أحكام النسب، فيكون أخاها في التحريم والميراث وغيره ولا يكون أخاها في المحرمية والخلوة والنظر إليها لمعارضة الشبه للفراش فأعطى الفراش حكمه من ثبوت الحرمة وغيرها، وأعطى الشبه حكمه من عدم ثبوت المحرمية لسودة، وهذا باب من دقيق العلم وسره لا يلحظه إلا الأئمة المطلعون على أغواره المعنيون بالنظر في مأخذ الشرع وأسراره. (38).
فحكم وأفتى بالولد لصاحب الفراش عملاً بموجب الفراش، وأمر سودة أن تحتجب منه عملاً بشبهه بعتبة، وقال: ليس لك بأخ، للشبهة، وجعله أخاً في الميراث. فتضمنت فتواه صلى الله عليه وسلم أن الأمَة فراش، وأن الأحكام تتبعَّض في العين الواحدة عملاً بالاشتباه، كما تتبعَّض في الرضاعة، وثبوتها لها الحرمة والمَحرَمِيَّة دون الميراث والنفقة، وكما في ولد الزنا، هو ولد في التحريم، وليس ولداً في الميراث، ونظائر ذلك أكثر من أن تذكر، فيتعين الأخذ بهذا الحكم والفتوى، وبالله التوفيق(39).
ومما يمكن اعتباره توجيهاً جديداً لهذا الحديث هو أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم اجتهادٌ قضى وحكم فيه بأقوى القرائن في وقته وهو الفراش مع عدم إغفاله لقرينة الخبرة العلمية (القيافة) بقوله: واحتجبي منه يا سودة (بنت زمعة) بعدما قال: هو لك يا عبد بن زمعة، ووجه الاستشراف هنا أنه صلى الله عليه وسلم ترك الخبرة العلمية تسير نحو أن تصبح أقوى في الإثبات من قرينة الفراش كما هو اليوم بعد اكتشاف البصمة الوراثية.
المطلب الثاني: حديث اللعان وقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا الأيمان لكان لي معها شأن).
حيث نبه صلى الله عليه وسلم أنه لا اجتهاد مع النص حتى ولو كانت الخبرة العلمية ( القيافة أو البصمة الوراثية) صحيحة مائة بالمائة، فاللعان شرعه الله عز وجل لدرء حد القذف عن الزوج وحد الرجم عن الزوجة، فالحكم الاجتهادي أو الفتوى والرأي الفقهي كل ذلك قد يتغير بتغير الزمان والمكان ولكن الحكم الشرعي الوحيي لا يتغير؛ لأن الوحي انقطع.
والحديث بتمامه. عن ابن عباس (أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا حد في ظهرك فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل وأنزل عليه: ﴿والذين يرمون أزواجهم﴾ فقرأ حتى بلغ ﴿إن كان من الصادقين﴾، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب، ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك ابن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن)(40).
فالحديث يبين بوضوح أن الخبرة العلمية هنا (القيافة) أو البصمة الوراثية في وقتنا الحالي لا اعتبار لها في معارضة اللعان. والفقهاء يؤكدون على ذلك من باب ترجيح أقوى الأدلة ولذلك فهم لا يعيرون أهمية للشبه والقيافة أمام قوة دليل اللعان.
قال ابن القيم: «وقوله صلى الله عليه وسلم: أبصروها فإن جاءت به كذا وكذا، فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به كذا وكذا فهو لشريك بن سحماء، إرشاد منه صلى الله عليه وسلم إلى اعتبار الحكم بالقافة، وأن للشبه مدخلا في معرفة النسب، وإلحاق الولد بمنزلة الشبه، وإنما لم يلحق بالملاعن لو قدر أن الشبه له، لمعارضة اللعان الذى هو أقوى من الشبه له كما تقدم»(41).
وأما الحنفية فيرون أن الحكم بالقيافة تعويل على مجرد الشبه والظن والتخمين،42 ومعلوم أن الشبه قد يوجد من الأجانب، وينتفى عن الأقارب (سنوضح ذلك لاحقاً فيما يعرف بالطفرة الجديدة في علم الوراثة)، ومن ذلك قصة الذى ولدت امرأته غلاماً أسود يخالف لونهما، فلم يمكنه النبي صلى الله عليه وسلم من نفيه، ولا جعل للشبه ولا لعدمه أثراً، ولو كان للشبه أثر، لاكتفى به في ولد الملاعنة، ولم يحتج إلى اللعان، ولكان ينتظر ولادته، ثم يلحق بصاحب الشبه، ويستغنى بذلك عن اللعان؛ بل كان لا يصح نفيه مع وجود الشبه بالزوج، وقد دلت السنة الصحيحة الصريحة على نفيه عن الملاعنين، ولو كان الشبه له، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبصروها فإن جاءت به كذا وكذا، فهو لهلال بن أمية، وهذا قاله بعد اللعان ونفى النسب عنه فعلم أنه لو جاء على الشبه المذكور، لم يثبت نسبه منه، وإنما كان مجيئه على شبهه دليلا على كذبه، لا على لحوق الولد به(43).
وأما وجود الشبه بين الأجانب، وانتفاؤه بين الأقارب، وإن كان واقعاً فهو مِن أندر شيء وأقَلِّه، والأحكام إنما هي للغالب الكثير، والنادرُ في حكم المعدوم(44).
ومع ذلك قد نتساءل عن الحكمة والمقصد من تحري النبي صلى الله عليه وسلم عن الأبوة البيولوجية بالاستعانة بعلم القيافة بعد أن وقع التلاعن ونتجت عنه أحكامه وهي: نفي النسب وسقوط الحد والتفريق المؤبد؟
والجواب أن هذا هو عين ما نبحث عنه في هذه الدراسة، وهو الاستشراف النبوي من خلال الاجتهاد فهو صلى الله عليه وسلم كأنه أراد أن يفتح المجال للخبرة العلمية المتطورة التي تصبح دليلاً قوياً لا يمكن تجاهله وحتى تكون أيضاً سبباً في الحفاظ على هذه الأسرة من التفكك.
وربما نستطيع أن ندرك ذلك لو جاءت به على عكس ما أراد الزوج فلو سلمنا بأن القيافة صحيحة تماما – كما هو الحال في البصمة الوراثية – فمعناه ثبوت كذب الزوج القاذف، فهل في مثل هذه الحالة يلحق الولد بنسبه ويقام عليه حد القذف؟ أم أن الزوج يصر على نفيه وتبقى الأحكام الناتجة عن اللعان مستقرة؟ فمثل هذه التساؤلات مشروعة فكيف لنا أن نفسر تحري النبي صلى الله عليه وسلم باستعمال القيافة بعد وقوع اللعان لو لم يكن من وراء ذلك أمر ما؟
ولقد صارت هذه التساؤلات محل اهتمام الفقه الإسلامي في عصرنا هذا ولا سيما بعد تطور الخبرة العلمية حيث أن الزوج بإمكانه قبل اللجوء إلى اللعان أن يستشير هذه الخبرة التي اعتبرها البعض تحل محل الشهود في قوله تعالى: . ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ. ﴾ (النور: 6) فإذا أثبتت البصمة الوراثية نفي النسب فيتأكد اللعان عند إصرار الزوجة على نسبة الولد إلى أبيه وتكون البصمة في هذه الحال من الأدلة المساندة لدعوى الأب، وأما إذا أثبتت البصمة نسبة الولد لأبيه مع إصرار الأب على النفي فينصح الأب بالعدول عن دعواه وإلا فاللّعان باق(45).
وفي حالة عدم الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان، فإنه يستحسن الاستعانة بها فقط على اعتبار أنها قرينه قد تحمل الزوج على العدول عن اللعان فيما إذا ثبت من خلال نتائج البصمة الوراثية أن المولود على فراشه هو أبنه قد تخلق من مائه، وهذه مصلحة شرعية يدعو إليها الشرع المطهر ويتشوف إليها لما فيها من تأكيد للأصل الشرعي وهو: أن الولد للفراش، ولما فيها من درء مفسدة اللعان وضرره، فإن أصر الزوج على طلب اللعان للانتفاء من نسب المولود على فراشه فذلك حق له لا يجوز منعه منه بناء على ما ظهر من نتائج البصمة الوراثية من كون المولود المراد نفيه هو ابنه.
وكذلك لو أن اللعان تم بين الزوجين، وانتفي الزوج من الولد، ثم أكذب نفسه، وعاد واستلحق الولد بنسبه، فإنه يلحق به سواء أكان استلحاقه بسبب ما ظهر له من نتائج البصمة الوراثية قبل اللعان أو حتي بعده والتي تدل على أنه ولده. لأن الفقهاء أجمعوا على أن الملاعن إذا أكذب نفسه واستلحق الولد بعد نفيه فإنه يقبل منه ويلحقه نسبه، لتشوف الشارع إلى ذلك، لكن يقام عليه حد القذف إن كانت الزوجة محصنة، ويعذر إن لم تكن محصنة(46).
ومع ذلك فربما تبقى المسألة في حاجة إلى مزيد بحث وتقصي ولكن الأمر الذي نؤكده هو مشروعية استشارة الخبرة العلمية ولو بعد وقوع اللعان، والمؤكد أيضاً أن هذه المشروعية إنما تقصد التقصي من أجل إحقاق الحق وتحمل كل مكلف لمسؤوليته فالنبي صلى الله عليه وسلم تتبع الأثر بطريقة عصره ونحن اليوم نتتبع الأثر بطريقة عصرنا والمقصد واحد وهو العمل من أجل إحقاق الحق.
المطلب الثالث: من قتل أبا جهل؟
عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قال قلت: نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذى نفسى بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. قال: فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال مثلها. قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل يزول في الناس فقلت: ألا تريان، هذا صاحبكما الذى تسألان عنه قال: فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه. فقال: أيكما قتله. فقال كل واحد منهما: أنا قتلت. فقال: هل مسحتما سيفيكما. قالا: لا. فنظر في السيفين فقال: كلاكما قتله. وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء(47).
ومعلوم أن كلاً من القيافة والبصمة الوراثية تشتركان في معنى تتبع الأثر أو الآثار الدالة على صاحب الأثر البيولوجي، وتحليل الحمض النووي لكمية لا تزيد على رأس الإبرة كافية لتحديد هوية صاحب الأثر واحداً كان أو أكثر.
وأما الفقهاء فقد اختلفوا في مسائل مستنبطة من هذا الحديث تدور حول الأحقية في السلب والغنيمة. قال الشوكاني: وقد استشكل ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من القضاء بالسلب لأحدهما بعد حكمه بأن كلا منهما قتله حتى استدل بذلك من قال أن إعطاء السلب مفوض إلى رأي الإمام، لأنه لو كان يجب للقاتل لكان السلب مستحقا بالقتل ولجعله بينهما لاشتراكهما في قتله فلما خص به أحدهما دل على أنه لا يستحق بالقتل وإنما يستحق بتعيين الإمام.
وقيل: إن السلب يستحقه من أثخن في الجرح ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن قال المهلب: وإنما قال كلاكما قتلته وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه لتطييب نفس الآخر، وقال الإسماعيلي: أقول أن الأنصاريين ضرباه فأثخناه فبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ وقد دل قوله: كلا كما قتله على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها ولما لم يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت بجراحته حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه(48).
غير أن الذي يعنينا أكثر في هذه الدراسة هو الاجتهاد النبوي من خلال استعمال البينة وهي هنا الأثر البيولوجي الدال على معرفة القاتل أو القاتلين من أجل ما سيترتب على ذلك من تبعات وحقوق.
والبينة هي كل ما يبين الحق سواء كانت ممثلة في الشهود أو الأمارات أو غير ذلك، فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره، وسمى النبي عليه الصلاة والسلام الشهود بينة كقوله لهلال بن أمية في حديث اللعان السابق: البينة وإلا حد في ظهرك، أي الشهود الأربعة لوقوع البيان بقولهم وارتفاع الإشكال بشهادتهم، وقال ابن قيم الجوزية: ولم تأت البينة في القرآن الكريم مرادا بها الشهود، وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان(49).
المطلب الرابع: القسامة.
القسامة لغة: اليمين. وشرعاً: هي الأيمان المكررة في دعوى القتل، وهي خمسون يميناً من خمسين رجلاً(50).
وكما أن اللعان يسقط حد القذف وحد الرجم فكذلك القسامة تسقط القصاص وذلك أن الشريعة تشدد في إثبات الحدود الشرعية، والمسألة في حقيقتها مسألة بينة ودليل ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يتحرى عنه هو السؤال عن البينة والدليل ولا سيما فيما يتعلق بجريمة القتل والدماء عموماً، وهو ما كان يفعله الصحابة والتابعون بعده استناناً بهديه فكانوا يدرؤون الحدود بالشبهات لصعوبة إثبات جرائم الحدود والقصاص من جهة ولمحاولات المجرمين تضليل مجريات التحقيق وطمس معالم جناياتهم، ولكن هذا لا يعني بتاتاً وضع الأسس التي تسمح للجناة بالإفلات من العقاب.
والقسامة وإن كان جمهور من الفقهاء يقول بشرعيتها إلا أن فريقاً آخر يرى أنها مخالفة لأسس الحق والعدل في الإسلام، وأصل المسألة عند القائلين بشرعيتها الحديث الصحيح الذي رواه البخاري من بشير بن يسار زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفراً من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلاً وقالوا للذي وجد فيهم: قد قتلتم صاحبنا قالوا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلاً فقال: الكبر الكبر فقال لهم تأتون بالبينة على من قتله قالوا: ما لنا بينة قال: فيحلفون قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة(51).
وأما المخالفون لمشروعية القسامة فكان هدفهم التحري الشديد في كل ما له علاقة بالدماء، فعن أبي قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا فقال: ما تقولون في القسامة قالوا: نقول القسامة القود بها حق وقد أقادت بها الخلفاء قال لي: ما تقول يا أبا قلابة –ونصبني– للناس فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنى لم يروه أكنت ترجمه قال: لا قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه قال: لا قلت: فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا في إحدى ثلاث خصال رجل قتل بجريرة نفسه فقتل، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام(52).
وذلك أن القسامة تعتمد في تطبيقها على ما اصطلح عليه الفقهاء باللوث واللوث كما عرفه المالكية: هو الأمر الذي ينشأ عنه غلبة الظن بوقوع المدعى به، أو الأمر الذي ينشأ عنه غلبة الظن بأنه قتل. (53).
وعرفه الشافعية: بأنه قرينة حالية أو مقالية لصدق المدعي. والخلاصة أن اللوث: هو أمارة غير قاطعة على القتل، ولكن حالات اللوث مختلف فيها بين الجمهور(54).
فاللوث ليس بينة ودليلاً قطعياً كافيا لإقامة القصاص؛ لأن البينة الهدف منها إقامة العدل وإحقاق الحق قال ابن القيم: فإذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم، وأعدل أن يخص طرق العدل وأمارته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أصغر منها وأقوي دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصودة إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط(55).
ولقد أنعم الله على البشرية باكتشاف البصمة الوراثية التي هي من أهم الأدلة العلمية في الإثبات والنفي معا ولا تضاهيها أيا من الأدلة المعروفة في الدوائر العدلية والجنائية بل إنها في كثير من الأحيان هي أفضل من الشهود الذين يمكن عليهم الكذب أو التدليس أو الوهم وغير ذلك مما يقدح في مصداقية الشهادة.
إن مشروعية العمل بالبصمة الوراثية لا يمكن التشكيك فيها بحال من الأحوال لأنها امتداد طبيعي للخبرة العلمية التي هي قرينة ودليل من الدلائل الكثيرة المطروحة بين أيدي المجتهدين ولقد فتحت الاجتهادات النبوية الباب واسعاً لذلك وهو ما يؤكد للناس كافة ليس فقط صلاحية الشريعة الإسلامية لكل الأزمنة بل وإعجازها أيضا، وأما التحفظات التي يبديها البعض من أهل العلم حول مصداقية البصمة الوراثية فهي واردة ولذلك وضعت بعض الضوابط الأساسية التي تسمح بتطبيق صحيح لاختبارات البصمة الوراثية.
وأهم تلك الضوابط كما بينها سعد الدين الهلالي:
أولا: القبول العام لأهل الاختصاص.
والمقصود بذلك استشارة أهل الخبرة عن إمكانية التطبيق الميداني للمبادئ العلمية في مجال القضاء ولذلك عندما كان جهاز كشف الكذب حديث الظهور في الولايات المتحدة الأمريكية ولم يكن يحظى بالقبول العام لأهل الاختصاص رفضت إحدى المحاكم هناك قبول نتائج هذا الجهاز.، في حين سمحت المحاكم الأمريكية الأخذ ببصمة الدنا لأن تحليل الدنا مقبول على نطاق واسع في التطبيقات الطبية لأنه لا يمكن لهذا الحمض النووي أن يتشابه بحال بين شخصين– باستثناء التوائم الحقيقية– .
ولقد وظف الاجتهاد النبوي هذا المبدأ فكان عليه الصلاة والسلام يستعين بالقائف في إثبات النسب، كما أنه استعان بخبير للطرق والمسالك في هجرته المباركة من مكة إلى المدينة المنورة، وكان يقول للمزارعين: أنتم أعلم بأمر دنياكم. (56).
ثانيا. اختبار الموضوعية. والمقصود بذلك معاودة اختبارات تحليل الدنا (DNA) في أكثر من موضع للتيقن من النتائج، وأن تضاعف العينات من أجل المقارنة، وإنما تأتي التحفظات من كون البيولوجي في مخبره لا يتعامل إلا مع العينة التي بين يديه والتي عثر عليها في مسرح الجريمة، فقد تكون قليلة جداً وقد تكون لأشخاص متعددين كما في حالات الاغتصاب الجماعي، أو قد تكون لأشخاص لا علاقة لهم بالحادثة(57).
وهذا المبدأ أشار إليه النبي صلى الله عليه بوضوح في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا أتى النبي فقال: يا رسول الله ولد لي غلام أسود– معرضا بنفيه– فقال: هل لك من إبل قال نعم قال ما ألوانها قال: حمر قال هل فيها من أورق قال: نعم قال: فأنى ذلك قال لعله نزعة عرق قال: فلعل ابنك هذا نزعه(58).
فقد أشار في الحديث بوضوح إلى ما يعرف اليوم في الدوائر العلمية باختبار الموضوعية، فالشبه قد يكون قرينة صحيحة ولكن ليس في كل الحالات.
وهذه الإشارة النبوية يؤكدها تطور البيولوجيا الحديثة حيث اكتشف العلماء أن الكائن الحي بما فيها الإنسان قد تظهر فيه صفات لم تكن موجودة في آبائه وأسلافه وهو ما يعبر عنه أهل الاختصاص بالطفرة الجديدة التي تعرف بأنها: حدوث خلل في ترتيب الأحماض النووية في المورث.
وقد تحدث الطفرة في داخل خلية واحدة من الجسم وقد تكون في جميع الخلايا، وعند وجودها في جميع الخلايا فإنها توحي لنا أنها قد حدثت في وقت مبكرة عند تخلّقنا (عندما كان عدد الخلايا في جسمنا قليلة)، أو قد تكون الطفرة موجودة في البويضة أو الحيوان المنوي الذي خلقنا منه، لأن جميع خلايا جسمنا مستنسخة من خلية واحدة، هي البويضة الملقحة بالحيوان المنوي، لذلك فمن الممكن أن نرث طفرة من والدينا، كما أنه من الممكن أن تحدث لنا طفرات جديدة في خلايانا ولم تكن موجودة عند والدينا؛ لأنها ببساطة حدثت بعد أن بدأ خلقنا، لذا فالطفرات قد تكون (موروثة من أحد الوالدين) أو غير موروثة(59).
ثالثا: الحذر من الاستخدام المتحيز للتكنولوجيا المتطورة وكذلك الحذر من أدوات التجارب المخبرية ولا سيما في تجارب تحليل الدنا؛ لأنه قد يحدث أحياناً ما يسمى بظاهرة زحزحة الشرائط، حيث يحدث أحيانا في المجال الكهربي أن تهاجر عينة أسرع من أخرى بسبب الاختلاف في تركيز العينة أو تركيز الملح أو وجود ملوثات أو غير ذلك من أسباب، وهذا لا يعني التشكيك في هذه التكنولوجيا؛ لأن هذه التحفظات متعلقة بطبيعة المستخدم وأغراضه من ذلك أما عن تقنية البصمة الوراثية في حد ذاتها فإنها دقيقة جدا إلى درجة شبه يقينية(60).
المطلب الخامس: من أين يأتي الشبه؟
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (جاءت أم سليم إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت قال النبي: إذا رأت الماء فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت يا رسول الله: أَوَ تحتلم المرأة؟ قال: نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها)(61).
وعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لرسول الله– صلى الله عليه وسلم– هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء فقال: نعم. فقالت لها عائشة: تربت يداك وألت. قالت: فقال رسول الله– صلى الله عليه وسلم-: دعيها وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك، إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه(62).
وعن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حبرا من أحبار اليهود جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: جئت أسألك عن الولد قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منى الرجل منى المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا منى المرأة منى الرجل آنثا بإذن الله. قال اليهودي لقد صدقت وإنك لنبي ثم انصرف فذهب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد سألني هذا عن الذى سألني عنه وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به(63).
وقد وردت في هذه المسألة أحاديث أخرى يبين فيها النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون الشبه في الولد، فتارة يميل إلى أخواله وتارة إلى أعمامه وفق الآلية التي ذكرها الحديث الشريف، ومما يجب الإشارة إليه هنا أن حديث ثوبان رضي الله عنه يؤكد فيه النبي صلى الله عليه أن الله عز وجل هو الذي أخبره بذلك ولم تكن إجابته على سؤال اليهودي عن اجتهاد، ولذلك يدرس المختصون مثل هذا الحديث في باب الإعجاز العلمي في السنة النبوية، والإعجاز في حد ذاته استشراف نبوي وحيي ومن باب العلم الإيماني وجب توجيه الدراسات البيولوجية والطبية وفق الحقائق الإيمانية التي لا يمكن للحقائق العلمية الصحيحة أن تعارضها إلا إذا شابتها عوامل التضليل والتحريف والأخطاء المتعمدة.
ولذلك يرى البعض أن هذه الأحاديث فيها إشكال حيث أن قوانين مندل في الوراثة قد حددت تلك الهندسة التي تتم بها هذه العملية حين امتزاج النطفة بالبويضة أثناء عملية التلقيح، بينما حديث أم سلمة وحديث ثوبان فيهما ذكر لتلك الإفرازات التي تخرج من المرأة أثناء العملية الجنسية وليس المقصود بذلك البويضة بالضرورة، والجواب: إن تلك الإفرازات عندما تلتقي بماء الرجل فإنه لا يحدث التلقيح إلا إذا كانت البويضة موجودة، ومعلوم أن هذه البويضة تخرج من مبيض المرأة مرة واحدة كل شهر فقط ففي هذه الحالة أي في هذا الوسط السائل المتكون من ماء الرجل وماء المرأة (الإفرازات المهبلية) بالإضافة إلى وجود البويضة، يحدث التلقيح ثم تبدأ عملية التخلق بإذن الله تعالى، ولذلك تُحمل مثل هذه الأحاديث على هذه الحالة فقط لأنه ليس في كل مرة يلتقي ماء الرجل وماء المرأة يحدث التلقيح وبالتالي بداية عملية التخلق، وما دام أن هذه الأحاديث تتكلم عن آلية الشبه فبالضرورة تكون البويضة موجودة وتمت عملية اختراق النطفة لها أي تخصيبها وتلقيحها(64).
وحقيقة الشبه هذه تؤكدها اليوم البيولوجيا حيث أن كل خلية في الإنسان تحتوي نواتها على ستة وأربعين من الصبغيات ( الكروموزومات) ثلاثة وعشرون يأخذها من بويضة الأم ومثلها يأخذها من نطفة الأب ولذلك فإن الخلية الجنسية (النطفة أو البويضة) يحتوي كل منهما على ثلاثة وعشرين صبغيا وباندماج النطفة مع البويضة أثناء عملية التلقيح يصبح العدد ستة وأربعين.
وتحتوي هذه الصبغيات على عدد كبير نسبيا من المورثات (الجينات) يقدرها العلماء ما بين ثمانين إلى مائة ألف ولكن بعص الدراسات تقول: إنها ثلاثة وعشرون ألف مورث لحد الآن(65). وهي المسؤولة
عن جميع الصفات البشرية سواء تلك التي يشترك فيها أعضاء الجنس البشري أو تلك التي تميز الفرد عن غيره، أو تجعله يكتسب صفات آبائه وينقل تلك الصفات إلى أحفاده أيضا.
الخاتمة
خلصت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها:
أولاً: التفريق بين الشرع الذي هو المصدر المعصوم الثابت، والمقاربة الشرعية، فالشرع ما شرعه الله ورسوله (الكتاب والسنة)، وأما المقاربة الشرعية فتدخل في مجال المتغيرات بحسب حيثيات الزمان والمكان.
ثانياً: الخبرة العلمية مثل البصمة الوراثية من أهم وسائل الاجتهاد في النوازل سيما المتعلقة بقضايا النفي والإثبات كما هو الحال في النسب.
ثالثاً: الاستشراف النبوي يهدف إلى المحافظة على حقوق الأجيال القادمة مما يؤكد على صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان.
رابعاً: وردت عدة نماذج تطبيقية في هذه الدراسة عن الخبرة العلمية من خلال الاجتهاد النبوي
تدخل كلها في إطار المصدر الثاني للتشريع لأن هذا الاجتهاد النبوي في حال الخطأ محمي بالوحي المنزل على العكس من اجتهاد العلماء بعد عصر التنزيل.
خامساً: وضعتُ مسائلَ هذه الدراسة في إطارها العقدي عندما بينت أن كل هذه العلوم المكتشفة إنما هي من خلق الله العليم الحكيم التي أودعها في هذه الخليقة، وهو تعالى واهب العلم لمن سلك سبيله واتبع السنن الكونية لأجل مصالح البشرية.
التوصيات:
- حث الباحثين في المجال التشريعي على اكتساب المعارف الحديثة التي تساعدهم في إيجاد الحلول المناسبة للنوازل من أجل الحفاظ على حقوق الناس.
- الاهتمام بالمقاصد الشرعية فيما يتعلق بالمسائل الاجتهادية التي لا نص فيها ولا إجماعا متحققا وذلك ما من شأنه المساعدة في ترجيح المسائل الخلافية عن طريق المقاربات الشرعية حفاظا على الحقوق.
- عقد الملتقيات والندوات العلمية التي تعرض فيها مثل هذه القضايا من طرف الأساتذة والخبراء ونشر مخرجاتها لتعم بها الفائدة.
قائمة المصادر والمراجع
-
القرآن الكريم.
- إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار. المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية. دار الدعوة
- ابن حنبل أحمد. المسند. د. تحقيق. شعيب الأرناؤوط وآخرون. مؤسسة الرسالة
- ابن خلدون عبد الرحمن. المقدمة. مصدر الكتاب: موقع الوراق. http: //www. alwarraq. com
- ابن دقيق العيد تقي الدين أبو الفتح. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام. تحقيق: مصطفى شيخ مصطفى ومدثر سندس: مؤسسة الرسالة. الطبعة الأولى 1426 هـ– 2005 م
- ابن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد. تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوى ومحمد عبد الكبير البكرى. مؤسسة قرطبة.
- ابن فارس بن زكريا أبو الحسين أحمد. معجم مقاييس اللغة. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. دار الفكر. طبعة: 1399هـ– 1979م.
- ابن فرحون إبراهيم برهان الدين اليعمري. تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام.
- ابن قيم الجوزية شمس الدين. الطرق الحكمية. مصدر الكتاب: موقع الإسلام http: www. al- islam. com
- ابن قيم الجوزية شمس الدين. زاد المعاد في هَدْي خير العباد. مصدر الكتاب: موقع الإسلامhttp: www. al- islam. com
- ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود. دار الكتب العلمية – بيروت
- ابن قيم الجوزية. إعلام الموقعين عن رب العالمين. دار الجيل. بيروت. 1973م
- الأسنوي جمال الدين عبد الرحيم. نهاية السول شرح منهاج الوصول. دار الكتب العلمية. بيروت. الطبعة الأولى. 1420هـ– 1999م
- بابن سيده أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي المعروف. المخصص. دار إحياء التراث العربي. بيروت. الطبعة الأولى. 1417هـ 1996م
- البخاري محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة أبو عبد الله. الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه (صحيح البخاري). الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر. دار طوق النجاة. ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي. ط: 1. 1422هـ
- الجرجاني علي بن محمد بن علي. التعريفات. دار الكتاب العربي. بيروت. الطبعة الأولى. 1405هـ
- الحميدي محمد أبو الفتوح. الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم. دار ابن حزم. بيروت. طبعة: 1423هـ– 2002م
- الرازي محمد بن عمر بن الحسين. المحصول في علم الأصول. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الرياض. الطبعة الأولى، 1400هـ تحقيق: طه جابر فياض العلواني.
- الزحيلي وهبة. الفقه الإسلامي وأدلته. دار الفكر. دمشق.: الطَّبعة الرَّابعة
- السبيل عمر. البصمة الوراثية. المكتبة الشاملة.
- السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين. الدر المنثور في التأويل بالمأثور. دار الفكر. بيروت. 1993م
- الشنقيطي محمد الأمين بن المختار. مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر ابن قدامة. أعده للنشر. ملتقى أهل الحديث. www. ahlalhdeeth. com
- الشوكاني محمد بن علي بن محمد. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار. إدارة الطباعة المنيرية.
- الطبري محمد بن جرير بن يزيد أبو جعفر. جامع البيان في تأويل القرآن. تحقيق: أحمد محمد شاكر. مؤسسة الرسالة. الطبعة الأولى. 1420 هـ– 2000م.
- العسقلاني أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل. فتح الباري شرح صحيح البخاري. دار المعرفة. بيروت.
- العيني الحنفي بدر الدين. عمدة القاري شرح صحيح البخاري. عمدة القاري شرح صحيح البخاري. دار إحياء التراث العربي. بيروت
- القزويني محمد بن يزيد أبو عبدالله سنن ابن ماجه. دار الفكر. بيروت
- اللهيميد سليمان بن محمد. إيقاظ الأفهام في شرح عمدة الأحكام. موقع المؤلف: www. almotaqeen. net
- المباركفوري محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم أبو العلا. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي. دار الكتب العلمية. بيروت
- المروزي السمعاني التميمي الحنفي أبو المظفر منصور بن محمد. قواطع الأدلة في الأصول. تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي. دار الكتب العلمية. بيروت. الطبعة الأولى، 1418هـ/1999م
- مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري. الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم. المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. دار إحياء التراث العربي. بيروت
- النووي أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج. دار إحياء التراث العربي. بيروت. الطبعة الثانية، 1392هـ
- هلالي سعد الدين مسعد. البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية دراسة فقهية مقارنة. مجلس النشر العلمي. جامعة الكويت. 1421هـ 2001م.
1 () مسند الإمام أحمد. 23/203
2() الشنقيطي. مذكرة أصول الفقه. 1/60.
3() مسلم. الجامع الصحيح. 1/410. حديث رقم: 584.
4() انظر: الأسنوي جمال الدين. نهاية السول شرح منهاج الوصول. 3/237، الرازي. المحصول. 2/4، و2/97، البصري أبو الحسين المعتمد. 2/35.
ـ وحديث أنتم أعلم بأمور دنياكم. أخرجه ابن ماجه. 2/825 حديث رقم: 2471، وأحمد في المسند 6/138 حديث رقم: 24973. وذكره مسلم. بلفظ “أنتم أعلم بأمر دنياكم” صحيح مسلم كتاب الفضائل. 12/54. رقم الحديث: 4358.
5() المروزي أبو المظفر. قواطع الأدلة في الأصول. 1/486
6() ابن خلدون. المقدمة. 1/301
7() المرجع نفسه
8() الحميدي محمد أبو الفتوح. كتاب الجمع بين الصحيحين. 1/224.
9() المرجع نفسه.
10() المباركفوري أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي. 5/498
11 () سواد العراق هو اسم أطلقه الفاتحون المسلمون على الأراضي الزراعية التي تقع جنوب بلاد النهرين، على أطراف دجلة والفرات وما بينهما.
12() الجرجاني. التعريفات. 1/131
13() ابن سيدة. المخصص. 1/261.
14() ابن فارس. معجم مقاييس اللغة. 2/195.
15() الأمثال العربية. 1/24. انظر: المكتبة الشاملة.
16() العامي الفصيح. 7/1. من إصدارات مجمع اللغة العربية.
17() مُجَزِّز المدلجي الكناني، صحابي وقائف مشهور استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم لإثبات أبوة زيد بن حارثة لابنه أسامة.
18() الطبري. جامع البيان. 3/518.
19() السيوطي. الدر المنثور في التأويل بالمأثور. 3/. 320.
20() المعجم الوسيط. مادة بصم. ص: 24.
21() الهلالي سعد الدين مسعد. البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية. ص: 25.
22() المرجع السابق نفسه.
24() الهلالي سعد الدين مسعد. البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية. ص: 35
25() انظر: المرجع السابق نفسه. 357.
26() ابن القيم. زاد المعاد. 5/425.
27() مما اشتهر في كتب أهل العلم، نسبةُ هذه المقالة: “تُحْدَثُ للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور“، إلى الخليفة: عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، وقد بحثت عن إسنادها فلم أجد من رواها مسندةً، ورأيت ابن حزم (ت 456هـ) حكم عليها بالوضع في كتابه الإحكام (6/ 109)، وأول من رأيته نسبها إلى عمر بن عبد العزيز، ابن أبي زيد القيرواني (ت 386هـ)، وتبعه الناس على ذلك، ورأيت بعضهم نسبها إلى الإمام مالك رحمه الله، كابن بطال (ت 449هـ) في شرح البخاري. 8/ 232، وتبعه على ذلك ابن المنير في المتواري. ص: 36 وابن حجر في الفتح. 13/ 144انظر: . https: //www. ahlalhdeeth. com
28() رواه الجماعة إلا الترمذي، وفي رواية أبي داود ورواية للبخاري: هو أخوك يا عبد. قال ابن عبد البر هو من أصح ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عن بضعة وعشرين نفسا من الصحابة. فتح الباري 12/39.
29() ابن القيم. زاد المعاد في هدي خير العباد. 5/410
30() اللهيميد سليمان بن محمد. إيقاظ الأفهام في شرح عمدة الأحكام. 477.
31() المرجع نفسه.
32() المنجور أحمد بن علي المنجور. شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب. ص: 313
33() ابن دقيق العيد. إحكام الأحكام. 1/415،416.
34() شرح النووي على مسلم. 10/39. لأن النص الشرعي يمنع من الاجتهاد في وجوده.
35() ابن القيم. زاد المعاد. 5/413.
36() المرجع السابق.
37() ابن عبد البر. التمهيد. 8/190
38() حاشية ابن القيم على سنن أبي داود. 2/262،263.
39() ابن القيم. إعلام الموقعين عن رب العالمين. 4/356.
40() صحيح البخاري. 14/396. رقم الحديث: 4378.
41() ابن القيم. زاد المعاد. 5/403.
42 () الجصاص الحنفي أحمد بن علي. شرح مختصر الطحاوي. 8/226
43() المرجع نفسه. 5/420.
44() المرجع نفسه.
45() انظر: الهلالي. البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية. 81.
46()السبيل عمر. البصمة الوراثية. 1/19.
47() صحيح مسلم. 5/148. رقم الحديث: 4668.
48() الشوكاني نيل الأوطار. ا. 8/71.
49() ابن فرحون. تبصرة الحكام. 2/80.
50() الزحيلي. الفقه الإسلامي وأدلته. 7/695.
51() صحيح البخاري. 22/482. رقم: 6898.
52() المرجع نفسه. كتاب الديات. 8/529.
53() الزحيلي. الفقه الإسلامي وأدلته. 7/707.
54() المرجع نفسه،7/708.
55() ابن القيم. الطرق الحكمية. 14.
56() انظر: الهلالي سعد الدين مسعد. البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية. 39
57() انظر: المرجع السابق نفسه. 40.
58() العين الحنفي بدر الدين. عمدة القاري شرح صحيح البخاري. 30/210. رقم الحديث: 5035.
59 ()- http: //ar. wikipedia. org/wiki/ الطفرات الوراثية. وتحدث الطفرة على مستويين: الأول مستوى الكروموسومات، والثاني مستوى الجينات. أما في النوع الأول فيحدث تغير مفاجئ في عدد الكروموسومات أو طريقة نظامها، وينشأ من هذا التغير ظهور صفة جديدة. وتسمى في هذه الحالة بالطفرة الكروموسومية. أما في النوع الثاني فيحدث تغير كيميائي في الجينات من حيث ترتيب القواعد النيتروجينية الموجودة في جزيء الدنا، مما يؤدي في النهاية إلى تكوين إنزيم مختلف يكون مسئولاً عن ظهور صفة وراثية جديدة، لم تكن= =موجودة في الوالدين. وتسمى في هذه الحالة بالطفرة الجينية. وقد تحدث الطفرة بنوعيها (الكروموسومي، والجيني) تلقائياً نتيجة خلل في انقسام الخلية، يترتب عليه خلل في عدد الكروموسومات أو نظام ترتيبها، أو ينتج خطأ صورة تحريف النص أو الرسالة الوراثية في الجين. كما يمكن أن تحدث الطفرة نتيجة التعرض للإشعاعات أو تناول مواد كيميائية من شأنها أن تؤثر في عمل الكروموسومات أو الجينات. وجدير بالذكر أن الطفرة إذا أصابت خلية جسمية فإنها تؤدي إلى موت هذه الخلية، وبالتالي لا تظهر الصفة في الأجيال التالية. = =بينما إذا أصابت خلية جنسية فإنها تنتقل إلى الأبناء. ومعظم الطفرات متنحية، ولذلك فهي لا تظهر إلا إذا اجتمع في الأبناء جينات متنحيان يحملان نفس الصفة الوراثية الناتجة من الطفرة. المرجع السابق نفسه.
60() انظر: الهلالي. البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية. 41ـ43.
61() العيني الحنفي. عمدة القاري. 3/433.
62() صحيح مسلم. 1/172. رقم: 741.
63() صحيح مسلم. 1/173. رقم: 742.
64() انظر: http: //www. ahlalhdeeth. com. /vb/index. php
65()– انظر: http: //www. Feedo. net/MedicalEncyclopedia/miscellanous/Genome. htm