Awareness issue of Montgomery watt about the Muhammadan prophecy:
a critical and analytical study
Nagi Ali Al-sansei
Faculty of Education \ Nadirah || Ibb University || Yemen
إشكال وعي منتجومري وات بالوحي المحمدي: دراسة تحليلية نقدية
كلية التربية / النادرة || جامعة إب || اليمن
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
اهتم الغرب بالإسلام منذ زمن بعيد وبذل الغالي والنفيس في سبيل دراسة الإسلام على وجه الخصوص، والشرق على وجه العموم، وجند جيشاً كبيراً من الدارسين الغربيين للإسلام والمسلمين تسموا المستشرقين، نسبة إلى الدراسات العلمية التي عنيت بدراسة الشرق العربي والإسلامي، وسخر لهم الإمكانات المادية اللازمة، وأنشئت الكراسي العلمية في الجامعات الغربية لتدريس حضارات الشرق وأديانه ولغاته وعاداته وتقاليده وتراثه التاريخي، بغية تكوين الصورة الواضحة عن الشرق والإسلام في العقل الأوروبي. وقد ساهمت هذه الدراسات في تشكيل العقل الغربي إزاء الإسلام، كما أسهمت في تشكيل وعي بعض الصفوة في العالم الإسلامي الذين انساقوا وراء الدراسات الاستشراقية في عرضها للإسلام وموضوعاته من خلال الرؤية الغربية الاستعلائية المتمركزة حول الذات الأوروبية، مما أدى إلى إلصاق الشبهات بالإسلام ورموزه، وتشويه كثير من حقائقه.
وحَرِيٌّ أن ننبّه إلى شبهات المستشرقين وأخطائهم وتحيزاتهم حيال دراسة الإسلام، فلم يستحوذ موضوع من الموضوعات الإسلامية على اهتمام المستشرقين، كما استحوذ موضوع الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، بواسطة جبريل عليه السلام، ومنتجومري وات أحد المستشرقين الذين تناولوا هذا الموضوع بشيءٍ من الإسهاب خلال مؤلفه (محمد في مكة) الصادر في لندن سنة 1953م، و(محمد في المدينة) الصادر في لندن 1956م، و(الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر) الصادر عام 1993م، فعلى مدى ما يقرب من خمسين عاما وأكثر درس وات الإسلام وموضوعاته وأهمها موضوع الوحي. وكسواه من المستشرقين حاول وات أن يقدم رؤى وتفسيرات موضوعية تتجاوز الرؤية الاستشراقية المتحاملة على الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين.
غير أنه وقع في كثير من الإشكاليات التي دفعتنا إلى بيانها في هذه الدراسة التي جعلنا عنوانها إشكال وعي منتجومري وات بالوحي المحمدي، كرد على خلاصة الفصل الثاني من كتاب منتجومري وات محمد في مكة (إشكال وعي محمد صلى الله عليه وسلم بنبوءته.
مشكلة الدراسة
تتجلى مشكلة الدراسة في هذه الأسئلة
- كيف فسر منتجومري وات الوحي الإلهي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم؟.
- ما الإشكاليات التي وقع بها وات؟ ما المصادر التي اعتمد عليها في تفسيره للوحي؟.
- ما النظريات التي تمحور حولها تفسيره للوحي ؟.
- ما غايات هذا التفسير وأهدافه ومنهجيته؟.
أهداف الدراسة
- إماطة اللثام عن مثالب الفكر الاستشراقي الأكاديمي في دراسة الوحي المحمدي، وبيان نظرياته ومصادره، وأخطائه المنهجية، وتفنيدها والرد عليها مستخدمين الفكر الاستشراقي ذاته.
- تأسيس وعيٍ جديد في التعامل مع الدراسات الاستشراقية في مجال الوحي ومحتواه القرآن الكريم خاصة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم عامة.
- تفند مستويات وعي منتجومري وات والقصور المعرفي الذي يعتري فهم وات لضروب وأشكال ومحتوى الوحي المحمدي، وتضيف رصيداً جديداً للدراسات في هذا الموضوع.
- تكشف غايات ومساعي منتجومري وات القريبة والبعيدة، والنتائج التي انتهى إليها من تناوله لموضوع الوحي المحمدي.
- بيان النظريات التي استند إليها منتجومري وات في تفسيره للوحي المحمدي ومجال هذه النظريات والحقل العلمي الذي تنتمي إليه.
- الرد على الشبهات والشكوك التي أثارها منتجومري وات حول ضروب تلقي النبي صلى الله عليه وسلم للوحي.
أهمية الدراسة
- تصحح الصورة المشوهة عن الإسلام والمسلمين، والوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم عند المستشرقين ودوائر المعرفة الاستشراقية الغربية خاصة، والمعرفة الغربية عامة.
- تبين ثغرات المصادر الاستشراقية التي اعتمد عليها وات في دراسته للوحي المحمدي، وتقف على مطاعنها وتشكيكاتها بموضوع الوحي والقرآن الكريم ـ
- تمد المختصين في الدراسات الاستشراقية بجملة من الحقائق عن الدراسات الاستشراقية التي شكلت الوعي الغربي بالإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم ـ
- تساهم في الدفاع عن القرآن الكريم كمصدر تشريعي، وتنبه إلى أهمية إعادة كتابة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً الجزء المتعلق بنزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم.
منهجية الدراسة
اعتمدت هذه الدراسة على المنهجية النقدية التحليلية التي استخدمها منتجومري وات.
الدراسات السابقة
- دراستي حسن الحكيم الأولى: بعنوان (المستشرقون ودراستهم للسيرة النبوية) منشورة في كتاب المستشرقون والتراث الإسلامي، طبعة دار الكفيل، النجف، 2014م. والثانية بعنوان (المستشرق البريطاني منتجومري وات وكتابه محمد في مكة) بحجم (12) صفحة، منشورة في مجلة دراسات استشراقية، العدد (5)، صيف 2015م. صنفت الدراسات الاستشراقية إلى منصفة وغير منصفة بالوقوف على عناوينها في دول الاستشراق، والثانية: حللت كتاب وات محمد في مكة بالنظر إلى مصادره العربية وحدها ولم تتطرق لتأثير المصادر الاستشراقية في رؤية منتجومري وات للوحي المحمدي.
- دراستي عماد الدين خليل (المستشرقون والسيرة النبوية: بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر منتجومري وات )، وجعفر شيخ إدريس (منهج منتجومري وات في دراسة نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم) منشورتان في كتاب مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الجزء الأول، صادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الإيسكوا بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية بدول الخليج، 1985م، غلب عليها الطابع السردي ومقارنة منهج وات بالمصادر العربية وحصرت اهتمامها في مسألة المنهجية وجانب العقيدة وحده.
- دراسة عبد الله الأمين النعيم (الاستشراق في السيرة النبوية: وات وبروكلمان وفلهاوزن أنموذجاً)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، 1997م، وقد ركزت على المنهجية وانحصرت بالمقارنة بين أفكار الثلاثة المستشرقين دون التحليل.
- دراسة رائد محمد عبدالوهاب أبو رية (السيرة النبوية في فكر منتجومري وات وكارين أرمسترونج) رسالة ماجستير كلية أصول الدين بالأزهر منشورة على الشبكة، والراجح أن تاريخها يرجع إلى ما بين 2006ـ2009م، وقدمت نتائج طيبة توزعت بين وات وكارين ومنهجيهما قياساً إلى المصادر العربية، ولم تتطرق إلى المصادر الاستشراقية التي كونت فكر وات وارمسترنج ومثلت خلفياتهما النظرية المعرفية، والتي ترتب عليها رؤيتهما للسيرة النبوية الشريفة، ولم تربطها بالنظريات الاستشراقية القديمة والحديثة والمعاصرة، التي مثلت مراحل تطور الاستشراق التقليدي والأكاديمي وموقفه من دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، والإسلام عامة.
وهو الأمر دأبت دراستنا على تجاوزه من خلال منهجية تحليلية نقدية تتفق وطبيعة الموضوع ومنهجية منتجومري وات في التعاطي مع مواضيع السيرة النبوية، حللت مصادر منتجومري وات في تشكيل وعيه بالوحي المحمدي وبينت مثالبها وهي ميزة لا نعتقد أن أحدا سبقنا إليها.
خطة الدراسة
تتكون هذه الدراسة من مقدمة وثلاثة محاور وخاتمة.
- المقدمة: واشتملت على ما تقدم.
- المحور الأول: المحددات المفاهيمية للدراسة.
- 1ـ الإشكال 2ـ الوعي 3ـ الوحي.
- المحور الثاني: مصادر وعي منتجومري وات بالوحي المحمدي.
- 1ـ المصادر العربية 2ـ المصادر الاستشراقية.
- المحور الثالث: مستويات وعي منتجومري وات بالوحي المحمدي.
- 1ـ كلام عقلي 2ـ كلام تخيلي 3ـ رؤى من اللاوعي الجمعي.
- الخاتمة: وفيها النتائج والتوصيات.
المحور الأول: في المصوغات المفاهيمية
- الإشكال: أشكَل عَلَيَّ الْأَمر إِذا اخْتَلَط(1) والتبس وَلَبِسْتُ الْأَمْرَ لَبْسًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ خَلَطْتُهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] وَالتَّشْدِيدُ مُبَالَغَةٌ وَفِي الْأَمْرِ لُبْسٌ بِالضَّمِّ وَلُبْسَةٌ أَيْضًا أَيْ إشْكَالٌ وَالْتَبَسَ الْأَمْرُ أَشْكَلَ وَلَابَسْتُهُ بِمَعْنَى خَالَطْتُهُ (2). وأَشْكَل الأَمْرُ: الْتَبَس. وأُمورٌ أَشْكَالٌ: مُلْتَبِسَةٌ، وبَيْنَهم أشكله أَي لَبْسٌ. وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: فَمَا زالَتِ القَتْلى تَمُور دِماؤها… بِدِجْلَة، حَتَّى ماءُ دِجْلَة أَشْكَلُ وَمِنْهُ قِيلَ للأَمر المشتَبه مُشْكِلٌ. وأَشْكَلَتْ عليَّ الأَخبار وأَحْكَلَتْ بِمَعْنًى واحد(3). والإشكال في الاصطلاح موقف غامض ضبابي يحتاج إلى توضيح يزل الإشكال ويجعل الصورة أكثر وضوحاً.
- الوعي: من وعى الْعلم يعيه وعيا. وَفِي التَّنْزِيل: {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة}(4). والمصدر الوعي. وَتقول: لَا وعي لي عَن كَذَا وَكَذَا أَي لَا ارتداد لي عَنهُ(5). : وَقَالَ اللَّيْث: الوَعْي: حفظ الْقلب للشَّيْء(6). والوعي: هُوَ أَن تحفظ فِي نَفسك الشَّيْء. (أوعى) الشَّيْء وعاه وَحفظه والْحَدِيث وعاه وَفُلَانًا وَعَلِيهِ قتر عَلَيْهِ وجمعه أوعيه يوعى فِيهِ الشَّيْء (ج) أوعية، والوعي الْحِفْظ وَالتَّقْدِير والفهم وسلامة الْإِدْرَاك(7) وهو مصدر وعى، الفهم وسلامة الإدراك ومنه: التوعية: تكوين الفهم الصحيح لحقيقة ما يجري(8). والوعي في الاصطلاح هو الفهم والإدراك للصورة الذهنية التي تكونت عند الشخص عن قضية ما نتيجة قرأته لها اعتماداً على مصادرها المتوفرة لديه.
- الوحي: في اللغة هو الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام والكلام الخفي(9). ما يوحيه الله تعالى إلى أنبيائه، وقد سُمي: وَحْياً، لأن المَلَك ستره عن جميع الخلق، وخص به النبي المبعوث إليه. قال الله تعالى: {يُوحِي بعضُهم إلى بعض زُخرفَ القول غُروراً} الأنعام 112، فمعناه: يُسر بعضهم إلى بعض. فهذا أصل الحرف. ثم يكون ” الوحي ” بمعنى ” الإلهام ” كقوله عز وجل: {وأوحى ربُّك إلى النَحْل} النحل 68. أراد: ألهمها. وكقوله: {يومئذٍ تُحدِّثُ أخبارها بأنَّ ربَّكَ أَوْحَى لها} الزلزلة 5. أراد: ألهمها. كما قال الشاعر: (يوحي إليها بإنقاضٍ ونَقْنَقَةٍ… كما تَراطَنُ في أفدانها الرومُ) ويكون ” الوحي” بمعنى ” الأمر“، كقوله عز وجل: {وإذْ أوحيتُ إلى الحواريينَ} المائدة 111. ، أراد: أمرتهم. ويكون بمعنى ” الإشارة “، كقوله عز وجل: {فأوحى إليهم أنْ سَبِّحوا بُكْرَةً وعَشِيّاً} مريم 11. أراد: أشار إليهم. ويكون بمعنى ” الكتابة ” كقول جرير: (عَرَفْتُ الدارَ بعدَ بِلَى الخيام… سُقيتِ نَجِيَّ مرتجزٍ ركامِ) (كأنّ أخا اليهودِ يَخطُّ وَحْياً… بكافٍ في منازِلها ولامِ)(10). قد رأيت فيما مضى أن للوحي معاني عدة كلها تدل أنه يأتي من عامل خارجي هو الرب والرب تعالى، وهو صاحب الوحي، فإذا أراد الله تعالى أن يوحي بشيء، قرع اللوح جبهته فيلقيه إلى إسرافيل، ويلقيه إسرافيل إلى جبريل وميكائيل. وهو الذي يدعو لأهل الأرض إذا أصابهم القحط، يقول: يا رب عبادك أنت خلقتهم فلا تهلكهم جوعاً. وهو في كتاب الله جل وعلا: {يُسبِّحونَ بحمدِ ربِّهم ويستغفرونَ لمَنْ في الأرضِ} الشورى 5. وقال علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه): الروح ملك من الملائكة، له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة، يسبح الله بتلك اللغات كلها، يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة(11). وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأصل الوَحْي فِي اللُّغَة كلّها إعلامٌ فِي خفاءٍ، وَلذَلِك صَار الإلمامُ يُسمَّى وحْياً. وَكَذَلِكَ الإشارَةُ والإيماءُ يُسمى وَحْياً، وَالْكِتَابَة تسمى وَحْياً. وَقَالَ اللَّهُ جلّ وعزّ: {قَدِيرٌ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حجاب} (الشورى: 51) مَعْنَاهُ إِلَّا أنْ يُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ وَحيا فيُعلمه بِمَا يعلم الْبشر أَنه أَعْلَمَه إمّا إِلْهَاماً وَإِمَّا رُؤْيَا، وَإِمَّا أَن يُنْزِل عَلَيْهِ كِتَاباً، كَمَا أَنْزَل على مُوسَى أَو قُرآناً يُتْلَى عَلَيْهِ كَمَا أَنْزَل على محمدٍ، وكل هَذَا إِعْلَام وَإِن اخْتلفت أسبابُ الْإِعْلَام فِيهَا(12). بواسطة ملك أو بغير واسطة ملك… جبريل عليه السلام(13). وقد ورد في القرآن الكريم في ثمانية وسبعون موضعاً تؤكد هذه المعاني.
وأما اصطلاحاً يعرفه محمد عبده بأنه “عرفان يجده الشخص في نفسه مع يقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة“(14). وعرفه محمد رشيد رضا بأنه “الإعلام الخفي السريع الخاص بمن أوحي إليه من غيره، ملك لا يتم إلاّ لمن أوحي إليه كالنبي أو الرسول…وحلول روح الله في روح الكتاب الملمين، وذلك لإفادتهم بحقائق روحية أو أحداث مستقبلية لا يتوصل إليها إلاّ به “(15). وأنواع الوحي الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم هي: الإلقاء في القلب يقظةً أو مناماً، ويشمل النفث في الروح والإلهام، والرؤية المنامية الصادقة، ومنه حديث عائشة أول الوحي الرؤيا الصادقة. وتكليم الله للعبد من وراء حجاب (وكلم الله موسى تكليما)النساء 164. وإرسال الله ملك من الملائكة بصورٍ شتى (أو يرسل رسولاً)الشورى 51. قال تعالى: (إنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً{163} النساء.
المحور الثاني: مصادر وعي وات بالوحي المحمدي
-
المصادر العربية
استهل منتجومري وات دراسته لموضوع الوحي بسرد رواية الزهري عن بدء الوحي كما وردت في كتاب الطبقات لابن سعد(16) وقسمها إلى اثني عشر جزءاً على شكل وحدات صغيرة(أ، ب، ج، د)؛ ليسهل بحسب وات تحليل هذه الرواية والتشكيك والطعن بالوحي من خلالها(17). أما تفسير ما جاء في المصادر العربية فيحيله وات إلى المصادر الاستشراقية الحديثة، المتعصبة ضد الإسلام مثل (رؤى محمد1934م)، وترجمة القرآن (1939م) لريتشارد بل(Retchard Bell 1889-1957)، وتاريخ القرآن(1935م) لتيودور نولدكه (Theodor Noldeke 1836-1931)، والعناصر اليهودية في القرآن(1930م) لهارتويج هرشفلد(Hartwig Hirschfeld 1854-1934)، ومدخل إلى أصول الفقه الإسلامي(1932م) لجوزيف شاخت(Joseph Schacht 1902-1969)، والعقيدة والشريعة في الإسلام لإجناس جولدتسيهر(Ignaz Goldziher 1850-1921)؛ ليدحض بها رؤى المستشرقين المنصفين للإسلام، أو يتجاهلهم متعمداً مثل(توماس كارلائيل(Carlyle Thowmas 1795-1881)، وهنري دي بولان فيليه(Heneri De Boulainvilliers 1658-1722)، وأندراي تور(Andrea Thoury 1885-1947).
-
المصادر الاستشراقية
يستند إلى مصادر لا تنتمي إلى حقل الدراسات اللاهوتية المختصة بوصف ظاهرة الوحي المنزل على الأنبياء، وصادرة عن قساوسة ورهبان وشبه مؤرخين؛ يشك في نسبة مؤلفاتهم إليهم مثل حوليات الإسلام (1914م)، والتاريخ الإسلامي (1911م) للأمير ليوني كيتاني(Leone Caetane 1869-1935)، ومحمد وظهور الإسلام لديفيد صموئيل مرجيلوت(D. S. Margoliouth 1858-1940)، وكتابات بولين (P. V. Bohlen?) الذي لم نجد له ترجمة في موسوعات المستشرقين، وجدلية الأنا واللاوعي لكارل جوستاف يونج(Carrel Joustav Yong)، فضلاً عن افتقار الكثير من هذه المصادر الاستشراقية للدقة والموضوعية. وثمة نقاط عدة يمكن تسجيلها على هذه المصادر على سبيل المثال لا الحصر أهمها:
- يبدو أن هذه المصادر وإن حاولت معالجة موضوع الوحي المحمدي، فقد عالجته انطلاقاً من مجالها وحقلها، حقل الدراسات الاستشراقية والتحليل النفسي، ولا تنتمي إلى حقل الدراسات اللاهوتية وعلم الإلهيات” وهو خاص بأشراف صنف من البشر بما خصهم الله به من معرفته وتوحيده وتنزيل ملائكته عليهم وتكليفهم بإصلاح البشر في أحوال كلها مغايرة لأحوال البشرية الظاهرة“(18)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تأثرت تلك المصادر رغم حداثتها بالرؤية الاستشراقية للعصور الوسطى الممتلئة بالسب والتجريح والتشهير بالإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم؛ بحكم تفوق الإسلام على أوروبا آنذاك. وبعض هذه المصادر رسائل دكتوراه أو ماجستير وضعها بعض المستشرقين بدافع الحصول على الوظائف الجامعية في مجال الاستشراق الذي كان مدعوما من الحكومات الأوربية ويصرف عليه المال الوفير، كتاريخ القرآن لتيودور نولدكه (1856م)، وهو رسالة دكتوراه اعترف صاحبه بأنه كتاب يشوبه النقص؛ وإلاّ لما سلمه لتلميذه فردريش شيفاليه ليكمله بجزأين آخرين، ويكمله بعد شيفاليه كل من برجشترستر وبريستل ويخرجانه بصيغته النهائية سنة 1935م بعد أن أضافا إليه جزءاً ثالثاً؛ فلمن تاريخ القرآن إذاً؟(19).
والحال ذاته بالنسبة لحوليات الإسلام، والتاريخ الإسلامي للأمير ليوني كيتاني الذي لم يكن يجيد العربية، ولم ينل إلاّ الأستاذية الجامعية الفخرية؛ مما اضطره للاستعانة بثلاثة من الأساتذة الجامعيين المختصين باللغة العربية، عملوا على ترجمة المصادر العربية التي جمعها من رحلاته في الشرق إلى اللغة الإيطالية، وانتهى به الحال إلى الخلاف مع الأساتذة الثلاثة حول الملكية الفكرية للكتابين، ورغم أن محكمة روما حكمت لصالح كيناني، إلاّ أن ظلال الشك ما يزال يحوم حول نسبة هذين المؤلفين إلى كيتاني(20). والأغرب من ذلك أن هنالك تطابقاً كبيراً بين عناوين أبواب وفصول حوليات الإسلام وأسماء بعض مؤلفات منتجومري وات، محمد نبي ورجل دولة، والإسلام المسيحية، وتاريخ الإسلام في إسبانيا وحوض البحر المتوسط(21).
- إشكال الانتقائية والتجزيئية للروايات وهي أشبه بطريقة الاستقراء التي تتبع الجزئيات للوصول إلى الحكم الكلي، لكنها لا تنتهي إلى حكم كلي بقدر ما تنتهي إلى أحكام جزئية غير صائبة تعتمد على منهجية الهروب من المصادر الرئيسية إلى المصادر الفرعية، فهرب من القرآن الكريم والسنة النبوية كمصدرين أساسيين، ولم يستخدمهما إلا نادراً عندما يريد أن ينفي أحدهما الآخر يقول وات” سأقول يقول القرآن، ولن أقول أن محمداً يقول، وسأقول كما يقول المسلمون كرجل يؤمن بالأديان السماوية “(22).
ومن البديهي بحسب وات أن يكون القرآن الكريم هو مصدره الأول؛ لأنه مادة الوحي المحمدي وموضوعه، فالأولى أن يدرس الوحي المحمدي من خلاله، لا من خلال الروايات التاريخية في المصادر العربية، فهي تحكي أنواع وضروب الوحي وطرقه وأساليبه، كما نقلها الرواة عن النبي ورواها المؤرخون عنهم، فقد استخدم وات هذه المصادر كمحاولة لإضفاء المشروعية على ما يطرح من رؤى وأساليب تمويه القارئ، ووضع الأسس الأولى للتشكيك بالوحي بالقول بتأثير العوامل الجغرافية، والدينية والاجتماعية السائدة في القرن الخامس الميلادي على الوضع في شبه الجزيرة العربية، وتأثر العرب بمحيطهم الروماني والفارسي على الصعيد السياسي، واليهودي والمسيحي على الصعيد الديني، تمهيدا لنسبة الدين الإسلامي إلى اليهودية والمسيحية(23). ومثاًلا لذلك ينتقد نظرية الغرب عن محمد صلى الله عليه وسلم مستنداً إلى (أندراي تور) في كتابه محمد الصادر في لندن 1938م بالقول” لقد تصور الغرب محمد دجالاً أثار من القضايا أكثر ما قدم من الحلول، وأكثر من هذا فلا أحد من عظماء التاريخ لقي من الغبن مثلما لقي محمد“(24)، لكنه لا يقدم بدائل تنصف النبي صلى الله عليه وسلم، بل يسير على هدى هذه الرؤى، ولو أكمل عبارات أندراي تور لتبن للقارئ أن تور أكثر إنصافا للنبي صلى الله عليه وسلم من وات الذي يصف النبي بالمخادع والمحتال حيث يقول” والقول أن محمداً كان صادقا لا يعني أن القرآن وحيُ وأنه من صنع الله، إذ يمكن أن نعتقد بدون تناقض أن محمدا كان مقتنعا بأن الوحي كان ينزل عليه من عند الله، وأن نؤمن بالوقت نفسه بأن محمدا كان مخطئاً، إنني لا أماري في صدق محمد وأمانته، لكن صدقه وأمانته لا تجعلني أقطع بأنه يوحى إليه من الله، إذ يمكن أن يكون محمد على قناعة بأنه يوحى إليه، لكن الحقيقة أن هذا مجرد توهم أو تخيل“(25). ويتناقض وات مع نفسه في الموضع الواحد فعلى حين يقول إنه لن يناقش نظريات الكتاب الغربيين الذين يشككون بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، وسيناقش الأدلة التي وضعها هو وفق منهجيته حيث يقول: ” إذا كان علينا أن نفهم محمداً ككل متكامل، وأن نصحح أخطاء الماضي فلابد أن نؤمن بصدقه، إلاّ إذا ثبت العكس، ويجب أن لا ننسى البرهان الأخير، ويجب أن نميز بين القرآن والتصور الواعي العادي لمحمد، ما دام هذا الفصل ضروري بالنسبة له، ومن البداية لابد أن محمداً قد ميز بشكل واضح بين ما يأتيه وحياً ـ كما يعتقد ـ وبين ما ينتجه عقله الواعي، أما كيف يميز بينهما فهذا أمر غير واضح تماماً، لكن الحقيقة المؤكدة التي صنعها محمد مؤكدة كأي شيء في التاريخ، إننا لا نستطيع بأي درجة معقولة أن نتخيله يقحم آيات من تلفيقه بين الآيات الموحاة إليه (الآيات الآتية إليه من مصدر خارجي كما يعتقد). فربما يكون محمد قد فعل شيئاً من الوحي المنزل عليه كإعادة ترتيب الآيات الموحى بها، وربما حاول أن يصوب النص إذا أحس أن النص الموحى به يحتاج إلى إصلاح“(26). ثم لتأكيد زعمه هنا يستعرض في الكتاب نفسه قصة الغرانيق التي رواها الطبري (27). ويبرز التناقض أكثر في استعراضه لوجهات النظر الثلاث المتعلقة بالوحي المحمدي، ولن نناقشه في وجهة نظر المسلمين، ولكن سنناقشه في الوجهتين الأخريين، ففي الوقت الذي يستبعد رؤى بعض الكتاب الغربيين المعتدلين، نراه يعتمد على الباحثين الغربيين العلمانيين غير المؤمنين بالغيبيات الذين يرون على حد تعبيره” أن جانبا من محمد مسئول عن القرآن الكريم، وهذا الجانب يختلف عن عقله الواعي، ويستبعد وجهة نظر المسيحيون الذين يعتقدون أن القرآن هو كلام الله ولكن نتج من خلال شخصية محمد؛ لاعتقادهم أحتوى القرآن على جانب من الحقيقة الإلهية(28)…وهذا هو اعتقاد وات الذي يعد انعكاس لتصوره الديني المسيحي الذي يرى بأن للمسيح طبيعة إلهية عبر عنها بمعجزاته والإنجيل، والقرآن هو معجزة محمد صلى الله عليه وسلم، ومخالفة لادعائه السابق إتباع المنهجية الموضوعية ومناقشة موضوع الوحي كمسيحي بقوله لن أقول يقول محمد ولكن سأقول يقول القرآن، وهذا يقتضي دراسة الموضوع بتجرد في حدود حقله وطبيعته ومجاله واعتماد المصادر التي تناسب مع هذا الحقل حقل الوحي الإلهي، فهل كان وات كذلك؟!.
سنفترض سلفاً أن وات كغيره من المستشرقين لا ينظر إلى القرآن ـ مادة ومحتوى الوحي المحمدي ـ ككتاب مقدس ووحيً منزلً على النبي صلى الله عليه وسلم من عند رب العالمين، بواسطة جبريل عليه السلام، يغذي الإيمان ويبعث على الطمأنينة، كما يعتقد المسلمون، وإنما يدرسونه بوصفه نصاً كأي نص آخر، يطبق عليه المناهج الألسنية والتاريخية والنظريات الاجتماعية والنفسية، التي يؤلفها المستشرق في عصره أو تشربها من قراءاته السابقة، ويسقط عليها مآربه ونظرياته التي يؤمن بها، وبالمقابل يُخضع الوحي والقرآن في نهاية المطاف لتحليلات لا يقبلها المسلمون. غير أن ذلك يمكن أن ينطبق على الباحث الغربي المبتدئ الذي يناقش الوحي تبعاً لما نقل إليه من الترجمات، وليس حال أستاذ كرسي اللغة العربية ومختصً علمي أكاديميً بها لأكثر من سبعين عاماً، كما هو حال منتجومري وات. فكيف درس وات مفهوم الوحي وفسر محتواه؟.
لا يستخدم وات القرآن الكريم كمحتوى للوحي في بيان ماهية الوحي وطرقه تبعا لما وصفه القرآن في قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّم حَكِيمٌ }(الشورى51). وإنما يستخدم ضروب الوحي وأشكاله المتمثلة في الرؤيا الصادقة في النوم، ويسقط عليها نظريات التحليل النفسي والنظريات الاستشراقية كما سيتبين بالمحور القادم.
المحور الثالث: مستويات وعي وات بالوحي المحمدي
المستوى الأول: كلام من النوع العقلي Intelleetua Loeution
تشكل وعي منتجومري وات بموضوع الوحي المحمدي من خلال وعيه بالإسلام عامة، وحياة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وفق دوائر معرفية ثلاث هي الدائرة المعرفية الاستشراقية، والدائرة الثقافية الأوربية العامة، والدائرة الدينية المسيحية التبشيرية، حيث استعرض وات أشكال وضروب الوحي الذي كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم كالرؤيا المنامية الصادقة، ونزول جبريل عليه السلام، وصليل كصليل الجرس وغيرها مما ورد في المصادر العربية، وقارنها ببعض سور القرآن الكريم المكية والمدنية، ثم انتهى إلى استنتاج أن غياب ملك الوحي جبريل عليه السلام باسمه ـ رغم ورود الملائكة بصيغة الجمع ـ في القرآن المكي يؤدي إلى غياب المرسل، وإذا غاب المرسل غابت الرسالة (58سورة مكية)، بمعنى أنها بحسب وات ليست من الله؛ لعدم ورود اسم جبريل عليه السلام فيها، وحل التناقض بين المكي والمدني من القرآن، وكله كلام الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم. ولكي يحل وات هذا التناقض الذي وضع نفسه فيه سعى إلى تفسير الوحي المحمدي تبعاً للنظريات الاستشراقية التي انتهت إلى القول بأن الوحي المحمدي كلام من النوع العقلي تماهياً مع النظرية الروحانية الحديثة التي وضعها المستشرق البريطاني ديفيد مرجيليوت في كتابه (محمد وظهور الإسلام) بشيءٍ من التهذيب فقط يقول وات: من المحتمل ن تكون الكلمات التي أتت محمد في غار حرا لم تكن كلاما خارجيا ـ وحي خارجي ـ بل وربما لم تكن كلاما تخيليا، وإنما كلاما ذهنيا، بمعنى أنه لم يسمع بأذنيه، ولا حتى تخيل نفسه يسمع، وإنما كانت هذه الكلمات نوعا من الاتصال الذي أتاه من غير كلام. بل ربما صنعت الكلمات بعد الرؤيا الفعلية بزمن طويل“(29). ولكي يعزز وات هذه النظرية لجأ إلى استخدام نظرية بولين التي حاول من خلالها تفسير الوحي قياساً إلى كلمات القديسة تريزا التي كتبت تقول: ” الكلمات بتأثراتها التي تحويها تضع الروح في اللحظة أنها آتية من الرب، وعلى أي حال ففي الوقت الذي هو الآن ماضٍ، يظهر الشك فيما إذا كانت هذه الكلمات من الشيطان أو من الخيال، رغم أنه عند سماع هذه الكلمات لم يكن الإنسان يشك في صدقها بحيث تكون أي تريزا مستعدة للموت دفاعاً عنها“(30). وبهذا المعنى ليس الوحي المحمدي عند وات من صنف خاص لا يفسره إلاّ من عاناه وعاش تجربته (النبي صلى الله عليه وسلم)، ولكنه من صنف التجربة التي عرفها القديسون أو المتصوفة؛ “يتكون من مقارنة جوانب ظاهرة الوحي عند محمد بالظواهر المشابهة عند القديسين المسيحيين والمتصوفة“(31).
يبدو أن وات واثقُ أكثر من اللازم بصدق تحليلات بولين الذي لا ينتمي إلى جماعة المستشرقين، ومجهولة هوية دراساته في الانتماء إلى حقل فكري معين، الأمر الذي أوقع وات في إشكالات عدة فيما يتعلق بمصدر الوحي، فبمقتضى هذه التفسيرات يكون مصدر الوحي داخلياً هو عقل محمد صلى الله عليه وسلم. وفي هذه الحالة يتناقض وات مع النظرية الاستشراقية العامة التي تعتبر الوحي المحمدي محاكاة وإعادة إنتاج لليهودية والمسيحية كديانتين سماويتين؛ ولكي يتجاوز وات هذا التناقض عاد مرة أخرى إلى نظرية بولين ذاتها ليفترض من جديد أن الوحي المحمدي كلام من النوع التخيلي كما سيتبين لاحقاً.
المستوى الثاني: كلام من النوع التخيليImagnative Loeution
تبعاً لتفسيرات بولين السابقة يعرف وات الوحي بأنه” توصيل بسيط للأفكار بدون استخدام كلمات، ولا صلة له بأية لغة محددة“32. وبديهي بحسب وات في هذه الحالة أن يكون الوحي عالمياً لا يرتبط بلغة بعينها، وتخيلات ذهنية تتساوى فيها حالة القديسين بحالة الأنبياء في كل أمة وزمان، وهذا يخالف واقع الرسالات السماوية، فكل رسول حمل رسالة ربه بلغة قومه؛ فلسان القوم أساسً في تبليغ رسالة الله إلى أنبيائه.
لم يكتف وات بتفسيرات بولين، بل أضاف إليها عدداً من الأطروحات الاستشراقية منها أطروحات نولدكه، وفلهاوزن (Julius Wellhausen1844-1918)، ونظرية الخيال الخلاق لتوماس كارليل في كتابه (الأبطال: وعبادة الأبطال في التاريخ الإنساني) والتي تبدو في ظاهرها ايجابية وإلاّ أنها فسرت الوحي المحمدي من منظور اجتماعي وأخلاقي ينفي خلالها (كارليل) أصالة الوحي المحمدي، من خلال عرضه لشخصية النبي صلى الله عليه وسلم، كبطل صنعته ملكاته الشخصية في التأمل والتفكير واستخلاص الحلول المتعاقبة(33). يقول وات “إن محمداً لم يكن يؤمن بما أوحي إليه وأنه لم يتلق الوحي من مصدر خارجي، بل ألف الآيات عن قصد ثم أعلنها للناس بصورة خدع بها الناس وجعلهم يتبعونه فضمن لنفسه بذلك من السلطة ما يرضي طموحه وحبه للمتعة… وهذا يفسر لنا بصورة مرضية لماذا كان محمد مستعداً في الفترة المكية لتحمل جميع صنوف الحرمان، ولماذا فاز باحترام رجال شديدي الذكاء، ذوي أخلاق مستقيمة، وكيف نجح في تأسيس ديانة عالمية أنتجت رجالاً قداستهم واضحة للعيان“(34). يقول وات: “وهذا الوحي مصدره حياة محمد الداخلية تحت مستوى الوعي، فإن هذا النتاج يصدق فيه النبي، ولا يدعيه؛ لأنه صادر عنه فهو ليس بكاذب ولا مدعي، ولكن هذا النتاج لا رصيد له من الحقيقة والواقع الفعلي خارج الذات المحمدية؛ لأنه نتاج الخيال…مثله مثل الفنانين والشعراء الذين يعبرون بطريقة جذابة ومؤثرة عن آلام الناس وهمومهم وأحزانهم ومشاعرهم الداخلية والقدرة على تجسيد الشعور الإنساني للبشر وحاجاتهم وتجاربهم الوجدانية أينما وأياً كانت جنسيته وثقافته“(35). على الأرجح أن هذا التفسير لوات لا يضيف شيئاً جديداً يتميز عن سابقيه، إذ يسير موازيا لنظرية المصدرية التوراتية والإنجيلية للقرآن الكريم كما تصورها المستشرقون سالفا الذكر، فالمعنى الظاهر لنص وات إن معاني الدين والتوحيد ودعوة الرسل واحدة، لكنها تختلف من حيث المصدر، “فالتوراة والإنجيل مقذوفة في روح أنبيائها من الله، والقرآن الكريم مقذوف في صدر النبي صلى الله عليه وسلم من مصدر خارجي هو التوراة والإنجيل“(36). وثمة نقاط عدة يمكن تسجيلها ضد هذه الأفكار والدعاوى أهمها:
- أولاً: أن وات حاول تجاوز الإشكاليات التي وقع بها في المستوى الأول، ليقع في إشكاليات أعقد منها، هي أن المصادر التي اعتمد عليها هنا خصوصاً تفسيرات بولين عن الكلام التخيلي والعقلي، لا يعلم لبولين أثُرً علمُيً آخر يدلنا على الحقل الذي كان يدرسه بولين والظاهرة التي كان يعالجها، فهي نظرية مجهولة الهوية والحقل العلمي، فضلاً عن عدم إحاطة وات العلمية الدقيقة بهذه النظرية، فلم يبينها وات في المتن ولا في الهوامش بصورة واضحة يمكن الاستدلال منها على حقلها وموضوعها؛ وبالمقابل اعتماد وات على هذه النظرية المجهولة ضرب من المخاطرة العلمية الأكاديمية غير محسوبة العواقب، وتلقي بظلال الشك على مصادره الأخرى، ولو أنه اعتمد بدرجة كبيرة على القرآن الكريم والمصادر العربية الأخرى؛ في تفسير الوحي المحمدي لتجاوز كثيرا من التناقضات التي وقع بها.
- ثانياً: يبدو أن وات تشكلت قناعاته حول الوحي المحمدي بناءً على رؤى ونظريات المستشرقين الذين سبقوه أو المعاصرين له، ويبدو أنه يثق أكثر من اللازم بهذه النظريات التي كانت سائدة في عصره، وهذه الثقة المفرطة بهذه النظريات مصادرة غير مبررة للحقيقة العلمية بحسب معايير البحث العلمي.
- ثالثاً: عاين وات كبولين ونولدكه وفنسنك وغيرهم، التفسير المحرف للوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، قياساً على حالات السحر أو التصوف أو تأملات القديسين والقديسات.
المستوى الثالث: رؤى خارجية(اللاوعي الجمعي) Loeution Exterior Collective Unconcious
خلافاً لما تقدم فإن المواقف والرؤى المتأخرة، لا تكشف عن موقف إيجابي لوات من الوحي المحمدي ومحتواه (القرآن الكريم)، رغم العقود الكثيرة التي أمضاها وات في دراسة الإسلام، فقد ظل أسير المصادر الاستشراقية؛ وهذا ينم عن قصور في تعلم اللغة العربية عند وات مع شغله لكرسيها في جامعة ادنبره. ففي كتبه المتأخرة كالإسلام والمسيحية في العالم المعاصر الصادر عام 1997م، لم تزل رؤية وات وموقفه لم يتغير، ويعبر عن عدم مقدرة وات على الوصول إلى تفسير منطقي للوحي (القرآن الكريم)، باعتباره صادراً عن الله سبحانه وتعالى، مما جعله يتناقض كثيرا مع تحليلاته ويبحث عن تفسير في النظريات النفسية الحديثة، حيث يقول: “إنني أعتقد بأن القرآن بمعنى من المعاني صادرُ عن الله فهو وحي واقل يتضح ذلك من السياق“(37).
وإزاء عدم الموثوقية هذه لجأ إلى تفسير الوحي بناء على الوعي الثقافي العام، والمواقف الشائعة عند غير المسلمين من الإسلام والوحي والقرآن الكريم باعتباره المصدر الرئيسي لمختلف الأحكام التعبدية والتشريعية بهدف التشكيك في مصدره الإلهي يقول: ” يعتقد المسلمون أن القرآن كلام الله، ويعتقد المسيحيون، ويعتقد الأوربيون غير المتدينين أن القرآن من صنع محمد“(38).
من الطبيعي أن لا يتفق غير المسلمين مع المسلمين في تصور الوحي المحمدي والتعاليم الإسلامية، فهم من الدهماء العامة الذين لم يحصلوا على العلم الكافي والدراسة التامة للإسلام والوحي خاصة بالقدر الذي حصل عليه وات، ولكن من غير المنطقي أن يستجيب وات لتلك التفسيرات العامة وهو أكاديمي مسيحي متدين يؤمن بالتوحيد الإلهي ويرتهن في تفسير لمصدر القرآن الكريم إلى نظرية يونج في الشعور واللاشعور والوعي واللاوعي الجمعي، والتي استمدها يونج من فرويد، حيث يقول وات: “إن محتوى الوحي (القرآن الكريم) وصل إلى شعور محمد من لا شعوره“(39). بحسب فرويد اللاشعور هو مخزن الذكريات والمشاهدات الأليمة في الطفولة لفترة قصيرة وتسبب للمرء عقدة كبت على المستوى الفردي في المستقبل، وترتبط في الماضي ومن غير المرجح أن تختزن مشاهدات وحقائق لم يعلمها الإنسان من قبل، فلو كان القرآن الكريم قد انتقل من لاشعور محمد صلى الله عليه وسلم إلى شعوره كما يرى وات، لنزول دفعة واحدة في فترة قصيرة لا تمتد إلى ثلاثة وعشرين عاما، ولأخبرنا عن كل شيء مضى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يخبرنا عن المستقبل القريب والبعيد، وعن الحياة وما قبلها وما بعدها، ولتشابه القرآن الكريم مع السنة النبوية الشريفة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وعندما كان يُسأل عن شيء لم ينزل الله فيه وحي يقول لهم لا أعلم ولم يأتني وحياً، فقد سأله نصارى نجران بعض الأسئلة عن عيسى عليه السلام فمكثوا حتى أتاه الوحي. (40)، وليس أدل على اللاشعور من الحلم الذي رآه فرويد عن الإبريق الذي جلبه من إيطاليا، لم يتجاوز بضع ثوان، والحال ذاته يقع على نظرية اللاوعي الجمعي ليونج آخر مستويات وعي منتجومري وات بالوحي المحمدي.
تبعاً لكارل يونج في نظرية اللاوعي الجمعي التي قلبت نظرية فرويد التي تسير من الشعور إلى اللاشعور، تسير نظرية يونج من اللاوعي الجمعي إلى الوعي الفردي، فهي تفترض عند يونج أن الناس يشتركون منذ مجتمعات ما قبل التاريخ (المجتمعات البدائية) بالطعام والشراب والنوم وطلب الإله، على المستوى الفردي وتحتفظ بالعوامل الجماعية هذه على المستوى الجماعي، معارضا بذلك نظرية فرويد بالقول: “إن العقل اللاواعي (الباطن) يحتوي على دوافع شخصية، وتجارب لا يعيها الشخص، وإن المنتسبين على أي جنس يشتركون في مستوى اللاوعي الجماعي، ويشمل الأنماط الفكرية والدينية وهي مواد لا شخصية تترجم على المستوى الفردي، ومن اللاشعور إلى الشعور كأحلام الأفراد والأساطير الدينية للمجتمع ككل“41. يوظف وات نظرية يونج بمنهجية لا تختلف عن منهجيته السابقة بالقول” إن محمداً يشعر وهو في حالة وعي أن هناك كلمات بعينها تلقى في روعه أو قلبه أو عقله الواعي. وإن هذه الكلمات والأفكار لم تكن نتيجة تفكير واع من جانبه. وهذه الكلمات قد ألقيت في روعه أو عقله من قبل مندوب خارجي يتحدث إليه كملك. ويعتقد محمد أن هذه الرسالة قادمة من الله“(42). ويمضي وات في سرد تفسيره للوحي وفق هذه النظرية قائلاً: “إن الملمح الأساسي للتجربة المحمدية أنه وجد كلمات بعينها في قلبه أو وعيه، وهذه الكلمات لم تكن مصحوبة برؤى، وإنما كانت كلمات فقط، والاعتقاد أن هذه الكلمات قد حملها إليه ملك لا تبدو جزءاً من التجربة الأولى… وقد تفاعل مع هذه الكلمات بإيجابيه وابلغها لأصحابه والأشخاص الآخرين ووقد استجابوا له، كما استجاب هو لها من قبل، وبهذه الطريقة تأسس المجتمع الإسلامي“(43).
ويخلص وات في ختام تحليله للوحي المحمدي إلى أن “اللاشعور هو الميدان الذي تؤثر في الملائكة…وهو مسألة غير بعيدة عن فكرة الوحي، أو بتعبير أخر إن وضع اللاشعور في اعتبارنا على نحو ما أمر مطلوب عند تناولنا للوحي…والفكرة التي نتبناها في الأساس فكرة عالم النفس (يونج)، فوفقاً لهذه فما ينبثق من اللاشعور على الشعور في أحلام الأفراد وخيالاتهم، وكذلك في الأساطير الدينية للمجتمع ككل تنطلق من (اللبيدو)الطاقة النفسية الحيوية للفرد ففي الفرد هو خاص وجزئي، له شيء يشترك فيه مع غيره هو اللاوعي الجمعي، وعلى عمل هذا اللاشعور الجمعي وتأثيره تعزى كثير من الأساطير الدينية، ويظهر ما يسمى (اللاشعور الجمعي) عندما يتخذ طريقه إلى (الوعي) أو الشعور، ومعظم الممارسات الدينية استجابة واعية لهذه الأفكار، ووفقاً لهذه الطريقة فإن الوحي الذي قامت على أساسه اليهودية والمسيحية والإسلام هو المحتوى الذي انطلق من (اللاشعور الجمعي) إلى الشعور الواعي“(44).
يسعى وات من خلال هذه النظرية إلى الوصول إلى نتيجة مفادها أن القرآن الكريم كمحتوى للوحي كان موجوداً في لاوعي النبي صلى الله عليه وسلم أو استقاه من المحيط الجماعي الذي عاش فيه قبل البعثة، وبخاصة صلته بورقة بن نوفل وغيره من الحنفاء، وقوعا تحت تأثير نظرية المصادر اليهودية والمسيحية للقرآن، التي اعتقدها كثير من المستشرقين المتحاملين على الإسلام مثل نولدكه وشاخت وجولدتسيهر، والذين يرون أن الرسالة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم” هي معارف وآراء وثنية عرفها بفضل اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية التي تأثر بها تأثرا عميقاً، ورآها جديرة بأن توقظ في بني وطنه عاطفة وعقيدة انطوى عليها قلبه، كما صارت فيما بعد هذه التعاليم وحياً إلهيا“(45). وليس هذا فحسب، بل يرى شاخت أن القرآن الكريم” قد تكلم عن ملقني محمد من البشر، وأنه ظهر في مكة كمصلح ديني احتجّ على كفار مكة واعتبروه مجرد كاهن أو عّراف آخر، وأنه بسبب قوة شخصيته دعي إلى المدينة سنة 622م كحكم في نزاع قبلي بين أهل المدينة، وأنه قد أصبح قائدا ومشرعاً يحكم مجتمعا جديداً على أساس ديني، وأن محمدا قد اقتبس من اليهود في المدينة كثير من الأحكام، وأن روايات جمع القرآن ملفقة لفقها الفقهاء، وأن أصول الفقه منتحلة من القانون الروماني، والقانون البيزنطي، والقانون الساساني، وقوانين الكنائس الشرقية، ومن التعاليم التلمودية، وأقوال الأحبار، وكل هذه القوانين والقواعد تشكل منها القانون الديني الإسلامي“(46). وبهذه الدعوى يكون مصدر القرآن الكريم ليس الوحي الإلهي بقدر ما هو سلسلة التراث التشريعي. يعلل وات هذه الرؤى بأن محمدا صلى الله عليه وسلم، استجمع ما رآه من الأمور الماضية وما حكي به عن الرسالات السابقة والأساطير الغابرة فأثر ذلك كله في لا شعوره الداخلي، وازداد تشوقه على أن يكون من أصحاب الرسالات فعاش حالة من التقمص لشخصية النبي أو الرسول، وحينما بلغ هذا التقمص مداه، استرجع ما كان قد احتفظ به لا شعوره، ثم برز إلى شعوره فنطق به(47) و“أن محمداً كان ينقح القرآن من خلال قراءة القرآن قراءة هادئة بالليل، وأنه كان لديه أسلوب لتصحيح وتنقيح النص القرآني، باكتشاف الصيغة الصحيحة لما أوحي إليه ناقصاً أو غير صحيح، ومرة أخرى فإن كان هذا صحيحاً فإن محمداً كان في بعض الأحيان يستحث الوحي على النزول“(48). وفي مقام نقد هذه النظريات والتصورات يمكن إثارة النقاط الآتية:
- أولاً: إن الوحي بموجب هذه النظريات والتفسيرات ما هو إلاّ نتاج التفكير البشري، ووسيلة يستطيع الناس بها حل مشكلاتهم التي تواجههم، وإن السحر والأسطورة مرحلة أوليه من مراحل التفكير الديني والأديان الشرقية وبعدها الأديان التوحيدية السماوية وكتبها ومنها القرآن الكريم كلها من إنتاج اللاوعي الجمعي أو اللاشعور الجمعي، ولو صح ذلك لجاء القرآن على نسق واحد هو الماضي، ولجاء موافقاً لهوى محمٍدً صلى الله عليه وسلم ولم يعاتبه في مواضع كثيرة في القرآن الكريم.
- ثانياً: إن اللاوعي الجمعي أو اللاشعور الجمعي غير متعين في التاريخ الإنساني للبشر، وإن تعين على الصعيد الفردي، فإنه على المستوى الجماعي غير معلوم أو محسوس، ولا ينتمي إلى أطوار العالم الإنساني الأربعة(الجسماني والنوم والموت والوحي)، وأن الوحي طور خاص لا يمكن لغير من يوحى إليه وعيه؛ لأنه ليس تجربة متكررة، بحيث تقاس على التجارب الفردية كالأحلام والشعر والسحر والتصوف، الذي تفترض النظريات السالفة أنه ينتمي إليها(49).
- ثالثاً: إذا كان اللاوعي الجمعي مشترك بين جميع الناس فلماذا لا يتمكن من إنتاج لغة مشتركة يتحدث بها جميع البشر، أو دينٍ يدينه الناس جميعاً؟!.
الخاتمة:
النتائج والتوصيات
- عدم حيادية منتجومري وموضوعيته في تناول موضوع الوحي عند النبي صلى الله عليه وسلم، وخضوعه للمؤثرات الخارجية للرؤية الاستشراقية للعصور الوسطى التي تتحامل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
- جهله بخصائص نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم مقدماتها وإرهاصاتها ودلالاتها، واعتماده على المصادر الاستشراقية الضعيفة، وبعض الأحاديث والمرويات الشاذة والضعيفة في المصادر العربية، في محاولة منه لإفراغ الإسلام من مضامينه الحضارية وخصوصيته الذاتية.
- تَكَّوَن وعي منتجومري وات بالوحي المحمدي وفق ثلاث دوائر أو أوساط هي: الوسط الفكري والثقافي الأوربي المسيحي العام الذي رسم صورة الإسلام عامة والنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، والوسط الأكاديمي الاستشراقي والدراسات الاستشراقية، ولم يتأثر وات بالدائرة الاستعمارية البريطانية، أو يكن جزءاً منها.
- استخدم وات النظريات النفسية والاجتماعية في تفسيره لموضوع الوحي المحمدي كنظرية الخيال الخلاق، واللاوعي الجمعي، وهي نظريات لا تنتمي إلى حقل الدراسات الدينية اللاهوتية، ومجالها التحليل النفسي للأمراض الشعورية واللاشعورية كحالات متكررة، وليس الوحي كاصطفاء إلهي لا يتكرر شخصه وموضوعه في التاريخ الإنساني ولو أن البشر الذين عاشوا مرحلة نزول الوحي وكلماته وكانوا أحرص الناس على إبطال صحته بالإتيان بما يماثله لفعلوا ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك.
- توصي هذه الدراسة بإجراء المزيد من الدراسات والأبحاث العلمية حول النتاج الاستشراقي عامة والبريطاني خاصة، لبيان أثر الاستشراق في توجيه القرار السياسي الغربي قديماً وحديثاً، والوقوف على هذا الدور؛ لتحصين دوائر المعرفة العربية من الوقوع في شراك الترويج الإعلامي للاستشراق الغربي الأكاديمي في دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتفنيد مواضع التشكيك والرد عليها، بدراسة نتاج كل مستشرق على حدة وعكسها للرأي العام الغربي.
- إنشاء مراكز أكاديمية خاصة بترجمة نتاج المستشرقين من مختلف اللغات إلى العربية، ومراعاة الترجمة المتخصصة والابتعاد عن الترجمة الآلية التي تفقد النصوص دلالاتها وتحرف معانيها في كثير من الأحيان، وتهتم هذه المراكز بالنتاج الاستشراقي والنتاج العربي الذي يرد عليه في حينه.
- استحداث قنوات فضائية عالمية وبرامج وأفلام وثائقية ناطقة بالإنجليزية أولاً، وباقي لغات أوروبا ثانياً، تبث وقائع السيرة النبوية واحداثها لمختلف الفئات العمرية في الغرب بما يبرز الوجه الحضاري للإسلام.
- استحداث مساقات دراسية وأقسام دراسية جديدة تحت مسمى (دراسات استشراقية) تعنى بتدريس النتاج الاستشراقي؛ للرد على شبهات المستشرقين وتحصين الأجيال القادمة من الوقوع تحت تأثيره باعتباره أحد نوافذ المثاقفة بين الإسلام والغرب، ويتحتم على أقسام القرآن الكريم الاضطلاع بمهمة الرد على شبهات المستشرقين وتفنيد مزاعمهم ونظرياتهم وبيان مثالبها بمنهجية علمية أكاديمية موضوعية…
- إعادة قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتصنيفها وتبويبها بما يخفف من حدة المغازي على حساب الشمائل الأخلاقية والإنسانية ويبرزها، ويزيل الروايات الشاذة التي ينفذ منها بعض المستشرقين للنيل من النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام، وذلك بتفعيل دور أقسام القرآن الكريم والدراسات الإسلامية وأقسام التاريخ والمؤسسات الشرعية والدينية للاضطلاع بهذا الدور.
- وتوصي هذه الدراسة بمزيد من الدراسات للفكر الاستشراقي الغربي الذي تناول الإسلام وموضوعاته، وفتح الأقسام العلمية التي تعنى بتدريس الفكر الاستشراقي للأجيال الإسلامية لتحصينها من الرؤى الاستشراقية التي تحاول النيل من الإسلام.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- ابن خلدون: عبد الرحمن، المقدمة، دار صادر، بيروت (2002م).
- ابن سعد: الطبقات الكبرى، ت/ محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمي، بيروت، ط1، 1990م.
- ابن منظور: محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 2002م.
- ابن هشام: سيرة ابن هشام، تحقيق محمد بيومي، ج2، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1995م.
- أبو ريه: رائد محمد، السيرة النبوية في فكر منتجومري وات وكارين أرمسترونج، رسالة ماجستير، كلية أصول الدين طنطا، 2006م، منشورة على الشبكة موقع Almaktabeh. com.
- أبو ليلة: محمد، القرآن من المنظور الاستشراقي، الدار الجامعية للنشر، القاهرة، 2003م.
- أحمد الزيات وآخرون، المعجم الوسيط، دار الدعوة، القاهرة، د. ت.
- الأزدي: أبو بكر محمد، جمهرة اللغة، تحقيق رمزي البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1987م.
- الأزهري: محمد بن احمد، تهذيب اللغة، تحقيق محمد مرعب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2001م.
- الانباري: محمد بن القاسم، الزاهر في معاني كلام الناس، ت/حاتم الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1990م.
- الأنصاري: محمد بن سعيد، الذرية الطاهرة، ت/ سعد المبارك الحسن، الدار السلفية، الكويت، ط1، 1407ه.
- بدوي: عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، 1993م.
- جولدتسيهر: أجناس، العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة محمد يوسف موسى، وزميلاه، دار الكتب الحديثة، القاهرة، د. ت.
- الحربي: إبراهيم، غريب الحديث، ت/ سليمان العابد، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط1، 1405ه.
- رضا: محمد رشيد، الوحي المحمدي، مؤسسة عز الدين، بيروت، ط2، 1352ه.
- شاخت: جوزيف، أصول الفقه الإسلامي، ترجمة إبراهيم خورشيد وعبد الحميد يونس وحسن عثمان، كتاب دائرة المعارف الإسلامية رقم(5)، دار الكتاب اللبناني، بيروت، د. ت.
- الطبري: محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت.
- طلاس: مصطفى، جولة في تاريخ القرآن لنولدكه،، دار طلاس للنسر والتوزيع، دمشق، 2008م.
- عبد الله النعيم: المستشرقون ودراستهم للسيرة، المعهد العلمي للفكر الإسلامي، أمريكا، 1997م.
- العقيقي: نجيب، المستشرقون، ج1، دار المعارف، مصر، 1964م.
- فوك: يوهان، تاريخ حركة الاستشراق الدراسات العربية في أوروبا، ترجمة عمر لطفي، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2001م.
- الفيومي: أحمد بن أحمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت.
- كارلائيل: الكسيس، الأبطال وعبادة الأبطال، ترجمة محمد السباعي، مكتبة مصر، د. ت.
- الكفوري: أيوب بن موسى، الكليات، تحقيق عدنان درويش، مؤسسة الرسالة، بيروت.
- محمد راوس وحامد صادق، معجم لغة الفقهاء، در النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 1988م.
- محمد عبده: رسالة التوحيد، مطابع دار الكتاب العربي، القاهرة، 1966م.
- وات: منتجومري، محمد في مكة، ترجمة عبد الرحمن الشيخ، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، 2002م.
- يونج: كارل جوستاف، جدلية الأنا واللاوعي، ترجمة نبيل محسن، دار الخدار، سوريا، 1997م.
- ………… محمد في المدينة، ترجمة شعبان بركات، القاهرة، 1988م.
- ………… الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر، ترجمة عبد الرحمن الشيخ، الهيئة العامة للكتاب المصري، القاهرة، 1993م.
ثانياً– المراجع الأجنبية
-
Schacht: G، an Introduction to Islamic Law، oxford، 1964.
-
Watt: M، the Islamic revelation in the modern world، oxford university، press 1969 London.
-
Watt: Montgomery، Muhammad prophet and statesman، oxford university، press 1961london.
1) ـ الأـزهري: محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، 10/16
2) ـ الفيومي: أحمد بن أحمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/548
3) ـ ابن منظور: محمد بن مكرم، لسان العرب 11/357
4) ـ الأردي: أبو بكر محمد، جمهرة اللغة، 1/243
5) ـ الأزهري: محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، 3/166
6) ـ الكفوري: أيوب بن موس، الكليات، ص: 944
7) ـ الزيات: أحمد وآخرون، المعجم الوسيط، 2/1044
8) ـ محمد رأوسوحامد صادق، معجم لغة الفقهاء، ص: 506
9) ـ الحربي: إبراهيم، غريب الحديث لإبراهيم الحربي، 2/346
10) ـ الأنباري: محمد بن القاسم، الزاهر في معاني كلمات الناس، 2/377
11) ـ الأزهري: تهذيب اللغة، 5/193
12) ـ ابن فارس: مجمل اللغة، ص: 919
13) ـ معجم لغة الفقهاء (ص: 500)
14) ـ محمد عبده: رسالة التوحيد، ص57
15) ـ رضا: محمد رشيد، الوحي المحمدي، ص95
16) ـ ابن سعد: الطبقات الكبرى، 1/195
17) ـ ينظر: وات، منتجومري، محمد في مكة، ص102ـ108.
18) ـ ابن خلدون: المقدمة، ص 354.
19) ـ طلاس: مصطفى، جولة في كتاب تاريخ القرآن، ص12.
20) ـ بدوي: عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين، ص494
21) ـ المصدر نفسه، ص495.
22) ـ وات: منتجومري، محمد في مكة، ص123.
23) ـ وات: محمد في مكة، ص130
24) ـ وات: محمد في مكة، ص121.
25) ـ وات: محمد في المدينة، ص495ـ496
26) ـ وات: محمد في مكة، ص123.
27) ـ الطبري: محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك، 2/338-340، وينظر: وات: محمد في مكة: 193ـ214).
28) ـ محمد في مكة، ص123.
29) ـ وات: محمد في مكة، ص112.
30) ـ وات: محمد في مكة، ص 119.
31) ـ وات: محمد في مكة، ص128.
32) ـ وات: محمد في مكة، ص124.
33) ـ (Carlyle on heroes 1906، p 2)
34) ـ وات: محمد في المدينة، ص. 495
35) ـ (Watt، Islamic Revelution، p190-191)
36) ـ أبو ريه: رائد، السيرة النبوية في فكر منتجمومري وات وكارين أرمسترونج، ص289
37) ـ وات: منتجومري، الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر، ص39.
38) ـ وات: محمد في مكة، ص. 136
39) ـ وات: الإسلام والمسيحية، ص53.
40) ـ ابن هشام: السيرة، 2/148
41) ـ يونج: كارلو جدلية الأنا واللاوعي، 127 ـ128.
42) ـ وات: الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر، ص51.
43) ـ المرجع نفسه، ص205.
44) ـ المرجع نفسه، ص206ـ208.
45) ـ جولدتسيهر: أجناس، العقيدة والشريعة في الإسلام، ص12.
46) ـ شاخت: جوزيف، أصول الفقه الإسلامي، ص. 19
47) ـ أبو ريه، رائد، السيرة في فكر وات، ص338.
48) ـ وات: محمد في مكة، ص130.
49) ـ ابن خلدون، المقدمة، ص353.