The impact of brotherhoods in Gad in achieving self- security
Samira Ahmed Majdoubeh
TULKARM || WEST BANK || PALESTINE
أثر الأخوة في الله في تحقيق الأمن على النفس الإنسانية
طولكرم || الضفة الغربية || فلسطين
مقدمة
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الأخوة، التي تورث الشعور بالمحبة والتعاون والطمأنينة بين المؤمنين. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد، أن محمداً عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الله– تعالى– : “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ“. (1)
إن الأخوة في الإسلام؛ لها مكانة سامية، لا تدانيها مكانة، فالمؤمنون جميعاً كأنهم روح واحدة، وجسد واحد، يقوم على أساس من الإخلاص ومراقبة الله– عز وجل– ، فأصبحوا أسرة واحدة، بعيدة عن العنصرية أو المصالح الذاتية والمنافع الشخصية.
وقد حث الإسلام على العلاقات الأخوية القائمة على الخير والحب والعطاء، راسخة كرسوخ الجبال الشماء، حيث تقوم على إعانة الأخ المسلم وقضاء حاجته وتفريج كرباته، فالأخوة في الله هي طريق لإدخال الفرح والسرور وراحة القلب؛ فإن الطريق إلى الله واحدة لا تعدد فيها ولا اختلاف عليها؛ لأنها الصراط المستقيم وهي طريق اتباعها وحدها دون سائر الطرق.
قال تعالى (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)(2).
فالأخوة هي أول دعامة في بناء المجتمع الصالح. وهي أول الأساسيات التي أنشأها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة عندما هاجر إليها، وفك النزاعات والمشاحنات، وزرع الحب بين الطرفين.
يضرب بيدهم. (3)
مشكلة البحث:
ضعف أواصر الأخوة والحب في الله، والفهم الخاطئ لمعنى الأخوة في الله، بين أفراد المجتمع؛ لما يحدث في المجتمعات المسلمة من شدائد ومحن وويلات من جراء الحرب والاقتتال الداخلي بين صفوف الشعوب العربية والإسلامية؛ مما أدى إلى التفرق والاختلاف ومن ثم العداوة والشحناء بين أفراد المجتمع، فالأخوة قيمة إنسانية اجتماعية عظيمة في بناء المجتمع المسلم، والأثر البالغ في تحقيق التكافل الاجتماعي، والشعور بالأمان بين أفراد المجتمع. فنحن بحاجة ماسة إلى تقوية وتعزيز أواصر الأخوة في الله من خلال النظر في كتاب الله وسنة نبيه– صلى الله عليه وسلم– .
أسئلة البحث:
- ما مقام الأخوة عند الله تعالى؟.
- ما فضل الأخوة في مداواة النفوس؟.
- ما مدى تحقيق الأخوة في مداواة النفوس؟.
أهداف البحث:
- بيان مقام الأخوة عند الله تعالى.
- توضيح فضل الأخوة في القرآن والسنة.
- بيان مدى تحقيق الأخوة في مداواة النفوس.
أهمية البحث:
- غياب الأخوة في الله، مما يورث الشعور بالاضطراب والقلق النفسي في علاقة المسلمين بعضهم ببعض
- الأخوة في الله ليست مجرد شعارات وألفاظ وكلمات تطلقها الألسنة بل كانت دعامة في إذابة العصبيات والفوارق بين الناس.
- فهم خلق الإخاء فهما عميقا وتطبيقه بصورة واقعية.
- أثر الأخوة والمحبة في الله في مداواة النفوس.
منهج البحث:
- استخدمت المنهج الاستقرائي في تتبع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.
- توثيق الآيات القرآنية الكريمة بذكر اسم السورة ورقم الآية وتخريج الأحاديث التي لم ترد في الصحيحين.
- الرجوع إلى المصادر الأصلية، وإلى بعض الكتب الحديثة وبيان الجزء والصفحة ورقم المجلد إن وجد.
الدراسات السابقة:
ومن هذه الدراسات ما يلي:
-
فقه الأخوة في الإسلام، علي عبد الحليم محمود.
تحدث الكتاب عن المتآخين في الله في الإسلام وعليهم أن يتخلقوا بأخلاق القرآن الكريم، كما كان السلف الصالح والقدوة صلى الله عليه وسلم كالقرآن يمشي على الأرض؛ لأنهم أقاموا الدولة الإسلامية، وحققوا الأخوة الصادقة، وبنوا الحضارة والثقافة ونشروها، ونالوا بذلك رضا الله– تعالى– .
وقد أضفت في بحثي تجسيد الأخوة من خلال ما صنعة الرسول صلى الله عليه وسلم من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في المدينة، واستقبال الأنصار لإخوانهم المهاجرين، فكان بمثابة مهرجان حب وتآلف بينهم.
-
الأخوة، جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين.
تكلم الكاتب في هذا الكتاب عن ( الحق في المال) يكون ذلك بالمعاونة والمساعدة بالمال، فيساعد الأخ أخاه بماله إن احتاج إليه، والإخوان إنما أخوتهما إذا ترافقا فيهما من وجه كالشخص الواحد، وهذا يقتضي المساهمة في السراء والضراء والمشاركة في المال والحال.
كما بين الكاتب الشدائد والمحن التي يتعرض لها الإنسان في هذه الحياة. الإنسان وحدة أضعف أن يقف طويلا اتجاه الشدائد. فهو بأشد الحاجة إلى الأخوة والمودة التي تقوي أواصر
المجتمع المسلم. وقد بين الكاتب الأدلة على الاخوة في الله من القرآن والسنة، ولكن ليس في مبحث مستقل. وقد أضفت الأدلة من الكتاب والسنة في مبحث مستقل.
-
تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله علوان.
تناولت هذه الدراسة ظواهر كبيرة، سواء ظواهر نفسية أو نوعية فكرية أم تربية عقلية. وقد ذكرت موضوع الأخوة في جانب من الجوانب الاجتماعية تحت موضوع غرس الأصول النفسية منها التقوى، والرحمة، والإيثار وبينت أن الأخوة رابطة نفسية؛ تورث الشعور بالعاطفة والمحبة، مما يولد هذا الشعور مواقف ايجابية من التعاون والإيثار، وذكر بعض النماذج من سيرة الصحابة، ولكن لم تبين أثر الأخوة ونتائجها على الفرد والمجتمع، بشكل موسع؛ ولكن اقتصرت على فقرة محددة.
-
المباركفوري، الرحيق المختوم.
تحدثت هذه الدراسة على سيرة النبي– صلى الله عليه وسلم– . ومراحل دعوته جهارا، وهجرته وحياته في المدينة المنورة. ومن خلال ذلك تعرض إلى موضوع المؤاخاة بين المسلمين، حيث جسدت معاني الأخوة الإسلامية، فكانت عواطف الإيثار والمواساة تمتزج مع معاني الأخوة. هذا يدلنا على ما كان عليه الأنصار من الحفاوة البالغة بإخوانهم المهاجرين. فكانت هذه المؤاخاة حلاً رائعاً لكثير من المشاكل، التي يواجهها المسلمون في حياتهم. وقد أدخلت في دراستي الأثر النفسي على الحالة النفسية للفرد. وقد خصصت مبحثاً يبين كيفية علاج النفس البشرية، وما تتعرض لها من ضغوطات ومشاكل، وذلك من خلال اللجوء إلى الكتاب والسنة.
-
السلوك الاجتماعي في الإسلام، حسن أيوب.
ذكرت هذه الدراسة الأخلاق الحميدة الفاضلة، التي حثنا القرآن الكريم والسنة النبوية على اتباعها من صلة الرحم، وبر الوالدين، والصدق، والتواضع، وغيرها من الأخلاق الحميدة. وقد تحدث المؤلف عن حقوق وواجبات عامة منها: أخوة الإسلام، وأنواع الأخوة، وحقوق الأخوة الإسلامية العامة. وأنها تفوق رابطة الدم والنسب.
وقد أضفت في دراستي العامل النفسي، وأثر الأخوة والمحبة في علاج التوتر والقلق والاضطراب النفسي.
-
الأخوة والحب في الله، حسني أدهم جرار.
تحدثت هذه الدراسة عن حقوق الأخوة وواجباتها، والأخوة في المجتمع المكي والمدني. وأثر التعامل بروح الأخوة في نشر الدعوة وثمرات الأخوة. وأضفت في دراستي كيفية تحقيق الأمن للنفس الإنسانية من خلال تعميق روح الأخوة والمحبة في الله بين المسلمين.
-
محمد الغزالي، خلق المسلم.
بينت هذه الدراسة بعض الأخلاق الفاضة: منها الرحمة والوفاء والإخلاص والحياء. وقد تطرق المؤلف إلى موضوع الإخاء. وبين أن من علامات الأخوة أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك. وأن أواصر الأخوة هي التي جمعت أبناء الإسلام أول مرة وأقامت دولته.
وقد أضافت دراستي اللون الحسي في موضوع الأخوة والحب في الله، وملامسة القلوب والنفوس والحس المعنوي من خلال تجسيد معاني الأخوة في مداواة النفس الإنسانية والابتعاد عن التوتر والقلق والاضطراب في حياته.
خطة البحث: وقد قسمت هذه الدراسة إلى مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة:
- المقدمة: وتضمنت ما تقدم.
- المبحث الأول: مفهوم الأخوة ومقامها عند الله تعالى وله مطلبان:
-
- المطلب الأول: مفهوم الأخوة في الله.
- المطلب الثاني: مقام الأخوة في الله.
- المبحث الثاني: فضل الأخوة في القرآن الكريم والسنة النبوية.
- المبحث الثالث: أثر الأخوة في مداواة النفوس.
- الخاتمة: وفيها النتائج والتوصيات.
وأسال الله تعالى التوفيق والسداد، وأن ينفعني بما علمني، إنه ولي التوفيق.
المبحث الأول: مفهوم الأخوة ومقامها عند الله تعالى وله مطلبان:
المطلب الأول: مفهوم الأخوة في اللغة وفي الاصطلاح:
مفهوم الأخوة في اللغة:
الأخوة في اللغة:
الأخ: هو من جمعك وإياه صلب أو هو من جمعك وإياه بطن ومن الرضاع.
وهو الشريك، والصديق والمواسي والمثيل، والصاحب الملازم، وفي المثل ” رب أخ لك لم تلده أمك “.
آخى فلان مؤاخاة وإخاء: اتخذه أخاً وتآخياً، صار كالأخوين. وإخوان، وإخوة ويقال ” إخوان الوداد اقرب من إخوان الولاد ” (4).
الأخوة في الاصطلاح: “هي رباط إيماني يقوم على منهج الله، ينبثق من التقوى ويرتكز على الاعتصام بحبل الله، فهي منحة قدسية وإشراقه ربانية ونعمة إلهية يغدقها الله –عز وجل– على قلوب المخلصين من عباده، والأصفياء من أولياءه، والأتقياء من خلقه، الذين علم منهم صدق إيمانهم، وعمق إخلاصهم، إنها قوة إيمانية تورث الشعور العميق بالمحبة والعاطفة والاحترام والثقة المتبادلة بين الذين تربطهم أواصر العقيدة الإسلامية ووشائج الإيمان ” (5)
هي رابطة نفسية تورث الشعور العميق بالعاطفة والمحبة والاحترام مع كل من تربطه وإياه من أواصر العقيدة الإسلامية. ووشائج الإيمان والتقوى، فهذا الشعور الأخوي السابق، يولد في نفس المسلم أصدق العواطف النبيلة في اتخاذ مواقف ايجابية من التعاون، والإيثار، والرحمة، والعفو عند المقدرة، واتخاذ مواقف سلبية من الابتعاد عن كل ما يضر بالناس في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم والمساس بكراماتهم. ولقد حث الإسلام على هذه الأخوة في الله من كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. (6)
المطلب الثاني: مقام الأخوة في الله.
الأخوة مقامها عظيم عند الله تعالى: (ألَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(7)
أولياء الله، يعني المؤمنون، وهم أحباء الله وحملة القرآن والعلم، الذين يجتنبون الذنوب في الخلوات، ويعلمون أن الله تعالى مطلع عليهم. (8)
للأخوة والحب في الله معانَ سامية، ترتقي إلى عنان السماء، تبدأ بحب الله، وتنتهي بحب الله، وتهدف إلى نيل مرضاة الله تعالى، فهي أساس متين في الإسلام، وأول علاقة اجتماعية
سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى توثيقها بعد هجرته إلى يثرب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ما سيواجه وأصحابه من الصعاب والفتن التي تحتاج إلى التكاتف والتعاون والإخوة؛ ليعيشوا في أمن وسكينة واستقرار.
بعض الإسلاميين يعترض على إطلاق الإخوة خارج الإطار الديني، فليس عندهم أخوة إلا أخوة الإيمان، بدليل الآية الكريمة ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” (9)
إن هذه الأخوة بعمقها لا تمنع من وجود أنواع من الأخوة الوطنية والأخوة الإنسانية، تجمعنا وإياهم وطن واحد بدليل قوله تعالى ” كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ ” (10) وقوله ” كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ( 160 ) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُون (161)”(11)
فكل هؤلاء الأقوام كذبوا رسلهم، وكفروا بهم ومع هذا عبر القرآن عن علاقة رسولهم بهم؛ بأنه علاقة الأخوة، فهذا يدلنا على أن الأخوة ليست دائما دينية بل قد تكون وطنية أو قومية، أو غيرها، ومحال أن تتنافر قلوب اجتمعت على الإيمان بالله عمرها حب الله، فإن للإيمان جاذبية تدعو أصحابها إلى التقارب والتعاطف. (12) قال– تعالى– ” وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “(13).
معنى ذلك ” أي لو أنفق في إصلاح ذات بينهم، ما في الأرض جميعا من الأموال لم يقدر على الألفة والإصلاح ولكن الله سبحانه وتعالى بقدرته البالغة ألف بين قلوبهم فإنه المالك للقلوب يقلبها كيف يشاء ” (14).
هؤلاء المتآخون المتحابون في الله، جمعهم تقوى الله وطاعته، فكانت المكافأة عظيمة لهؤلاء، يدخلون الجنة، ويطاف عليهم بصحاف من ذهب، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
مصداقا لقول الله –تعالى– : “ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ“
أي ادخلوا الجنة أنتم أيها المؤمنون وأزواجكم مغبوطين بكرامة الله مسرورين بما أعطاكم اليوم ربكم. (15)
فالأخوة في الله هي الآصرة العقدية التي تشد المسلمين بعضهم لبعض، وهي الرباط الرباني الذي يربط بين قلوبهم، بل هي وشيجة القوى في الله وهي من أوثق عرى الإيمان وأوثق روابط النفوس، وأمتن عرى القلوب، وأسمى صلات العقول، والأرواح. فلا عجب أن تثمر تلك الأخوة الفريدة نمطاً من الحب عجيباً في سموه، ونقائه، وعمقه، وديمومته، يسميه الإسلام الحب قي الله. (16)
فهذه الأخوة من صنع الله، لا دخل للبشر فيها، وأي مخلوق مهما أوتي من العقل، ونور الفكر، وحسن المعاملة لا يقدر على صنعها (17).
فهي نعمة من نعم الله على المسلمين، من أوثق عرى الإيمان، وأوثق روابط النفوس” فلا عجب أن تثمر تلك الأخوة الفريدة نمطا من الحب في الله18..
وهي الرباط الأبدي الذي لا يزول بعد أن يموت صاحبه. قال الله تعالى ” الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ “)19).
أي كل صداقة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عز وجل فإنه دائم بدوامه.
فالحياة ليست المال والجاه فقط، بل كلمة عميقة مؤثرة ممزوجة بالصدق تخرج من القلب إلى تتجسد فيها معاني الإخاء، فتعطي القلب حياة وسعادة أكثر من كل ما يفرح له أهل الدنيا ” (20).
فهي روح الإيمان الحي، ولباب المشاعر الرقيقة التي يكنها المسلم، لإخوانه المسلمين حتى إنه ليحيا بهم ويحيا لهم فكأنهم أغصان انبثقت من دوحة واحدة أو روح واحدة حلت في أجسام متعددة وامتزاج روح بروح وقلب مع قلب والتقاء قلوب وأرواح على رسالة وعقيدة)21).
فيكفينا هذا الشرف والمنزلة، وهو رضا الله تعالى ونيل محبته في الدنيا والآخرة. مما يبعث في النفس الطمأنينة والسكينة وراحة البال.
المبحث الثاني: فضل الأخوة في القرآن والسنة.
الأخوة في الله منحة ربانية، تمتلئ به النفس دون مقدمات، وترتوي به القلوب في لحظات يجتمع المؤمنون ولم يسبق لهم تعارف ولم يكن بينهم من قبل لقاء، فإذا هم إخوان لا يطيق أحدهما فراق أخيه ولا يستطيع على بعده صبرا، ولما كانت الأخوة في الله امتزاج روح بروح، وتصافح قلب مع قلب، وصفة ملازمة للإيمان، مقرونة بالتقوى، فقد وصفها الرسول
صلى الله عليه وسلم بقوله “الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، مَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ“(22). فقد جعل الله– عز وجل– لها من الكرامة والفضل، وعلو المنزلة، مما يدفع المسلمين إلى استشرافها، والحرص عليها، والسير في رياضها، والتسنم من عبيرها. (23).
وقد أكد القرآن الكريم هذه الأخوة وقررها وأعلى شأنها في قوله= تعالى –“(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ“). (24)
قال الإمام القرطبي ” أي في الدين والحرمة لا في النسب، ولهذا قيل: أخوة الدين أثبت من أخوة النسب، فإن أخوة النسب لا تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب“)25). وقال الإمام ابن كثير: ” أي الجميع إخوة في الدين ” (26)
فهذه الآية على وجازتها فقد وضحت علاقة الأخوة بين المؤمنين أحسن تعبير ” فجئ المسلمين وأخبر عنهم بأنهم، إخوة مجازا على وجه التشبيه البليغ زيادة لتقرير معنى الأخوة بينهم حتى لا يحق أن يقرن بحرف التشبيه المشعر بضعف صفتهم عن حقيقة الأخوة.
فالأخوة في الله قرينة الإيمان، لا تنفك عنه، ولا ينفك الإيمان عنها، فإن وجدت أخوة من غير إيمان فاعلم يقينا أنها التقاء مصالح، وتبادل منافع، وإن وجدت إيمانا بدون إخوة صادقة، فاعلم يقينا أنه إيمان ناقص يحتاج صاحبه إلى دواء، وعلاج لمرض فيه؛ لذا جمع الله بين الإيمان والأخوة في آية جامعة (27).
فقد ذكر(وهبه الزحيلي) في كتابة، في سبب نزول الآية: ” أن المؤمنين إخوة في الدين، ويجمعهم أصل واحد وهو الإيمان، فيجب الإصلاح بين كل أخوين متنازعين، وزيادة في أمر العناية في الإصلاح بين الأخوين أمر بالتقوى، والمعنى: فأصلحوا بينكما وليكن رائدكم في هذا الإصلاح وفي كل أموركم تقوى الله وخشيته والخوف منه بأن تلتزموا الحق والعدل، ولا تحيفوا، ولا تميلوا لأحد الأخوين، فإنهم إخوانكم، والإسلام سوى بين الجميع فلا تفاضل بينهم ولا فوارق، ولعلكم ترحمون بسبب التقوى وهي التزام الأوامر واجتناب النواهي ” 28.
وقال الله –تعالى– : أيضا ” وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “(29).
فالأخوة في هذه الآيات القرآنية الكريمة: تعني الأخوة في، وهي من نعم الله على المسلمين، وتجعل الإيمان والأخوة متلازمين، وتطالب الأخوة المؤمنين بما يعزز هذه الأخوة ويقوي ذلك الإيمان من اعتصام بمنهج الله ونبذ للفرقة والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فعلى المسلم أن يألف أخاه المسلم، حيث يشعرون بالألفة والمحبة والتواد، فإذا كان المسلم سليم الصدر نقي الفؤاد مطيعا لله تعالى ورسوله، فيحصل الألفة بينهم والأخوة الصادقة كما أخبرنا بذلك رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة– رضي الله عنه– قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، مَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ “(30).
فالتحاب والتناسق وعلاقة التجاذب، هي النتيجة الحقيقية لعمق معنى الأخوة والألفة، وإن أساس الحب في الله أن يكون حب المسلم لأخيه بمقدار طاعته لله، وأن من واجب الأخوة في الله أن يألف المسلم أخاه المسلم، وأن يأتي معه من الأعمال ما من شأنه أن يؤلف به عند أخيه(31).
وقال الله –تعالى– : “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا“(32).
يقول سيد قطب رحمه الله: ” هذه الأخوة المعتصمة بحبل الله، يمن الله على الجماعة المسلمة الأولى وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده دائما، وهو هنا سيذكرهم كيف لأنواع الجاهلية أعداء. وما كان قوم أشد عداوة من الأوس والخزرج في المدينة وهما الحيان العربيان في يثرب جاورهما اليهود، الذين كانوا يؤججون هذه العداوات وينفخون في نارها، حتى تأكل روابط الحيين جميعا، ثم يجد اليهود مجالهم الفاسد الذي لا يعلمون إلا فيه، ولا يعيشون إلا معه، فألف بين قلوب الحيين بالإسلام الذي وحد هذه القلوب، ولا تمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في الله تتضاءل إلى جانبها الأحقاد التاريخية والثارات القلبية والأطماع الشخصية والآفات العنصرية ويجتمع الصف تحت لواء الله المتعال. فالأخوة في الله نعمة يهبها الله للجماعة المسلمة ويهبها لمن يحبهم من عبادة دائما“(33(.
ولقد جاءت الأحاديث الشريفة تبين فضل الأخوة وترفع مقامها عند الله تعالى وتصور منزلتهم الرفيعة التي أعدها الله لهم في جنته، والشرف الرفيع الذي يسبغه الله عليهم يوم يقوم الناس لرب العالمين.
فعن عمر بن الخطاب– رضي الله عنه– قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ. قَالَ “هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلاَ أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا, فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ, لاَ يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلاَ يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ “(34).
قرأ هذه الآية” أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ“35.
” فما أرفعه من شرف وما أوفاه من جزاء يلقاه المتحابون الصادقون في الله، يوم الشدة والهول والكرب الشديد. ذلك إن الحب في الله لا لشيء آخر في هذه الحياة الحافلة بالمطامع والمنافع والشهوات مرتقي صعب، لا يستطيع بلوغه إلا من صفت نفوسهم، وسمت أرواحهم، وهانت عليهم الدنيا بجانب مرضاة الله، فلا غرور أن يعد الله لهؤلاء من المكانة والنعيم ما يليق بسموهم في الدنيا، وارتفاعهم على شواغلها وحطامها “(36).
إن التحاب في الله القائم على أداء الحقوق والواجبات حيث تصفوا الأخوة عن شوائب الكدورات ونزعات الشيطان، فبالقيام بحقوقها يتقرب إلى الله زلفى وبالمحافظة عليها تنال الدرجات العليا في الدنيا والآخرة(37).
فعن أبي هريرة– رضي الله عنه– عن النبي صلى الله عليه وسلم: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ “(38).
فالرسول عليه السلام أخبرنا أن المرء يحشر مع من أحب، فعن أبي عبد الله رضي عنه قال: ” المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ “(39)
عن أنس بن مالك– رضي الله عنه– قال: ” أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ: (وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا) ؟ قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)” (40).
فهذا نص صريح يسلك المتحابين في الله في زمرة السبعة المصطفين الأخيار الذين سيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وشملهم برحمته وبره، وفي ذلك تكريم لهم أي تكريم هذا، حيث تدنو الشمس من رؤوس الخلائق حيث تكاد الأنفاس تختنق، هذا المشهد الذي يخلع القلوب، فينادي الله عز وجل على سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله الرجلان اللذان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. فحسب لهؤلاء المتحابين أن الله يناديهم من بين الخلائق كي يقيهم حر ذلك اليوم.
قال عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” المُسلمُ أخُو المسلم لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه، ومن كان في حاجَة أخيهِ كانَ اللهُ في حاجَتِه، ومن فرَّجَ عن مُسلمٍ كُربةً فرَّج الله عنه بِها كُربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن ستَرَ مُسلمًا ستَرَه الله يوم القيامة“(41).
فينبغي على المرء المسلم أن يتجلى بها إخوانه فهي لا تقتصر على متابعتهم، وتفقد ظروفهم بل أيضا المبادرة إلى تقديم العون لهم دون أن يسألوه مباشرة؛ لأن ذلك من حق الإخوان عليه والأصل الإسلامي، وكذلك تشتمل على الاهتمام بأموره الدينية وليس فقط الدنيوية ولمن يتابع كل منهما الأخر في مدى طاعتهما لله وتقربهما إليه ومتابعة الظروف الحياتية التي يواجهها لمساندته هو معاونته على فتن الدنيا وصعابها. وقد بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: ” لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ” (42).
فأساس الإيمان وأساس وجوده في النفس هو مقدار الإيثار وحب الإخوان مما يدفعه إلى رعاية إخوانه وتفقدهم، بين الفينة والأخرى، وأن يفرج هم إخوانه إذا أصابهم هم، وأن يعينه على قضاء حوائجه ما صغر منها وما بطن وفي ذلك أجر عظيم (43).
فعن أبي هريرة– رضي الله عنه– قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَة، ومَنْ يَسَّرَ عَلى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ومَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ ومَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلى الجَنَّةِ وما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ ويَتَدارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ومَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ“(44).
وقد جمع الإيمان بين المؤمنين فصيرهم إخوة، كإخوة النسب بل أقوى وأبقى والأخوة بين المؤمنين قوة لكل أحد فيهم؛ لأنهم بغير الأخوة في ضعف وضياع، وهم بالأخوة كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا. إن الأخوة الإيمانية الصادقة حين تتشبع بها أسرة أو مجتمع أو أمة، فإنها تحدث انقلاباً اجتماعياً عميق الأثر، عظيم الخطر، بعيد المدى في آثاره ونتائجه. (45)
وخير مثال على تجسيد معاني الأخوة ما حصل المدينة المنورة عندما هاجر المسلمون من مكة تاركين وراءهم الأهل والمال والوطن، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وكان هذا الإخاء صلة فريدة في تاريخ التكافل بين أصحاب العائد، وقام هذا الإخاء مقام أخوة الدم والنسب والصداقة والجنس واللغة، وتمزح بين هذه الوحدات الداخلة في الإسلام، فتجعل منها حقيقية متماسكة متجانسة متعاونة متكافلة نزل المهاجرين على إخوتهم الأنصار فاستقبلوهم في دورهم وفي أخلاقهم، وفي أموالهم وشاركوهم في كل عن رضا نفس، وطيب خاطر(46).
فتجلى هذا الواقع المشرق المثير، في ظرف كان المهاجرون فيه أحوج ما يكونون إلى ما يخفف عنهم آلام الغربة، والفاقة، والفرقة، إذ تركوا ديارهم، وأموالهم، وأهليهم، وحلوا ببلد لم يكن ليتسع حتى لأهلة، فضلا عن النازحين إليه، وبهذه المؤاخاة التي أدت إلى بث الأمن والسكينة في قلوب المؤمنين (47).
فبهذه المؤاخاة كان المجتمع المدني قد التحم بعضه ببعض، وأصبح جسماً واحداً ينهض بكل عبء يلقى عليه، وبذلك أعده الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم لتحمل عبء الحرب، وقتال القريب والبعيد، في كافة أهل الشرك والكفر.
وهذا يدلنا على ما كان عليه الأنصار في الحفاوة البالغة بإخوانهم المهاجرين، ومن التضحية والإيثار، والود والصفاء، وما كان عليه المهاجرين من تقدير هذا الكرم حق قدره، فلم يستغلوا، ولم ينالوا إلا بقدر ما يقيم أودهم وحقا فقد كانت هذه المؤاخاة حكمة فذة، وسياسة حكيمة، وحلاً رشيداً لكثير من المشاكل التي يواجهها المسلمون “(48).
فكانت المؤاخاة مهرجان حب، لم ولن تعرف البشرية له مثيلا. تصافحت فيه القلوب، وامتزجت فيه الأرواح، حتى جسد هذا الإخاء في هذا المشهد الرائع.
فالأخوة في الله تمثل قيم إسلامية عظيمة حيث تغرس حسن العلاقة بين المسلمين ونشر المودة والتآلف بين الناس، الذي بدورها تقوم على التكافل النفسي وترسم مستقبل مشرق لأفراد المجتمع(49).
فأين هذه المعاني الآن ؟ وما ذكرت آنفا بين أفراد المجتمعات، لقد ضاعت بين المسلمين، وإن واقع المسلمين اليوم ليؤكد هذا الواقع الأليم. فلم تعد الأخوة إلا مجرد كلمات جوفاء باهتة، باردة لا حرارة فيها إلا من رحم الله، ومن تمسك بحبل الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والالتزام بمنهج الله العظيم الذي فيه صلاح الدنيا والآخرة.
المبحث الثالث: أثر الأخوة في تحقيق الأمن بين الأفراد والمجتمعات.
إن الأخوة لها تأثير قوي في نفوس المؤمنين، والشعور بالراحة والطمأنينة والأمن حين يرى إخوانه في الله، يشاركونه أفراحه وأحزانه وأعماله كلها، إذ بغير هذه المشاركة لا يحس المؤمن بالمعنى الحقيقي للفرح ولا المواساة إن أصابه مكروه، ولا بالنجاح إن قام بالعمل وحده(50).
القرآن الكريم له أثر بالغ في تحقيق الأمن النفسي حيث عني عناية شاملة بالنفس الإنسانية في تعميق أواصر الأخوة والتعاون بين الفرد والمجتمع، فالأمن هو الأساس في بناء المجتمع وتحقيق النهضة والتقدم في جميع المجالات – ولهذا ذكره الله – إلى جانب الطعام والشراب، حيث تشير الآيات الكريمة على أهمية الأمن في حياة الإنسان وإلى أمن المواطن والوطن.
فقال الله تعالى مخاطباً لأهل مكة: قال– تعالى 🙁الَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡف)”(51)
قال– تعالى: ” (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا” (52).
وقد أكد القرآن الكريم هذه الأخوة وقررها وأعلى شانها في قوله تعالى: (“إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَة)(53)
حيث قال الإمام القرطبي ” أي في الدين والحرمة لا في النسب، ولهذا قيل، أخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب(54).
ومن أتم حفاظ الأخوة تفقد الرجل أمور من يوده. والود الصحيح هو الذي يميل إلى نفع، ولا يفسده منع، والمودة أمن كما أن البغضاء خوف. والعاقل لا يؤاخي إلا من خالفه على الهوى وأعانه على الرأي ووافق سره علانيته، وليس الغرض من المؤاخاة الاجتماع والمواكبة، ومن أسباب المؤاخاة التي يجب على المرء لزومها لزوم التواضع وترك الخلاف، وألا يمنعهم شيئا يحتاجونه إليه ليجبروا به مصائبهم أو يفرجوا به كربتهم. (55).
وأن تكون الأخوة لله وفي الله بحيث تخلو من شوائب الدنيا وعلائقها، الباعث عليها الإيمان بالله لا غير56.
الأخوة هي دعامة تساعد الإنسان على اكتشاف نفسه وفهمها ومعرفة جوانب تقصيرها عن طريق النصح المتبادل والمسلم مرآة أخيه وبذلك يتدارك ما يمكن إصلاحه من نفسه قبل موته. فالتقصير في حقوق الأخوة التي ذكرت مما يضيع الكثير من ثمار الأخوة ومقاصدها، (57).
فالأخوة قائمة على التعاون والتكافل في السراء والضراء، فقد جعل الإسلام التعاون بين المسلمين أمراً لازماً وحقاً واجباً، والمتآخون في الله تعاهدوا فيما بينهم على التزام منهج الإسلام قولاً وعملاً، وعلى تطبيق شريعة الله جملة وتفصيل. (58)قال الله –تعالى– : ” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ“(59).
فهي أوثق روابط النفس التي تعمل على التكافل النفسي والإصلاح بين الأفراد في جميع نواحي الحياة مما يعزز التكاتف والتواصل بين المؤمنين؛ فالأخوة هي السد المنيع أملم أعداء الله في تحقيق الوحدة بين المجتمعات مما يؤدي إلى الشعور بالراحة والسكينة يفتقده كثير من الشعوب مهما تقدمت وتطورت، وذلك لعدم تحقيق هذه الأخوة التي دعا إليها الكتاب والسنة.
الأخوة طريق موصلة إلى تحقيق الأمن والحفاظ على الحياة بين المجتمعات، وقد بين القرآن الكريم مسؤولية المجتمع في حفظ حق الحياة، وحث على الدفاع عن حق الحياة، بل اعتبر قتل الواحد من البشر دون وجه حق قتلاً للناس جميعاً، كما اعتبر إحياء النفس وإنقاذها من القتل ظلماً، قال الله– تعالى– : “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ “(60).
ولأهمية تحقيق الأمن وضرورته قدم سيدنا إبراهيم– عليه السلام– في دعائه إلى الله تعالى في البيت المحرم، تحقيق نعمة الأمن والأمان والسلامة على نعمة الطعام فما قيمة الغذاء إذا اعدم الأمن والاستقرار في الحياة. قال– تعالى– : “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ“(61).
كان الهدف من دعاء سيدنا إبراهيم للمؤمنين من سكان مكة بالأمن والتوسعة بما يجلب إلى مكة لأنها بلد لا زرع فيه، فلولا الأمن لتعذر العيش بها، ثم عن الله تعالى أجاب دعائه وجعله آمنا من الآفات، فلم يصل إليه جبار إلا قصمه الله كما فعل بأصحاب الفيل(62).
الخاتمة:
أولاً– النتائج: خلص هذا البحث إلى النتائج التالية:
- إن الأخوة في الله حقوق وواجبات يجب على المسلم الالتزام بها تجاه أخيه المسلم.
- الأخوة في الإسلام تضمن للمؤمنين الذين يعملون بحقها الوقاية من جميع الأمراض الداخلية التي تعتري النفوس، كالكره والبغض والحسد وغيرها من الأمراض القلبية التي تنعكس على المجتمعات الإنسانية، وتدعوها إلى الانحطاط والتراجع.
- مناط الأخوة وأساسها إنما هو رابطة الإسلام. غير أنها احتاجت إلى تحديد وتأكيد بعد الهجرة بسبب ظروفها، وبسبب اجتماع المهاجرين والأنصار في دار واحدة.
- من خلال الأخوة والمحبة في الله، يستطيع المسلمون الشعور بالطمأنينة والسكينة والعيش بأمان وممارسة كافة الأعمال من اجل الإسلام.
ثانياً– التوصيات:
- ضرورة تحقيق أواصر الأخوة بين المجتمع المسلم واجتماع القلوب على محبة الله تعالى لا تشوبها شائبة من مغريات الدنيا ومتاعها.
- الحرص عل تعميق التكافل النفسي والإصلاح بين الأفراد في جميع نواحي الحياة مما يعزز التكاتف والتواصل بين المؤمنين.
- الأخوة هي الشعور بالراحة والسكينة والأمن النفسي الذي يفتقده كثير من الشعوب مهما تقدمت وتطورت، وذلك لعدم تحقيق هذه الأخوة والمحبة التي دعا إليها الكتاب والسنة.
المراجع
-
القرآن الكريم
- ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي صيد الخاطر. بيروت– دار الكتب العلمية. 1410
- ابن عاشور. محمد الطاهر. التحرير والتنوير. تونس– الدار التونسية. 1984ه.
- ابن كثير. اسماعيل ابن كثير القرشي. تفسير القرآن الكريم. بيروت– دار طيبة..
- أبو داود. سليمان بن أشعث بن اسحاق. السنن. بيروت– دار الفكر.
- أيوب. حسن. السلوك الاجتماعي في الإسلام. بيروت– دار التراث العربي. ط5. 1407ه– 1987م.
- البخاري. محمد بن إسماعيل. الجامع الصحيح. الجامعة العربية– بيروت. 1422ه.
- جرار. حسني ادهم. الأخوة والحب في الله. الأردن – دار الدعوة. 1406ه
- جرار. حسني أدهم. الأخوة والحب في الله. الأردن دار الضياء. ط2. 1406ه – 1986م ص 342.
- الجزائري. أبو بكر جابر. منهاج المسلم. 1384. بيروت – دار السلام.
- الحنفي. محب الدين السيد محمد مرتضى. تاج العروس من جواهر القاموس. دار الفكر – بيروت. ط 1414 ه – 1994 م. مج 4. ص 255
- الزحيلي. وهبة. تفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج. دار الفكر المعاصر – بيروت. ط1. 411ه – 1991م.
- الزحيلي. وهبه. تنظيم الإسلام في المجتمع. دار الفكر المعاصر – بيروت.
- السمرقندي. ناصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم. بحر العلوم. بيروت – دار الكتب العلمية. 1416ه.
- السيسي. عباس. الدعوة إلى الله حب. عمان– دار عمار. ط1. 1403 ه– 1983م.
- السيسي. عباس. الطريق إلى القلوب. بيروت– المؤسسة العلمية. 1406
- علوان. عبد الله ناصح. تربية الأولاد في الإسلام. 1396
- عمير. محمود محمد مصطفى. المؤمنون كما وصفهم القرآن الكريم.
- الغزالي. محمد بن محمد. إحياء علوم الدين. دار مصر للطباعة. 1998م.
- فائز. محمد. دستور الأسرة في ظلال القرآن. بيروت – مؤسسة الرسالة. 1400
- القرضاوي. الإيمان والحياة. بيروت– مؤسسة الرسالة. 1402
- القرطبي. عبد الله بن أحمد. الجامع لأحكام القرآن الكريم. دار الكتب المصرية – القاهرة. ط2. 1384ه–
- قطب. سيد. في ظلال القرآن. بيروت– دار الشورى. 1417.
- المباركفوري. صفي الدين. الرحيق المختوم. المنصورة – دار الوفاء. 1422.
- محمود. علي عبد الحليم. ركن الأخوة. بيروت– دار التوزيع والنشر الإسلامية. 1413
- محمود. علي عبد الحليم. فقه الأخوة في الإسلام. بيروت – دار التوزيع والنشر الإسلامية
- مسلم. ابن الحجاج النيسابوري. صحيح مسلم. بيروت – دار إحياء التراث. 1407
- النجار. شيرين منير. طريقنا لمنابر النور. عمان. مؤسسة الرسالة. 2004
- الهاشمي. محمد علي. شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في القرآن والسنة. بيروت– دار البشائر الإسلامية. ط7.- 1417 ه – 1997م.
1 ()الحجرات49.
2(2) الأنعام. 145.
3) محمود. ركن الأخوة. ص74.
4() الحنفي. تاج العروس من جواهر القاموس. مج 4. ص255
5) القرضاوي. الإيمان والحياة. ص5.
6) علوان. تربية الأولاد في الإسلام. ص24
7() يونس. 62
8 ()السمرقندي. بحر العلوم. مج12. ص34
9 ()الحجرات. 49.
10) الشعراء. 124.
11 ()الشعراء. 161.
12) السيسي. الدعوة إلى الله. ص34.
13) الأنفال 63.
14) البيضاوي. أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي ) ص35.
15) جرار. الأخوة والحب في الله، ص35.
16) الهاشمي. شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة. ص38.
17) عمير. محمود. المؤمنون كما وصفهم القرآن الكريم. ص122.
18) الهاشمي. شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة. ص38.
19() الزخرف. 69.
20) السيسي. الدعوة إلى الله حب. ص 39.
21() الغزالي. خلق المسلم. ص178.
22() مسلم. صحيح مسلم. كتاب البر والصلة والآداب. باب الأرواح جنود مجندة، رقم 3336.
23) جرار. الأخوة والحب في الله. ص89.
24) الحجرات. 49().
25( ) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن. ج16. ص 323.
26) ابن كثير. تفسير القرآن العظيم مج3. ص283.
27) ابن عاشور. التحرير والتنوير. مج2. ص132.
28() الزحيلي، تفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج. ط1. ص243.
29 الأنفال. 63.
30() مسلم. صحيح مسلم. كتاب البر والصلة والآداب. باب الأرواح جنود مجندة،. رقم 3336.
31) محمود. ركن الأخوة. ص78.
32) آل عمران. 103.
33() قطب. في ظلال القرآن. مج6. ص 172.
34) أبو داود. السنن. كتاب الرهن، باب في الرهن. رقم 4785. ج5. ص169.
35(( يونس. 62.
36) الهاشمي. شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة. ص24.
37) الغزالي. إحياء علوم الدين. ص 188.
38) البخاري. صحيح البخاري. باب من في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد. حديث رقم. 660.
39) البخاري. صحيح البخاري. كتاب الأدب. باب علامة حب الله للعبد. رقم ( 5816 ). ج4. 36.
40() مسلم. صحيح مسلم. كتاب البر والصلة والآداب. باب المرء مع من أحب. حديث رقم 2639. ج4 ص. 2032.
41) البخاري. صحيح البخاري. كتاب المظالم. باب لا يظلم المسلم ولا يسلمه. ج3. ص 196 رقم 5634.
42() البخاري. صحيح البخاري. كتاب الإيمان. باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. رقم 133. ج1. ص12.
43 ()محمود. ركن الأخوة، ص98.
44() مسلم. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والاستغفار. باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، حديث رقم 4995. ج1. ص 233.
45 ()أيوب. السلوك الاجتماعي في الإسلام. ص79.
46() فائز. دستور الأسرة في ظلال القرآن. ص 54.
47 ()الجزائري. منهاج المسلم. ص98.
48) المباركفوري. الرحيق المختوم ص89.
49) الياسين. رسائل شباب الدعوة. ص 67.
50) محمود. فقه الأخوة في الإسلام. ص 55.
51() قريش. 4.
52 ()آل عمران. 103.
53() الحجرات. 10.
54 () القرطبي. الجامع لأحكام القران. ج16. ص332.
55 ()المولى بك. ثمار القلوب. ص96.
56() الجزائري، منهاج المسلم، ص 186.
57 ()النجار. طريقنا لمنابر النور. ص76.
58() علوان. تربية الأولاد في الإسلام. ص87.
59() المائدة. 2.
60() المائدة. 32.
61() البقرة 126.
62() الرازي. مفاتيح الغيب. ج4. ص 48.